الهوية الشخصية

أولاد دراج, المسيلة, Algeria
أستاذ بجامعة محمد بوضياف حاصل على الماجستير في اللسانيات والدراسات المعجمية العربية من المدرسة العليا للإساتذة *ببوزريعة البريد الإلكتروني:sghilous@yahoo.fr

الصفحات

الأربعاء، يوليو 22، 2009


تأثير النظريات العلمية اللغوية المتبادل
بين الشرق والغرب: إيجابياته وسلبياته(*)
للأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح
إن التأثير الحضاري وخاصة الثقافي منه هو ظاهرة طبيعية نشأت مع نشوء الحضارات المتتالية وبحكم اتصال الشعوب منذ أقدم العصور في أشكال متنوعة سلمية وغير سلمية. والتأثير المتبادل بين الثقافات الأجنبية والثقافة العربية قد حصل من أول وهلة في الطرف الغربي من العاهلية الإسلامية: بين أوربا وصقلية والأندلس خاصة. والذي اخترناه في هذا البحث من هذا التأثير هو ميدان النظريات اللغوية وهو ميدان أعتقد أنه لم يُستقص فيه البحث؛ إذ لا يزال يسوده غموض كبير سواء فيما يخص التأثير اليوناني أو الهندي على العرب أم تأثير العرب على الغرب. وذلك لأن هذا البحث يحتاج فيه صاحبه أن ينظر في جميع ما ألف من دراسات في اللغات وفي نحو هذه اللغات أو
فلسفتها في القرون الوسطى وفي بداية النهضة الأوربية حتى القرن التاسع عشر. وفي الوقت نفسه أن يُحصي جميع ما نقل من العربية إلى اللاتينية من كتب النحو العربي وكتب الفلسفة العربية التي عالجت كل أو بعض ما يخص اللغات. وهذا عمل كبير جدًّا لم يخض فيه الباحثون بعد إلا القليل. وقد كثرت الأقوال الجازمة وغير المنصفة عن حصول تأثير المنطق اليوناني على النحو العربي دون الدراسات المطولة الموضوعية وفي مقابل هذا لا نجد أحدًا تطرق إلى تأثير النحو العربي – من حيث المفاهيم ومنهج التحليل – على النظريات اللغوية الغربية قديمًا وحديثًا، وربما لا يتصور هذا أحد من المستشرقين. ومع ذلك فهناك نصوص كثيرة وشهادات موضوعية
(*) ألقى هذا البحث في الجلسة الخامسة عشرة من جلسات مؤتمر المجمع في دورته الثامنة والستين يوم الأحد 24 من المحرم سنة 1423هـ الموافق 7 من أبريل (نيسان) سنة 2002م.
صادرة من علماء غربيين لا يشك في نزاهتهم أشاروا بصراحة إلى هذا. والكشف عن هذه الشهادات، غير كافٍ في الحقيقة،لإثبات عمق التأثير. ولا مفر من الرجوع إلى النصوص هي بعينها القديمة منها أو القريبة العهد لنتبين بالتصفح الواسع لها والتحليل المباشر ماهية المفاهيم العربية العلمية التي تسربت إلى الثقافة الغربية وإلام صارت؟ وكيف تبوأت مكانتها في النظريات الحديثة؟.
أولاً – تأثير منطق أرسطو في النحو العربي:
1- متى تأثر النحو العربي بهذا المنطق؟
نشرنا في 1964م مقالاً حاولنا(1) أن نبرهن فيه على أن النحو العربي







لم يتأثر في نشأته ولا عند اكتماله في زمان الخليل وسيبويه بمنطق أرسطو إطلاقًا. وقد أقرَّ بذلك بعد سنتين المستشرقان كارتر (Carter) وتروبو (G.Troupeau) (2).
(1) في مجلة كلية الآداب بجامعة الجزائر، المجلد الأول 1964 (ص 67 – 86).
(2) انظر Les origines de la grammaire arabe في Revue des études islamiques 40 – 1972 ( ص 69 – 97).
La logique d'Ibn al-Moqaffa et les origines de la grammaire arabe in Arabica,
( 250 – 242) 1981 .
(3) وليس الرماني هو أول من مزج النحو بالمنطق كما يزعم ابن الأنباري. والحق أنه لم يفعل هذا إذ ألفاظه ومفاهيمه هي أقرب إلى علم الكلام منه إلى المنطق الأرسطي.
(4) كان في بغداد في ذلك الزمان ثلاث مجموعات من الفلاسفة وكان أكثرهم علماء أو أطباء: أصحاب الكندي: السرخسي وأبو زيد البلخي وابن كرنيب ومجموعة ثانية على رأسها: ثابت بن قرة وأخيرًا ورثة مدرسة الإسكندرية: إبراهيم المروزي وقويري. وحصل التأثر بالفعل في زمان ابن السراج (3) – ومعاصريه كابن كيسان وغيرهما وأولئك الذين سُمُّوا بالمدرسة البغدادية. وقد ازدهرت الفلسفة اليونانية في بغداد وذلك في عهد المعتضد بالله بالضبط(4). وهناك شاهد عيان عاش في ذلك الزمان وهو تلميذ ابن السراج أبو القاسم الزجاجي. قال في كتاب "الإيضاح في علل النحو" عند كلامه عن حد الاسم: "ولأن المنطقيين وبعض النحويين قد حـدوه حـدًّا خـارجًا عـن أوضاع








النحو فقالوا: الاسم صوت موضوع دال بالاتفاق على معنى غير مقرون بزمان وليس هذا من ألفاظ النحويين ولا أوضاعهم إنما هو من كلام المنطقيين وإن كان تعلق به جماعة من النحويين وهو صحيح على أوضاع المنطقيين ومذاهبهم لأن غرضهم غير غرضنا" (ص48). وقال أيضًا: "ولابن كيسان في كتبه حدود للاسم ... هي من جنس حدود النحويين. وحده في الكتاب المختار بمثل الحد الذي ذكرناه من كلام المنطقيين" (ص50).
أما قبل ذلك بقليل فقد لاحظنا في بعض النصوص تسربًا خفيفًا للمنطق وهو يكاد لا يعتد به. وهو القول بأن الخبر هو الكلام الذي يجوز فيه التصديق أو التكذيب وذلك عند المبرد – شيخ ابن السراج – وهذا اقتباس لم يترتب عليه شيء إذ لم يغير شيئًا من النظرية العربية التي أخذها الأخفش عن سيبويه.
ثم إن الناظر الممعن في كتاب "الأصول" لابن السراج لا يمكن أن تغفل عنه التقسيمات الكثيرة التي أقامها في هذا الكتاب لأول مرة في تاريخ النحو والتي جوهرها القسمة الأفلاطونية: من الجنس إلى الأنواع والفصول. وكذلك الحدّ الذي يبنى على الجنس والفصل. وقد ورد في ترجمة ابن السراج أنه درس المنطق على الفارابي بعد موت شيخه المبرد كما أخذ منه الفارابي الشيء الكثير من علوم العربية(*) (كما سنراه فيما بعد).
2- لا أثر لمنطق أرسطو فيما سبق ذلك:
أجمع المستشرقون قبل اليوم على حصول هذا التأثير بل ذهب بعضهم إلى أن مفاهيم النحو العربي الأساسية كلها مأخوذة من منطق أرسطو. ولم يأت أحد منهم بأي دليل اللهم إلا القول باستحالة إبداع العرب لكل هذه المفاهيم الدقيقة الناضجة في
(*) المبرد: المقتضب (ت.ع. عضيمة)، 3/ 88. وأما الأخفش فانظر كتاب سيبويه تحقيق هارون 1/ 26 الهامش 1. انظر أيضًا أصول ابن السراج 1/ 36.
مدة قصيرة. وهو دليل واهٍ لأن العرب أبدعوا أشياء كثيرة غير النحو في هذه المدة القصيرة مثل مفاهيم الفقه الإسلامي ومنطق القياس التمثيلي (وهو غير السلوجسموس) ومسالك العلة عند الأقدمين وهي مفاهيم ومناهج عربية محضة، فلا يوجد علاقة بين العلة الفقهية والنحوية من جهة وعلل أرسطو من جهة أخرى(*).
فإضافة إلى ما أثبتناه في بحثنا في 1954م فإننا نقول بأنه لا يمكن أن يثبت التأثير في جوهر النحو العربي إلا إذا كانت مفاهيمه الأساسية وبالتالي تحديداته ومناهج التحليل فيه تتغلب عليها النزعة المنطقية الأرسطوطاليسية لا أي نوع من المنطق وليس الأمر كذلك. فإن النحو العربي الخليلي قد بني كله على مفاهيم أصيلة لا يوجد لها نظير في منطق أرسطو. فأساسها التمييز الصارم بين اللفظ والمعنى أي بيـن
بنية الخطاب وما يدل عليه بلفظه من جهة وبين هذه الدلالة اللفظية والدلالات غير اللفظية من جهة
(*) كارثة التخليط بين هذه المفاهيم سببها الجوهري هو ترجمة المصطلح اليوناني بمصطلح عربي سبق أن استعمل بمعنى آخر أبدعه العرب وذلك مثل القياس ومثل العلة وغيرهما.أخرى.ثم إن هذا اعتبار لغوي محض وليس بمنطقي ولا سبيل إلى عثوره في المنطق اليوناني، أما ما يخص البنية فتكتشف بحمل العبارات التي تنتمي إلى فصيلة واحدة بعضها على بعض. وأما في مستوى الكلام فبهذا الحمل يتضح أن البنية المجردة التي ينطوي تحتها كل كلام فهو العامل والمعمول الأول الذي لابد منه ثم المعمول الثاني والمخصِّصات، وهذا أيضًا أمر لغوي محض وليـس له مقابل في المنطق الأرسطي. وفيما يخص أصوات اللغة فلا نجد عند النحاة العرب مفهوم المصوت القصير ولا الطويل ولا المقطع ولا المصوت المزدوج بل نجد فيه مفهومًا خاصًّا بهم هم وحدهم وهو الحركة ومقابلها السكون،وقد بني التحليل الصوتي – والعروض– كله على هذين المفهومين.
وللعرب الجهر والهمس والشدة والرخاوة ولا يوجد مثل هذا إطلاقًا عند اليونانيين،وأما الهنود فنجد عندهم مثل هذا لكن بتصور آخر، ثم ليس عندهم ما يقابل الحرف المتحرك والحرف الساكن(*) فهو شيء تفرد به العرب.
ثم في أي مكان يمكننا أن نعثر في كتب المنطق اليوناني على المفاهيم الرياضية التي كانت أساسًا للمنهجية التحليلية الخليلية كالعلامة غير الظاهرة والابتداء وخلو الشيء (كل هذا هو الصفر) وكمفهوم المثال أو البناء ومفهومي الأصل والفرع والقسمة التركيبية في تقاليب حروف الكلمة وكل ما بنى عليه من الجبر التركيبي الذي وضعه الخليل.
3- غزو منطق أرسطو للفكر العربي وامتزاجه بالنحو العربي وما ترتب على ذلك من اختفاء المفاهيم الأصيلة:



على إثر ما حصل من تسرب الكثير من المفاهيم المنطقية في النحو العربي في نهاية القرن الثالث الهجري (ويتراءى ذلك جيدًا في جميع الكتب النحوية) أعجب العلماء بما أدخل من الحدود على النحو مما سموه "بأوضاع المنطقيين". وخاصة في الكثير مما جاء بعنوان "مختصر في النحو" ألف لتعليم العربية مثل "الموجز" لابن السراج و "الجُمل" للزجاجي وغيرهما. ففيها أثر واضح للمنطق اليوناني، إلا أن النظرية الأساسية لم تمس. فكأن الحدود وبعض المفاهيم أضيفت فقط إلى ما عرف من حدود القدامى وتفطن الكثير من العلماء إلى وجود نظريتين مختلفتين في النحو فنبهوا القراء – كما فعل الزجاجي في الإيضاح – ومن جاء بعده ممن استساغ المفاهيم المنطقية فميزوا فيما بعد، بين الحد بالجنـس والفصـل وبين الحد بذكر
(*) أول من تفطن إلى هذا هو سوسور في عصرنا هذا (المتحرك عنده هو ما يسميه Explosif والساكن الـ Implosif ) ولا يوجد هذان المفهومان عند أحد قبله إلا عند العرب وأثبتت التكنولوجيا اللغوية الحديثة أنهما حقيقة ملموسة وبالتالي ضرورة الاعتماد عليهما في البحث العلمي والتعليم.


الصفات اللازمة أي الخصائص أو العلامات وهو الحد العربي (وسموه "الحد بالرسم" تخليطًا بينه وبين الحد الرسمي المنطقي). ويقول ابن يعيش في شرحه للمفصل:"والفرق بين العلامة والحد أن العلامة تكون بالأمور اللازمة والحد بالذاتية"(7/3).
وبعد ذلك بالغ بعض النحاة من المتأخرين فأدخل في النحو الكثير من المفاهيم الفلسفية المحضة وذلك مثل ابن العريف في شرحه لجُمل الزجاجي. يقول: "قد يتركب الاسم مع الفعل فيكتفي به دون الحرف لأن العَرَض إذا اتصل بالجوهر اكتفى وقام به وكان موجودًا به". (مخطوط دار الكتب بمصر / الورقة8).
إلا أن هذا الإقحام للمفاهيم غير اللغوية في الدراسة اللغوية كان غير خطير إذ كانت تستعمل فيه المصطلحات كما وضعت على أصلها. والخطر بل الطامة الكبرى هو اختفاء المفهـوم الأصيل مع بقاء
(2) نحن لا نريد بالأصيل هنا القديم بالضرورة بل الشيء المُبْدَع غير المقتبس.
(3) في كتب أصول النحو مثل الاقتراح للسيوطي.اللفظ نفسه واستبداله بمفهوم غريب عن النظرية الأصيلة(1). وقد أشرنا من قبل إلى ما حصل من فظيع الخلط بين مفهوم السلوجسموس الأرسطوطاليسي وبين القياس العربي الذي ليس هو مجموع مقدمتين ونتيجة بتاتًا. ولحُسن الحظ لم يحصل هذا عند النحاة، حتى المتأخرين منهم، ولكن حصل - مع الأسف - عند بعض المحدثين من علمائنا في اللغة. فقد بحث بعضهم عن القياس عند أبي علي الفارسي وليس في ذهنه إلا المقدمتان والنتيجة. وبعضهم يجعله مماثلاً الـ Analogia وهي إحدى الصور الاستدلالية الثلاث عند أرسطوطاليس: القياس والاستقراء والتمثيل؛ وذلك لأنه كثيرًا ما لاحظ أن القياس غير اليوناني قد يُسمَّى قياس التمثيل(2). وكمصطلح "مفرد" أيضًا فقد يطلق على مفهوم "ما لا يدل جزؤه على جزء من معناه" وهو مفهوم أرسطوطاليسي يذكره عند حدّه

للاسم و"الكلمة" (الجزء الثاني من الحكم المنطقي). ولا يدل هذا اللفظ عند سيبويه ولا الخليل على هذا ، بل يدل على ما ليس مركبًا (كثيرًا ما يقول النحاة: "إفرادًا وتركيبًا"). وكذلك هو الأمر بالنسبة لكلمة "علة" فهي لا تدل منذ زمان بعيد على ما قصده الخليل وتلاميذه، فقد حدد هذا اللفظ في كتاب العين هكذا: "حدث يشغل صاحبه عن وجهه"(تحقيق درويش 1/ 100) وهو ما يمنع أن يكون الشيء مثل نظائره ويخرجه من بابه. وصار يطلق أخيرًا على كل سبب وعلى ما كان يُفهم من العلل الأربع الأرسطوطاليسية(1).
وهذا التخطيط هو خطير وهو عندنا من أسباب الجمود الفكري العربي لأنه منعنا (مع أسباب أخرى هامة) من أن نواصل أعمال المبدعين من أسلافنا . وقد تفطن لذلك الكثـير




من العلماء منهم ابن تيمية وقد بين الفروق القائمة بين الحد العربي والحد الأرسطي وبين القياس اليوناني الذي سماه بالقياس الشمولي وبين القياس العربي وهو غير القياس التمثيلي،ولا يعني به ما يعنيه أرسطو من التمثيل.
ثانيًا- تأثير النحو العربي وفلسفة اللغة عند العرب في النظريات اللغوية الغربية:
1- مفاهيم لغوية ظهرت عند الغربيين ولا أثر لها في التراث اليوناني اللاتيني:
(1) عند الفلاسفة.
(2) من هؤلاء المترجمين نذكر: Adelard of Bath (المولود في 1070) وJ.De sévilla وHermann و الدالماتي و Gundisalvi وR.of Chester و G.Cremonensi و M.Scot وغيرهم كثيرون وأكثرهم كانوا من العلماء ذكرهم بهذه الصفة روجر بيكون وأثنى عليهم لمعرفتهم اللغات. وقد أهمل علماؤنا في عصرنا هذه التراجم التي تركها هؤلاء ولم يتناولوها بالدراسة بل ولا حاول أحد أن يحصرها ويعرف بذلك ماهية الأفكار والنظريات والمناهج العلمية العربية (بالدقة العلمية المطلوبة) التي دخلت أوربا، ومتى وقع ذلك بالضبط وغير ذلك مما هو مهمل إهمالا كاملا. لقد دخلت المفاهيم اللغوية العربية أوربا عن طريق الفلسفة العربية التي نقلت إليهم مع الكثير من كتب العلوم ابتداء من القرن العاشر والحادي عشر الميلادي وقد تجند لترجمة الكتب العربية عدد كبير من المترجمين في الأندلس وصقلية وأوربا (مثل حلقة اكسفورد) (2). هذا




زيادة على ما كان اطلع عليه بعض العلماء الأوربيين من هذه المفاهيم في هذه الكتب مباشرة ومن كتب النحو بفضل معرفتهم للغة العربية ونخص بالذكر الداعي إلى "علم التجربة" (Scientia Experimentalis)(1) لأول مرة في أوربا ألا وهو روجر بيكون الإنجليزي Roger Bacon (المتوفى في 1214م).
مفهوم علم اللسان:
وقد اطلع روجر بيكون على ما كتبه أبو نصر الفارابي في كتاب "إحصاء العلوم" الذي كان نقل إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر (ترجمة G.Cremonensi ). يقول بيكون: "إن النحو هو في جوهره واحد في جميع اللغات وإن كانت تتنوع تنوعًا عرضيًّا" (2) . ويقول الفارابي: "وهذه ليست توجد في العربية فقط بل في جميع الألسنة...




فعلم النحو في كل لسان إنما ينظر فيما يخص تلك الأمة وفيما هو مشترك له وغيره"(ص61).
وأول من قال بذلك في تاريخ الإنسانية هو الفارابي ولم يسبقه إلى ذلك إلا بعض النحاة كالمبرد وأتباعه (خاصة ابن السراج والزجاجي)؛ إذ صرح بأن الأقسام الثلاثة للكلم هي موجودة في جميع اللغات وربما استوحى الفارابي من شيخه ابن السراج فكرته من هذا الكلام فعممه بتطبيقه على جزء كبير من اللغة. ومن ثم جاءت فكرة الكليات اللغوية (The Universals ).
وانتشرت هذه الفكرة في أوربا وكانت المصدر لما سمَّوه "بالنحو العام"Grammaire générale أوGrammaire Universal ألف فيه ج.هاريس(J.Harris) الإنجليزي كتابه Hermes (3)وكذلك فلاسفة "الموسوعة"
(1) أدرك بيكون جيدًا ما وجده في كتب ابن الهيثم في كتاب المناظر من القوانين والتجارب الفيزيائية في البصريات وألف في ذلك كتابًا وذاعت هذه الأشياء في أوربا ذيوعًا كبيرًا ولا يعترف أكثر مؤرخي العلوم بما أثبته العرب من قوانين البصريات بل ينسبون ذلك كله إلى دكارت.
(2) ذكره Gilson في كتابه: تاريخ الفلسفة في العصر الوسيط، ص 405.
(3) اسمه الكامل: Hermès or Philosophical inquiry concerning universal grammar: (1751 London,)




الفرنسيون (والنحاة الذين ساهموا في تحرير هذه الموسوعة) وغيرهم. أما التسمية الحديثة Science of language فهي ترجمة للعبارة العربية "علم اللسان" التي استعملها الفارابي ونقلت عن طريق الترجمة اللاتينية Scientia Lingue. واندفع هذا الميدان من جديد – بعد أن سادت البحوث في تحول اللغات التاريخي في القرن التاسع عشر – بشكل جديد تمامًا بداية من فردينان دي سوسور . واستخدمت لفظة Linguistique = علم اللسان أو اللسانيات لأول مرة في عام 1826م.
مفهوم العامل:
ظهر في القرن الثالث عشر الميلادي – لأول مرة في تاريخ أوربا – مفهوم العامل والعمل واستعمل في ذلك اللفظ اللاتيني REGERE ومعناه الأصلي هو التدبير والتحكم في الشيء، وطبق على الفعل الذي جُعل هو السبب في ظهور الإعراب. يقول بطرس هلياس الفرنسي (في الفرنسية

"Pierre Hélie" إن أهل زماننا من النحاة يقولون dictio regit dictionem : بينما كان يقول بريسيانو (النحوي) D.exigit.D :" فلا أرى بأسًا في هذا المصطلح الذي جاء من نُحاتنا فهو مجاز، له دلالة [فالعامل] بمنزلة القائد الذي يسير(regit)جيشًا فكذلك هو الفعل الذي يسير الرفع في التركيب"(1). ويقول من جهة أخرى: "العمل معناه أن تتحكم كلمة في كلمة أخرى في داخل تركيب حتى يكتمل هذا التركيب"(241).
(1) انظر : Notices et extraits:Thurot ص 74 و 239 أيضًا (باريس 1886).
(2) مصدره بالإنجليزية هو government ونعتقد أن تشومسكي أخذ هذا اللفظ في الوقت نفسه من مصطلحات النحو العبري (وهو منقول من النحو العربي) مع استئناسه بوجوده في كتب النحو الإنجليزي.
وكُتب لهذا المفهوم وهذا اللفظ بالذات النجاح الكامل، فقد اطرد استعماله في أكثر كتب النحو باللغات الأوربية، واستعمل بعضهم مرادفًا له وهو gobernare وكان معناه في ذلك الزمان (حتى الآن) "تسيير العامل للإقليم". وعند ظهور البنوية تُرك هذا المفهوم فأحياه من جديد، منذ عهد قريب جدًّا، تشومسكي وله تقريبًا نفس المعنى عنده(2).
فهذان اللفظان بهذا المعنى في النحو لا نجد لهما أثرًا إطلاقًا في أي كتاب نحو أو لغة ألف في أوربا قبل القرن الثالث عشر. والغريب أن العامل بهذا المعنى هو مفهوم مأنوس عند النحاة العرب، بل هو من مفاهيم النحو الأساسية(*). ولا ندري هل أخذ النحاة الغربيون هذا المفهوم من العرب؟ وإن حصل هذا فكيف كان ذلك؟ أمن كتب النحو المترجمة أم روجه أحد من درسوا العربية على أصحابها في مدارس الأندلس؟ أو صقلية من أولئك العلماء المترجمين أو غيرهم؟ ومهما كان فإن ترجمة Erpenius في بداية القرن السادس عشر للآجرومية استعملت فيها كلمة rectio للعمل وregens للعامل. وإن دل ذلك على شيء فهو أن المترجم الأوربي علم أنهما يدلان على مفهوم واحد.
المسند والمسند إليه:
يستعمل بطرس هلياس – السابق الذكر – لأول مـرة أيضًا – اللفظين

Supponi و Apponi وصارا فيما بعد Suppositum و Appositum للدلالة على المسند والمسند إليه ويقابلهما في المنطق الـ Subjectum و الـ Proedicatum وهما في الأصل لا في جميع الأحوال الموضوع المحمول في منطق أرسطو واستعارهما النحاة الرومانيون ولا يزال يستعملهما النحاة الغربيون بهذا المعنى إلى يومنا هذا. ويبدو أن نحاة القرن الثالث عشر رفضوا الخلط بين المفهوم المنطقي وبالمفهوم اللغوي المحض – الذي يتمثل في المصطلح العربي المسند والمسند إليه (وظهر لأول مرة عند سيبويه). فمن المنظور المنطقي هو الحكم الذي محكه الصدق أو الكذب ومن المنظور اللغوي هو الخطاب الذي يصلح للبيان والإفادة ليس إلا. وربما أداهم ذلك إلى تبني المفهومين العربيين ونرجح ذلك لأن الكلمتين اللاتينيتين الأوليين معناهما المعتمد والمعتمد عليه ولا تعنيان – وكـذلك
(*) وهو أهم عنصر في النظرية الخليلية الحديثة وصاغها المهندسون لاستثمارها في الحاسوب.
المسند والمسند إليه – أن حكمًا حمل على موضوع فاحتمل الصدق أو الكذب ( وهذا يمكن أن يقال عن الجملة الخبرية فقط وليس بالضرورة).
2- مفاهيم لغوية عربية اقتبسها العلماء الغربيون في القرنين السادس عشر والتاسع عشر:
من أوائل العلماء الأوربيين الذين تأثروا بالنحو العربي مباشرة لا عن طريق الفلسفة – نذكر اللغوي الإسباني Sanctius (1). ويعرف بأنه كان واسع الاطلاع ولاسيما فيما يخص النحو العربي. وفي كتابه الأساسي المسمى بـ Minerva (2) في نحو اللغة اللاتينية قد أحاط حقيقة بكل المفاهيم الأساسية التي اطلع عليها في كتب النحو العربية التي راجت في زمانه وخاصة التقسيم الثلاثي للكلم، وتبنى هـذا التقســيم مـن النحـاة




الفرنسيين BuffierوDangeau. هذا ولم يشر سنكتيوس ولا مرة إلى أن التقسيم الثلاثي هو لأرسطو كما فعله الكثيرون في زماننا(3).
إن سنكتيوس هو أول من أدخل مفهوم الإضمار في النحو اللاتيني وسماه بالـ Ellipse. وحاول مثل النحاة العرب أن يعلل الكثير من العبارات المختصرة بتقدير ما هو محذوف. وبرع في ذلك وهو لا يتعسف في ذلك أبدًا؛ لأن الإضمار هو نتيجة لعملية خاصة وهي حمل العبارات بعضها على بعض ليكتشف البنية التي تجمعها إن وجدت. وقد تخرج بعض العبارات عن نظائرها ولا تطرد بسبب الحذوف لأسباب كثيرة كالاستخفاف وطرد الباب ورفع اللبس وغير ذلك مما ذكره العرب في كتبهم. وأخذ ذلك نحاة بورويال إلا أنهم تعسـفوا إذ كانـوا قد قرروا أن
(1) اسمه الكامل: F.Sanchez el-Brocense وهو غير الفيلسوف.
(2) نشر لأول مرة في 1887م وترجم إلى الإسبانية والفرنسية في السنين الأخيرة.
(3) أفضنا في ذلك في مقالنا الذي سبق أن ذكرناه. (لا يوجد عند أرسطو إلا الاسم والكلمة (في كتاب العبارة) ويذكر ثمانية أقسام في كتاب الشعر. وقالوا بأن القسم الذي خصصه لهذه الأقسام الأخيرة منحول وبعضهم قال إنه ناقص.



تكون جميع العبارات أيًّا كانت على نمط واحد ولو اقتضى ذلك التقدير غير المعقول، كل ذلك باسم المنطق والعقل(*). وتأثر أيضًا بهذا المذهب النحوي الفرنسي المشهور Dumarsais الذي حرر الكثير من المقالات في "الموسوعة" في القرن الثامن عشر.
واقتضى ذلك أن يستعير سنكتيوس من النحاة بالضرورة مفهوم القرينة المقالية والحالية إذ لا يمكن كما صرح بذلك كل النحاة أن يحدث أي حذف وأي إضمار إلا ومعه سياق أو حال يرتفع به اللبس ( Situation or Context) .
ثالثًا- تأثير النحو العربي على علماء القرن التاسع عشر عن طريق أستاذ هذا الجيل منهم: وهو Sylvestre de Sacy (المتوفى في 1838م):
بدأت الدراسات الخاصة باللغة العربية في الجامعات الأوربية في القرن السادس عشر فترجمت بعض

المختصرات النحوية كالآجرومية والكافية لابن الحاجب وغيرهما واستمر ذلك حتى ظهر أحد كبار المستشرقين الذين أنتجوا كثيرًا من الدراسات في اللغة العربية وهو Sylvestre de Sacy الفرنسي الذي عاش في بداية القرن التاسع عشر. واشتهر هذا الرجل الفذ بحيث نزح إليه الكثير من الطلبة من الألمان ومن خارج فرنسا وكان معه عالم آخر اسمه Chézy تتلمذ عليهما جماعة ممن صاروا بعدهما من عمالقة التفكير اللغوي الأوربي. ونذكر منهم فون هومبولت Von Humbolt والأخوين جريم Grimm وفريدريك شلجل. وهم من مؤسسي اللسانيات الأوربية.
وقد أطلع دي ساسي هؤلاء على الكثير من المفاهيم التي لم تكن معروفة وذلك مثل المادة الأصلية التي سموها جذر الكلمة. فهذا كان مجهولاً تمامًا عند علماء الغرب قبل القرن التاسع عشر. وصرح بعضهم
(*) ورد عليهم بعنف اللغويون البنويون فبالغوا في هذا الرد فألغوا التقدير وأخرجوه من جملة أدواتهم العقلية.
أنهم وجدوا هذا المفهوم عند علماء الهنود القدامى، ويكون هذا صحيحًا بالنسبة إلى بعضهم إلا أن هذا الجذر قد عرف قبل أن تترجم وتنشر الكتب الهندية (في وسط القرن التاسع عشر وبعده).
وقد اشتهر عند هؤلاء العلماء مفهوم الجذر فراحوا يحللون الكلم إلى جذور ولواصق (affixes) . وعرفوا أيضًا مثال الكلمة (وزنها وبناءها) ولم ينتبهوا إلى أهميته العظيمة كما لم يتفطنوا إلى أنه ناتج عن تحليل رياضي يحتاج إلى أن تجرد الوحدات ويرمز إليها برموز مثل (ف/ع/ل) في العربية ثم أضف إلى هذا أن التحليل عندهم منذ أقدم الأزمنة هو تحليل تقطيعي فقط، فيجب أن يُفضي إلى قطع صوتية محسوسة لا مجردة. وإلى الآن تجهل اللسانيات الغربية ما "للمثال" العربي من قيمة ابستمولوجية عظيمة كما يجهل الكثير من معاصرينا أن المثال يوجد أيضًا في مستوى الجملة وليس خاصًّا بالكلم.
هذا واهتم العلماء الألمان كثيرًا بعد دراستهم على دي ساسي وعلى من تتلمذ عليه من شيوخهم بالنحو العربي وبما كتبه علماؤنا في الصوتيات خاصة. ونذكر ههنا البعض منهم:
1- Ernst Brucke (ابتداء من1849م): تطرق في كتابه: Grundzuge der Physiologie und Systematic der Sprachlaute إلى ما قاله عن النظام الصوتي في لغتهم كل من اليونان والهنود والعرب. وله أيضًا دراسة عن الأصوات في العربية: Beitrage zur Lautlehre der arabischen Sprache (1960م).
2- Czermak: له دراسات في الصوتيات المخبرية هامة.
3- Wallin: ترجم إلى الألمانية نصوصًا خاصة بأصوات العربية. وترجم إلى الألمانية أيضًا عدة نصوص من كتب القراءات، وكليات أبي البقاء وغيرهما. وعلَّق عليهما وذلك في دراسة: Uber die Laute des
Arabischen und ihre Bezeischnung in L.D.M.G,1855,p.1-69,p.599-665.
4- R.Lepsius : اهتم أيضًا بصوتيات العربية ولـه: Uber die Arabischen Sprachlaute und deren Unschrift, (1861م).
هذا ولم يعرف القدامى من علماء اليونان ولا الرومان ولا أوربا حتى نهاية القرن التاسع عشر معنى المجهور والمهموس كما استغلقت على أفهامهم بعض المصطلحات الصوتية العربية وكانت غريبة على الثقافة الغربية قديمًا وحديثًا (حتى على هؤلاء الذين ذكرناهم).
قال ماتسون (Mattson) في كتابه عن لهجة بيروت(1911م): "في وقت متأخر تحصل علماؤنا في المشرقيات على المعلومات الصوتية التي كانت تنقصهم فاستطاعوا أن يفهموا في الأقل ما كان العرب قد لاحظوه وأثبتوه، وكان العرب قد أصابوا في معظم ما قالوه: (ص10). وذكر ماتسون دي ساسي الذي لم يدرك شيئًا من التقسيمات الصوتية العربية

وقد منع ساسي وبعض من جاء بعده من فهم هذه الأشياء وما ورثوه من الصوتيات اليونانية فكان كالحجاب على عقولهم وعلى أذهانهم وكيف كان يمكن أن يميزوا بين المجهور والمهموس وهم لا يعرفون أن هذا يحصل في "أقصى الحلق" بوجود "صوت الصدر" (*) (اهتزازات الأوتار) ( وقد اسـتغلق ذلك إلى الآن على زملائنا) وأقر الغربيون ذلك التمييز نهائيًّا يوم تمكنوا من مشاهدة هذا الاهتزاز في المختبرات الصوتية في نهاية القرن العشرين.
(*) بيَّنا في بحث لنا سابق أن المقصود من الصدر أو أقصى الصدر هو مستوى أقصى الحلق كما هو عند قدامى الأطباء العرب (راجع مقالنا "تعال نحي علم الخليل" الذي قدمناه في 2000م في مؤتمر المجمع. وينطبق هذا أيضًا في الوقت الراهن على مفاهيم خاصة بعلماء العرب ولا مقابل لها أبدًا في الصوتيات الحديثة، وهو مفهوم المتحرك والساكن، وحرف المدّ وامتناع الابتداء بالساكن، وكون العين حرفًا بينيًّا، وغير ذلك، وقد حاولنا أن نبرهن على صحة كل هذه المفاهيم بالاختبار بالأجهزة الحديثة.
رابعًا- تأثير اللسانيات الغربية الحديثة في التفكير العلمي العربي:
اكتشف الباحثون العرب المحدثون ما جدّ من جديد في ميدان البحث اللغوي في الغرب منذ زمان غير بعيد، وذلك بما أوفد إلى هذه البلدان من وفود طلابية أو باتصال مباشر، في المغرب العربي خاصة.
وأول ما حصل هو في وقت ازدهار المذهب اللغوي المسمى بالبنوية ( Structuralism). وكان الذين أخذوا عن الأساتذة الغربيين قد أبهرهم هذا المذهب إلى حد بعيد (حتى أبطل الكثير منهم كل ما وصل إلينا من أسلافنا حتى من المبدعين منهم) وذلك مثل نقضهم المعيار حتى كظاهرة واعتماد الوصف وحده وبالتالي رفض العلة والتعليل. ثم حاول بعضهم أن يطبقوا مفاهيم البنوية ومناهجها على العربية كما هي دون أي نظر أو نقد أو تمحيص سابق. ثم مضى زمان حتى ظهر مذهب جديد ألا وهو النحو التوليدي التحويلي فتحمس بعضهم له وراحوا يطبقونه - كما أخذوه - على العربية ثم ظهرت مذاهب مختلفة منها الوظيفية الحديثة(وأحد زعمائها: Dick الهولندي) فحصل مثل ما حصل في السابق. والذي يؤاخذ على هؤلاء ليس هو الاقتباس من غيرهم، فهذا جائز ومرغوب فيه، بل الاقتباس بدون نظر وبدون تمحيص والارتياح الكامل لأي مذهب أو موضة تظهر في الغرب والاقتناع الراسخ أن ما مضى عليه زمان فلابد أن يكون غير ذي قيمة في جملته، وهذا خضوع تام للإيجابية الأوربية القائلة بأن العلم هو هذا الذي تمارسه أوربا وحدها منذ أول نهضتها؛ لأنه إيجابي أي غير ميتافيزيقي يعتمد على ظاهرة الحواس. وهيهات أن تكون العلوم في هذه البلدان نفسها على هذا الشكل الساذج كما تصورته الإيجابية ( Positivism ).
الجانب الإيجابي لنظريات اللسانيات الحديثة:
أثبت العلماء الألمان في القرن التاسع عشر ثم سوسور ونظراؤه أن الظواهر اللغوية كأي ظواهر يمكن أن تدرس دراسة علمية موضوعية، وأن الألسنة البشرية مثل كل الظواهر تتحول من حال إلى حال عبر الزمان حتى تصير ألسنة أخرى، وأن لهذه التحولات الزمانية قوانين صارمة، ثم أثبتوا بعد ذلك أن الألسنة يجب أن تدرس أيضًا في حد ذاتها، أي من حيث هي أدوات للاتصال والتبليغ، وأن لكل واحد منها نظامًا من الرموز الصوتية خاصًّا بها، ونظامًا من الدوال المفردة والمركبة يجب أن يحلل تحليلاً موضوعيًّا لا لغرض التعليم بل من أجل اكتشاف أوصافه وخصائصه. فتبين للناس حينئذٍ أن دراسة اللغات ليس الغرض منها بالضرورة اكتساب القدرة على استعمالها بل أيضًا الكشف عن أسرارها في ذاتها. وكثرت - على هذا - الدراسات والبحوث في أكثر اللغات البشرية من حيث هي ظواهر تستحق الدراسة العلمية لا لغرض آخر غير تحصيل العلم النظري لا المهارة فقط وذلك بالتحليل الدقيق الخاضع لمقاييس معينة. فهذا كله إيجابي جدًّا على الرغم من المذاهب الكثيرة المتشعبة التي ظهرت بعد سوسور في كيفية تناول هذه الدراسة العلمية واشتد الاختلاف فيها بسبب اختلاف التصور لماهية اللغة: هل يبنى التحليل كله على كون اللغة أداة تبليغ أو هناك أوصاف أخرى للغة عميقة لا يمكن أن يتغافل عنها؟ وهل يجوز لنا أن نكتفي بالوصف لنظامها الباطني؟ بل هل هذا النظام هو مجرد نظام تقابل بين الوحدات؟ وألا يجب أن نعتد بمعيار اللغة كظاهرة وكآلية اجتماعية ينتظم عليها استعمالها إذ لا توجد لغة في الدنيا دون معيار معين؟ وغير ذلك. فكل هذا مفيد لأنه سيؤدي بنا إلى تصور موضوعي للغة. ولكل هذا أيضًا تطبيقات كثيرة في ميدان تعليم اللغات وأمراض الكلام والعلاج الآلي للغة.
وفيما يخص هذا العلاج الآلي للغة فقد نشأت منذ عهد غير بعيد تكنولوجيا خاصة باللغة منذ أن صار العلماء والمهندسون يستعينون بالحاسوب في تحليل اللغة، ولهذا الميدان خصوبة عجيبة إذ لا يزال يأتينا أصحابه بمعلومات جديدة قد لا يستطيع اللغوي أن يحصل عليها هو وحده(*).
الخاتمة:
لقد حصل تأثير متبادل واسع في ميدان النظريـات اللغـوية ومناهجها














التحليلية بين الحضارتين العربية والغربية منذ زمان بعيد كما رأيناه، إلا أن معرفة ذلك تحتاج إلى أن يتفرغ لها وينكب على دراسة هذا التأثير كل من يهتم بذلك. ويجدر بنا أن نقول إن الكثير من المفاهيم العربية اللغوية تحتاج إلى أن ينظر فيها بجدّ وبموضوعية، ولاسيما تلك التي لا تزال غامضة عند الكثير من الباحثين، ونأمل أن تتضافر الجهود للحصول على تجديد كامل للسانيات العربية إن شاء الله.
عبد الرحمن الحاج صالح
عضو المجمع المراسل
(*) والمدرسة الخليلية الحديثة التي سبق أن ذكرناها تتكون من هؤلاء اللغويين والمهندسين العرب الذين يحاولون أن يحيوا "علم الخليل" بقراءة جديدة لما تركه نحاتنا الأولون ويحاولون صياغة النظرية لاستثمارها على الحاسوب.من الجزائر

الأربعاء، يوليو 08، 2009

الفكر اللساني التربوي في التراث العربي
مقدمة ابن خلدون نموذجا
إعداد : الأستاذ محمد صاري
جامعة عنابة

1 - مقدمة :
لم تحظ أية لغة في الدنيا منذ أن خلق الله الإنسان بما حظيت به اللغة العربية من العناية حيث قام أصحابها - وخاصة اللغويون منهم وأهل الأداء - بالتحريات الميدانية الواسعة النطاق للحصول على أكبر مدونة شاهدها تاريخ العلوم اللغوية . فدونوا مفرداتها وتراكيبها وأمثالها وعباراتها ، مطردها وشاذها ، ثم وصفوا كل ذلك بدقة متناهية ، واستنبطوا القوانين العامة التي تخضع لها ، وغير ذلك مما أعجب به علماء اللسانيات الغربيون في زماننا (1) .
ومن أعظم ما تركه أسلافنا " علم النحو " ، ميزان اللغة ، والمدخل إلى العلوم العربية والإسلامية (2) . فليس من شك في أن التراث النحوي والصرفي الذي استنبطه العلماء العرب نفيس غاية النفاسة ، وأن الجهد الذي بذلوه فيهما خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة في عصورها القديمة والحديثة . وإنه ما زال وسيبقى ينتزع إعجاب الباحثين العرب والأجانب على حد سواء . فهو - كما يقر غير أبناء العربية - » أثر رائع من آثار العقل العربي بما فيه من دقة في الملاحظة ، ونشاط في جمع ما تفرق ، وهو لهذا يحمل المتأمل فيه على تقديره ، ويحق للعرب أن يفخروا به« (3).

2 - أصالة النحو العربي في القرون الأولى للهجرة :
ومن الثابت أن النحو العربي مرّ كبقية العلوم بقانون النشوء والارتقاء ، فنشأ بسيطا ضعيفا ، ثم أخذ يتدرج في النمو والقوة والاستكمال ، فانتقل على أيدي أئمته كعبد الله بن أبي إسحاق ( ت 117 هـ ) ، والخليل بن أحمد ( ت 175 هـ ) ، وسيبويه ( ت 180 هـ ) ، والكسائي ( ت 189 هـ ) ، والفراء ( ت 207 هـ ) (4) ، ونظرائهم من الأعلام من ضوابط بسيطة يقيم بها المعربون ألسنتهم - بعد أن تفشى اللحن وضاعت السليقة - إلى علم دقيق متطور يدرس لذاته (5) .
لقد أرسى "الخليل" وتلميذه الفذّ "سيبويه" أمورا صارت مسلمات أو شبه مسلمات . فمن ينعم النظر في "الكتاب" يدرك في وضوح أصالة النحو العربي عند النحاة الأوائل الذين عاشوا في الصدر الأول من الإسلام . ومن أهم الحقائق التي تدل على فكر أصيل ، وتصور دقيق ، وفهم عميق لطبيعة بناء هذا العلم - عند أولئك النحاة - تلك الأسس والأصول التي قام عليها ، نذكر منها على سبيل المثال : مفهوم العامل ، ومفهوم الحد والمثال ، ومفهوم الاستقامة ، ومفهوم القياس والسماع ، ومفهوم العلة ، ومفهوم الأصل والفرع(6) .. وغيرها من المفاهيم التي اكتشفوها من خلال استنطاق النصوص والاتصال المباشر بالواقع اللغوي . فهي مفاهيم تبين في وضوح لا يقبل الشك أن للنحو العربي عند "سيبويه" وشيوخه وتلاميذه منطق ، ولكنه منطق رياضي خاص(7) مسلوخ من روح العربية ، وأن وجود هذا الأثر المنطقي دليل على مكانة الجانب العقلي فيه ، وهو جانب كان موجودا إلى الجانب النقلي . وقد صار هذا الجانب ضروريا في البحث اللغوي الحديث ، لا سيما عند التحويليين ؛ لأنه أداة أصيلة من أدوات بناء العلم ، بدونه يتحول النحو إلى مجرد جمع وتصنيف (8) .
ونحن على مسار البحث عن نظرية الفكر اللساني التربوي في اللغة نتساءل هل تسنى لنظرية العرب في اللغة أن تنفذ إلى خصائص الظاهرة اللسانية بالاعتماد على ملابسات اقتنائها وطريقة تحصيلها ؟
إن نظريات النحاة العرب الأولين تكتسي أهمية كبيرة ، وهذا ليس من حيث إنها ما تزال ذات قيمة كبيرة من الناحية العلمية ، بل من حيث إنها يمكن أن تستغل مفاهيمها في الميدان التطبيقي كالمعالجة الآلية للنصوص وتركيب الكلام الاصطناعي واللسانيات التربوية(9).

3 - اللسانيات التربوية :
تعد اللسانيات التربوية ثمرة اللقاء بين اللسانيات وعلم التربية . فموضوع اللسانيات التربوية هو الإفادة من حقائق اللسانيات العامة بمناهجها ونتائج دراساتها وتطبيق ذلك كله في مجال تعليمية اللغات(10) didactique des langues ؛ أي أنها تستغل معطيات اللسانيات العامة وفروعها الخاصة ، وما وصلت إليه بحوثها من حقائق ثابتة لحل مشكلات تربوية ميدانية .
فاللسانيات التربوية حقل تعاوني ما انفكت أطرافه تترامى بتعدد أبعاده ، إذ تتفرع مجالات الاهتمام فيه تبعا لمقاييس الزمن والمادة والموضوع(11)، فهي من أهم سياقات اللسانيات التطبيقية عامة .
ومن أهم المشكلات التي تتعرض لها اللسانيات التربوية هي البحث الموضوعي في الصعوبات اللغوية التربوية: ماذا يجب أن نعلم من اللغة ؟ وكيف يجب أن نعلمه ؟ وبمعنى آخر أنها تنظر في المحتوى اللغوي الذي يقدم للمتعلم من حيث الكم والكيف، كما تنظر في محتوى الطريقة أو الطرق التي تستعمل لتبليغ هذا المحتوى ، وفي تأدية المعلم لهذه الطريقة وكيفية تطبيقه لها (12) .
لقد بذل العلماء العرب جهودا مضنية في تتبع النصوص واستقصائها ، وإعمال الفكر واستخراج القاعدة النحوية . وليس يدري أحد مقدار الجهود التي بذلت في استنباط قاعدة نحوية يعرفها أطفال المدارس اليوم . وهذا الإبداع من أهم ما يجيبنا به موروث الحضارة العربية الإسلامية في قضية معرفة الكيفيات المرتبة لسنن الكلام . وللإشارة ، فإن البحث في هذه الكيفيات وسبل تحصيلها يعد من صميم اللسانيات التربوية .
فمما لا شك فيه أن مادتي النحو والصرف تشكلان جزءا رئيسا في قضايا اللسانيات التربوية بشكل عام ، ويعتبر هذا الجزء من أعقد العناصر اللغوية وأصعبها في مناهج اللغة العربية . ولعل جزءا كبيرا من ذلك التعقيد والصعوبة تعود إلى سوء استغلال القواعد النحوية من قبل المربين والمعلمين ، وفهمهم القاصر والمحدود لمستوياتها وطبيعة أهدافها ، أو المبالغة الكبيرة في فهمها والتركيز عليها عند تعليمهم للغة ؛ فكثيرا ما يتم تعليمها بعيدا عن الغاية المقصودة .
إن اللسانيات التربوية واجهت على مر العصور مشكلات عديدة ، وما زالت تواجهها لعل من أهمها الافتقار إلى مادة نحوية تعليمية مناسبة ، يتم إعدادها للمتعلمين وعرضها عليهم في ضوء مجموعة من المقاييس الموضوعية ، منها ما يختص بطبيعة المعرفة التي تعد لها هذه المادة ، ومنها ما يختص بالدارسين الذين يستخدمونها . ومن يستنطق نصوص التراث يكشف عن كثير من الأقوال والأعمال التي اهتمت بجانب أو جوانب من اللسانيات التربوية. والذي يهمنا من هذه الجوانب هو المحتوى النحوي المدرس قديما وحديثا ، وآراء العلماء في كيفية انتقائه وطريقة عرضه وتثبيته في أذهان المتعلمين .
لقد أدرك بعض النحاة واللغويين القدامى ضرورة وجود مستوى من المؤلفات النحوية المختصرة والميسرة ، كما تنبه بعضهم إلى ضرورة التمييز بين وظيفة بحث ما في النحو من مشكلات ، وبين وظيفة تعليم النحو لبعض المستويات (13) . وأول ما يتقرر لدينا في هذا المجال قول الجاحظ ( ت 255 هـ ) في بعض رسائله : » وأما النحو فلا تشغل قبله [ أي الطفل ] منه إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحن ، ومن مقدار جهل العوام في كتاب إن كتبه وشعر إن أنشده ، وشيء إن وصفه . وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أولى به . ومذهل عما هو أردّ عليه منه ، من رواية المثل والشاهد والخبر الصادق والتعبير البارع . وإنما يرغب في بلوغ غايته ، ومجاوزة الاقتصاد فيه من لا يحتاج إلى تعرف جسيمات الأمور ، والاستنباط لغوامض التدبير ، ولمصالح العباد والبلاد [...] ومن ليس له حظ غيره ولا معاش سواه ، وعويص النحو لا يجري في المعاملات ولا يضطر إليه شيء« (14) .
فالجاحظ يدعو إلى تعليم الناشئة النحو الوظيفي الذي يجري في المعاملات ، فالغاية من تعليم النحو - في نظره - هي إصلاح اللسان والقلم في كتاب يكتب أو شعر ينشد أو خطبة تلقى أو رسالة تؤلف .
وضمنيا ، يستفاد من كلام الجاحظ أنها دعوة صريحة إلى ضرورة التمييز بين النحو كعلم والنحو كتعليم ، أو قل بين مستويين من مستويات النحو :
1 - مستوى نظري تخصصي ، وينبغي أن يكون مجردا عميقا يدرس لذاته وتلك طبيعته. وهذا المستوى من النحو يعدّ نشاطا قائما برأسه ، أهدافه القريبة الخاصة به هي الاكتشاف المستمر والخلق والإبداع . وهذا هو الأساس والمنطلق في وضع نحو تعليمي تراعى فيه قوانين علم التدريس .
2 - مستوى ثان تعليمي وظيفي نافع لتقويم اللسان وسلامة الخطاب وأداء الغرض وترجمة الحاجة . ومن الفضول الذي لا خير فيه أن يتعمق من كانت هذه غايته في جزئيات النحو ، وأن يتورط أو يورَّط في أصوله ، ويتيه في شعاب قضاياه (15) . فالنحو العلمي شيء والنحو التعليمي شيء آخر .
فما النحو إلا وسيلة لضبط الكلام وصحة النطق والكتابة ، هذه غايته التعليمية التي أقرها العلماء : » النحو هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه ، من إعراب وغيره كالتثنية والجمع ، والتحقير والتكسير ، والإضافة والنسب والتركيب ، وغير ذلك ، ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة فينطق بها وإن لم يكن منهم ، وإن شذ بعضهم عنها ردّ به إليها« (16) . إن النحو عند ابن جني ( ت 392 هـ ) أداء لغوي فائدته الوصول إلى التكلم بكلام العرب على الحقيقة صوابا غبر مبدل ومغير .
وإن الاعتبار - في نظم الكلام - يكون بمعرفة مدلول العبارات لا بمعرفة العبارات . فلو كان النظم يكمن في معاني النحو - كما يقول عبد القاهر الجرجاني ( ت 471 هـ ) - »لكان البدوي الذي لم يسمع بالنحو قط ، ولم يعرف المبتدأ والخبر وشيئا مما يذكرونه لا يتأتى له نظم الكلام . وإنا لنراه يأتي في كلامه بنظم لا يحسنه المتقدم في النحو . قيل إن الاعتبار بمعرفة مدلول العبارات لا بمعرفة العبارات . فإذا عرف البدوي الفرق بين أن يقول : "جاءني زيد راكبا" ، وبين قوله : "جاءني زيد الراكب" ، لم يضره ألا يعرف أنه إذا قال: راكبا كانت عبارة النحويين فيه أن يقولوا في "راكب" أنه حال ، وإذا قال " الراكب" أنه صفة جارية على زيد« (17) .
فعلا ، لقد أكدت اللسانيات التربوية ما ذهب إليه " عبد القاهر " و" ابن جني " ، حيث رفضت رفضا باتا ، بناء تعليمية اللغات على القواعد النظرية الصرفة ، ونادت بتوجيه الجهود إلى تمرين المتعلمين على اكتساب اللغة من خلال أنماط ومثل لغوية حية يجري تعلمها الواحدة تلو الأخرى ؛ لأن اكتساب لغة ما يعني اكتساب آليات لا شعورية ، وهذا ما يسميه المختصون في تعليمية اللغات بالنحو الضمني (18) .
4 - ابن خلدون وقضايا التحصيل اللغوي :
اشتهر " عبد الرحمن بن خلدون " ( ت 808 هـ ) عند عامة الناس بأنه أرسى قواعد فلسفة التاريخ . وكثيرا ما يذكر في الكتب الحديثة بأنه منشئ علم الاجتماع العمراني ، وهذا اعتراف بجزء مما أبدعه الرجل .
" فابن خلدون " يجهل قدره كثير من الناس ، بل إنهم يعرفونه على أنه عالم اجتماع ليس إلا . ولكن هناك من اللسانيين من يجد في المقدمة مخزونا من الاستطرادات الثرية التي تدل على جملة من الأفكار اللسانية التربوية التي لا تقل أهمية عما توصل إليه البحث اللساني واللساني التطبيقي عند الغربيين (19) . ومن أهم هذه الأفكار ما يلي :
4 - 1 - التدرج في عرض المادة والتركيز على المتعلم باعتباره جوهر العملية التعليمية :
لقد نفذ "ابن خلدون" بحس دقيق كاد ينفرد به ، وذلك عند تناوله لقضايا التحصيل عامة واكتساب الملكة اللغوية خاصة ؛ إذ حظيت كثير من القضايا اللغوية في مقدمته " كتاب العبر بالفحص والتحليل ، فراح يستكشف حقائقها ويستقصي تقلباتها مستكنها ظواهرها الخفية .
وأول ما يتقرر لديه في هذا الشأن حديثه عن الطريقة الناجعة لتعليم العلوم عامة ، حيث يرى أن تعليم العلوم للمتعلمين » يكون مفيدا إذا كان على التدريج شيئا فشيئا ، وقليلا قليلا . يلقى عليه [ المتعلم ] أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يورد عليه« (20) .
ومعنى ذلك أن الابتعاد عن التعقيد والالتزام بمبدأ التدرج في عرض المادة المدرسة : من البسيط إلى المعقد ، ومن السهل إلى الصعب ، ومن العام إلى الخاص ، وكذا الانطلاق من حاجات المتعلمين ورغباتهم واستعداداتهم هو الوجه الصواب لتعليم العلوم . وهذا ما تقره اللسانيات التربوية الحديثة .
وبعد أن يقيم ابن خلدون تصورا للطريقة الناجعة في تعليم العلوم يتناول - بالنقد والتحليل - طرائق التعليم السائدة في عصره ، وكيفية تأدية المعلمين لها . فهي - في نظره - طريقة تقليدية بالية ، قليلة الجدوى ، عديمة الفائدة تنفر ولا تشوق ، هذا هو واقع التعليم في عصر ابن خلدون : » وقد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق هذا التعليم وإفادته ، ويحضرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم ، يطالبونه بإحضار ذهنه في حلها ويحسبون ذلك مرانا على التعليم وصوابا فيه ، ويكلفونه رعي ذلك وتحصيله فيخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها ، وقبل ، يستعد لفهمها [...] وإذا خلط عليه الأمر عجز عن الفهم ، وأدركه الكلل ، ويئس من التحصيل وهجر العلم والتعليم« (21) .
إن التحريات الميدانية ، أو ما يسمى بنقل المعاينة بمصطلح ابن خلدون تنم عن بصيرة وفكر تربويين عميقين عند صاحب المقدمة . فالجهل بطرائق التعليم - كما توحي بذلك أقواله - سبب خطير في تدهور التدريس ونفور المتعلمين ، هذا من ناحية . ومن ناحية أخرى فإنه على قدر جودة التعليم وملكة المعلم يكون حذق المتعلم في حصول الملكة .
هذه بعض الأفكار التي يتحدث فيها " ابن خلدون " عن جوهر العملية التعليمية المتمثل في المعلم والمتعلم والمادة والطريقة . أما بالنسبة لتعليم الملكة اللغوية ، فإن أهم ما يتقرر لديه في هذا الشأن ما يلي :
أ - السمع أبو الملكات اللسانية .
ب - دراسة القواعد لذاتها سبب خطير في ضعف التحصيل .
ج - تمييز ملكة اللغة عن صناعتها .
د - تحديده اللغة بأنها ملكة في اللسان .
أ - السمع أبو الملكات اللسانية (22) :
لم تعد اللغة في زماننا تعلم باعتبارها ظاهرة مكتوبة ، بل باعتبارها ظاهرة صوتية منطوقة في المقام الأول . ولذا ، فإن الاهتمام بالنطق والحديث يحتل مقاما خاصا في تعليمية اللغات الحديثة ؛ لأنه الأصل ، أما الكتابة فهي ظاهرة تابعة له . فالواقع يثبت أن الإنسان يتكلم قبل أن يكتب ، ويسمع قبل أن يتكلم .
ومن المبادئ اللسانية التربوية التي أقرها ابن خلدون ونبه على أهميتها في حصول الملكة اللغوية مبدأ السماع ((audition ، والانغماس (immersion) أو ما يسمى عند جمهور اللسانيين التطبيقيين بـ " الحمام اللغوي " (bain linguistique) . فأبو الملكات اللسانية - في نظره - هو السمع والإنصات ، والشيء الذي يعين المتعلم على فتق لسانه بالمحاورة والكلام والمناظرة هو الانغماس الكلي في وسط لغوي عفوي ، فهو الذي يقرب شأنها ويحصل مرماها ، وهكذا تصيرت الألسن واللغات من جيل إلى جيل وتعلمها العجم والأطفال . هذه فكرة نلمسها عند ابن خلدون في معرض تفسيره لقول العامة أن اللغة للعرب بالطبع ، حيث يقول : » فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها [...] ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم ، واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم« (23) .
وهكذا يتركز على يد ابن خلدون أن خروج الأشياء من القوة إلى الفعل لا يكون دفعة واحدة ، فلا بد لها من زمان وتكرار مرة بعد أخرى ، أي لا بد لها من ارتياض ومعاودة .
ب - دراسة القواعد لذاتها سبب خطير في ضعف التحصيل :
يرى ابن خلدون أن العلوم تنقسم إلى قسمين : علوم غايات وأخرى وسائل لهذه الغايات . وعلم النحو - في نظره - فرض كفاية لا فرض عين . فهو من صميم العلوم الآلية التي ينبغي ألا توسع فيها الأنظار ولا تفرع فيها المسائل . ولذا دعا المعلمين لهذه العلوم إلى ألا يستبحروا في شأنها ولا يستكثروا من مسائلها ؛ لأن ذلك يخرجها عن المقصود ، فيصير الاشتغال بها لغوا » ... وهذا كما فعله المتأخرون في صناعة النحو [...] لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها نقلا واستدلالا ، وأكثروا من التفاريع والمسائل بما أخرجها عن كونها آلة وصيرها مقصودة لذاتها . وربما يقع فيها لذلك أنظار ومسائل لا حاجة بها في العلوم المقصودة بالذات فتكون لأجل ذلك من نوع اللغو ، وهي مضرة أيضا بالمتعلمين على الإطلاق« (24) . وعليه ، فإن النحو التعليمي ليس غاية في حد ذاته ، بل هو وسيلة مساعدة لاكتساب الملكة اللغوية ، وينبغي أن يدرس على هذا الأساس .
ج - تمييز ملكة اللغة عن صناعتها :
يميز اللسانيون بين نوعين من المعلومات اللغوية : المعلومات الخاصة بالملكة والمعلومات الخاصة بالصناعة. فالنوع الأخير هو اللغة كنظام وعلم مجرد وقوانين . ويمثل هذا النوع جانب البحث ، والبحث اللغوي هو من وظيفة العالم بأسرار اللسان . أما النوع الثاني فهو اللغة كإنجاز أو تحقق فعلي في صورة كلام أو كتابة، ويمثل هذا النوع جانب الاستعمال، واستعمال اللغة هو وظيفة المتكلم . ومعرفة العالم بأسرارها معرفة نظرية ، في حين أن معرفة المتكلم لها معرفة عملية (25) .
لقد نبه "ابن خلدون" المربين والمعلمين إلى ضرورة التمييز بين هذين المستويين : اللغة كملكة واللغة كصناعة . ففصل بدقة بينهما في قوله : » إن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم ، والسبب في ذلك أن صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة . فهو علم بكيفية لا نفس كيفية . فليست نفس الملكة ، وإنما هي بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علما ولا يحكمها عملا« (26) .
إن جهل كثير من المربين والمعلمين بهذين المستويين ( اللغة كملكة واللغة كصناعة ) هو الذي أدى إلى تركيزهم على الصورة النظرية البحتة . وعليه ، فإن الحقيقة التي يمكن استنباطها من خلال كلام ابن خلدون هي : على المعلم أن يعلم اللغة ذاتها لا أن يعلم معلومات عن اللغة ، لأن ملكة اللغة لا تحصل » بمعرفة القوانين العلمية التي استنبطها النحاة ، فإن هذه القوانين - كما يقول ابن خلدون - تفيد علما بذلك اللسان ، ولا تفيد حصول الملكة بالفعل في محلها« (27) .
د - تحديده اللغة بأنها ملكة في اللسان :
يرى اللسانيون أن المفردات اللغوية ليس لها معنى في الواقع إلا إذا أدمجت في نص وتعلقت بحال من أحوال الخطاب . ولذا فإن اكتساب الملكة اللغوية لا يتم من خلال استظهار مفرداتها ولا مصطلحاتها النحوية وحدودها الإجرائية ، ولكن من خلال القدرة على التحكم في تراكيبها وأنماطها ، مع مراعاة مقتضى الحال . وفي هذا الصدد ، يقول ابن خلدون : » اعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها . وليس ذلك بالنظر إلى المفردات ، وإنما هو بالنظر إلى التراكيب . فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ، ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال ، بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع ... والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال« (28) .
إن اللغة - عند ابن خلدون - مهارة تكتسب كما تكتسب أي صناعة من الصنائع أو مهارة من المهارات(29) ، عن طريق مبدأ الارتياض بالمعاودة والتكرار . فلا تحصل الملكة اللغوية بامتلاك المتعلم لألفاظها ومفرداتها ، ولكن بامتلاك وسيلة لترتيب هذه الألفاظ والتراكيب في مقامات لغوية مختلفة (30) .
بناء على هذا الرأي ، يمكن القول إن البدء بتدريس الجملة التامة ، والانطلاق من النصوص العفوية الطبيعية ، ورفض فكرة تقديم الاسم على الفعل أو الحرف أو العكس هو الوضع الطبيعي لاكتساب الملكة اللغوية ، وعليه فإن » أي نظرية في تعليم العربية للناطقين بها ابتداء ولغير الناطقين بها ستبقى ضعيفة المردود ما لم تنطلق من نظرية تركيبية تتخذ الجملة منطلقا لها« (31) .
هذا هو الاتجاه الحديث الذي يدعو إليه المختصون في تعليمية اللغات بشكل عام ، حيث يسعى أنصاره إلى عرض القواعد النحوية والصرفية على المتعلمين عرضا وظيفيا ، من خلال أنماط وتراكيب بنوية متدرجة في الصعوبة ، يكون الهدف منها ترسيخ قاعدة نحوية أو صرفية أو بلاغية معينة في ذهن المتعلم ، عن طريق حمله على القيام بسلسلة من التدريبات اللغوية المنظمة ، وبتكرار محكم ، حتى يصل المتعلم في لحظة من مراحل التعلم إلى تصور هيئات التركيب ومواقع المرفوعات والمنصوبات والمجرورات ، حسب ما تقتضيه المعاني بجهد بسيط ووقت أقل .
- الخاتمة :
إن الحقائق اللسانية التربوية التي وردت في بعض آراء النحاة واللغويين العرب عامة ، وفي مقدمة "ابن خلدون" خاصة لا تقل قيمة عن تلك المقاييس التي يراها اللسانيون التطبيقيون ضرورية في أية طريقة تعليمية تتصف بأدنى شيء من الجدية والنجاعة . فالأفكار اللسانية التربوية المبثوثة هنا وهناك في ثنايا مقدمة كتاب " العبر " كالتدرج ، والانتقاء ، والتخطيط ، والعرض ، والترسيخ ، والحاجات اللغوية ، والنحو الضمني ... وغيرها تستوجب التسليم - كما يقول أحد الباحثين (32) - بأن ابن خلدون فضلا على أنه فلسف علم الاجتماع ، واشتق علم العمران ، فإنه مهد للسانيات التربوية ؛ ففي مخزون " مقدمته " استطرادات ثرية عن نظرية التحصيل اللغوي ، وقد لا أكون مبالغا إذا قلت إن تلك الاستطرادات تحتاج إلى بحث مستفيض يستقصي جميع جوانبها .

- الهوامش :
1 - د . عبد الرحمن الحاج صالح ، اللغة العربية بين المشافهة والتحرير ، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة
2 - أجمع الأئمة من السلف والخلف على أن معرفة النحو شرط في رتبة الاجتهاد ، وأن المجتهد لو جمع كل العلوم لم يبلغ رتبة الاجتهاد حتى يعلم " النحو " . فرتبة الاجتهاد متوقفة عليه لا تتم إلا به .
3 - عباس حسن ، النحو الوافي ، ج 1 ، ط 9 ، دار المعارف القاهرة ، ص 3 .
4 - يعتبر هؤلاء الأئمة لسانيين كبارا ، فـ " عبد الله بن أبي إسحاق " هو أول من بعج النحو ومدّ
القياس وشرح العلل ، والخليل هو مؤسس نظرية العامل ومخترع الشكل الذي ما زال يستعمل إلى يومنا هذا في الكتابة العربية ، وسيبويه هو واضع أول كتاب في علم النحو .
5 - المفتونون بالمنهج الوصفي يعتبرون النحو العربي نحوا معياريا لا نحوا علميا وصفيا ، ولكن اتصال
النحاة الأوائل بالواقع اللغوي أي الاستعمال يفند هذا الادعاء ويثبت أن النحو العربي بدأ وصفيا .
6 - انظر هذه المفاهيم عند د. عبد الرحمن الحاج صالح ، في بحثه المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحديثة في العالم العربي ، .
7 - د. عبد الرحمن الحاج صالح ، النحو العربي ومنطق أرسطو ، مجلة كلية الآداب ، جامعة الجزائر 1964 .
8 - لقد تفطن "تشومسكي" إلى مفهوم العامل النحوي ، كما تفطن إلى أهميته في المنهج التحويلي على صورة لا تبتعد كثيرا على تلك التي جاءت في النحو العربي ، انظر د. عبده الراجحي ، النحو العربي والدرس الحديث ، دار النهضة العربية ، بيروت 1986 ، ص 148 .
9 - د. عبد الرحمن الحاج صالح ، المدرسة الخليلية الحديثة والدراسات اللسانية الحديثة في العالم العربي.
10 - إن الوقت قد حان لأن يستنير معلم اللغات الحية بما تمده به اللسانيات من معارف عملية حول طبيعة الظاهرة اللغوية . فكما استطاعت اللسانيات الوصفية أن تزيل عددا من الأوهام الشائعة التي رددتها القرون الماضية حول اللغة ، نستطيع أن نسترشد بها لحل مشكلات لغوية تربوية كوضع البرامج وإصلاح القواعد وتبسيطها ، ورصد المفردات ... الخ .
11 - د. عبد السلام المسدي ، قضايا في العلم اللغوي ، الدار التونسية للنشر ، تونس 1994 ، ص 17 12 - د. عبد الرحمن الحاج صالح ، أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية ، مجلة اللسانيات ، العدد 4 ، ص 42 .
13 - لأن المقصود من تعليم النحو ليس إخراج كل المتعلمين علماء فيه .
14 - رسائل الجاحظ ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، ج 3 ، ط 1 ، ص 38 .
15 - إن النحو التعليمي عند النحاة المتأخرين داخلته شوائب مغرقة في التكلف ومسرفة في التأويل انتهت به إلى حدود منطقية وتعليلات فلسفية وتقديرات وتأويلات تبتعد في كثير من الأحيان عن الواقع الحي للغة ، انظر د. شوقي ضيف ، تيسير النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده ، دار المعارف ،
ص 3 - 4 .
16 - ابن جني ، الخصائص ، تحقيق محمد علي النجار ، ج 1 ص 34 .
17 - عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، تحقيق رشيد رضا ، ط 2 ص 320 - 321 .
18 - يميز المختصون في تعليمية اللغات بين نوعين من القواعد : القواعد النظرية الصريحة grammaire explicite ، والقواعد الضمنية grammaire implicite . ويرى أنصار الاتجاه الصريح أن تعليم أية لغة لا بد أن يتم من خلال عرض مباشر لقواعدها النظرية . أما أنصار الاتجاه الضمني ، فيعتقدون أن الوضع الطبيعي لتعلم اللغة هو عرضها بشكل غير مباشر ، وذلك بالتركيز على مثلها وأنماطها . والحقيقة أنه لا توجد مرحلة كلها صريحة وأخرى كلها ضمنية ، انظر مصطلحي explicite وimplicite في :
- R. Galisson , dictionnaire de didactique des langues, ed Hachette Paris 1976 .
19 - انظر د. عبد السلام المسدي ، التفكير اللساني في الحضارة العربية ، الدار التونسية للكتاب ، ط 2 ، تونس 1986 ، ص 208 - 237 .
20 - ابن خلدون ، المقدمة ، ج 2 ، الدار التونسية للنشر - المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر ، 1984 ص 695 .
21 - المرجع نفسه ، ص 295 - 296 .
22 - المرجع نفسه ، ص 713 .
23 - المرجع نفسه ، ص 723 .
24 - المرجع نفسه ، ص 700 .
25 - د. تمام حسان ، اللغة بين المعيارية والوصفية ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، ص 4 - 6 .
26 - ابن خلدون ، المقدمة ، ج 2 ص 729 .
27 - المرجع نفسه ، ص 731 .
28 - المرجع نفسه ، ص 722 .
29 - هذه الفكرة تشبه إلى حد كبير ما ذهب إليه البنويون السلوكيون المتأثرون بالمذهب السلوكي في علم النفس ، والذي يهتم بدراسة ظاهرة السلوك فقط ، على أساس أنه مكون من عادات يمكن اكتسابها الواحدة تلو الأخرى عن طريق المثير والاستجابة والتعزيز . انظر د. محمود أحمد السيد ، اللسانيات وتعليم اللغة ، ط 1 ، دار المعارف للطباعة والنشر ، سوسة - تونس 1998 ص 82 .
30 - T. Todorov , recherches sémantiques , dans Langage , n° 1 , mars 1966 .
31 - د. عبد السلام المسدي ، اللسانيات وأسسها المعرفية ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر 1986
ص 154 .
32 - د. عبد السلام المسدي ، قضايا في العلم اللغوي ، الدار التونسية للنشر ، تونس 1994 ، ص 192.
حوسبة اللغات :النظرية الخليلية الحديثة (نحو نمذجة النحو العربي)
1-مفهوم حوسبة اللغات:الهندسة فن التحكم في النظم، والحاسوب بشقيه العتادي والبرمجي يقوم على هذا التحكم.واللغة نظام معقد متشعب المسالك: كتابة وصوتا وصواتة، وصرفا وتركيبا ومعجما ودلالة وتداولا .لقد استطاع الباحثون في لغات غربية كثيرة وضع برامج حاسوبية لسانية طبقت فيه جميع الخوارميات الصورية التي تتعرفها الآلة، وهناك برامج كثيرة تجعل الحوار بين الإنسان الغربي والآلة ميسرا بلغته الطبيعية، نذكر منها: الترجمة الآلية والتوليف الصوتي والتعرف البصري على الحروف والمدقق النحوي والإملائي ...إلخ. إلا أن التطبيق على اللغة العربية ما يزال في بداية الطريق، هذا على الرغم من أن هذه اللغة لا تختلف عن أي لغة في العالم فيما يتعلق ببرنامج الكفاية اللسانية، وما تتميز به اللغة العربية عن غيرها يجب أن يدفع بها إلى مقدمة اللغات العالمي في التعامل مع الآلة، فهي تقوم على مكونين رياضيين هما الجذر والوزن، وهما معا غير موجودين في أغلب لغات العالم.يتولى الجذر وضع البنية الأساسية للكلمة، ويتولى الوزن وضع هيكلها العام، يقوم الوزن بتوزيع الحركات على مختلف حروف الكلمة كما يقوم بتوزيع المورفيمات التي تضاف إلى مكونات الجدر بغرض توليد الكلمات: (سوابق ولواحق وأواسط) هذا التشكيل الرياضي للغة العربية جعل منها لغة انصهارية Fusion، خلافا للغات الأخرى التي تعد لغات إلصاقية Ensemblist فيما يتعلق بتوزيع المورفيمات داخل بنية الكلمة الأساس. والقول بالانصهارية يؤدي حتما إلى القول بالطبيعية الرياضية الجبرية للغة العربية.أما الحركات التي تعادل Voyelles في اللغات اللاتينية فتوزيعها مقنن بواسطة خوارزميات التطابق بين الوزن والكلمة المنتجة، لذلك لا نضعها – نحن العرب - على الكلمات، لكننا نستطيع قراءتها بدون صعوبة، لأننا نقرأ لغتنا ونتكلمها بالأوزان وليس بالحركات، والمقصود هنا بالحركات تلك التي يتولى المحلل الصرفي الطبيعي توزيعها على الحرفين الأول والثاني من الكلمة في حالة الجذر الثلاثي، والحروف الثلاثة الأولى في حالة الجذر الرباعي، أما حركة لام الكلمة فيسند توزيعها للمحلل النحوي الذي يتعامل مع اللغة بوصفها منظومة من الوظائف الصورية التي لها نظامها الخاص بها..هكذا يبدو أن اللغة العربية لغة رياضية في أساسها مكونة من منظومة من الحوارزميات الصورية، دخلها الجذور مرورا بالأوزان التي تتمتع بقوة الإصهار المورفيمي المبرمج وخرجها الكلمات والجمل، وهي كما يلي:- يمثل الجذر دخل البرنامج اللغوي في كفاية المتكلم، في البداية يتم اختيار الجذر المراد تشغيله، (ثلاثي أو رباعي)، ثم تشرع الكفاية في تطبيق خوارزميات المطابقة بين مادة الجذر اللغوي والمادة الصورية (ف.ع.ل)، وفي مرحلة لاحقة يتم تفعيل الوزن/ الميزان عن طريق خوارزميات الإقحام التي تقوم بإدراج الزوائد (سوابق ولواحق وأواسط وحركات) في البنية النظرية للجذر بهدف توليد الكلمة، أما في مرحلة التحليل فإن العملية تكون معكوسة، إذ يتم تطبيق نوع آخر من الخوارزميات تتولى تحليل الكلمة إلى بنيتها الأساسية، أي الجذر. - لكل صيغة صرفية مقابل دلالي مخزن في الكفاية، وهذا المكون الدلالي الصرفي هو الذي يضمن ربط المستوى الصرفي بالمعجم والدلالة، وتؤمن ظاهرة الانصهار التي تنفرد بها اللغة العربية حرية الحركة للكلمات داخل الجملة، أما علاقة الصرف بالمستوى الصواتي فلا تحتاج إلى دليل، وخاصة فيما يتعلق بالأصول المعتلة. ونظرا لارتباط كل صيغة صرفية بدلالة محددة تنتظم على شكل حقول دلالية فقد أخذ الصرف نصيبا وافرا في باب الدلالة.- تتميز الجذور الثلاثية بمرونة واسعة في التحرك داخل البنية اللغوية، خلافا للجذور الرباعية والخماسية.- أما في مجال تركيب الجمل فإننا ننظر إلى الفعل فيها بوصفه دالة Fonction، وأما بقية العناصر فمتغيرات، وذلك كما يلي: P V (n1, n2 … nx)وقد بني المعجم الإلكتروني لتراكيب اللغة العربية على هذا الأساس- ونظرا للطبيعة الجبرية لنظام اللغة العربية المتمثلة في منظومة الخوارزميات اللسانية التي تجمع بين مختلف مكونات النظام، فإن الربط بين هذه المستويات أمر بالغ التعقيد لا يمكن أن تقوم به الآلة إلا إذا تم تزويدها بالقواعد اللسانية الصورية، أي بالخوارزميات اللغوية، بنوعيها التوليد و التحليل..- إذا قارنا هذا العمل بمكونات الآلة نجد بينهما تشابها كبيرا في خطوات العمل وفي طبيعة النتائج التي يتوصل إليها البحث في كلا المجالين، وهي تسير وفق ما يلي:تمثل الخطوة الأولى لغة صورية تتبع تركيبا معينا في بناء الموضوع، وفي الخطوة الثانية يتم ترجمة لغة خوارزميات البرمجة إلى مقدمة لبناء النص باللغة الطبيعية، ثم تأتي في المرحلة الثالثة اللغة الطبيعية التي تعد النتيجة التي يتم من خلالها التأكد من صحة البرنامج من عدمه.وقد اجتهد الباحثون في الهندسة الحاسوبية في وضع نموذج من الكفاية البشرية على الحاسوب بهدف توفير أسباب الحوار بين الإنسان والآلة، إلا أن نصيب اللغة العربية من هذه البحوث قليل ولا يشمل إلا بعض القطاعات الجزئية التي لا تحتاج إلى خبرة لسانية كبيرة، أما البرامج العربية الكبيرة فلا أظن أن البحث قد شرع فيها إلى اليوم، وسنبين أسباب هذا التخلف الذي تعرفه صناعة البرمجيات العربية.إن امتلاك ناصية الحوار بين الإنسان والآلة باللغة العربية يمثل إحدى الأولويات التي يجب أن توضع نصب عين الباحث اللغوي الخبير بطريقة تصميم الخوارزميات اللغوية وفق نظرية لسانية يشتغل في إطارها، إلا أن هذا يتطلب العمل في إطار مرجعية علمية ذات طابع لساني صوري.أما المهندس الحاسوبي فيأتي دوره في المرتبة الثانية، فهو مجرد منفذ للعمليات الحاسوبية اللغوية التي يضعها اللغويومع ذلك لا يمكن لكل منهما أن يشتغل بمعزل عن الآخر، يجب التعاون المستمر في بناء صرح البرامج اللغوية ذات التوجهات المختلفة: علمية وتعليميةومع الأسف الشديد لا توجد لحد الآن لغة برمجة بالحرف العربي، على الرغم من المحاولات التي بذلت في هذا الصدد في بعض مراكز البحوث العالمية2-التعريف بالمدرسة الخليلية الحديثة تضم هذه المدرسة جماعة من الباحثين ، و يعد الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح * من أبرز علمائها المؤسسين ، و قد عكفت هذه المدرسة منذ حوالي أربعين سنة على دعوة اللسانيين و الباحثين العرب إلى قراءة التراث بمنظار علمي بعيد عن التعسف في الاستنطاق ، و الاعتباط في التأويل.و بفضل جهود علمائها و باحثيها عرفت الدارسين بخصائص علوم اللسان العربي ، و مضامينه النوعية انطلاقا من مقولات اللسانيات الحديثة ، فأثبتت الحلقة المفقودة التي تجاهلها الغربيون عندما أرخوا للفكر اللساني البشري ، و التي تتمثل في مستخلصات ثمانية قرون أو تزيد من مخاض التفكير اللغوي عند العرب لا سيما القرون الخمسة الأولى للهجرة ، التي أفرزت نظرية شمولية في الظاهرة اللغوية.و قد جاءت هذه المدرسة بنظرية وسمت بالنظرية الخليلية الحديثة ، و التي يمكن اعتبارها نظرية رياضية في قضايا اللسان العربي ، و سميت بالخليلية نسبة إلى العالم اللغوي الفذ "الخليل بن أحمد الفراهيدي"* ففيها عكس فكره الرياضي المبدع في تأسيس النحو العربي على معطيات رياضية لا تحتمل الخطأ فجاء البحث اللساني الحديث ليؤكد أن ما توصل إليه الخليل يأخذ المنحى العلمي في الحوسبة اللغوية بكافة فروعها .و قد عمل زعيم المدرسة الخليلية الحديثة- الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح –على تطوير نظريات كل من الخليل و سيبويه و ابن جني بناءا على ما استجد من نظريات لسانية حديثة و ما أنتج في مجال الإعلام الآلي ، حيث طبق مواصفاتها على الحوسبة اللغوية التي تفرضها أنماط التعامل مع الأجهزة الحديثة ، و قد كان نتيجة ذلك أن أسفرت الدراسات التي قام بها الحاج صالح عن أسس النظرية الخليلية الحديثة مما جعلها تنفرد عن غيرها من النظريات من حيث الوجهة و المبدأ ، و هذا ما يتضح جليا من خلال المفاهيم التي بنيت عليها هذه النظرية و التي سأعمل على ذكر أهمها فيما يلي-المفاهيم الأساسية للنظرية الخليلية: -1- مفهوم الاستقامة:يميز "سيبويه" في الكتاب بين السلامة الراجعة إلى اللفظ، و السلامة الخاصة بالمعنى، كما يميز أيضا بين السلامة التي يقتضيها القياس (أي النظام العام الذي يميز لغة من لغة أخرى) و السلامة التي يفرضها الاستعمال الحقيقي للناطقين، و ذلك قوله في باب "الاستقامة من الكلام و الإحالة": "فمنه مستقيم حسن، و محال، و مستقيم كذب، و مستقيم قبيح، و ما هو محال كذب، فأما المستقيم الحسن فقولك: أتيتك أمس، و سآتيك غدا، و أما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره فتقول، أتيتك غدا و سآتيك أمس. و أما المستقيم الكذب فقولك: حملت الجبل، و شربت ماء البحر و نحوه، و أما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه نحو قولك: قد زيدا رأيت، و كي زيد يأتيك و أشباه هذا. و أما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب ماء البحر أمس" .فواضح من هذا الكلام أن سيبويه يحدد مفهوم السلامة و علاقتها باللفظ و المعنى من ناحية، و القياس و الاستعمال من ناحية أخرى. فهناك المستقيم الحسن، و المستقيم القبيح، و المستقيم المحال، و يمكن صياغة هذه المعاني بشكل آخر أكثر وضوحا:- فالمستقيم الحسن = السليم في القياس و الاستعمال جميعا.- و المستقيم القبيح = السليم في القياس و غير السليم في الاستعمال.- و أما المستقيم المحال = سليم في القياس و الاستعمال، غير سليم من حيث المعنى. و من ثم جاء التمييز المطلق بين اللفظ و المعنى، و معنى ذلك أن اللفظ إذا حدد أو فسر باللجوء إلى عبارات تخص المعنى فالتحليل هو تحليل معنوي، أما إذا حصل التحديد و التفسير على اللفظ دون أي اعتبار للمعنى فهو تحليل نحوي، و الخلط بينهما - كما يقول الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح- يعتبر خطأ أو تقصيرا " و قد بنى على ذلك النحاة أن اللفظ هو الأول، لأن هو المتبادر إلى الذهن أولا ثم يفهم منه المعنى، و يترتب على ذلك أن الإنطلاق في التحليل يجب أن يكون من اللفظ في أبسط أحواله و هو الانفراد" -2- مفهوم الإنفراد:ينطلق النحاة الأوائل في تحليلهم للغة من "الاسم المفرد" باعتباره النواة أو الأصل الذي تفرع عنه أشياء أخرى. و قد أطلق "الخليل" على هذا المفهوم مصطلح "الاسم المظهر (≠ المضمر)"، كما أطلق عليه "ابن يعيش" و "الرضي الاسترباذي" مصطلح اللفظة و اللفظة في اللسانيات الخليلية عمادها الوقف و الابتداء، فهي أقل ما ينطق به مما ينفصل فيسكت عنده و لا يلحق به شيء. أو يبتدئ فلا يسبقه شيء. فما ينفرد و ينطلق، أو ما ينفصل و يبتدئ هو صفة الانفراد. و مما تجدر الإشارة إليه، أن كل وحدة لغوية قابلة للانفصال عما فبلها أو ما بعدها من الوحدات، بمعنى أن كل وحدة لغوية يمكن الابتداء بها و الوقوف عليها حسب موقعها في الكلام. فمن الألفاظ ما ينفصل و يبتدئ مثل: "الرئيس" في نحو قولنا: "جاء الرئيس" و "الرئيس جاء". و منها ما ينفصل و لا يبتدئ مثل ضمير "تاء الفاعل" و "نا المضاف إليه في نحو قولنا: خرجت" و "كتابنا". و منها ما يبتدئ و ينفصل مثل حرف الجر في نحو قولنا: "في التأني السلامة". و يحمل النحاة "اللفظة" على غيرها من المثل و النماذج فتفرع إلى لفظات في نظائر للنواة، و لكنها أوسع منها، من خلال تعاقب زيادات قبلية و بعدية عليها دون أن تفقد وحدتها أو تتفرد فيها أجزاؤها، فلا تخرج عن كونها لفظة (أي قطعة واحدة). و سمى النحاة هذه القابلية للزيادة يمينا و يسارا " التمكن" و لاحظوا أن لهذا التمكن درجات تترتب كالآتي :أ- المتمكن الأمكن، الذي يحمل معناه بداخله و لا يحتاج إلى غيره، و يتمثل في اسم الجنس المنصرف كرجل و فرس و شجرة.ب- المتمكن غير الأمكن، و يتمثل في الممنوع من الصرف. ج- غير المتمكن و لا أمكن، و يتمثل في الاسم المبني.يتبين لنا من خلال التحديد الإجرائي السابق للاسم ما يلي :أ‌- أن التحويل بالزيادة و التعاقب هو الذي يحدد الوحدات في النظرية الخليلية.ب‌- أن كل الوحدات المحمولة بعضها على بعض بعمليات التحويل هي نظائر للنواة من حيث أنها وحدات تنفرد أولا و متفرعة عنها بالزيادة ثانيا.ت‌- أن الوحدات المحمولة بعضها على بعض تكون مجموعة ذات بنية تسمى في الاصطلاح الرياضي بالزمرة (structure de groupe).و هنا نشير إلى أن العلاج الآلي للنصوص يستلزم مثل هذه الصياغات الرياضية التي تكون على شكل خوارزمات (algorithmes) .-3- مفهوم المثال:يذكر صالح بلعيد أن أستاذه عبد الرحمن الحاج صالح قد ترجم مصطلح "المثال" بمصطلح "schème générateur"، و أنه يعتبر مفهوم اعتباري منطقي رياضي، ذلك لأنه يعد حدا إجرائيا تتحدد به العناصر اللغوية، حيث ترسم فيه جميع العمليات التي بها يتولد العنصر اللغوي في واقع الخطاب . و المقصود بالمثال هو وزن الكلمة و هو مكون من عمليتين هما: العملية الأولى: تهتم بالحروف الأصلية للكلمة.العملية الثانية: تهتم بالتغيرات أو الإجراءات التحويلية التي تتعرض لها الكلمة من خلال دخول الزوائد عليها أو عدم دخولها (أو ما يعرف بالعلامة العدمية في اللسانيات الحديثة) مما يؤدي تغير في الأوزان. -4- مفهوم القياس:يعرف القياس من قبل النحاة على أنه "حمل غير منقول على المنقول إذا كان معناه". و القياس معظم أدلة النحو، و التعويل عليه يكون في أغلب المسائل النحوية إذ لا يتحقق إنكاره لأنه أغلب النحو، و إنكاره إنكار النحو. تقول منى إلياس: "و عماد المنهج النحوي عند الخليل و صاحبه بعد تصنيف الكلم إلى زمر فكرتان هما عمودا القياس الذي يكاد يكون لباب منهجهما، و هما فكرة العامل و فكرة الأصول و الفروع تستتبعه من تعليل. و هذا هو قوام القياس" . و هكذا فإن القياس يحتل مكانة هامة في النحو العربي، إذ "هو حمل شيء على شيء لجامع بينهما، و حمل شيء في الحكم، و هذا الحكم هو الذي يسمى في المنطق الرياضي تطبيق النظير على النظير bijection و تطبيق مجموعة على مجوعة حتى يظهر تطابق في البنية بين مجموعتين على الأقل". -5- مفهوم الأصل و الفرع:بني النحو العربي في أصله على مفهوم الأصل و الفرع. فلأصل عند النحاة العرب هو العنصر الثابت أو النواة، أما الفرع فهو الأصل بزيادة إيجابية أو سلبية. و الأصل كذلك عند العرب - حسب عبد الرحمن الحاج صالح- هو "ما يبنى عليه و لم يبن على غيره"، و الفرع هو الأصل مع زيادة أي مع شيء من التحويل. فالانتقال من الأصل إلى الفروع هو تحويل يخضع لنظام من القواعد و لا بد من التنبيه أن التفريغ له مقابل و هي الحركة العكسية للتفريع و هو عند النحاة "رد شيء على أصله" . فمسألة الأصل و الفرع التي تعد عماد القياس مسألة اهتم بها النحاة و أبرزهم الخليل، تقول منى إلياس: "و الخليل في هذا كله كأنما لمح ببصيرته أن مختلف ظواهر اللغة تنتظمها خطوط خفية و هذه الخطوط الكبرى التي تتشعب عنها الخطوط التي دونها هي التي جعلها أصولا و جعل الباقي فروعا.... و كثير من الأمور التي أخذ فيها الخليل بهذا المبدأ جاءت مطابقة لما ثبت في الدراسات النفسية للغة، التي قامت على أصول تجريبية. فتبين أن الأسماء أقوى تمكنا في النفس و الفعل، و من ثم كانت أثبت في الحفظ من الأفعال، و هذا ما عناه الخليل بقوله إنها هي الأول". و مفهوم الأصل و الفرع خاصية يتميز بها النحو العربي عن باقي العلوم الغربية ما عدا النظرية التوليدية و التحويلية لتشومسكي، إلا أن التحويل في هذه النظرية يقتصر على نوع واحد، و هو التحويل الذي يربط بين البنية السطحية و البنية العميقة للجملة. و يقابله في النظرية العربية ما يسمى بالتحويل التقديري. و يرى عبد الرحمن الحاج صالح بأن "مجموع العمليات التحويلية التي تؤدي إلى نتيجة معينة تكون دائما ما يسمى عند الرياضيين المحدثين بالزمرة (groupe)".
لغـة الطفل بين الفطرة والاكتساب دراسة في الفكر اللغوي بقلم د.حامد احمد الشنبري. ( 2 )الأساس الثالث :يتمثل هذا الأساس في أن كل طفل يستطيع بصورة طبيعية أن يميز بين بنيتين مختلفين للغة هما : البنية العميقة " Deep Structure ", والبنية السطحية " Surface Structure " كما أنه يلم بالقواعد التي تحول البنية العميقة المخزونة ذهنياً إلى تجسيد أدنى , أي تركيب سطحي " Performance " . وهذا يساعد الطفل على تكوين فرضيات عقلية , أو ذهنية يستخلصها من الكلام الذي يسمعه , والذي يتألف (( عادة )) من خليط غير مفهوم من الأصوات , ويبدأ بتعديل هذه الفرضيات تدريجيا( 7).وقد استفاد تشومسكي من أفكار فلاسفة القرنين السابع والثامن عشر أمثال " ديكارت " الذي رأى أن للإنسان قدرات فريدة لا يمكن تفسيرها آليا ( حتى ) , وإن صلح هذا التفسير أحياناً في ميدان الوظائف الحيوية والسلوكية للإنسان . وأظهر هذه القدرات وأعظمها في نظره هي اللغة الأنسانية التي لاتحدها أية ارتباطات أو قوالب تعبيرية ثابتة , نتيجة لمؤثرات خارجية أو حالات فسيولوجية , ومن ثم فهي صورة للعقل البشري باعتباره أداة عامة صالحة لكي تلائم كل الحوادث والاحتمالات(8 ) .وقد انتقد تشومسكي بعض علماء اللغة المحدثين من قبله أمثال دي سوسير " Desaussur " و هوكت " Hokett " وغيرهما , ممن لم يلتفت إلى ملاحظات " دي كارت " حول العقل واللغة , أو هؤلاء الذين رأى أنهم قد فشلوا في فهم هذه الملاحظات , وخاصة بلومفيلد " Bolmfield " الذي نسب الجانب الإبـداعي إلى نظرية القيـاس في اللغـة , مما يدل على أنه لم يدرك العلاقـة بين العقـل واللغة على نحو صحيح( 9) .ومن ثم فقد صاغ " تشومسكي " هذه الأفكار صياغة جديدة عندما رأى أن للإنسان قدرة عقلية فريدة تعد عطاء للفطرة , وتتمثل في الجانب الإبداعي للعقل البشري الذي تعده اللغة أعظم معطياته( 10) .تطور نظرية تشومسكي : يعتبر ما قال به تشومسكي في نظريته الحديثة التي أسماها الإبداع أو الابتكار امتداداً لنظريته السابقة , النظرية الفطرية , يقول بعض الباحثين : " لقد أضاف تشومسكي ما أسماه بنظرية الإبداع والابتكار , ويراد بها تلك الصفة النفسية التي تتوافر عند من يتكلم لغـة معينة ويستطيع استخدامها بيسر وسهولة , وبناء على هذه النظرية الجديدة ، فإن الطفل يكتسب لغـة الأم عـن وعي وإدراك حتى في سن مبكرة جدًّا , وأنه حالما يستوعب القواعـد المختلفة التي تعتمد عليها اللغة تتكون عنده القدرة على الإبداع والابتكار , التي تمكنه من توليد الجمل المختلفة التي يريدها في الوقت والظرف المناسبين"(11 ).ووفقاً لما ذهب إليه تشومسكي من أن الطفل لا ي*** وذهنه صفحة بيضاء , بل ي*** مزوداً بقـدرة خاصة تمكنه من تعلم اللغة , ويحاول أن يضع ما يسمعه من ألفاظ اللغة التي يعـيش بين أهلها في القوالب العامـة . ومن ثم فالطفل لا يكون عنصراً يقتصر دوره على التلقي والأخذ والتقليد , وإنما يمثل عنصراً إيجابياً يستخدم قدراته العقلية (الإبداعية ) أثناء اكتسابه للغـة( 12) , وتوليد نماذجها المختلفة . ملامح نظرية تشومسكي ( الإبداع والابتكار ) : لقد كان من أهم الملامح لهذه النظرية ( الإبداع والابتكار ) الأخذ بمبدأ التمييز بين كل من القدرة " Competence " , والأداء الفعلي "Performance "( 13) .وهذا يذكرنا بما صنعه دي سوسيرعندما فرق بين اللغة Langue والكلام Parole .تقـول " J. Green " والإشكالية الأساسية في هذه التفرقـة أنه قد لا يكون هناك دائماً توافق دقيق بين المتعلم وقوانين اللغة ( 14).وأهم مقومات هذه اللغة أو القدرة هي معرفة الفرد بالقواعد الصرفية والنحوية التي تربط المفردات بعضها ببعض في الجملة بالإضافة إلى معرفة قواعد التحويل " Transformational Rules " وهي التي تعمل على تحويل البنيات العميقة للجملة إلى الشكل الخارجي للأداء ( السطحي ) الذي يعبر عنه بأصوات الكلام , ومن ثمّ يكون المقصود بالأداء هو الأصوات اللغوية المنطوقة بالفعل ( 15).موقف اللغويين الغربيين من آراء تشومسكي التوليدية والتحويلية لقد امتدح كثير من الغربيين جهود تشومسكي في اللغة بوجه عام على سبيل المثال ما قاله بالمر " Palmer " إنّ نظرية تشومسكي هي أكثر النظريات اللغـوية أثـراً في الوقت الراهن , ولا تسمح لأي دارسٍ جادٍّ بإغفالها . وقال " Robins " : لعل أهم تغيير في اتجاه اللسانيات الوصفية والنظرية الذي حدث في السنوات الأخيرة هو الذي وقـع على يد تشومسكي منذ أن ظهر كتابه الأول عن هذه النظريـة عام 1957م( 16) .ورغماً من ذلك المديح , فلم تعدم هذه النظرية من ينتقدها ويصفها بأنها نظرية جدّ معقّدة وشبه رياضية( 17) .وقد لاقت افتراضات تشومسكي والأراء التي ذهب إليها في هذه النظرية نقداً من قبل علماء النفس اللغوي , الذين ذهبوا إلى أنه باستثناء عموميات قليلة في التركيب اللغوي , فإنه ليس هناك وجود واضحٌ أو واسع لهذه الافتراضات , والشيء الوحيد الذي أقره هؤلاء هو أن الكائن البشري لديه استعداد بيولوجي ( فطري ) للتفاعل مع البنية ( التركيب اللغوي ) على أسس شكلية وليست عقلية بحتة ( 18).الفكر اللغوي العربي وتوليد الطفل للغة : يرى كثير من اللغويين المحدثين أن علماء العربية القدامى قد ألمحوا لكثير من المسائل اللغوية التي اشتملتها آراء تشومسكي فيما يخص توليد اللغة خاصة فيما يتعلق بالتمييز بين البنيتين العميقة والسطحية من ناحية ( 19), والفرق بين القدرة والآراء من ناحية أخرى, بيد أن مثل هذه الإشارات لم تلق ما هي حقيقة به من الاهتمام والتطوير من قبل اللغويين المتأخرين. وسنعرض هنا لبعض تلك الآراء عند ابن خلدون من القدامى , ومحمد خلف الله أحمد من المحدثين (20 )؛ لأن كل منهما كان يُعنى باكتساب الطفل للغة وتوليده لها .رأي ابن خلدون : معرفة اللغة عند الطفل فيما يراه العلامة ابن خلدون عن طريق ملكة أو صفة راسخة تقترب من مفهوم الكفاية اللغوية عند أصحاب الفكر التوليدي . يقول ابن خلدون في مقدمته : (( يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيُلقَّنُها أولاً ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقّنُها كذلك , ثم لا يزال سماعُهُم لذلك يتجدد في كل لحظةٍ ومن كل متكلمٍ , واستعمالُه يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكةً وصفة راسخةً, ويكون كأحدهم , هكذا تصيَّرت الألسُـنُ واللغات من جيل إلى جيل وتعلَّمها العَجَمُ والأطفال )) (21 ).ويعلق أحد الباحثين على ما ذكره ابن خلدون قائلاً : (( إن الملكة اللسانية بذلك هي الأساس في لغة المنشأ حيث يترعرع الإنسان , وهي بالتالي تكون تامة في اللغة الأم , ويصعب على الإنسان اكتساب ملكة لسانية أخرى تكون تامة وراسخة مضافة إلى ملكته اللسانية الراسخة التي اكتسبها من البيئة التي ترعرع فيها , وتقتصر هذه الملكة الراسخة على لغـة المجتمع الذي ي*** فيه الطفل ( أي اللغـة الأم ), ولا علاقـة لها بالجنس أو العرق , بل تتكون عند الطفل خلال نموه في المجتمع الذي يتكلمها )) ( 22).ويشير ابن خلدون إلى العلاقة القائمة بين الملكة اللسانية وبين صناعة العربية , فيقول : (( ذلك أن صناعة العربية هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة , فهو علم بكيفية وليس نفس كيفية )) .ومن الواضح هنا أن ابن خلدون يميز بين الملكة اللسانية الفطرية وبين صناعة العربية المكتسبة بالتعلم . وهذا التمييز يقـارب إلى حد كبير ما قـام بـه تشومسكي من التفـرقـة بين " Competence " أي الكفايـة , و " Performance " الأداء , حيث إن هذه الكفاية اللغوية أو الملكة اللسانية لا تعدو أن تكون أمراً ذهنياً يتولـد منه الكـلام , إذ هي معرفة ضمنية بالقواعد التي تنتج الجمل , أما الأداء الكلامي أو الاستعمال الفعلي فإنما يتمثل تطبيقاً واستعمالاً آلياً لهذه المعرفة الضمنية بالقواعد أثناء عملية توليد الكلام , وهو يتم عبر قواعد الكفاية اللغوية . وبالموازنة بين مفهوم الملكة اللسانية عند ابن خلدون والكفاية الللغوية عند تشومسكي , نجد أن ابن خلدون في نظرته إلى الملكة اللسـانية , قد اقترب من مفهوم الكفايـة اللغوية عند تشومسكي ؛ لأن الملكة اللسانية في نظر ابن خلدون هي في نهايـة المطاف المقدرة على صناعة العربية , إذ يكفي اللجوء إلى قوانينها لكي يصوغ العربي الكلام العربي الصحيح , كما أن الكفاية اللغـوية في نظريـة تشومسكي هي المقـدرة على تكلم اللغـة أو كتابتها . ومما لا يصح إغفاله هنا هو أن ابن خلدون يركز على صناعة اللغة أو كتابتها في حين أن النظرية التوليدية لتشومسكي تركز على الأداء الكلامي بصورة عامة(23 ) .لقد أدرك ابن خلدون أيضا دور العملية الإبداعية حين أشار إلى أنّ سماع الطفل يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم , (( واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم )) ( 24) . تظهر مجالات الإبداع هنا من خلال تنوع الكلام وتجدده حتى تُمكِّن مقدرة الإبداع أو الابتكار الطفل من توليد أنماط اللغة بصورة متجددة, وفي ظروف ومواقف متجددة أيضا عن أفكار لا حصر لها ؛ لأن ملكة الإبداع ت*** ما لا يحصى من الجمل للتعبير عمّا لا يحصى من الأفكار من خلال القدرة على استخدام النظام التقليدي المعتمد على الكفاءة والمقدرة الذهنية .ويمكن تلخيص عملية اكتساب وتوليد الطفل للغة عند ابن خلدون على النحو التالي : أولاً : يسمع الطفل مجموعة متجددة من تراكيب اللغة . ثانياً : يحاول أن يتكلم على نحو إبداعي . ثالثاً : يمارس هذا التكلم . رابعاً : تتكرر عملية الممارسة والتكرار , فيؤدي ذلك بالتالي إلى ملكة اكتساب اللغة وتوليد أنماطها المختلفة . وهكذا يتضح لنا كيفية مقدرة الطفل على توليد لغة بيئته التي يترعرع فيها بالاسـتناد إلى مقدراته الفطريـة , وأن ابن خلدون قد مهد الطريق أمام المفاهـيم اللغوية التي أكدتها الدراسات اللغويـة النفسية الحديثة من خلال آراء تشومسكي , وقد أكدت على ذلك الدراسة التي قام بها أحد الباحـثين بعنوان( 25) :Ibn Khalduun and Not Chomesky, The True Orginator Of The Theory of Language Faculty.رأي الدكتور/ محمد خلف الله أحمد : يعد الدكتور/ محمد خلف الله من رواد المدرسة النفسية اللغوية العرب , وقد تناول مسألـة اكتساب اللغة عند الطفل في دراستين هامتين , هما : الأولى : كتابه " الطفل من المهد إلى سن الرشد " 1939م .والأخرى : مقاله عن " الطفل واللغة القومية " 1970م , ودراسته الأخيرة هذه انتهى فيها إلى " أن الطفل يتعلم لغته القومية بسهولة ويسر, وهو بلا تجارب أو معارف سابقة " ( 26).وقد أكد على أن من أهم مظاهر المقدرة النحوية عند الطفل القدرة على التعبير اللغوي , واستعمال أجزاء الكلام , وهو بهذا يكون قد استبعد دور الأسرة في تعليم الطفل لغته القومية ( 27). ويقتصر دور الأسرة في نظره على تسهيل عملية اكتساب اللغـة من خلال عرض نماذج لها دون تلقين منه أو تقليد من الطفل . وهذا يعني الابتكار والتجربة من قبل الطفل من ناحية , وهو من – ناحية أخرى – يفسر استمرار الأخطاء اللغـوية التي تسمع من الطفل في محاولته الدائبة لتنمية ملكته الفطريـة خاصة فيما يتصل بالنظام النحوي , فكل ذلك يتحقق من خلال المادة اللغـوية المسموعة التي يتعرض لها الطفل . لهذا كله يرفض كل من تشومسكي وخلف الله مبدأ التقليد في اكتساب اللغة من منطلق أن التسليم به يُحوِّل الطفل إلى ببغاء لا عقل لـه , كما يرفضان أيضا المذهب السلوكي ؛ لأنه يساوي بين السلوك الإنساني , والسلوك الحيواني . وينزع عن الإنسان السمة الوحيـدة التي تميز بها الإنسان وهي العـقل , كما يتمثل في اللغة والتي بدونها لا تتحقق انسانية الإنسان ( 28), ولا يمكن موافقة الدكتور/ خلف الله في كل ما ذهب إليه من الاستبعاد التام لدور الأسرة في اكتساب اللغة ؛ لأن الدراسات النفسية التي قام بها كل من برنشطاين " Bernstein ", وبورديو " Bourdien " , وباسرون "Passeron" تؤكد على دور الأسرة في اكتساب اللغة لدى الطفل , وتبين كيف أن الفوارق اللغوية الموجودة بين الأسر تحدد الفوارق أمام النجاح المدرسي وتثبيت التباينات الاجتماعية , ففي أسرة ذات قاموس لغوي ضعيف, أو يقل فيها الكلام تكون قدرة الطفل على النمو الفكري والتوليد اللغوي بطـيئة , حيث يمتنع الطفل عن إلقاء الكلمات , ويتعمد الصمت في بعض الحالات الشيء الذي يؤدي إلى حالات نفسية مقلقة (29 ).والحقيقة التي لا مراء فيها أن للأسرة في المدينة والقرية والحاضرة والبادية دوراً كبيراً في عملية إسماع الطفل بصفة متكررة لألفاظ وعبارات اللغة , بيد أن هذا لم يكن ليعطي أثره الفعال دون أن يكون لدى الطفل الملكة اللسانية أو الكفاية اللغوية , التي تساعده على فهم وتوليد جمل شبيهة أولاً , ثم متجددة ثانياً . ومن هذا المنطلق فإنه لا تناقض بين ما تقوم به الأسرة من تعليم وتلقين , وما تنهض به الملكة اللغوية , وإنما كلاهما يتضافر مع الآخر , وذلك وفقاً لبيئة الطفل الاجتماعية , والتي تنشأ عنها فروق لغوية مهمة يتميز بها كلُّ حسب الموطن الذي نشأ وترعرع فيه , تؤثر في كمية وكيفية اكتسابه للغة , وبالتالي فإن على مخططي البرامج التعليمية مراعاة التنوع في المادة اللغوية المقدمة للطفل حتى تتلاءم مع هذه الفروق , كما أن على دور التعليم المختلفة التقليل من آثار هذه الفروق – ما أمكن – وخاصة فيما يتعلق باختلاف البيئات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية, حيث يمكن تدبير رحلات منظمة تكتمل عن طريقها خبرات الأطفال الريفين بذهابهم إلى المناطق الحضرية والتجول فيها وبالعكس بالنسبة لأطفال المدن الذين تنقصهم الألفاظ المتعلقة بحياة الزراعة والرعي , وما يتعلق بها. ومن الوسائل المساعدة في التغلب على مشكلة الفروق الفردية اللغوية ما تقوم به وسائل الإعلام , وخاصة المرئية منها , إذ بإمكانها تقديم برامج تتكامل مع بعضها وتلائم أصحاب البيئات المختلفة، ولا يجب أن نغفل دور الآباء والأمهات في معالجة ما قد يلاحظ لدى أبنائهم من نقص للمقدرة اللغوية وكونهم الأقدر على تقويم أداء أبنائهم وصقل مقدرتهم اللغوية, يساعدهم على ذلك تعاون مثمر بينهم والمعلمين. كما أن على وزارات التربية و التعليم و الإعلام والصحة و الخدمة الاجتماعية العمل سوياً على وضع برنامج للطفل العربي يظهر قدرته على اكتساب اللغة والتعلم كماً وكيفاً ، آخذاً في الاعتبار نسب الذكاء عند الأطفال والواقع الثقافي والحضاري في الوطن العربي. هـذا وبالله التوفيق . الهوامش:1) تطور لغة الطفل لأحمد أبو عرقوب , ص 39 .2) لغة الطفل في ضوء مناهج البحث اللغوي الحديث للدكتور / حسام البهنساوي , ص97 .3) الألسنية ولغة الطفل العربي لجورج كلاس , ص 144 . 4) لغة الطفل في ضوء مناهج البحث اللغوي الحديث , ص 100 . 5) انظر الألسنية ولغة الطفل العربي , ص 144 . 6) انظر علم اللغة العام , دي سوسير ترجمة يوئيل يوسف عزيز , ص 24 , وكذلك النمو المعرفي النظرية والتطبيق لتيريز ترجمة عادل عبدالله محمد , ص 89 .7) انظر الألسنية ولغة الطفل العربي , ص 145-146 , وقارن بتطور لغة الطفل , ص 40 . اللغة والطفل , دراسة في ضوء علم اللغة النفسي للدكتور/ حلمي خليل , ص 87 .9) Chomesky, N,Cartesian Linguistics, p:12 , وقارن بالمرجع السابق , ص 88 . 10) السابق : P: 3 - 5 .11) Chomesky, N, Aspects of Theory of Syntax p. 59 , وانظر علم اللغة النفسي لجرين ترجمة مصطفى التوني , ص 121 .12) علم اللغة النفسي لجرين ترجمة مصطفى التوني , ص 121 . 13) H. g widdowson, linguistics, p 24- 26 14) انظر علم اللغة النفسي لجرين ترجمة مصطفى التوني , ص 121 .15) انظر علم اللغة النفسي , د/ عبدالمجيد سيد أحمد منصور , ص 139 .16) انظر النظرية الأمريكية في اللغة تشومسكي 1986 للدكتور/ ابن رشد المعتمد , ص 9-1017) السابق , ص10 .18) انظر تطور لغة الطفل لأبي عرقوب , ص 40 .19) انظر في الموازنة بين جهود تشومسكي وعبد القاهر الجرجاني , تعليم النحو بين النظرية والتطبيق د / تمام حسان , مجلة المناهل عدد 7 عام 1976 , ص 112 فما بعدها . وانظر أيضا مفهوم البنية العميقة بين تشومسكي والنحو العربي , مجلة اللسان العربي , ص 5 , العـدد 34 . 20) يعد الدكتور/ محمد خلف الله – رحمه الله – من الرواد الأوائل للمدرسة النفسية في دراسة اللغة والأدب , ومن أوائل من كتب حول اكتساب الطفل اللغة . انظر اللغة والطفل , دراسة في ضوء علم اللغة للدكتور/ حلمي خليل , ص 8 . 21) مقدمة ابن خلدون , ص 1071 . 22) بتصرف من : الملكة اللسانية في مقدمة ابن خلدون , د/ ميشال زكريا , 29 . 23) الملكة اللسانية في مقدمة ابن خلدون , ص 24 . 24) مقدمة ابن خلدون , ص 1071 . 25) انظر نتائج هذه الدراسة وتفصيل أكثر حول هذا الموضوع في كتابنا لغة الطفل . 26) انظر بحوث ودراسات في العربية وآدابها مقال د/ محمد خلف الله أحمد بعنوان : الطفل واللغة القومية , ص 255 . 27) اللغة والطفل دراسة في ضوء علم اللغة النفسي , ص 90 . 28) السابق , ص91 . 29) انظر إشكالية التواصل داخل الأسرة المغربية للأستاذة / عائشة بالعربي , بحث منشور في مجلة جمعية موظفي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط , ص 79 – 90 . الدكتور حامد احمد الشنبري.
السيميائية و السميولوجيا عند بيرس و دي سوسير
أجمع النقاد المحدثين على أنَ ( بيرس ) لم يلتقِِ ، أو لم يقرأ عن سوسير والعكس صحيح أيضاً ، إلاَ أنَ معطياتهما تكاد تكون متقاربة ومنسجمة في بعض المواضع ، فكلاهما أسس لعلم نقدي لغوي شامل ، وهو علم السيميائية ( Semiotique ) أو علم العلامات ، وكلاهما انطلق من تأسيس ذلك من خلال الحديث عن معطيات العلامة وتصنيفاتها ومداخلها ، وميادين تنظيرها وتطبيقها ، وكلاهما أسهم في إنعاش الحركة النقدية والمعرفية الأوربية ، وعُدت معطياتهما طرائق يُهتدى بها في السلوك التحليلي الفلسفي والنقدي واللغوي الحديث .يُعدَ شارل ساندرس بيرس مؤسس المنهج الفلسفي الحديث البراغماتية ( Pragmatism ) أو ما يطلق عليــه : ( الذرائعية ، التداولية ) وهو منهج أكدته النتائج العلمية ، وراهنت على صحته المؤسسات البرجوازية ومفاده : أنَه ليس هناك معرفة أولية في العقل تُستنتج منها نتائج صحيحة ، بل الأمر كله مرهون بنتائج التجربة الفعلية العملية التي تحل للإنسان مشكلاته ، وأنَ الأفكار والنظريات والمعارف والنتائج تشكل بمجموعها وسائل وذرائع دائمة لبلوغ غايات جديدة ، وأنَ معيار صدق الأفكار والآراء هو في قيمة عواقبها العملية ، وأنَ الحقيقة وفقاً لهذا المنهج تُعرف بنجاحها ، وإن الإله ( موجود ) بقدر تعلق الأمر بانتظام المجتمع حسب ، وقد شارك بيرس في تأسيس تلك المعطيات : وليم جيمس (-1910) ، وجون ديوي (-1952) . ( ينظر : البراجماتزم أو مذهب الذرائع ، يعقوب فام ) .ولقد أطلقت الدوائر الأوربية والأوساط السياسية شعارات ومناهج عمل انطلقت من مبادئ الذرائعية ، ومنها : ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، و( الوقت هو المال ) … الخ ، وكان من نتائج ذلك تراجع القيمة الإنسانية ، وتعزيز القيمة الرأسمالية ، فضلاً عن انحسار الأخلاق أو اندحارها ، وكان لهذا السلوك الاجتماعي أثر كبير على مجمل المعطى النقدي والتحليلي .وأسس بيرس أيضاً الخطوات المنهجية لدراسة العلامة وتقسيماتها وأهمية دراستها ، وتصنيف الحقول التي تسهم العلامة في الاشتغال فيها ، ويمكن القول أنَها تعمل بنشاط في كل ميادين الحياة المختلفة ، وتتسم خطوات بيرس هذه بميزتين :الأولى : أنَها تحليل فلسفي منطقــي .الثانية : الإيغال في التقسيم والتفصيل .فيما يتعلق بالنقطة الأولى اتسم تحليل بيرس للعلامات بوصفه تحليلاً فلسفياً منطقياً من حيث استخدام المصطلح الفلسفي ، ثم تصنيف العلامات وفقاً لذلك ، ولا غرابة في هذا لأن (ش.س. بيرس ) هو فيلسوف ، واشتغاله في الميدان الفلسفي أوسع وأكبر من اشتغاله بالميدان النقدي ، أما فيما يتعلق بالميزة الثانية فقد كانت تقسيمات بيرس للعلامة وفروعها ، تقسيمات ثلاثية حتى قيل : " أن مزاج بيرس ثلاثي التفريع ، أما مزاج سوسير فثنائي التفريع " ( ينظر: بيرس أو سوسير ، جيرار لودال ، ت : عبد الرحمن بو علي ، مجلة العرب والفكر العالمي ، العدد 3 لسنة 1988 : 117 ) . إنَ المفهوم الأساسيّ لسيميائية بيرس هو : الصيرورة الدلالية أي دلالة لا نهائية ( السيموزيس : Semiosis) التي يعمل بموجبها شيء ما بوصفه دليلاً ، وتحوي هذه الصيرورة على عوامل ثلاثة : ( الممثل ، والموضوع ، والمؤول ) وهي أقسام العلامة كما صنفها بيرس ، والمهمة الأساسية ـ عنده ـ تكمن في تحليل اشتغال الدليل في الاستعمال الفردي للصيرورة بوصفهه ذات وظيفة دلائلية تواصلية ، وهذه الوظيفة هي خاصية جوهرية للغة محددة بقوانين القواعد ، والوحدات اللسانية ( ينظر : الاتجاهات السيميولوجية المعاصرة ، مارسيلو داسكال ، ت : حميد لحمداني وآخرون ) . لقد استند التحليل السيميائي عند كل من بيرس وسوسير إلى ميراث فلسفي ينطلق من فجر الطرح الفلسفي مع اليونانيين : أفلاطون وأرسطو (-322 ق.م ) ، والرواقيين ( Stoics ) ، والشكيين ( Scepticum ) مروراً بأوغسطين (- 430 م ) وتوما الأكويني (- 1274 م ) وديكارت (- 1650م ) ، وهيجل (-1831م ) ، ولوك (- 1704 م ) وانتهاءً بأنجلز (- 1895 ) وماركس (-1883م ) ودوركايم ، وقد تحدث تودوروف بشكل مفصل عن ولادة السيميائية الغربية في كتابه : (Theories of the symbol , Tra : C. Porter : 19 ) ، وبيَـن أنَ مسيرة السيميائية ممتدة زمنياً ، ولا يمكن اختصارها ، فمعطياتها متشابكة ، وطرحها الفلسفي والنقدي يلفّ العالم أجمعه ، ويطمح إلى رسم فهم للوجود من خلال تفسير العلامات وتحليلها ، وبيان وظائفها وفاعليتها ومساهمتها في إنشاء التواصل بين مختلف الموجودات .ومن هذا المنطلق توسعت مباحث السيميائية وشملت مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل وحتى النفسية ، ودخلت بشكل كبير ومباشر إلى المعطيات النقدية لما بعد البنيوية ، حتى عُدت ركناً مهماً من أركان التحليل النقدي لما بعد البنيوية ، وقد اتسمت مسيرة السيميائية بالتطور المتنامي المتسارع ، لأنَها شكلت الأداة والمنهجية الدقيقة في تفسير سلوك العلامات وبيان وظائف علاقاتها ، وهذه العلاقات تتسم بقدرتها على التوالد والاستمرار والصيرورة ، إذ بلغت السيميائية مكاناً متميزاً بين المناهج الفلسفية والنقدية العالمية المختلفة ، لقد ابتدأت من تحليل العلامة فقدمت تفسيراً للموجودات ، وفهماً لحركة العالم ، وشرحاً لأنظمة الكون ، وصيغاً لا نهائية لمشاريع مستقبلية تتخذ من سلطان العلامة إطاراً موسوعياً لإبداع رؤى جديدة .إنَ تنوع الأبحاث السيميائية هو تنوع في أنساب الجوانب الفلسفية التي تريد فهم الموجودات ، والتواصل الحاصل فيها هو تواصل بين الوجود والموجود ، بين النظام والوظيفة ، بين الدلالة والسياق ، بين المادة والماهية ، بين فعل الخَلق وفعل الإنتاج ، إنَ مسيرة السيميائية هي مسيرة التسلسل المعرفي والنقدي الذي يقابل التأمل بالتحليل ، والنسق بالتأويل .إنَ التحليل السيميائي عند بيرس وسوسير هو : عبارة عن بيان شبكة من العلاقات تستهدف دراسة أوجه النشاطات والفعاليات الإنسانية في مظاهرها الدالة ، ودلالاتها الممكنة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ، ويستهدف معرفة كيفية عمل الأنظمة الدلالية : ( اللسانية وغير اللسانية ) ، لذلك استخدمت المجاميع والمدارس النقدية المختلفة طرائق متباينة لاستعمال التحليل السيميائي ما بين تحليل سيميائي للتواصل ، وآخر للدلالة ، وللثقافة (ينظر: دروس في السيميائيات ، حنون مبارك : 100).ويتضح الفرق النقدي بين معطيات سوسير عن السيميائية ، ومعطيات بيرس عنها بالنقاط الآتية :1. إنطلاقة سوسير المنهجية كانت لغوية لسانية - الدال و المدلول- خصوصا ، أما بيرس فمنطلقه فلسفي منطقـي أي أن سيميولوجية سوسير لغوية جزئية و سيميائية بيرس كونية شاملة فهو يرى أن الكون رمز كبير و كل ماتحت قبة هذا الكون الفسيح رمز و أن العلم الوحيد الذي يدرس هذه الرموز هو علم السيميائيات.2. العلامة عند سوسير ثنائية المبنى تتكون من دال ومدلول ، أي : تجمع بين الصورة العيانية والصورة الذهنية ولا تجمع بين الشيء ومسماه( الإعتباطية) ، في حين أنَ العلامة عند بيرس ثلاثية المبنى تتكون من الممثل (المحمول Interpretant)، والرابطة (الوسيلة Connective )، والموضوع (Object) وهي مبنية على قاعدة رياضية تقول: إنَ كل نظام لابد أن يكون ثلاثياً.3. أكدَ سوسير بشكل كبير أهمية العلامة داخل نظامها في النص ، دون الارتباط بعالم المرجعية خارج النص ، ودرس اللغة من خلال وصفها نظاماً أجزاؤه مرتبطة فيما بينها، في حين أكدَ بيرس أهمية العلامة في علاقتها بعوالم ثلاثة : (عالم الممكنات ـ المقولة الأولانية ، وعالم الموجودات ـ المقولة الثانيانية ، وعالم الواجبات ـ المقولة الثالثانية) ، وقد استمد بيرس هذه المقولات من مقولات الظاهراتيــة : ( فلسفة الكائن ، ومقولة الوجود ، ومحاولة الفكر لتفسير الظواهر ). ( ينظر: ما هي السيميولوجيا ، برنـار توسان ، ت: محمد نظيف ) . 4. العلامة عند سوسير لغوية - حصراً - وتمتاز بكونها تباينية واعتباطية في علاقة دالها بمدلولها ، أما العلاقة عند بيرس فهي لغوية وغير لغوية .5. تتحدد العلامة بعلاقة الدال والمدلول ، ويتحدد الرمز بعلاقة المرموز والمرموز له ، ولا تحوي العلامةُ الرمزَ عند سوسير ، أما عند بيرس فالعلامة تتحدد بعلاقةالحامل مع المحمول مع الموضوع ، فضلاً عن علاقة الآيقون والرمز والإشارة ، بمعنى أنَ العلامة عند بيرس تحوي الرمزَ ويشكل جزءاَ منها .6. علامة سوسير هي أساس السيميولوجيا ( Semiology ) ، وتعدّ جزءاً من علم النفـس (Psychology ) ، أما علامة بيرس فهي أساس السيميوطيقا (Semiotic) ، وتعد جزءاً من علم المنطق ( Logicology ) و .7. تشكل اللسانيات جزءاً من السيميائية عند سوسير لأن اللغة فعل سيميائي ، في حين تشكل المقولات الفلسفية عن الوجود والعالم صورة التحليل السيميائي عند بيرس .إنَ السيميائية في معالجتها للعلامات المنبثقة من الأشيـاء والأفعال ، أعطت وحمَلت منهجية ما بعد البنيوية إمكانية السيطرة على الممارسات المعرفية ، من خلال امتلاك إدارة تأويل العلامة ، وتحديث صيغ دلالية يستدعي بعضها البعض من خلال عملية تحول دقيقة تجري بين نظاميّ : (العلامة / النسق ) ، و ( الناقد / المعنى ) ، فغاية الناقد ـ المُؤوِّل بشكل عام ـ تفسير العلامة المُتموضِعة في نسقها للوصول إلى المعنى ، في حين يسعى ناقد ما بعد البنيوية للوصول إلى اختلافات المعنى ، وعدم الاقتناع والتسليم بحدَ معين ، والغاية هي الدخول في لعبة يغيب فيها المدلول ، ويحيل فيها الدال إلى دوال أخرى ، وبهذا اتسم تحليل ما بعد البنيوية بصفة التحليل العدمي ، وبلا نهائية الدلالة ( الدلالة غير محدودة ) .ومن النتائج المهمة الأخرى التي قدمتها السيميائية للمسار النقدي لما بعد البنيوية هو : ذوبان الإنسان ـ حسب كيلر ـ في سلسلة من الأنظمة ، ومعالجة الثقافات الإنسانية بوصفها علامات ، فضلاً عن دراسة المشاريع المعرفية المستقبلية بوصفها علامات أيضاً ، واكتشاف طبيعة الأبحاث والحقول المختلفة التي تجعل الاتصال الأدبي ممكناً ، وتمييز الاختلافات بين الخطاب الأدبي والخطاب اللاأدبي ، وإحالة الدلالة إلى أنَ الأشكال والمفاهيم لا توجد مستقلة ، بل إنَ دوالها ومدلولاتها هي كيانات علائقية ناتجة من نظم الاختلاف ، وبهذا يمكن للسيميائية أن تقدم فرعاً معرفياً تحليلياً يجمع في منظور شامل ، سلسلة كبيرة من الظواهر تستجيب للمعالجة بطريقة مشتركة عن طريق تفسير العلامات وتحليلها ، ولأجل ذلك كله وُصِفت السيميائية بكونها حركة إمبريالية ( Imperialism ) تتحرك فوق الميادين المعرفية في العلوم الاجتماعية والإنسانية. (ينظر: البحث عن الإشارات، جوناثان كيلر، ت: محمد درويش ، مجلة الرواد ، العدد 1 لسنة 1998 :79 ) .أما على صعيد تأثير بيرس وسوسير في المدارس والمفاهيم والنقاد ، فقد كانت حصة سوسير هي الأكبر ، وذلك نتيجة للمسوغات اللسانية واللغوية المستخدمة في تحليلاته وكانت هي الأقرب للتوظيف عند النقاد ، لوضوحها وبعدها عن الإيغال في التبويب والتقسيم والمداخلات المنطقية والفلسفية .ولم يكن الحال كذلك مع بيرس الذي استند في تحليلاته العلامة على التقسيم الفلسفي والمنطقـي ، مما جعل هذا التقسيم بعيداً عن الميدان الالسني ، قريبا من التنظير المنطقي ، ومِن أبرز النقاد الذين تأثروا ببيرس ـ بشكل كبير ـ ناقدين اثنين هما : ( كريماس ، وسيبيوك ) ، أُشتهِر كريماس بتحليلاته السيميائية المنطقية لميدان السرديات ( Narratives ) ، وبتقسيماته الدلالية المتعددة لوحداته ، مستخدما منهجية بيرس في تحليل العلامة ، وتحصيل الدلالة .وقد ذكر في مقالته : ( نحو سيميائيات للعالم الطبيعي ) ، أنَ السيميائيات لا تمثل إلاَ شبكة من العلاقات ، وأنَ هذه العلاقات هي التي تحدد سمات العالم الطبيعي : (The Natural World) وهي المحرك لتفسير الموجودات ، فضلا عن اعتماد عناصر التواصل الإنساني على الأبعاد الدلالية لتلك العلاقات .وأكد أيضاً دور الصيرورة ( Semiosis ) في تحديد حركية العلامات بوصفها موجودات في عوالم الدوال ، وإمكانية السيميائية في تمثيل البعد التاريخي للعالم الإنساني ، وعدم الانفصال بشكل كليّ عن مستواه الظاهري . (See: On meaning , selected writings in Semiotic theory, Tra : Paul J. Perren & Frank H. Gollins: 17).لقد شكلت جدلية ( الصيرورة ) البرنامج الدينامي لتمثل الدوال التي يحيل بعضها على بعض ، والسعي إلى إنتاج المعنى وتحويله من دلالته في الصورة العيانية ، إلى دلالات أخرى تخضع لآلية التأويل ، ويرى كريماس أنَ الخطاب السيميائي هو خطاب إيحائي يتضمن التعبير عن دلالات أيديولوجية ومعرفية وثقافية ، أي أنَ هذا الخطاب يمثل ـ بالضرورة ـ رصيداً معرفياً ، ومعيناً دلالياً مهماً .وصنَف في الإطار نفسه إمكانية الانفصال إلى حركات عدة : ( الحركة الإسنادية ، والحركة النظامية ، والحركة الإيحائية ، والحركة اللاعبة ، والحركة الاتصالية ) ، وتمثل هذه الحركات ـ حسب كريماس ـ مشاريع ثقافية وخطابات تنظم البنيات الاقتصادية والاجتماعية .وقد أُشتهِر كريماس بنظريته حول المربع السيميائي : (The Semiotic Sqaure) ، الذي يشير إلى أنَ طبيعة العلامات يمكن أن تُدرك من خلال علاقات التضاد والتناقض ، ويتكون هذا المربع من الأجزاء الآتية : 1. علاقة التناقض بين كل من طرفي التعارض في النص .2. علاقة الإثبات القائمة في الطرفين المتناقضين المنفيين .3. علاقة التضاد بين الطرفيين الأولييــن .ويشير كريماس إلى أنَ العلاقة بين أجزاء ( علاقات الإثبات ) هي علاقات إيجابية ، بمعنى أنَ تحولات العلامات فيها يكون على مستوى الاتصال ، في حين تكون العلامة بين أجزاء ( علاقات التضاد والتناقض ) علاقات سلبية ، بمعنى أن تحولات العلامات فيها يكون على مستوى الانفصال . وبهذا يتكون المربع السيميائي من عناصر ستة هي : 1. القاصــد : Sujet .2. المقصـود : Objet .3. المناصـر : Adjudaut .4. المعارض : Oppo .5. المؤتي – المانـح : Destinateure . 6. المؤاتي – الممنوح :Destinataire .أما سيبيوك فقد أُشتهِر بدراسته لمقاييس الصيرورة ( Criteria of Semiosis ) ، ودراسته النظرية العامة للعلامات عند بيرس ، والأسس المنطقية للسيميائية (Logical Basis of semiotics) ، فضلاً عن علاقة السيميائية بفن العمارة ( Architecture ) والموسيقى ، والتمثيل (Representations) ، والسيرك (Circus) ، والثقافة واللاهوت ، والطب والأدب. (See: Aperfusion of signs , T. A. Sebeok : 22).وتشكل نظرية العلامات عند بيرس ـ حسب سيبيوك ـ نظرية في التجربة الدلالية ، ونظرية في الوعي ، لأنَها تدرس إمكانيات علاقة البنية مع الفكر من خلال تحليل العلامة ، واكتشاف فاعلية الصيرورة في النظام العلامي الذي يكتنز معلومات دلالية ، وأبعاد معرفية وثقافية.وقد تدخل السيميائية في علاقتها مع الثقافة إلى اللجوء لعملية السمطقة : (Semiotization) التي تبين ـ حسب ريفاتير ـ شعرية النص أو أدبيته (See: Text production , Michael Riffaterre , Tra : Terese Lyons : 114) ، وتنعش هذه العملية طاقة العلامات من خلال إخفاء السمة الإيحائية على المعطى الثقافي ، وتحويله إلى نسق منمذج للعالم ، وبهذا يكون المقياس الدلالي للصيرورة الذي تحدث عنه سيبيوك ، هو تحديد فلسفة علامية ، تسند لنفسها تقديم رؤية شمولية للمفاهيم والمقولات .ويشكل المقياس الدلالي للصيرورة عملية التحول إلى تشكيل العلامات ، وتحول الشيء إلى علامة يعني الدخول في سياق الصيرورة الذي يقتضي أسبقية النظام والبنية على الاستعمال ، وأسبقية اللغة على الكلام ، ويشكل هذا السياق فرضية العمل : ( البراكسيس - Praxies ) ، وحيوية الصيرورة التي يعمل بموجبها شيء ما بوصفه علامة ، ويقترب هذا الإجراء من المعطى النقدي لعملية السمطقة ، ويتم دراسة ذلك كلَه في أحد حقول السيميائية ومكوناتها وهي : التداولية ( Pragmatic ) بوصفها قاعدة السانيات ، وطرقاً لمعالجة العلامة بين العلامات ومستخدميها ، ومعالجة علاقة العلامات بمؤولاتها ، ومعالجة المظاهر الحياتية للصيرورة بطريقة شاملة ، ودراسة الأفعال اللسانية والسياقات التي تتم فيها ، فضلاً عن فهم اللغة الشامل عن طريق استعمال تنسيقات العلامات وتحويلاتها .أما بالنسبة لتأثير سوسير على المدارس النقدية واللغوية ، فقد كان كبيراً جداً في مجمل الأوساط اللغوية والنقدية والإجتماعية ، انطلاقاً من المدارس البنيوية ، مروراً بمدارس السيميائية واتجاهاتها ، وانتهاءً بنظريات تحليل الخطاب ، ونظريات الاستقبال والتلقي ، ومنهج ما بعد البنيوية ، وحسب ما ذهب إليه تودوروف في مقالته : ( سيميائيات سوسير ) ، فإنَ أثر سوسير في الطرح النقدي ـلاسيما حديثه عن العلامات ـ سيكون له مهمة تكملة نظام التعبير العالمي الشامل ، ويمكن أن تتمثل بالطرح الألسني ، وتكون النموذج المتفرد لجميع فروع اللغة ، والمعين الثرّ للنظام السيميائي العالمي .وتكمن قيمة سوسير النقدية في ميزان الوسط النقدي لما بعد البنيوية ـ بوصفه أباً ـ بدوره في إرساء قواعد نزع الصفة الجوهرية عن علاقة الدال بالمدلول. ( ينظر: رومان ياكوبسون أو البنيوية الظاهراتية ، المارهو لنشتاين ، ت : عبد الجليل الازدي : 60 ) ، ونعت تلك العلاقة بأنها اعتباطية ، وقد دفع هذا الطرح من توسيع عمليات الفصل بين الدال والمدلول ، بمعنى توسيع عقلنة الدال بوصفه حضوراً ، وعدم ضبط حدود المدلول بوصفه غياباً .وقد أدى هذا الطرح أيضاً إلى استغلال إمكانية الدال في الإحالة إلى دوال أخرى ، بمعنى تحويل المسار التقليدي للدال بالإحالة إلى المدلول ، إلى مسار معرفي جديد يقتضي إحالة الدال إلى دال آخر ، في عملية ذات قصد عدمي لتغييب المدلول أو تعمد فقدانه ، وقد استثمر ( جاك دريدا ) هذا الطرح موظِفاً إيَاه في مجمل الطرح النقدي لما بعد البنيوية ، إذ أصبحت المؤسسات النقدية تتحدث عن تضايف المعنى ، وليس عن حقيقته ، وأصبحت نظرية اللعب التفكيكية لدريدا مخططاً نقدياً ، وصيغة عقلانية يمكن البرهنة عليها وتبني فاعليتها ، والحكم على منتقديها بالعبث والتطرف .إنَ تأثير سوسير في الطرح النقدي واللغوي كان شاملاً وممتداً في مختلف المجاميع النقدية العالمية ، ولم تخلُ مدرسة لغوية أو نقدية من التأثير السوسيري ـ ولو كان يسيراً ـ فمدارس الألسنية : الوظيفية : ( Functionalism ) ، والتوزيعية : ( Distributionalism ) ، والتوضيحية : ( Glossematiosm ) ، وما بعد السوسيرية : ( Post – Sausurianism ) ، التي تشمل التوليدية والتحويلية لشومسكي : ( Geneticism and Transformatism ) وغيرها ، كلها وقعت تحت تأثير الطرح اللغوي والنقدي لسوسير ، ويمكن إجمالاً القول أنّ دروس سوسير في اللسانيات أسهمت في مدّ العديد من الاتجاهات والمدارس الألسنية والنقدية والمنهجية بالتمفصلات المعرفية ، والأصول اللغوي
.

الاثنين، يوليو 06، 2009

بناء الوضعية الديداكتكية أو البنائية الأستاذ : غيلوس صالح

بناء الوضعية الديداكتكية أو البنائية
في ضوء المقاربة بالكفاءات بالمدرسة الجزائرية
السنة الخامسة ابتدائي * نموذجا*

توطئة :
صار إنتاج المعرفة من أغلى الأنشطة الإنسانية على الإطلاق في ظل التنافس المعرفي المحموم من أجل رفع التحديات العالمية المفروضة على الأمة ، وأصبح الرأسمال البشري المؤشر الحقيقي للتقدم والنمو الذي تسعى إليه كل الدول والجزائر ليست بمعزل عن ذلك من أجل رفع التحدي الذي قد يرهن مستقبل الأجيال .
لذا تم تبني الإصلاح التربوي كخيار إستراتيجي وأفضل سبيل لتخريج جيل يمكنه مسايرة العصر و يجسد أمل الأمة فيه للحاق بالركب العالمي الذي لا يعترف بالمتخلفين ، وهذا ما أدى إلا تبني البيداغوجيات الحديثة ( المقاربة بالكفاءات ) التي تعتمد على مبدأ إكساب الأستاذ والمتعلم الكفاءة والجودة للرفع من مستواهم . وذلك بإعادة النظر في المناهج والمحتويات والوسائل وطرق التعلم وطرق التقويم وتحسين نوعيتها،وهذا التغيير الواعي و الدائم ييؤدي حتما إلى رفع نسب النجاح ، لتتوافر لهم أسباب مواصلة التعلم والاندماج في الحياة العملية والاجتماعية ، ومن هذا المنطلق صار لزاما تشجيع المبدعين وأصحاب الكفاءات والتكفل بالمتميزين الذين يمثلون فخر الأمة واعتزازها والشريان الحقيقي للاستمرارية والتقدم .
وقد أولت البيداغوجيا المعتمدة ( المقاربة بالكفاءات ) بحيث منحت للأستاذ مكانة باعتباره أحد أركان العملية التعليمية /التعلمية واشترطت فيه جملة من الخصائص التي لابد أن توجد لديه ومنها أن الأستاذ صاحب قرار واستراتيجية دقيقة وهذا ما يقول عنه تارديف ( المدرس الاستراتيجي ) ،هو ذاك المفكر / صاحب قرار / محفز على التعلم / نموذج / وسيط / مدرب .
وهو بذلك يبني ويعد وينتقي الوضعيات ( التعلمية / الإدماجية / التفيمية ) الملائمة والمستقاة من الحياة اليومية للمتعلم و يقدم التعليمات والتوضيحات الضرورية المساعدة على الأداء الجيد ، ويحاول إزالة كل المعيقات على التواصل بينه وبين المتعلمين ويحرص على أن يكون القسم بيئة مناسبة للعلمية الاتصالية ، فيتجنب كل ما من شأنه إعاقة الاستقلالية ومادام هو السيد وصاحب القرار فيمارس بيداغوجيا التشجيع والإبداع ، ويراعي الفروق الفردية مستندا إلى أسس
( بيداغوجيا الفوارق ) ، كمايحرص الأستاذ على تقييم وتقويم عمله بالتثمين أو التعديل أو الإلغاء مع ملاحظة الأثر الذي انجر عنها .
1- تحديد الإشكالية :
البيداغوجيا الجديدة قامت بقلب الأوراق وأعادت ترتيبها من جديد فأفرزت معادلات جديدة ، ليصير التعليم مجدي وفعال وليؤدي فيه كل طرف الدور المنوط به ، وقد عملت هذه التغييرات على تجويد عمل الأساتذة من خلال التحكم في المفاهيم البيداغوجية أثناء إعداد الوضعيات التعليمية وفق الركائز العشر مع ضمان الاندماج في مسار التغيير و تطوير نظرتهم إلى العمل الذي يقومون به وفق المرجعيات الفكرية له.
1-1- الإشكالية الرئيسة :
- مامدى توظيف الأساتذة للركائز العشر التي تتحكم في نجاح الفعل التربوي في ضوء المقاربة بالكفاءات ؟ .
1-2 - الإشكالات الفرعية :
أ- ما مدى قدرة الأساتذة على بناء وضعية إدماجية وفق المعايير البيداغوجية ؟
ب- ما مدى ابتعاد الأستاذ عن اعتماد أسلوب التلقين .
ج- ما مدى تحكم الأستاذ في الشبكة المفاهيمية لكل نشاط .
د- ما مدى تفريق الأستاذ بين الوضعيات ( تعلم ، إدماج ، تقويم ) .
هـ- ما مدى اعتماد الأستاذ على الطابع الاندماجي والابتعاد عن الطابع التراكمي للمعارف .
و- ما مدى توظيف اعتماد الأستاذ شبكة التقويم ذات معايير ومؤشرات تعبر عن تقويم علمي ينطوي على مواصفات لا تظلم المتعلم .
2- أهمية الدراسة : تكمن أهمية الدراسة في الموضوع ذاته والساعي إلى العمل على تجويد عمل المدرسين
( المهندسين ) ، عند بناء أو إدماج أو تقويم الوضعيات و ذلك من خلال :
أ- ضمان اندماج الأساتذة في مسارات التغيير أي التحكم في ( المفاهيم وفي الممارسات البيداغوجية الجديدة ).
ب- مساعدتهم على توسيع آفاقهم بالنهل من علوم التربية وعلم النفس لرفع مستوياتهم والتزود بالخبرات والمستجدات في هذا الميدان .
ج- مساعدتهم على تبني أفكار مبنية على مرجعية علمية .
د- مساعدتهم في تصور وضعيات إدماج وتعلم مؤسسة شاملة العناصر لاستغلالها في " بنك وضعيات " توضع لدى الأساتذة للاستثمار و التوظيف .
3- أسباب اختيار البحث :
إن الدافع الأول للبحث العلمي هو الحيرة العلمية والشعور بالمشكلة التي تدفع الباحث دفعا للبحث في حيثياتها وجزئياتها ، مع تحديد العلاقات ضمن بنيتها الداخلية وتأثرها بالمتغيرات الخارجية.
وتتحدد أسباب اختيارنا لموضوع الدراسة في النقاط الآتية:
أ- صعوبة بناء وضعيات تعليمية وفق الركائز العشر لكزافي روجيرز التي تعترف بوجود قدرات متعددة ومتفاوتة لدى المتعلمين، ودورالأستاذ يكمن في بناء الوضعيات مع احترام هذا الاختلاف والتنوع.
ب- عدم تنازل الأستاذ عن دوره وبقائه على النمطية المعهودة دون الأخذ بالاعتبار مكتسبات المتعلم المعرفية، وكيفيه إدراكه للأشياء، وحاجاته ، فضلا عن أهداف البرنامج الدراسي، ومنهاج التدريس، وشروط إنجاز المهام المقترحة، والتوظيف الفعلي لاستراتيجيات التعلم الهادفة والملائمة.
كل هذه الأسباب وغيرها دفعتنا لاختيار هذا الموضوع ودراسته ومحاولة إثرائه بأفكار جديدة تساعد على تجسيد ما جاءت به المقاربة بالكفاءات.
4- أهداف الدراسة : تهدف هذه الدراسة إلى إثارة قضية مهمة في حقل التربية والتعليم ومحاولة فهمها وتحليلها والخروج بنتائج ذات قيمة علمية ، قد تعين على تنفيذ البرامج وتقريب شبكة المفاهيم إلى الأذهان وباعتبار أن التعلم بوساطة الوضيعات باعتبارها خيارا استراتيجيا لامحيد عنه .
5- تحديد المفاهيم والمصطلحات :
أ- الوضعية : situation هي مجال تطبقي يتضمن مجموعة من الأنشطة ذات صعوبة وتحمل في طياتها دلالة بالنسبة للمتعلم وهي تحيل على صعوبة لابد محفزة على التفكير وتضيف معارف جديدة انطلاقا من مشكلة يعيشها المتعلم.(1) ( لحسن توبي ، 2006 ، ص 115).
ب- المقاربة: Approche ، كيفية دراسة مشكل أو معالجة أو بلوغ غاية ، وترتبط بالعالم الفكري الذي يحبذه فيه لحظة معينة وترتكز كل مقاربة على استراتيجية للعمل .(2) ، ( عبد اللطيف الفاربي وآخرون، 1994 ،ص 21 ).
د- الكفاءة : compétence : هي " القابلية على تطبيق المبادئ والتقنيات الجوهرية لمادة في حقل معين في المواقف العملية " ( 3) ( سهيلة محسن كاظم الفتلاوي ، 2003، ص 28 ).
و- التقويم : évaluation : " هو العملية التي يتم من خلالها تخطيط وجمع وتزويد معلومات أو بيانات مفيدة للحكم على بدائل قرارات " (4) ، ( بركاهم العلوي، مجلة العربية ، 2003،ص 23 ) .
و يعتبر التقويم الأسلوب العلمي الذي يتم من خلاله تشخيص دقيق للظاهرة موضع التقويم و تعديل مسارها أو أنه يعني إصدار حكم اتجاه شيء ما أو موضوع (5) ،( أحمد حسين اللقاني ، 1996، ص82) .
ز- إدماج: Intégration ، يوحي بمعاني الممارسة والإنجاز والبناء فهو يضع المتعلم في مرتبة الصدارة، ويعطي له الدور الأساسي في العملية البيداغوجية ، وكذا الربط والمزج بين المهارات التي تنتمي إلى مجال من مجالات نمو الفرد ، وبين المحتويات تعلمية متنوعة وتنتمي إلى نفس المادة ويكون الإدماج إما وظيفي أو أفقي أو إدماج مادة في مادة أو المواد بعضها ببعض ( 6) ( عبد اللطيف الفارابي وآخرون ، ص 168).
6- الصعـــوبات : لا يخلو أي بحث مهما كان نوعه من الصعوبات التي يواجهها الباحث أثناء بحثه ،لأنّ طبيعة التنقيب تتطلّب الصعوبة في المراجع والصعوبة حتى في الظروف التي تصادف الكاتب ، ومن الصعـوبات التي واجهناها أثناء إعداد هذا البحث قلة المراجع المتخصصة في الجانب التربوي التي تتطرق إلى الموضوع بالتدقيق.









الجانب النظري :
المقدمة :
إن نجاعة الفعل التعليمي في ضوء مناهج الإصلاح وبعد انقضاء الجيل الأول لهذه المناهج .يجعلنا نسأل عن موقع الممارسين الميدنيين من تجسيد للركائز العشر التي تقوم عليها الممارسات البيداغوجية ( الفعل التعليمي / التعلمي) في ظل التدريس بالمقاربة بالكفاءات ،وإذا كانت هذه الممارسات في مناهجنا تقوم على الوضعيات التعليمية/ التعلمية، سواء استهدفت بناء أو دمج أو تقويم التعلمات ، فلا نستغرب أن نسمع بعض المنادين بإعادة النظر وتقويم ما تحقق خلال خمس سنوات من تطبيق الإصلاحات التربوية ، ومصارحة الذات لإرساء روح النقد البناء
ومن خلال النقاش الدائر حول نجاعة الفعل التعليمي/ التعلمي ، والذي يتطلب الواعي الدائم و المؤدي إلى رفع نسب النجاح من خلال تنمية كفاءات المتعلمين , وحتى تتوافر لهم أسباب مواصلة التعلم و الإدماج في الحياة العملية , فإن ذلك لا يتأتى إلى بتنمية وتطويرمهارات الأساتذة والمعلمين لإبراز كفاءتهم المهنية من قبيل :
إعداد الوضعيات الديداكتيكية:( وضعية مسألة – إدماجية – تقويمية ) .
المبحث الأول : الوضعية التعليمية / التعلمية :
أولا : تعريف الوضعية التعليمية / التعلمية : جاء في معجم أكسفورد الإنجليزي أن الوضعية تعني معظم الظروف والأشياء التي تقع في وقت خاص وفي مكان خاص، (7) ، ( : 1039 -( Oxford advanced learner’s Dictionary أما في معجم روبير فالوضعية أن تكون ( في مكان أو حالة حيث يوجه الشيء أويتموقع) ، ( 8) ( Le Petit Robert, p : 378 / 1820 ).
الوضعية الديداكتيكية مجال تطبقي يتضمن مجموعة من الأنشطة ذات صعوبة وتحمل في طياتها دلالة بالنسبة للمتعلم وهي تحيل على صعوبة لابد محفزة على التفكير وتضيف معارف جديدة انطلاقا من مشكلة يعيشها المتعلم.(9)
( لحسن توبي ،ص 115)) ، يشعر حينها أنه أمام موقف حرج لا يعرف عنه شيئا؛ أي يجهل الحل ، فيعمل على إزالة هذا العائق الذي يحد من تقدمه ،فيجند معارفه وخبراته ومستندا إلى البنيات المعرفية التي يمتلكها وتحكم فيها وصار بإمكانه تحويلها عند الضرورة والحاجة وفق ميولاته وتوقّعاته ومعارفه وأهدافه. فتنموا لديه القدرات الإبداعية والفكرية التي يستعملها في اتخاذ القرارات و بناء معارف لم تتوافر لديه و تعبئة موارد قديمة بذكاء ( 10) ( عبد اللطيف الفارابي وآخرون ، ص 273 ) .
وفي هذا الإطار يعمل الأستاذ على الصياغة الجيدة للوضعية التعليمية ويكتفي بالملاحظة والتوجيه والتقويم ،ويترك المجال للمتعلم لفك هذا اللغز . فيُحدث لدى المتعلم التفاعل المستقل مع المعرفة مباشرة ودون واسطة . ولكي يحدث ذلك فإن الأستاذ يتدخل أولا يتدخل (حسب الحالات) لإعطاء معلومات إضافية وبذلك يكون مشاركا في نظمة تفاعلات التلميذ مع المسائل التي يطرحها، وهو ما يسمى بالوضعية الديداكتيكية .(11). ( ص64Roegiers,x ).
فالوضعية الديداكتيكية تشتمل على شروط التعلم الجاد الذي يعطي الحرية التامة للمتعلم، ويتيح له سبل الاكتساب بتوفير وسائل العمل ، ومن خلال هذه الوضعية يبني المتعلم معارفه بوساطة العلاقات التفاعلية بينه ومحيطه ، وهي مسألة يقوم الأستاذ بإعدادها تمثل تحديا للمتعلم وتمكنه من الدخول في سيرورة تعليمية نشيطة وبناءة واستقبال معلومات وإيجاد قواعد للحل منتظمة ومعقولة تسمو بالمتعلم إلى مستوى معرفي أفضل. (12 ) ( ميلود التومي، ص 25 ).

ثانيا : مكوناتها :
تصاغ الوضعية التعليمية في مشكلة من طرف الأستاذ تبعا للكفاءة المرصودة. وتتضمن مجموعة من المعلومات المترابطة والتي تتحدد في مهمة محددة من أجل أداء نشاط محدد. وتكون ذات دلالة وتتشكل مكونات أساسية تدخل في تركيبها وهي: ( السياق ، والوظيفة، والمعلومة ،والمهمة ) .
1- السياق : ويعبر عن المجال الذي يمارس فيه المتعلم أداءه للمهمة المراد إنجازها ،وقد يكون السياق ثقافيا أو مهنيا أو تاريخيا ....
2 – الدعامة ( السند) ، support :تتمثل في مجموعة العناصر المادية التي توضع بين يدي المتعلم المبنية على التعليمة ( consigne) ،( السند ، الكتاب ، نص مسألة ، الوسيلة) ، وكذا مخطط الإنجاز وبُعدُ الوضعية ؛ أي ما يتوصل إليه المتعلم من نتيجة ذات فائدة بالنسبة إليه و( تحدد الوظيفة أو الهدف المتحكم في إنتاج المتعلم ). (13)
( لحسن توبي ، ص 275) .
3- المهمة : وهي الأنشطة التي يقوم بها المتعلم في مرحلة الإنجاز ويمكن وصفها بالتنبؤ بالمنتوج المرتقب .
4- التعليمة : وهي مجموعة توصيات العمل، أو جملة التوجيهات المصرح بها تتضمن مطالب محددة ( تحديد المنتوج و توظيف بعض الموارد ،و تحديد نمط المنتج ) ؛أي المؤشرات التي سوف يستند إليها المتعلم ويحققها .
ثالثا : أقسامها: يقسمها روجيرز كزافي إلى ثلاث وضعيات : وضعية - مشكلة ديداكتيكية ؛ وضعية إدماج ؛ وضعية تقويم. (14) ، (ص 124 ، 1987، G.Brousseau ) .
رابعا - وظائفها :
1- وظيفة ديداكتيكية : وتتمثل في تقديم إشكالية لا يفترض حلها منذ البداية، وإنما تعمل على تحفيز التلميذ لانخراطه الفاعل في بناء التعلم.
2- وظيفة تعلم الإدماج : ويتعلق الأمر بتعلم إدماج الموارد (التعلمات المكتسبة) في سياق خارج سياق المدرسة.
3- وظيفة تقويمية : وتتحقق هذه الوظيفة عندما تقترح وضعية-مسألة جديدة، بهدف تقويم قدرة التلميذ على إدماج التعلمات في سياقات مختلفة، ووفق معايير محددة. ويعتبر النجاح في حل هذه الوضعية-المشكلة دليلا على التمكن من الكفاءة . ،
خامسا - خصائصها :
1- خاصية الدلالة : أن تكون من محيط المتعلم و واقعه حيث تثير اهتمامه ،وتبعث فيه الرغبة في توظيف الحاصل لديه من المكتسبات والبحث عن مكتسبات جديدة ،يقتضيها السياق، لا تكون الوضعية دالة ما لم يوضع المتعلّم أمام ما يقوده إلى فحص مكتسباته ومقارنتها بما يقتضيه السياق ، فعلى المستوى السياقي يجب أن ترتبط بمحيطه ، وكذا تثير اهتمامه، أما من ناحية الوظيفة أنها هادفة ومفيدة بالنسبة إلى المتعلم ، يتفطن المتعلم من خلالها إلى الصعوبات وإلى المعطيات الجديدة التي لم تكن بحوزته ، وفي الأخير تكشف الوضعية التعلمية عن طابع الإدماج .(15) . ( لحسن توبي ص 118/119) . روجيرس فتعامل مع الإدماج باعتباره بيداغوجيا قائمة الذات، بل ذهب إلى حد استعماله كمرادف لمصطلح "المقاربة بالكفايات الأساسية" فهو يعرف الإدماج باعتباره "عملية يتم من خلالها جعل مختلف العناصر، التي كانت منفصلة في البداية، مترابطة بهدف تشغيلها بشكل متناسق تبعا لهدف محدد" (16) ( ص 2 ROEGIERS.x
2- خاصّة التعقيد : ( الاندماجية ) يقتضي وجود التعقيد في اختيار الوضعية حتى يتمكن المتعلم من إدماج المكتسبات القبلية وما يتبع ذلك من بحث عن معارف جديدة.
3- خاصّية الإنتاجية : ( ذات منتوج منتظر ) تدفع إلى الإنتاج المناسب حيث يتطلب من المتعلم استخراج ما يسمى بالبنية المعرفية أو القيام باستحضارها عن طريق التذكر أو استحضار عدد من العناصر والمعلومات ، (17)،( المصطفى بن عبدالله بوشوك، ص 229 ).
1- الوضعية -المشكلة Situation-problème : توضع لزعزعة المفاهيم والمعارف لدى المتعلم ،وتمكنه من اكتساب معارف جديدة في سياق تربوي أو اجتماعي وتعتمد الممارسة والأداء. وتسهم في بناء تعلم مقصود ،و يعتبر أسلوب حل المشكلة أسلوبا فعالا يجعل المتعلم يُعْمِل فيه ذهنه بهدف الوصول إلى حل أو إجابة أو اكتشاف.ولا يكون الحل بمجرد تكرار واجترار لعمليات سابقة تحل آليا بمجرد التذكر ، بل يستلزم الحل استنفار الموارد ووضع الفرضيات وتطبيقها والمصادقة عليها واتخاذ القرارات ، ويعني هذا أن الحل لا يتم إلا بالبحث والتقصي من خلال عمليات معينة للتوصل إلى الحل المقصود .( 18) ، ( ص 124 ( Roegiers,x
1-1- مميزاتها:
أ- أن المشكلة نابعة من محيط المتعلم وتعبر عن حاجاته وموجهة إلى إضافة تعلم جديد في إطار سياق معين ( سوسيو ثقافي ، مدرسي .....) .
ب- ذات غاية بالنسبة للأستاذ وكذا المتعلم الذي يسهم في فك شفرتها بتعبئة الموارد و المكتسبات السابقة.
د- تحدث صراعا فكريا بحيث يدخل في حيرة علمية ، ويعي أن بصدد معرفة جديدة عليه اكتشافها وبنائها.
هـ- تدفعه للفضول المؤدي للتعلم
1-2- أسلوب حل المشكلات : يرى جون ديوي Jhon Dewey 1859-1952 : أن الإنسان ـ بجسمه ونفسه - وحدة تسعى باستمرار إلى التكيف مع البيئة التي يعيش فيها ، ولا يقتصر هذا التكيف على تلاؤم الإنسان مع البيئة فقط ، بل أنه يتضمن أيضا العمل على إخضاعها لحاجاته. (19) ( توفيق حداد ومحمد سلامة آدم ، ص 75) ، ويعتقد ديوي أن الخبرة والنشاط الذاتي للفرد هما المصدران الأساسيان للمعرفة الإنسانية وعليه فلا سكون ولاثبات في هذه الحياة وحتى في الأفكار التي تعتبر أداة لأجل العمل ، ويبدأ الفكر الحقيقي لديوي من موقف إشكالي؛ أي من عقبة أو عقدة تعترض مجرى التفكير ،فالطبيعة تتغير باستمرار ويتغير الفكر معها وعلى هذا الأساس فعملية التبدل من حال إلى حال مستمرة ، فلا يمكن الجزم بأن هناك حقيقة مطلقة ولا معرفة ثابتة ، وقد وضع خمس خطوات يراها لحل المشكلات .
1-3- خطوات الحل :
أ- الشعور بالمشكلة : وهي أولى خطوات حل المشكلات، يشعر المتعلم أنه أمام مشكلة معينة وهو المعني بحلها لا غيره ، ولا تخلو هذه المشكلة من المحفز والصعوبة ،بحيث يحس بالحيرة إزاء هذه المشكلة التي أحدثت رجة في تفكيره، مما يؤدي به إلى تجنيد موارده ومكتسباته .
ب- تعريف المشكلة وتحديدها : يعد الإحساس بالمشكلة شعورا نفسيا يقود حتما إلى التعلم الحقيقي .
ج- وضع الفرضيات واقتراح الحلول : ويتم في هذا الجانب البحث عن المعلومات ثم جمعها وتصنيفها وتبويبها ،وبعد ذلك توضع الفرضيات المناسبة للحل.وتعتبر هذه الفروض بمثابة حلول مؤقتة ويتم اختبارها وتجريبها.(20) ،( إبراهيم عصمت مطاوع وواصف عزيز واصف ، ص 24) .
د- التحقق من التجربة أي اختيار الفرضيات : يتم في هذه المرحلة اختبار صحة الفروض عن طريق الملاحظة والتجريب ، ويجب أن تكون تلك الملاحظة دقيقة وتحت جميع الظروف ،بحيث يستبعد الفرض غير الصحيح ويترك المناسب وذو الصلة الوثيقة بحل المشكلة . ( 21) ، ( توفيق حداد ومحمد سلامة آدم ، ص 163 )
هـ - الوصول إلى النتيجة والتعميم : بعد أن يتوصل المتعلم إلى الحل الصحيح ويتأكد من صحة جوابه و يتم بعد ذلك تحليل النتائج و تكرار العملية أكثر من مرة لغرض المقارنة ،حينها تعتمد النتائج بصفة رسمية وتصبح قابلة للتعميم على جميع الظواهر المشابهة لها.
2- الوضعية الإدماجية :عائلة من الوضعيات مركبة لإنجاز مهمة في سياق معين؛ تمتزج فيها نواتج التعلم لتحقيق كفاءة قاعدية أو مرحلية أو نهائية ( مسألة ، نص سردي ، حكاية ، أوقصوصة ) .وعليه فالإدماج في المجال التعليمي، هو الربط بين موضوعات دراسية مختلفة من مجال معيّن أو من مجالات مختلفة، وهذه الوضعية تسمح بربط الأنشطة ببعضها البعض ( عرضيا وأفقيا) ، ووظيفتها الوصول بالمتعلم إلى إدماج مختلف المكتسبات وإعطائها معنى ، بحيث يصوغ المعلم بعناية الكفاءة المراد الوصول إليها مع تحديده للتعلمات المراد إدماجها .( 22) ( ص 130- 141 Roegiers,x)
1- مميزاتها :
أ- تكون دالة حقيقية أوشبه حقيقية محسوسة ذات نفع بالنسبة للمتعلم .
ب- تركز على التعلمات التي يحتاجها المتعلم فعليا في حياته اليومية .
ج- إعداد المتعلم لمواجهة الصعوبات التي تعترضه التي تعترض سبيله .
د- فاعلية المتعلم: لأنه نشاط يستلزم أن يوظف المتعلم مكتسباته السابقة (مفاهيم، مهارات، سلوكات... ).( 23) .((ص 77(( Perrenoud. Ph
هـ - الدافعية: لأنه يحث المتعلم على بناء تعلمات جديدة تتسم بالجدة
و- الوظيفية: فهو موجه لتحقيق كفاءة مرصودة .
ز-الواقعية: لأنه مرتبط بواقع المتعلم. ( 24) ، (المركز الوطني للوثائق التربوية ، ص 07).
3- الوضعية التقويمية :
وضعية يتم وفقها معرفة مدى تقدم المتعلم في مساره قصد إعطاء حكم وإتخاذ القرارات الصائبة بالنسبة للخطوات اللاحقة ووضع استراتيجية للتصحيح والتعديل ، انطلاقا من نوع الصعوبات والتعثرات المشخصة، وتنفيذها.
أ- مميزاتها :
ينبغي أن تكون الصياغة بأسلوب واضح وواقعية ، دقيقة، يحلل فيها المشكلة ويقترح الحلول وتشبه وضعية الإدماج .
1- شروطها : يجب أن تكون :
- مصاغة في مشكلة .
- واضحة الطرح .
- تضيف تعلما جديدا .
- واقعية وملموسة .
ثانيا : بناء الوضعية الديداكتكية أو البنائية:
إن إعداد ”الوضعية الديداكتيكية في ضوء المقاربة بالكفاءات ، يتطلب توافر الأسس التالية التي وضعها كزافي روجيرز Roegiers,x ومنها :
1- الكفاءات و الأهداف أو النتائج المسطرة تكون منسجمة مع الهدف الاندماجي الختامي
2- الأساليب التعليمية / التعلمية : يكون الانطلاق من وضعية مشكل.
وتعرف بأنها هي مجموعة من المعلومات المعروضة ضمن سياق ما لتوظيفها بطريقة مدمجة من قبل المتعلم من أجل إنجاز مهمة لا يعلم حلها مستقبلا ،تدفعه إلى طرح تساؤلات واستفسارات و تحديات لإنجاز مهمة( شاملة , مركبة ,دالة ).
03) التصرف في زمن توزيع التعلمات : - جدة التعلمات أو دمجها
- صعوبة التعلمات.
4) تنظيم الفضاء و الموارد البيداغوجية : - تنظيم الفضاء الصفي .
- تنظيم الموارد
* - تنظيم الموارد داخلية المعارف - صرفة
- فعلية
- وجدانية - موقفية - قيمة
- وسائل الإعلام و الاتصال
*- خارجية: - التبادل الثنائي .
- مساعدة المعلم بالمعينات البيداغوجية

05) التصرف في المعرفة (الإضافة للمعلم ):
تحكم المعلم في تطور المصفوفة المفاهيمية
06) إدارة الفوج : الصراع الاجتماعي المعرفي و العمل ضمن أفواج عند البناء.
07) أساليب التقويم و أدواته - بنائي
- شبكة تقويم
- تحصيلي
08) عوامل تحفيز المتعلم : استثارة الدافعية ” حسن اختيار المهمة وتشتمل على:
( الدلالة+ وضوح المهمة + التوافق مع القدرات الفعلية ) .
09) خصائص المتعلم :حاجـاته و مكتسباته ( مراعاة المصفوفة المفاهيمية).
10) ملمح الأستاذ : اهتمامه بتقدم المتعلم وهو مستوى التجويد المستهدف ، حيث يعمل على تكييف المتعلم مع وسطه المدرسي والاجتماعي .
ولقد وضع بروسو G.Brousseau خمس مراحل لبناء وضعية تعليمية :
1) مرحلة الفعل .
2) مرحلة الصياغة .
3) مرحلة الصلاحية أو المصادقة .
4) مرحلة المأسسة.
5) مرحلة الاستثمار (25) ، ص 124 ، 1987، G.Brousseau
ولا ينبغي أن يهمل الأستاذ العناصر التالية بل عليه أخذها في الحسبان أثناء إعداد الوضعية التعليمية :
1- المحتوى التعليمي (المعارف والمهارات والاتجاهات والمواقف) التي نرغب من المتعلم اكتسابه كنتيجة للعملية التعليمية- التعلمية.
2- المهمة المتوقع القيام بها بعد عملية التعلم والتي تعتبر دليلا على تحقيق الكفاية. وتتجسد هذه المهمة من خلال فعل مركب (معقد) مرتبط بسياق معين.
3- الظروف أو الشروط الواجب توفرها في سياق المهمة المطلوبة والتي تشير بشكل ضمني إلى فئة الوضعيات المرتبطة بالكفاية.
4- معيار الأداء المطلوب وهو المعيار الذي في ضوئه يكون الأداء مقبولا.










الجانب الميداني :
1- المنهج المتبع :
المنهج هو الطريقة التي يتبعها العقل في دراسته لمشكلة ما، من أجل الوصول إلى قانون عام أو لكشف حقيقة مجهولة أو البرهنة على صحة حقيقة معلومة أو البرهنة على حقيقــة لا يعرفها الآخرون.
ولا يمكن لأي باحث في علم من العلوم أن يتوصل إلى أي نتائج مقبولة إلا إذا اتبع منهجا ما، ويختار الباحث المنهج المناسب لبحثه وفقا لطبيعة الموضوع ونوعية الفروض. وقد وقع الاختيار في هذا البحث على المنهج الوصفي، لأن الموضوع المتناول يميل إلى الوصف والتحليل ولوقوف على أهم معالم الظاهرة وجوانبها ومن ثم اقتراح أفضل التدابير والحلول المناسبة لها.
فالمنهج الوصفي هو كل استقصاء ينصب على ظاهرة من الظواهر كما هي في الحاضر، بقصد تشخيصها وكشف جوانبها وتحديد العلاقات بين عناصرها أو بينها وبين ظواهر أخرى.
ويمكن تعريفه بأنه وصف ما هو كائن وتفسيره وتحديد الظروف والعلاقات التي توجد بين الوقائع وأيضا تحديد الممارسات السائدة والتعرف على المعتقدات والاتجاهات عند كل الأفراد والجماعات وطرائقها في النمو والتطور ، وأهم خطواته:
* الشعور بمشكلة البحث وجمع معلومات وبيانات تساعد على تحديدها.
* تحديد المشكلة التي يريد الباحث دراستها وصياغتها بشكل سؤال محدد أو أكثر من سؤال.
* وضع فرض أو مجموعة من الفروض كحلول مبدئية للمشكلة يتجه بموجبها الباحث
للوصول إلى الحل المطلوب.
* وضع الافتراضات أو المسلمات التي يبني عليها الباحث دراسته.
* اختيار العينة التي ستجري عليها الدراسة مع توضيح حجم هذه العينة وأسلوب اختيارها.
* يختار الباحث أدوات البحث التي سيستخدمها في الحصول على المعلومات .
* القيام بجمع المعلومات المطلوبة بطريقة دقيقة ومنظمة.
* الوصول إلى النتائج وتنظيمها وتصنيفها.
* تحليل النتائج وتفسيرها واستخلاص التعميمات و الاستنتاجات منها.
2- الأدوات المستخدمة في البحث:
تم الاعتماد في هذه الدراسة على أداة الاستطلاع التي اعتدناها لوصف و جمع معطيات الميدان تمثلت في نص وضعية إدماجية لمحطة الإنتاج الكتابي في اللغة العربية منصوصها كالآتي:
بالنسبة لنشاط اللغة العربية فضلنا أن نستطلع وضعية إدماجية من خلال نشاط ” الإنتاج الكتابي ”
يتأسس كل محور في كتاب اللغة العربية في مناهج الإصلاح على كتابي مشروع يبرز فعالية ما تم إرساؤه من موارد لغوية ( نحو , صرف , إملاء و منهجية و موارد تواصلية اجتماعية مستهدفا بناء كفاءات
التعلمية : بعد إنجاز متعلميك للمحور الأول قدم المنهجية المتبعة في ذلك محددا :
المحور (1) الكفاءة المستهدفة.
المحور (2) الوضعية بمكوناتها
المحور (3) الموارد المجندة
المحور (4) أساليب التقويم المعتمدة
أما الوضعية الثانية فخصصناها لوضعية إدماجية لنشاط الرياضيات نصها :
يهدف نشاط الرياضيات إلى ترويض عقل المتعلم على التفكير العلمي المنطقي من خلال حل مشكلات في وضعيات دالة .
اختر وضعية تعلم مما تم إنتاجه ” شهر سبتمبر أو أكتوبر“ و قدمها محددا ما يلي :
المحور (1) الكفاءة المستهدف بناؤها
المحور (2) محتوى الوضعية بمكوناتها .
المحور (3) -الموارد المستهدفة للبناء .
المحور (4) أساليب التقويم المعتمدة .
3- حدود البحث :
وتتمثل في المجالات التالية:


1- المجال البشري :
تناول الفرق التربوية للمقاطعتين التربويتين بدائرة بني عزيز بولاية سطيف والبالغ عددهم 34 فريقا تربويا .
جدول رقم (1) : عدد الوضعيات المنجزة من طرف الفرق التربوية.
المقاطعة
المكان
عدد الفرق التربوية
عدد الوضعيات الموزعة للإنجاز في اللغة العربية
عدد لاستمارات المسترجعة
01
بني عزيز
19
19
16
02
بني عزيز
14
14
11
جدول رقم (02) : عدد الوضعيات المنجزة من طرف الفرق التربوية .

المقاطعة
المكان
عدد المدارس
عدد الوضعيات الموزعة للإنجاز في الرياضيات
عدد لاستمارات المسترجعة
01
بني عزيز
19
19
18
02
بني عزيز
14
14
14
2- المجال الجغرافي :
تم البحث في جانبه الميداني في المقاطعتين التربويتين بدائرة بني عزيز بولاية سطيف وتشمل المدارس الريفية وشبه الحضرية والحضرية وتبعد المقاطعتين عن مقر الولاية بحوالي سبعين كم شمالا
3- المجال الزمني :
استغرقت الدراسة في جانبها الميداني مدة شهر كامل منذ بداية الاتصال بالزملاء المديرين الذين ساعدونا وقدموا لنا يد العون لأجراء هذا العمل الميداني وتوزيع استمارات الوضعية إلى غاية جمعها.
4- عينة البحث المختارة:
اخترنا عينة البحث من الفرق التربوية للمؤسسات التربوية للمقاطعتين ، حيث تم توزيع نص وضعية إدماجية للإنجاز على 32 فريق تربوي ، وتمثل عينة البحث 94.11% من مجموع أفراد العينة المقدر عددهم 34 فريقا تربويا .
أ : طريقة جمع البيانات .
بعد أن تم بناء نص الوضعية الإدماجية وتصحيحها والتحقق من أنها تغطي مختلف جوانب مشكلة البحث ، تم تكليف المديرين في إطار الأيام التكوينية بعقد جلسات الفرق التربوية أيام الخميس المخصص للتكوين لبناء وضعيات إدماجية للمستوى الخامس ابتدائي ، في نشاطي اللغة العربية والرياضيات .
ب: طريقة تفريغ البيانات . بعد الحصول على الوضعيات المنجزة شرعنا في تفريغ البيانات في الجداول وتم حساب التكرارات والنسب المئوية.
ج : الوسائل الإحصائية المستخدمة في البحث .
تم استخدام النسب المئوية لتحليل نتائج الوضعية المنجزة في بعد حساب عدد تكرارات كل منها.
د- الصعوبات المعترضة في العمل الميداني :
وجدنا كل التسهيلات من طرف السادة المديرين، حيث أن العائق الوحيد يكمن وانتشار المدارس الابتدائية في قرى ومشاتي معزولة وذات طابع جبلي .












عرض وتحليل وتفسير النتائج
المحور الأول : تحديد الكفاءة المستهدفة شمول المحتوى عناصر الكفاءة .
الجدول الأول (3) : تحديد الكفاءة المستهدفة من اللغة المحور الأول
المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
محدد
غير محدد
تحديد الكفاءة المستهدفة من اللغة المحور الأول


22

5

81.48
التعليق على الجدول رقم (03) :
نستنتج من الجدول الثالث أن نسبة 81.48% ، من الفرق التربوية استطاعت تحديد الكفاءة المستهدفة من اللغة المحور الأول من خلال وضعية إدماجية ، تسمح للمتعلم التحكم في عناصر مشتتة وتوظيفها توظيفا مترابطا موجها نحو تحقيق كفاءة .ونجد كذلك نسبة 18.52% لم تتحكم في تحديد الكفاءة المرصودة ،ونعتبر أن هناك نقصا واضحا في الجانب التكويني للأستاذ الذي لا يحسن صياغة الكفاءة ، بالرغم من انقضاء خمس سنوات على تطبيق الإصلاحات ، وعليه فالأستاذ بقي على النمطية السابقة ولم يساير المنهاج ، بحيث يحضر دروسه من كتاب المتعلم على الطريقة القديمة ، حتى إعداد مذكرة النشاط ما تزال كما عهدناه في العمل بالأهداف السلوكية .
الجدول الثاني( 04) : شمول المحتوى لعناصر الكفاءة .
المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
شامل
غير شامل
شمول المحتوى لعناصر الكفاءة

14

13

51.85
يلاحظ من خلال النسبة المسجلة في الجدول ( 04) أعلاه والمقدرة بـ: 51.85 % من الأساتذة فيما يخص شمول المحتوى عناصر الكفاءة ، قد ضمنوا المحتوى جميع عناصر الكفاءة ، بينما نسبة 48.15 % ، من الأساتذة لم تتمكن من تضمين المحتوى جميع عناصر الكفاءة .
والتي يقول عنها لوي دينوا بأنها " مجموعة القدرات والمعارف المنظمة والمجندة بشكل يسمح بالتعرف على (إشكالية)، و حلها من خلال نشاط تظهر فيه آداءات أو مهارات المتعلم في بناء معرفته" .(26) ، ( طيب نايت سليمان وآخرون ، ص 30 )) ، بحيث يتم تسخير مجموعة من الإمكانات والمتمثلة في ( المعارف والمهارات وطرائق التفكير وتحويلها في سياق معين وذلك لمواجهة مختلف المشاكل المصادفة أو لتحقيق إنجاز ما" ( 27) ،( محمد الصالح حثروبي ، ص42/43) .
ونستخلص فيما ذكر سالفا في الجدولين أن هناك عدم تمييز لمستويات الكفاءة إجرائيا وكذا الخلط بين منصوص الكفاءة والأهداف التعليمية أثناء الصياغة

المحور (02) : الموارد المجندة وشمول المحتوى لأنواع المعرفة المستهدفة.
الجدول (05) : تحديد الموارد المجندة .
المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
محدد
غير محدد
تحديد الموارد المجندة

09

18

33.33
من خلال قراءتنا للنسبة المسجلة في الجدول أعلاه والمقدرة بـ: 33.33% من الأساتذة قد استطاعوا تحديد الموارد من ( معارف ومهارات وسلوكات ) ، والتي يجندها المتعلم في هذا من أجل إنجاز مهمة طلب منه إنجازها ولا يعلم حلها مسبقا .
وفي المقابل هناك نسبة أكبر من الأولى المقدرة بـ : 66.67 % ،من الأساتذة ليست لها القدرة على تحديد الموارد التي يجندها المتعلم في المحور الأول وصياغتها في الوضعية الإدماجية المطلوبة ، لتحقيق الكفاءة المرصودة .
الجدول ( 06) : شمول الموارد لأنواع المعرفة المستهدفة.

المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
شامل
غير شامل
شمول الموارد لأنواع المعرفة المستهدفة
11
16

40.74

نسجل من الجدول نسبة 40.74% من الأساتذة قد تمكنوا من تضمين المحتوى شمول الموارد لأنواع المعرفة المستهدفة ، وبينما نسجل في المقابل نسبة تجاوزت النصف والمقدرة بـ : 59.29% من الأساتذة لم تتمكن من تضمين المحتوى شمول الموارد لأنواع المعرفة المستهدفة .
ونستنتج من خلال قراءتنا للجدولين أن بعض الأساتذة يعتقد أن الموارد التي يوظفها المتعلم تعني الوسيلة المادية ( ككتاب المتعلم ، والمبراة .....) ، وإن وجدت هذه الموارد فإنها مختصرة في جانب واحد أو جانبين أي مورد المعرفة الصرفة و بشكل عام وإهمال الموارد الخاصة بالمعرفة العلمية , السلوكية.
المحور (03) : تقديم الوضعية في اللغة العربية .
الجدول(07) : صياغة وضعية إإدماجية بمكوناتها.

المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
محدد
غير محدد
صياغة الوضعية
06
21
22.22

نلاحظ من خلال الجدول أن النسبة المسجلة والمقدرة بـ : 22.22% بمعنى أن ستة فرق تربوية تمكنت من صياغة وضعية إدماجية بمكوناتها ، وفق المعايير التربوية نستنتج من النسبة المسجلة حيث أن بناء وضعية إدماجية يتطلب حصر الكفاءة المستهدفة، وتحديد التعلمات المراد إدماجها
( والمعارف ، والسلوكات ) ، و توفر الفرصة للإدماج عمليا ، وتحديد كيفية التنفيذ بمراعاة الفروق الفردية ووضع المتعلم في صلب النشاط وتكون مستوحاة من محيطه .
بينما نسجل في الجانب الآخر نسبة عالية والمقدرة بـ : 77.78% ، لم تتمكن من بناء وصياغة وضعية إدماجية بمكوناتها .
ونخلص من خلال النتيجة المسجلة أن الأغلبية لاتحسن بناء وضعية إدماجية بمكوناتها، ومن خلال ما توافر لدينا من وضعيات وجدنا أن جلها تفتقد لما ذكر سابقا ، فكانت إما منقولة من كتب خارجية أو بعيدة كل البعد على محيط المتعلم أو هي لاتسمح بتعلم إدماج .
وفي هذا الإطار يمكن القول أن الأستاذ يفتقد إلى تكوين إجرائي في هذا المجال ، فهو لايفرق بين الوضعيات ذاتها ( تعلمية ، أو إدماجية أو تقويمية ...........) . باعتبار أن المطلوب منه وضعية مركبة ودالة بالنسبة للمتعلم تتطلب توظيف مهارات ومعارف وسلوكات سبق للمتعلم أن اكتسبها بشكل مجزأ .

الجدول (08) : دلالة الوضعية.

المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
شامل
غير شامل
دلالة الوضعية

07

20
25.92
نستنتج من الجدول أن نسبة 25.92 % من الفرق التربوية تمكنت من صياغة وضعية دالة ، بينما نسجل في هذا الإطار نسبة 74.08% ، من الفرق التربوية، لم تتمكن من ضبط دلالة الوضعية ، فقد اقتصرت معظم المنتوجات على نفس السؤال المباشر ( أكتب قصة) ، أو أكتب
( فقرة إنشائية) . والواجب أن تكون الوضعية ذات معنى بالنسبة للمتعلم في حياته جديدة ووجيهة وتعطي معنى لتعلماته.
المحور (04) : أساليب التقويم .
الجدول ( 09) : تحديد أساليب التقويم .

المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
محدد
غير محدد
تحديد أساليب التقويم
10

17

37.03

نستخلص من الجدول نسبة 37.03% ، من الفرق التربوية استطاعت أن تحدد أساليب التقويم بتوظيف المعايير والمؤشرات إجرائيا .
ونسجل كذلك نسبة مقدرة بـ: 62.97 % من الفرق التربوية، اقتصرت على تقويم أحادي البعد: معلم أو متعلم
الجدول (10) : شموله لعناصر العملية التعليمية التعلمية: ( المعلم+ المتعلم)

المطالب
عناصر الحكم
النسبة %
شامل
غير شامل
شموله لعناصر العملية التعليمية التعلمية ( المعلم+ المتعلم
05

22

18.51


نستنتج من الجدول أعلاه أن نسبة 18.51% ، من الفرق التربوية ،أن التقويم يشمل عناصر العملية التعليمة التعليمية
( المعلم / المتعلم ) ، بينما نجد في المقابل نسبة عالية قدرت بـ : 81.49% ، لم تتمكن من توظيف المعايير والمؤشرات بشكل جدي وفعال ويفتقد إلى الانسجام ، والغالب الاعتماد على الشبكات التي جاءت في دليل المعلم أو المنهاج دون وجود أدنى جهد للأستاذ .
ملاحظة :
ـ أن جميع الوضعيات المنتجة في نشاط الرياضيات فقد اقتصرت على ما ورد في دليل المعلم أو كتاب المتعلم , ولم نلحظ أي جهدا خاص للأستاذ , يمكن أن يسمح لنا بالحكم على أن المطالب لم تنجز وأن الأستاذ ما يزال على النمطية المعهودة ، ولم يستقل من التبعية .
حيث نجد أن ما أنجزه الأستاذ لايمت بصلة للوضعية المشكلة التي يفترض أن تكون على شكل موقف محير يواجه المتعلم لا يمتلك له خطة أو حلا جاهزا لتجاوزه
أمثلة :
مثال 1- اشترى خضار 35 صندوقا من البرتقال ، يزن كل صندوق 15 kg سعر الصندوق الواحد 1050 DA .
- أحسب بالكيلوغرام وزن البرتقال الذي اشتراه الخضار .
- أحسب ثمن شراء البرتقال .
- باع الخضار بالكيلوغرام ب90 DA علما أن 100 kg فسدت وتم رميها .
- هل ربح الخضار أم خسر ؟
هذه مسألة مباشرة تعتمد على التكرار والتذكر فقط ،ومثل هذه المسائل كانت تستخدم سابقا وهي لا تطرح إشكالية ولاتضيف تعلما جديدا .
مثال 2- أنقل وأنجز العلميات التالية :
457× 54= ...، 1473× 132= ....، 988- 66= ...... .
مثال 3- يوجد في المدرسة 5 أسام في كل قسم 30 تلميذا .
- ماهو عدد التلاميذ في المدرسة ؟
- ماهو عدد الإناث إذا علمت أن عدد الذكور هو 76 .
مثال 4 - عند بائع 150 زهرة يريد تشكيل باقات في كل باقة 8زهرات .
- ماهو أكبر عدد من الباقات التي يمكن تشكيلها .
مثال 5 - أكتب عددا عشريا محصورا بين 12.5و 12.7 .
- أكتب عددا عشريا محصورا بين 9.15 و 9.16 .
- أكتب عددا عشريا محصورا بين 22 و 23 .

الخاتمة :
إن الدراسة الحالية حاولت الكشف عن بناء وصياغة وضعية إدماجية وتعلمية في ضوء المقاربة بالكفاءات في السنة الخامسة ابتدائي في نشاطي اللغة العربية والرياضيات ، باعتبار أن الإصلاحات تنظر إلى الأستاذ بأنه ذو كفاءة ومهندس الوضعيات الديداكتيكية .
وبعد تحليل وتفريغ ومعالجة البيانات توصلت الدراسة إلى مايلي :
1- أن الأستاذ ما يزال على يعتمد على التلقين .
2- ضعف التحكم في الشبكة المفاهيمية لكل نشاط .
3- عدم التفريق بين الوضعيات ( تعلم ، إدماج ، تقويم )
4- عدم التفريق بين الوضعية الإدماجية والوقفة التقويمية .
5- اعتماد الطابع التراكمي للمعارف وعدم المرور إلى الطابع الاندماجي للمعارف .
6- اعتماد أسئلة الحوار المألوفة التي تتطلب الإجابة عنها سوى عملية التذكر .
7- التركيز على التقويم الأحادي الجانب : ( معلم أو متعلم ) .
8- عدم التمييز بين الموارد والوسيلة المادية .
الاقتراحات :
· اعتماد الشبكة المتبناة في مناهجنا ذات الأربع معايير ( الوجاهة , الانسجام , الاستعمال السليم لأدوات المادة , الإتقان ) و إشفاعها بالمؤشرات المناسبة لكل معيار و التي تقيس بدقة المنتوج المستهدف .
· وضع برنامج تدريبي مكثف للأساتذة يسهم فيه المختصون في علم النفس وعلوم التربية واللسانيات التطبيقية .
· تمكين الأساتذة من مواكبة التغيير الحاصل في المنظومة التربوية .
· تشجيع الأستاذ على الابداع والابتكار وتحميله المسؤولية .
· تحميل الأستاذ مسؤولية تكوينه الذاتي .
إذا كان الهدف هو تجويد عمل المدرسين و الارتقاء بهم إلى مستوى الإحترافية المنشود في الإصلاح كان من الضروري إرساء قواعد عمل جديدة مؤسسة على مرجعية علمية تتمثل في :
• إنتاج وسائل عمل مناسبة ” قاموس اصطلاحي للمفاهيم التربوية القاعدية المتضمنة في المناهج ”.
• إنشاء بنك تودع فيه الوضعيات بأنواعها ( تعلم , إدماج , تقويم ) يستأنس المعلمون بها في إنتاجا تهم .
















قائمةالمراجع :
1- لحسن توبي : بيداغوجيا الكفاءات والأهداف الاندماجية ، مكتبة المدارس ، الدار البيضاء ، 2006، (ط1)
2- عبد اللطيف الفار بي وآخرون : معجم علوم التربية ( مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك ، دار الخطابي للطباعة والنشر ، المغرب ، 1994 ، (ط1)
3- سهيلة محسن كاظم الفتلاوي : كفايات التدريس ، دار الشروق للنشر والتوزيع ، الأردن ،2003، (ط1)
4- بركاهم العلوي : مقال : أسباب فشل التقويم في العلوم الإنسانية ، مجلة العربية ، مخبر تعليم اللغة العربية ، المدرسة العليا للأساتذة ، بوزريعة ، الجزائر ، العدد (1) ، 2003
5- أحمد حسين اللقاني، د، علي الجمل : معجم المصطلحات التربوية المعرفة، عالم الكتب ، 1996 ، (ط1)
6- عبد اللطيف الفار بي وآخرون : المرجع السابق .
7- استانبول، تركيا، ص: 1039؛6- Oxford advanced learner’s, - Dictionary
8- robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378
9- لحسن توبي ،المرجع سبق ذكره .
10- عبد اللطيف الفارابي وآخرون، المرجع سبق ذكره .
11- ROEGIERS. X. Une pédagogie de l’intégration, Bruxelles, De Boeck Université, 2000
12- ميلود التوري: ،من درس الأهداف إلى درس الكفايات مطبعة آنفوا – برانت ، 2004 ،
( ط1) .
13-لحسن توبي : المرجع السابق .
14- G.Brousseau en didactique des mathématiques 1987 IREM de Bordeau
15- لحسن توبي : المرجع سبق ذكره
16- Roegiers,x المرجع السابق
17- المصطفى بن عبد الله بوشوك ، تعليم وتعلم اللغة العربية وثقافته
18- Roegiers,x : مرجع سبق ذكره .
19-توفيق حداد ومحمد سلامة آدم : التربية العامة ، ديوان المطبوعات المدرسية ، الجزائر،1977 ، (ط1)
20- إبراهيم عصمت مطاوع وواصف عزيز واصف : التربية العلمية وأسس طرق التدريس ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ،1982
21- توفيق حداد ومحمد سلامة آدم : المرجع السابق
22- Roegiers,x : مرجع سبق ذكره .
23- Perrenoud. Ph , Construire des compétences dès l’école, Paris, ESF, 1997
24- المركز الوطني للوثائق التربوية : مجلة المربي الجزائرية للتربية ، العدد 5 ، الجزائر ، 2006 .
25-طيب نايت سليمان وآخرون : : المقاربة بالكفاءات ، دار الأمل للطباعة ، الجزائر ، 2004 ،(ط1).
26-محمد الصالح حثروبي: المدخل إلى التدريس بالكفاءات، دار الهدى للنشر والتوزيع، الجزائر 2002.
27 1987-، G.Brousseau.












ملخص الدراسة:
هدفت هذه الدراسة إلى التعرف علة بناء الوضعيات التعليمة / التعلمية في ظل المقاربة بالكفاءات ، في المدرسة الجزائرية ، السنة الخامسة * نموذجا * ، وذلك من خلال دراسة ميدانية على عينة من الأساتذة بولاية سطيف ، وقد قامنا بإعداد أداة الدراسة مع تقنينها ، بحيث أحتوت الأداة على بناء وصياغة وضعية إدماجية في نشاط اللغة العربية ونشاط الرياضيات ،في أربعة محاور لكل وضعية تبني .ووزعت على عينة متكونة من اثنين وثلاثين فريقا تربويا من مقاطتين بدائرة بني عزيز بولاية سطيف .
وبعد جمع وتحليل وتفريغ البيانات في الجداول وتم حساب التكرارات والنسب المئوية خلصت الدراسة إلى النتائج التالية:
1- أن الأستاذ ما يزال على يعتمد على التلقين .
2- ضعف التحكم في الشبكة المفاهيمية لكل نشاط .
3- عدم التفريق بين الوضعيات ( تعلم ، إدماج ، تقويم )
4- عدم التفريق بين الوضعية الإدماجية والوقفة التقويمية .
5- اعتماد الطابع التراكمي للمعارف وعدم المرور إلى الطابع الاندماجي للمعارف .
6- اعتماد أسئلة الحوار المألوفة التي تتطلب الإجابة عنها سوى عملية التذكر .
7- التركيز على التقويم الأحادي الجانب : ( معلم أو متعلم ) .
8- عدم التمييز بين الموارد والوسيلة المادية .
9- عدم قدرة الأستاذ على بناء وضعية تعلمية في نشاط الرياضيات واعتماده على المشكلات الموجودة في كتاب المتعلم.
وإجمالا فإن نتائج الدراسة كشفت عن عدم وجود الأستاذ الكفء مثلما تنظر إليه البيداغوجيات الحديثة ( المقاربة بالكفاءات ) ، بحيث تشترط أن يكون الأستاذ خبير استراتيجي ينفذ بدقة ما خططه ذو قرار ، نموذجا ، يمتلك المهارات وتقنيات التدريس ، مبدعا، إن الجودة والكفاءة هو ما تظهره الممارسة الفعلية ، فنجد الأستاذ متسلحا بـ: ( المقدرة ، الإبداع ، النظرة البراغماتية ) .