الهوية الشخصية

أولاد دراج, المسيلة, Algeria
أستاذ بجامعة محمد بوضياف حاصل على الماجستير في اللسانيات والدراسات المعجمية العربية من المدرسة العليا للإساتذة *ببوزريعة البريد الإلكتروني:sghilous@yahoo.fr

الصفحات

الخميس، أبريل 15، 2010

ترجمة: الدكتور جمال حضري

الترجمة:
إن الحقل السيميائي الذي شهد خلال السنوات الأخيرة التطورات الأكثر أهمية، أو على الأقل الأبحاث النظرية والتطبيقات الأكثر عدداً، هو بدون منازع حقل التحليل السردي للخطابات. فانطلاقاً من الاستغلال المبكر نوعاً ما لـ"علم صرف" بروب (VI.Propp)، أعطى التفكير في السردية مرة مشاريع لاختصاص مستقل كالسرديات مثلاً، ولتشكيلات سريعة من "الأنحاء" أو "المناطق" السردية مرة أخرى (جمع: نحو ومنطق)، وهذا لأن السيميائية الفرنسية، وعلى عكس ما جرى في الاتحاد السوفييتي أو الولايات المتحدة الأمريكية حيث اجتهد بعض السيميائيين مثل ميليتنسكي (E.Meletensky) أو داندس (A.Dundes) في تعميق معرفة الآليات الداخلية للسرد المحصور في نصوص أدبية ـ عرقية، أرادت أن تنظر إلى عمل بروب باعتباره نموذجاً يسمح بفهم أفضل لأسس تنظيم مجمل الخطابات السردية ذاتها، غيرأن فرضية وجود أشكال كونية تنظم السرد، معترفٍ بها علناً أو مقبولة ضمنياً، مع إلهامها لأبحاث عديدة، سببت في الوقت ذاته خلافات مؤسفة جداً.
وبمعزل عن الانتقادات التي تعتمد على خلفيات أيديولوجية مضادة للعلم، التي تصيب ـ أو لا تصيب ـ مجمل العلوم الإنسانية، فإن أول هذه الخلافات يرجع إلى التطبيق الآلي للنماذج البروبية ـ أو لما اشتق منها بابتذال ـ على النصوص الأدبية ذات التعقيد الكبير. ودون تشكيك في المصادرة على "كونية" الأشكال الخطابية، فإن مثل هذه التطبيقات نجحت في إثبات عدم فعالية الإجراءات التي وفرتها السيميائية.
إن هناك مهمتين متمايزتين بقوة، كانتا محل التباس دائم في التمارين من هذا الجنس:
الأولى : هدفها تنمية معارفنا عن التنظيمات السردية وتتبنى عادة، ذوقاً أو ضرورة، طرقاً استنتاجية أو مشكلنة.
الثانية: تبحث على عكس الأولى، عن استغلال معرفة النماذج السردية من أجل قراءة هذه المواضيع السيميائية المعقدة والمتميزة وهي النصوص وخاصة الأدبية منها، وليس عجيباً أن يعطي الفقر أو الوسائل قراءات بلا معنى.
ويفسر هذا الوضع بنوعين من الضعف أو عدم الكفاية: فبعض السيميائيين لم يعرفوا كيف يعدُّون أبحاث ديموزيل أو ليفي ستراوس وما أبرزاه من وجود بنيات عميقة منظمة للخطابات، ولكنها كامنة تحت التمظهرات السردية للسطح ذات النمط البروبي.
وأهملوا أيضاً تقويم المسافة الهائلة التي تفصل الانتشار السردي عن خطية النص المتمظهر، والتي لم تبدأ الأبحاث البلاغية واللسانية النصية بملئها إلا حديثاً.
إن قراءة نص أدبي مختزل هكذا في بعده السردي السطحي، لا يمكنها من الآن إلا أن تظهر مفقرة إلى أقصى حد، ومن باب أولى تصبح نماذج التحليل السردي المأخوذة عن بروب أو المعدلة قليلاً، أقل ملاءمة دائماً لبيان موضوعات ذات تعقيد بنائي أكبر.
وهذا النص بانخراطه كتمهيد لمؤَلَفٍ يعرّف بالمسائل العامة للسيميائية، يريد شرح واحد من مسائله الأكثر حساسية من خلال بيان الطريق التي سلكت منذ إعادة اكتشاف بروب من جهة، والتمييز بالوضوح الممكن بين ما يمكن اعتباره كمكسب للسيميائية، وبين المشاريع والفرضيات التي تريد فتح الطريق أمام أبحاث جديدة من جهة أخرى.
I ـ اختبار نقدي "لعلم صرف" بروب:
1 ـ مشاكل اللغة الواصفة:
دون البحث عن التقليل من أهمية اكتشاف بروب، يجب القول بأن عرضه لنتائج تحليله يفتقر إلى الصرامة ويبرز ثغرات واضحة.
أ ـ فالقول بأن الحكاية هي تتابع لـ 31(كذا) وظيفة كما يفعل بروب، يقتضي تحديداً مسبقاً لمفهوم "الوظيفة"، لكن إذا كان في المستطاع الاطمئنان إلى حدس بروب حين يعدّ أن "الوظائف" تغطي دوائر الفعل لأشخاص الحكاية، فإن صياغاته التي يعطيها لمختلف الوظائف تجعلنا غالباً في حيرة، فإذا كان "خروج البطل" يبدو وظيفة تقابل شكلاً من النشاط، فإن "الافتقار" يبعد أن يمثل فعلاً، ولكن الأحرى أن يمثل حالة ولا يمكن عدّه وظيفة.
وهكذا، عندما نعدُّ قائمة التسميات "للوظائف" البروبية، فإن لدينا انطباعاً بأنها تهدف في ذهنه، من خلال تجميع المتغيرات وتعميم دلالاتها، إلى تلخيص مختلف متتاليات الحكاية أكثر من تعيين مختلف أنماط النشاطات التي يظهر تتابعها الحكاية كبرنامج منظم.
إن لغة بروب الواصفة تظهر إذاً كلغة وثائقية: ودون أن نفرض عليها شروطاً أخرى، فإنه يمكن أن نطبق عليها بعض المبادئ البسيطة التي تقود بناء مثل هذه اللغات، بالبحث في المقام الأول عن إعطاء شكلنة قواعدية موحدة لهذه المتوالية من "الوظائف".
ومن أجل البقاء أوفياء لمفهوم "دائرة الفعل"، يمكن أن نعرض مثلاً بشكل موحد كل "فعل" من خلال مسند (أو وظيفة بالمعنى المنطقي لـ"علاقة") مع تكميل هذا العرض للـ"الفعل" بإضافة العوامل (ـ الأشخاص) المساهمين في الفعل.
تأخذ "الوظيفة، البروبية إذا شكلاً قواعدياً لملفوظ سردي:
م.س=و(ع1، ع2....).
نقرأ: ملفوظ سردي= وظيفة (عامل1، عامل 2...).
ودون خيانة لحدس بروب بأي صورة، فإن مثل هذا الترميز المنسجم يشكل من الآن تمهيداً لتفكير شكلي (صوري): يسمح مثلاً باعتبار وظيفة "الانتقال" كثابت وفحص العوامل التي تسهم فيها داخل النص باعتبارها متغيرات، ويسمح، من خلال أخذ العامل كثابت، بتجميع كل الوظائف التي تكون "دائرة فعله".. الخ.
ب ـ محاولة كهذه لتوحيد الشكل من خلال وضع إلزامات للصرامة، لا يمكن أن تتفادى الكشف عن ثغرات وغموض في العرض البروبي، هكذا وبإدخال ملفوظ سردي يعلن مغادرة البطل في المتتالية السردية، لا يمكننا عدم الانتباه إلى غياب "وصول البطل"، وبالمثل، فإن فحص الوظيفة البروبية لـ"الزواج" يؤدي بنا إلى ملاحظة تواجد ملفوظين سرديين على الأقل: فالزواج يتضمن المنح الذي يقوم به الأب (أو الملك) بإعطاء ابنته للبطل، ولكنه يتضمن أيضاً العلاقة التعاقدية بين المعنيين.
كما أن مشكلة الكتابة "الصحيحة" للوحدات السردية قد تم تجاوزها: فإذا كان ملفوظ سردي ـ ضروري منطقياً ـ مهملاً داخل تمظهرات نصية، وكان على العكس، مقطع نصي موجوداً ليؤشر على ملفوظين سرديين كامنين، فإن هذا يطرح سؤالاً عن الوضعية النظرية لما لا يعدو بالنسبة إلينا أن يكون حتى الآن خطاباً وثائقياً، وكذا وضعية علاقاته بالنص السردي المتمظهر في وروداته. فعوضاً عن تلخيص وثائقي لما نجده داخل النصوص التي يغطيها، فإن هذا الخطاب الثاني يبدو كتمثيل تركيبي ـ دلالي، وفي الوقت نفسه قد كُيِّف وأزيل غموضه، وقام مقام بنية عميقة بالنسبة لبنيات السطح التي هي النصوص ـ الورودات.
2 ـ الاعتراف بالانتظامات:
رأينا بأن التطبيع البسيط لتسمية "الوظائف" البروبية، المصاغة كملفوظات سردية يسمح من الآن بالاعتراف بعدد من الاطرادات داخل "التتابع" الذي يشكل حسب بروب القصة كحكاية.
أ ـ كان ك.ل.ستراوس (CI.Lévi. Strauss) الأول الذي لفت انتباه الباحثين إلى وجود "إسقاطات استبدالية" تغطي السير المركبي للحكاية البروبية، وأكد على ضرورة إجراء "مزاوجات" للوظائف. وبالفعل، يمكن للملفوظات السردية أن تزاوج ليس باعتبار الجوار النصي ولكن عن بعد، ملفوظاً ما يستدعي ـ أو بالأحرى يتذكرـ ضديده المطروح مسبقاً، ووحدات سردية جديدة ـ وإن تكن منقطعة بالنسبة لنسيج الحكاية، لكنها مكونة من علاقات استبدالية تقرب محمولاتها /وظائفها ـ تظهر هكذا كأزواج من نمط:
/مغادرة/ عكس/ رجوع/
إيجاد الافتقار/ عكس/ القضاء على الافتقار/
إقامة الحظر/عكس/ كسر الحظر/ الخ..
وداخل الترسيمة المركبية، تؤدي هذه الوحدات الاستبدالية دور المنظم للحكاية وتكون نوعاً ما هيكلها، بل وأكثر، فإن التتابع البسيط للملفوظات السردية باعتباره لم يكن مقياساً كافياً ليفسر تنظيم الحكاية، يعني أن التعرف على الإسقاطات الاستبدالية، هو الذي يسمح بالحديث عن وجود بنيات سردية.
ب ـ إن قراءة "قائمة" الوظائف البروبية يكشف، من جهة أخرى، ليس فقط وجود وحدات مركبية ذات بعد يتجاوز الملفوظات السردية ـ نفكر أولاً في الاختبارات ـ ولكن أيضاً خاصيتها التكرارية. هناك نوعان من التكرار يمكن ملاحظتهما: نلتقي في البداية بالتضعيفات (اختبار يفشل يكون متبوعاً الاختبار نفسه الذي ينجح) و/أو التثليثات (ثلاثة اختبارات تتوالى وتستهدف الحصول على موضوع القيمة نفسه): وبما أن التدليل الوظيفي لهذه التكرارات ـ التي تسم شدة الجهد وكليته ـ لا يطرح إشكالاً، فإن الدراسة المقارنة للوحدات المتكررة تسمح بالتعرف على الخاصيات الثابتة والشكلية للاختبار وتمييزها من الاستثمارات الدلالية والتصويرية المتغيرة.
بعد اختزال هذا الجنس من التكرارات، نكون إزاء سلسلة من الاختبارات التي، مع امتلاكها تماماً للشكل القواعدي المتعرف عليه سابقاً، فإنها تتميز الواحد من الآخر ـ في مرة واحدة ـ باختلاف موضوع القيمة المستهدف، وبموضعها في التسلسل المركبي، بتعبير آخر: فإنه إلى جانب العلاقات الاستبدالية الملاحظة سابقاً، نلاقي أيضاً علاقات تركيبية، قابلة لأن تؤدي دور المنظم للبنيات السردية. إن التعرف على هيكل علائقي منظم للحكاية، يعوض على هذا النحو التعريف البروبي للقصة" كتتابع لـ/31/ وظيفة".
II ـ البنيات السردية: بعد بروب:
1 ـ الترسيمة السردية:
1 ـ 1 ـ متوالية من الاختبارات: يمكننا أن نتساءل عما بقي من التعريف البروبي للقصة بعد هذا الفحص التحليلي الذي سمح لنا أن نستبدل بالمفهوم العائم لـ"وظيفة" الصيغة القواعدية للملفوظ السردي، والتعرف على وجود وحدات سردية ذات طبيعة استبدالية تارة وتركيبية تارة أخرى، مكونة من العلاقات التي تعقدها الملفوظات السردية بينها، وبتفسير الحكاية كبنية سردية، أي كشبكة علائقية واسعة تحتية بالنسبة إلى خطاب السطح الذي لا.. يمظهرها إلا جزئياً.
يمكن أن نتساءل أيضاً، ماذا يعني في هذه الحالة مفهوم التتابع، العنصر الأساسي في تعريف بروب: هل يعين ببساطة الملفوظات السردية، وهي تتابع الواحد تلو الآخر في أثناء التمظهر الخطي للسردية في شكل خطاب ـ وهو ما يعيدنا من جديد، وإن لم يكن خطأ، إلى تصور "علم الصرف" كتلخيص بسيط لأحداث مترابطة داخل القصة، أو يدعونا إلى اعتبار النظم المركبي للحكاية ذا "وجهة" أو "اتجاه" أو "مقصدية" كامنة يرجع إلينا اقتراح تفسيرها؟ إنها هذه الفرضية الثانية التي نحتفظ بها الآن.
إن قارئ بروب لا يفوته أن ينتبه ـ لنقل ذلك ـ إلى تكرار الاختبارات الثلاثة التي ـ بكونها أزمنة قوية ـ تمفصل مجموع الحكاية وهي:
الاختبار التأهيلي ـ الاختبار الحاسم ـ الاختبار التمجيدي.
من خلال تتبع بطل القصة العجيبة خطوة خطوة، نسجل بالفعل أن الخير، بعد أن قبل المهمة، ينبغي في البداية أن يخضع لنوع من الفحص الترشيحي يسمح له باكتساب ـ أو يؤكده كحائز على ـ الأوصاف المطلوبة لمباشرة البحث الذي ينتهي بالتعهد الحاسم والحصول على موضوع القيمة المطلوب، عقب هذه الوقائع العليا، يتم الاعتراف به وتمجيده كبطل، وإذا فكرنا في هذا قليلاً، ننتبه إلى أن "أقصوصة" كاملة قد قصت علينا، أقصوصة حياة مثالية تمفصل اختباراتها الحلقات الأساسية التي يكررها ـ بلا ملل ـ كل قصاصي العالم: تأهيل الفاعل: المتمظهر في أشكال متنوعة (تقاليد تعليمية، طقوس مرور، مسابقات، امتحانات...)، إنجاز الفاعل: في الحياة التي تعدُّ فضاء افتراضياً يكون الرجل مدعواً لملئه بأعماله بتحقيق شيء ما، والظهور فيها في الوقت نفسه.
الاعتراف: هذه النظرة من الآخر الذي تلحق الأعمال بصاحبها وتكونه في ذاته.
ليست هذه بالفعل إلا رواية من بين أخريات يعطيها لنا المخيال الإنساني عن "معنى الحياة" مقدماً كترسيمة للفعل: المتغيرات حول هذا الغرض كثيرة، إنما تفتح هكذا أفقاً واسعاً للأيديولوجيات. ما يهم الآن هو الاعتراف بمبدأ ثابت للتنظيم يسمح باعتبار هذه الترسيمة مفهوماً إجرائياً.
إن الرصف البروبي يقترح علينا إمكانية قراءة كل خطاب سردي كبحث عن المعنى، عن التدليل الذي يلحق بالفعل الإنساني: الترسيمة السردية تظهر إذاً كتمفصل منظم للنشاط الإنساني الذي يؤسسه كتدليل.
تصور كهذا للترسيمة السردية ـ حتى وإن أعطى بداية لجواب عن سؤال مثار نزاع، ويتعلق بمعرفة ماهية الحكاية ـ ليس بالفعل إلا فرضية قابلة لأن تستدعي حولها عدداً من الأبحاث المتميزة.
إن قيمة النموذج البروبي ـ وهو ما نلاحظه جيداً ـ لا تكمن في عمق التحليلات التي تدعمه ولا في دقة صياغاته، ولكن تكمن في خاصية الإثارة، في قدرته على إثارة الافتراضات، إنه التخطي بكل معانيه لخصوصية القصة العجيبة التي تطبع مسيرة السيميائية السردية منذ بداياتها. إن توسيع وترسيخ مفهوم الترسيمة السردية القواعدية يبدو بهذا كواحد من ِأشغالها الحاضرة.
إذا كان "التتابع" البروبي، مفسراً كمقصدية دالة ومتموضعاً على مستوى أكثر عمقاً من الخطية البسيطة للتمظهر الخطابي، يسمح بالمصادرة على وجود ترسيمة سردية منظمة، فإن التمفصل المنطقي يعطي ـ على العكس ـ صورة لتتابع معكوس الاتجاه.
فالاختبارات الثلاثة ـ لكي لا نتكلم إلا عنها ـ تتابع فعلياً على الخط الزمني (أو الرسمي) الواحد تلو الآخر، غير أنه لا توجد أية ضرورة منطقية لكي يكون الاختبار التأهيلي متبوعاً بالاختبار الحاسم، أو أن يكافأ هذا الأخير: فما أكثر أمثلة الفواعل الأكفياء الذين لا يمرون أبداً إلى الفعل، والأعمال المستحقة التي لم يتم الاعتراف بها أبداً.
وعلى العكس تقيم القراءة المعاكسة تنظيماً منطقياً للاقتضاء: فالاعتراف بالبطل يقتضي الفعل البطولي، وهذا الأخير يقتضي بدوره وصفاً كافياً للبطل (طبعاً مع سحب منظومة قيم الحقيقة التي بتحديديها الزائد للاختبارات تدخل متغيرات جديدة).
إن مقصدية الخطاب السردي، التي كانت فرضية بسيطة في البداية، تجد تبريرها في الرصف المنطقي المتعرف عليه في النهاية، على شاكلة نمو الجسم في الوراثة.
1 ـ 2 ـ المواجهة: يعتمد التفكير الذي سمح بإحاطة مفهوم "الترسيمة السردية" في أغلبه على فحص القصة العجيبة البروبية، ومن خلال رؤيته عن قرب، نتفطن إلى أن هذه القصة وعوضاً عن تكوين كل متجانس، هي في الحقيقة حكاية معقدة أو على الأقل مضاعفة، لأنها تظهر كتعالق للاختبارات المنجزة من قبل الفاعل (البطل)، وتحتوي في الوقت نفسه ـ بطريقة نصف غامضة حقاً ـ أقصوصة أخرى، للفاعل المضاد (الخائن)؛ حكايتان مع أنهما تتقاطعان وتتداخلان، لكنهما لا تتمايزان الواحدة من الأخرى من زاوية تنظيمهما الشكلي سوى بتلونهما المعنوي المختلف، الإيجابي أو السلبي. وهذا التلون مع أنه يبعد أن يكون خاصية تكوينية للحكاية، ليس إلا زيادة ثانوية ومتغيرة في التحديد: الخائن البروبي الفائق التحديد سلبياً، له سلوك مشابه لسلوك الصوص الصغير (petit poucet) ، البطل الإيجابي، فالغول (ogre) المقدم "كخائن" لا يتميز جوهرياً ـ بفعل تكييفه من خلال قدرة ـ الفعل في حالة خالصة ـ عن البطل رولان (Roland) برفضه النفخ في البوق وباللجوء هكذا إلى نوع من معرفة ـ الفعل.
تقرير هذه المضاعفة يفرض علينا اعتبار الترسيمة السردية مكونة من مسارين سرديين خاصين بكل واحد من الفاعلين (فاعل وفاعل مضاد) المقامين داخل الحكاية. هذان المساران يمكن أن يجريا منفصلين، الواحد منهما مثلاً يهيمن على البداية والآخر على نهاية السرد: لكن من الضروري أن يلتقيا ويتراكبا لحظة ما، ليعطيا مجالاً للمواجهة بين الفواعل، مواجهة تشكل من الآن واحداً من أركان الترسيمة السردية. والمواجهة، بدورها، يمكن أن تكون تنازعية أو تبادلية تتمظهر تارة في قتال، وتارة في تبادل، وهو تمييز يسمح بالتعرف إلى تصورين للعلاقات البينية الإنسانية (صراع الطبقات مثلاً، المضاد للعقد الاجتماعي) كما يسمح حسب هذا المعيار بتقسيم الحكايات على قسمين كبيرين.
1 ـ 3 ـ دوران المواضيع والاتصال بين الفواعل: يقوم رهان هذه المواجهات ـ ولا يهم كثيراً إذا كانت عنيفة أو سلمية ـ على مواضيع قيمة مستهدفة من الجهتين، ونتائجها تختزل في انتقال المواضيع من فاعل إلى آخر، ويمكن أن تلخص المواجهة أيضاً من حيث النتائج في صيغة قواعدية بسيطة:
ف1U م ∩ف2
نقرأ: فاعل 1 في فصله عن الموضوع، والموضوع نفسه في وصلة مع فاعل 2.
والتي تقول بأنه في نهاية مواجهة أو تبادل فإن واحداً من الفاعلين يكون ـ بالضرورة ـ في فصله عن موضوع القيمة، بينما ضديده يدخل في وصلة معه.
تحدث مثل هذه الانتقالات في القصة العجيبة عدة مرات (الخائن يستولي على ابنة الملك، البطل يستعيدها ويسلمها لأبيها الذي يعطيها له من خلال زواج) والأدب العرقي يعرف جنساً من الحكايات يتميز بتسلسل لا نهاية له من تنقلات المواضيع. ويمكن من هذا المنظور أن تحدد الحكاية بدوران المواضيع، فكل انتقال يكون محوراً سردياً ويمكن أن يعاد الكل انطلاقاً منه.
في حين نرى هنا ظهور تمييز جديد يمكن أن يكون هو الأهم، بين مستويين ذوي عمق غير متساو: إذا بدت الحكاية متضمنة لنوع من النحو الأولي للتنقلات، فإن تنقلات المواضيع مستوعبة في الوقت نفسه، في مستوى أكثر سطحية، داخل تشجيرات خطابية من كل الأنواع (اختبارات، اختطافات، خداعات، تبادلات، منح ومنح ـ مضاد) تنميها بطريقة تصويرية.
ينتج عن هذا كون المستويين المتعرف عليهما هكذا يمكن وصفهما ومعاملتهما كل على حدة، وأنه من أجل تفسير الاشتغال الداخلي للنص السردي، يجب إقامة قواعد لدوران مواضيع القيمة من جهة، وتكوين نمذجة للتشجيرات الخطابية النحوية التي من خلالها تتمظهر هذه التنقلات من جهة أخرى: قواعد حصر تدقق شروط إلحاق التشجيرات بالتنقلات، وتقيم بذلك جسراً بين التمثيلات المنطقية والتصويرية للسردية.
لكن دون المواضيع ليس مع ذلك شيئاً آلياً ومسلماً به، فعلى طريقة الكرة التي تغير المنطقة باستمرار أثناء مقابلة، فإن موضوع القيمة يحتاج إلى أن يدفع ويمسك به من طرف فواعل أكفياء.
والتشجيرات الخطابية التي وضعناها على عجل فوق البعد التصويري للنص لا تغطي تنقلات الأشياء فقط، ولكنها تغطي أيضاً متتالية من الأفعال المنجزة من طرف فواعل تنجز التنقلات. بتعبير آخر، إن دوران المواضيع يقتضي مسبقاً وضع فواعل تحركها، أي بنية للاتصال تدور داخلها المواضيع على طريقة الرسائل.
2 ـ البرنامج السردي:
1 ـ 2 ـ ملفوظات الحالة: مع الاحتفاظ للتشجيرات الخطابية النحوية بوضعية الغطاء التصويرية للعمليات المنطقية، فإننا مضطرون للاعتراف والتمييز الشكلي تحت هذا الغطاء الشفاف، بين نوعين من الفواعل، فواعل الحالة وفواعل الفعل، واعتبار الأولى كواضعة للقيم بفعل ارتباطها وصلاً أو فصلاً بالموضوعات، والثانية كفواعل عاملة والتي بإجرائها للارتباطات تغير الأولى.
تتحدد فواعل الحالة في وجودها السميائي من خلال خصائصها (نعوت، محولات) بالفعل، لا يمكن الاعتراف بها كفواعل إلا في حالة تعالقها مع موضوعات القيمة وتشارك في مختلف العوالم القيمية، ومواضيع القيمة بدورها ليست قيماً إلا إذا كانت مستهدفة من الفواعل، وبتعبير آخر، لا يوجد تحديد ممكن للفاعل إلا بوضعه في علاقة مع الموضوع وبالعكس.
ومن هنا، فإن التمثيل القواعدي للفاعل لا يمكن أن يأخذ إلا شكل ملفوظ حالة ذي وظيفة مكونة من علاقة بين الفاعل والموضوع:
ف ∩ م أو ف U م
نقرأ: فاعل في وصلة مع موضوع أو فاعل في فصلة عن موضوع.
مثل هذه الصياغة لها امتياز السماح بتحديد كل عامل في الترسيمة السردية، في لحظة معطاة من السرد، من خلال مجموع ملفوظات الحالة التي تكونه.
2 ـ 2 ـ ملفوظات الفعل: فاعل الفعل يجري تحويلات تتموضع بين الحالات، ولهذا نقرأ هذه العبارة:
ف U م← ف ∩ م
نقرأ: فاعل في فصلة عن موضوع يتحول إلى فاعل في وصلة مع موضوع.
كتمثيل لحالتين متتابعتين لفاعل يكون في البداية منفصلاً عن موضوع القيمة، ثم يكون بعد ذلك في وصلة معه، وهذا عقب تدخل يسبب التغيير؛ تدخل كهذا لا يمكن أن يفسر إلا إذا صادرنا على وجود فعل تحويلي قام به فاعل فعل مستهدف لملفوظ حالة باعتباره موضوعاً ينبغي تحويله: فملفوظ الفعل هو إذاً ملفوظ يقود ملفوظ حالة، مع تعيين فاعل الفعل بصورة دائمة ف1 وفاعل الحالة: ف2 ونستطيع تقديمه بالطريقة التالية:
ف(تحويلي) [ف1 ← (ف2∩ م)] أو ف (تحويلي) [ف1← (ف2 Uم)]
إن التمييز بين فاعلين: ف1 و ف2 لا ينتج فقط عن مطلب شكلي، بل يستند إلى كثير من الحالات المشاهدة:
فإذا كان الفاعلان في حالة الفعل المسمى "سرقة"، متواجدين في ممثل واحد فإن في حالة المنح، تكون حالة ف2 نفسها متحصلاً عليها من خلال فعل ف1 المختلف عن الأول (أي ف2): أي في حالة السرقة: ف1 هو ف2، أما في المنح فإن ف1 ≠ ف2
2 ـ 3 ـ التركيب العاملي: هاهو، وبصورة غير منتظرة، مقترح ليكون حلاً لمشكلة لم تكف عن إزعاج السميائيين، وهي التحديد الممكن لـ"الحكاية الدنيا": بالفعل، إذا فهمنا الحكاية حدسياً كـ"شيء يحدث"، فإن تصورنا للعمل باعتباره إنتاجاً لحالة جديدة، يكون كفيلاً بمثل هذا التحديد.
والاستنتاجات التي يمكن استخلاصها مما سبق، تتميز أساساً من التي نعتمدها عادة، والتي بمقتضاها تكون "الحكاية الدنيا" نوعاً من "حكاية ـ مصغرة" قابلة للتوليف مع "حكايات ـ مصغرة" أخرى لتكوين "الحكاية المكبرة" الموافقة لأبعاد النص السردي في مجمله، وذلك عقب إدماجات وتضافرات وتداخلات متتابعة. والفرق بين "الحكاية ـ المصغرة" و"الحكاية ـ المكبرة" بالنسبة إلينا، هو فرق في الطبيعة وليس فرقاً في الحجم.
في البداية هناك تدقيق اصطلاحي يفرض نفسه، فمن خلال الحديث عن ملفوظ الفعل كتمثيل لفعل إنتاج حالة، تم إغفال الإشارة آلياً إلى أن المقصود هنا ليس عملاً منجزاً فعلاً، ولكنه عمل مروي، لنقل: هو "عمل من ورق". ومن الأفضل كذلك اعتبار الصيغة المعنية كتمثيل ليس للعمل، ولكن للبرنامج السردي الذي يبرز التنظيم التركيبي للعمل.
يمكننا من الآن استعادة الملاحظة المدونة في 2 ـ 2 ـ 1 والتي بناء عليها يمكن لملفوظ الحالة أن يساعد في تحديد أي عامل من الترسيمة السردية في لحظة ما من سيره، ومن أجل إكمالها نضيف بأنها صالحة تماماً بالنسبة لملفوظات الفعل القابلة لتحديد مختلف عوامل السرد (مرسل، فاعل، فاعل مضاد الخ..) كفاعلين للفعل، ينتج عن هذا أن فاعل الفعل وفاعل الحالة اللذين أتينا على تحديدهما، ليسا عاملين سميائين مشاركين مباشرة بهذه الصفة في الترسيمة السرية التي تنظم الخطاب، ولكنهما عاملان تركيبيان، أنواع من المؤشرات التركيبية لطرق الإجراء والتدليل تمكن من حساب العمليات المنجزة من طرف عوامل مختلفين، وقياس "كينونتهم" المتنامية و/أو المتناقصة باطراد إبان سيرورة الحكاية.
وبتعبير آخر فإن البرامج السردية هي وحدات سردية تنبثق عن تركيب عاملي قابل للتطبيق على كل أنواع الخطابات، وهي تبرز تنظيم مختلف مقاطع الترسيمة دون أن تكون مع ذلك مكونات لهذه الترسيمة التي توافق "تمفصلاً" (بالمعنى الذي يعطيه مارتنيه لهذه المفردة) آخر للخطاب.
إن البرامج السردية (ونختصرها في ب.س) هي وحدات بسيطة، ولكن قابلة للتوسع والتعقيد الشكليين دون أن يغير شيئاً من وضعيتها كصيغ تركيبية قابلة للتطبيق على الأوضاع السردية الأكثر تنوعاً.
أ ـ لقد سجلنا آنفاً، في أثناء حديثنا عن الاختبارات، إجراءات تضعيف أو تثليث، والتي ليست في الواقع إلا إكثاراً كمياً للـ ب.س والتي تبقى تدليلاتها الوظيفية على الشدة والشمول ظاهرة داخل الترسيمة السردية.
ب ـ يمكن أن نضيف إلى هذا إكثاراً للـ ب.س. راجعاً إلى إكثار موضوعات القيمة المستهدفة (الإصبع الصغير، يجلب أولاً إخوته ويكتسب الغنى بعد ذلك).
ج ـ إن علاقة تبعية يمكن أن تقود برنامجين أو أكثر ومن ب.س مترابطة فيما بينها، ب.س. للاستعمال يكون سابقاً لـ ب.س. رئيسي (فمن أجل الوصول إلى الموزة يبحث القرد أولاً عن العصا).
د ـ يمكن في النهاية، إدخال حساب ب.س. المتعالقة التي تبرز تنقلات المواضيع والتواصل بين الفاعلين (للمقارنة: الرجوع إلى "مشكلة من السميائية السردية: مواضيع القيمة "في Langages رقم 31).
إن قائمة التعقيدات للبرنامج السردي ليست شاملة، ولكنها تعطي تأشيرات كافية بالنسبة إلى إمكانية شكلنة أعمق للتركيب العاملي، وهي الوسيلة اللازمة لتحليل الخطابات.
III ـ سميائية للعمل:
1 ـ أداء الفاعل:
يمكن الآن العودة إلى الترسيمة السردية لرؤية كيف تتمظهر فيها مختلف عناصر التركيب العاملي، وكيف تشتغل بالضبط الـ ب.س. التي نعتقد أننا تعرفنا بداخلها إلى الآلية المناسبة المبرزة للسردية داخل الوحدات الكبيرة التي تكون هذه الترسيمة.
من خلال إجراء متدرج خطوة خطوة، لن نمضي إلى الأخذ في الاعتبار الترسيمة جملة، ولكن واحداً من مساراتها السردية التي تكونها (انظر أعلى 1 ـ 2) وليس المسار كله، ولكن أحد مركباته، وتحديداً الذي يقابل في النموذج البروبي الاختبار الرئيسي، هذا الأخير ولنقل ذلك، هو المجال المفضل في الحكاية أين يستطيع البطل في النهاية، عقب بحثه، أن يحقق المهمة التي تكفل بها: إنها لحظة المسار السردي التي تبدو بنيوياً الأكثر قرباً من تحديد ب.س. بصفته عملاً إنجازياً.
لا يجب أن ننسى بالمقابل بأن ب.س هو الشكل القواعدي المبرز من ناحية المبدأ لكل عمل كيفما كان: إسقاطه ـ لأهداف تعريفية ـ على مركب المسار السردي المعين يجب أن يصحب بوضع عدد من القيود التي، وهي تحتفظ بخصوصيات العمل، تكون لها مهمة تخصيصه من خلال تمييزه من التمظهرات الممكنة الأخرى للـ /ب.س وهاهي هذه القيود الرئيسية:
أ ـ يجب أولاً المصادرة على جمع فاعل الفعل وفاعل الحالة في عامل سردي واحد: بهذا الشرط يمكن للفاعل السيميائي أن يعرف ككائن وكفاعل (نلاحظ بالعكس أن الفصل بين فاعل الفعل وفاعل الحالة متمظهراً مثلاً في التشجير "منح" يطبع العلاقة بين المرسل والمرسل إليه).
ب ـ هكذا، وبعد أن تكون الفاعل، يجب أن يستهدف الموضوع المستثمر بقيمة وصفية. القيم الوصفية تتحدد باستثناء القيم الكيفية (انظر أسفل)، وتنقسم إلى: قيم تداولية (نابعة من كل العوالم القيمية الممكنة) وقيم معرفية (مكونة ليس باستهداف موضوع القيمة، ولكن معرفة هذا الموضوع): وتبعاً لطبيعة القيم المستهدفة نقول: بأن المسار السردي في الحالة الأولى، يقع على البعد التداولي، وفي الحالة الثانية يقع على البعد المعرفي، فالفاعل يمارس الفعل التداولي أو المعرفي.
ج ـ القيد الثالث يتعلق في النهاية بنمط الوجود السيميائي للبرنامج السردي: لكي ينطبق على مكون المسار السردي الذي نفحصه، يجب أن ينجز فيه الـ ب.س، الفعل الممارس ينتهي إلى النتيجة المسجلة داخل ملفوظ الحالة (وصلة أو فصلة).
إن البرنامج السردي بكونه خاضعاً لهذه القيود ولكن قابلاً للتوسيعات موضحة في 3.2.2، يحدد مكون المسار السردي المسمى: إنجاز الفاعل.
2 ـ كفاءة الفاعل:
يبدو بديهياً بأن الفاعل لا يمكنه القيام بإنجاز إلا إذا امتلك مسبقاً الكفاءة الضرورية: هكذا يشكل الاقتضاء المنطقي قبل كل اعتبار آخر أساس المكون للمسار السردي الذي يسبق الإنجاز.
وبالمثل، إذا كان الإنجاز يوافق، رغم القيود المذكورة، العمل كـ"فعل ـ كينونة"، فإن الكفاءة يمكن أن تصاغ في السجل الحدسي نفسه كشرط ضروري للفعل، باعتبارها "توجد الكينونة".
ولكن وعلى عكس ما يجري حين نريد إحاطة مفهوم الإنجاز، فإن تحديد الكفاءة لا يمكن تحصيله انطلاقاً من نموذج ب.س وملفوظ الفعل الذي يشكل نواته: فالكفاءة هي التي "توجد الكينونة"، فهي من فئة "الكينونة" وليس من فئة "الفعل"، وبالنتيجة فإن بنية ملفوظ الحالة هي التي يجب أن تؤخذ كنقطة انطلاق لفحصها (أي الكفاءة)، والفاعل الكفء يجب أولاً أن يحدد بمساعدة الخصائص اللصيقة به والتي تشكل كماً كافياً من القيود التي تخصصه كفاعل حالة.
أ ـ يجب أن يكون بحوزة الفاعل الكفء ب.س. يحتمل أن ينجزه، أي برنامج يمكن أن تكون له وضعية ب.س. محين (وليس منجزاً)، وذلك بالنظر إلى نمط وجوده السميائي:
ف ∩ ب. س(ح): ح= محين
نقر: فاعل ذو برنامج سردي محين.
ب ـ يجب، من جهة أخرى، أن يكون الفاعل الكفء متصفاً بميزات تحقيق هذا ب.س، مما يعني أنه يجب أن يمتلك جملة من مكيفات الإرادة و/أو الواجب و/ أو معرفة الفعل.
وبصفته فاعل ـ حالة يجب على الفاعل الكفء بالنتيجة أن يكون في وصلة مع موضوع مستثمر بمركب من القيم الكيفية وليس الوصفية:
ف∩م ق (إ/و + ق/م).
(إرادة/ واجب/ قدرة/ معرفة).
الموضوع الكيفي المعني مكون من مجموعة من التحديدات الإضافية للفعل، أي خصائص ينبغي أن يمتلكها الفعل قبل أن يصبح فعالاً وقبل أن ينجز: ومن خلال اتصاله بهذا الموضوع، يبدو الفاعل الكفء متصفاً بفعل محين، أي كفاعل سميائي بالقوة.
ملاحظة: لتفادي سوء تفاهم محتمل، ينبغي الإشارة بأننا ـ بما أن المقاربة البنيوية التي نتعاطاها والخاصة بنا نفهم هنا من "كفاءة" الفاعل، توليفة من الكيفيات الموافقة (المقارنة: من أجل نظرية في الكيفيات في Langages سبتمبر 1976): الكفاءة ليست دائماً إيجابية: يمكن أن تكون غير كافية بل وسلبية، تماماً مثل الأداء يمكن أن ينجح أو ينتهي إلى الفشل.
هذه ـ هنا ـ شروط عامة تحدد حالة الفاعل المستعد للمرور إلى الفعل في الوضع الذي يسبق مباشرة الإنجاز مع أن اعتبار الكفاءة كحالة ـ إذا سمح بمباشرة وصفها ـ لا يستنفذ بصورة تامة إشكاليتها. يجب أن تفسر الملفوظات التي تصوغ هذه الحالة بأنها مقودة من قبل ملفوظات الفعل التي تبرز التحولات التي انتهت إلى تشكيل "حالات أشياء"، بتعبير آخر: وجود الفاعل الكفء يأخذ المشكلة ويقتضي آلية تكوين الكفاءة. والحكاية البروبية أعلاه، وهي تكشف بقوة الاختبارات المؤهلة الكثيرة و المتنوعة التي نجدها مطورة فيها، فإنها تشهد على الأهمية التي تعلقها الحكاية على اكتساب الكفاءة.
لا عجب إذاً في تشكيل الكفاءة التي، إذا تم تكوينها تبدو كـ"حالة" للفاعل، تقترض الشكل التركيبي المتوقع من متوالية للـ ب.س متوجهة إلى إنتاج اغتنائها التدريجي. في حين وعكس ما يجري في أثناء الداء أين يوجد الفاعلان ـ فاعل الفعل وفاعل الحالة ـ مجتمعين، الفاعل المنفذ يظهر هنا كوضعية تركيبية في الخدمة، قابلة لأن تشغل من قبل ممثلين مختلفين.
بين المنح البسيط للمرسل والمؤهلات المكتسبة بكفاح عال من قبل الفاعل نفسه ـ تمثيلان متخيلان متقاطبان لمنابع الكفاءة، توافق في الجملة متتالية من التقسيمات الثنائية مثل: الحتمية والإرادة الحرة، الفطرية والاكتساب ـ تتموضع أشكال غامضة، مفردات معقدة بهيمنة الواحد أو الآخر من القطبين: والمثال الأجمل فيها هو هذا الاختبار المؤهل ـ خاصية القصة العجيبة ـ الذي يتضمن القتال المتظاهر الذي يجعلنا نعتقد أن الفاعل يجعل نفسه كفئاً، بواسطة وسائله الخاصة والذي يسمح بظهور في نفس الوقت تحت قناع الخصم ـ صورة المرسل، أي المانح الحقيقي للكفاءة.
3 ـ التصور الحركي للبنيات العاملية:
تصور مجدد للعامل السميائي ينبثق بتدرج من فحص المسار السردي الذي كنا بصدد إحاطة هيئتين منه ـ الكفاءة والإنجاز ـ متسلسلتين منطقياً.
معترفاً به بداية كافتراض مولد للكينونة والفعل، وقابل للتمفصلات التصنيفية، يبدو العامل الآن حاملاً لتحديدات مركبية تكميلية.
لنأخذ حالة الفاعل السميائي: لقد رأينا بأن الفاعل ـ حسب كونه مسجلاً كحاضر داخل الواحدة من المكونات أو الأخرى ـ يقال عنه بأنه كفء أو منجز، هذا التمييز يبقى مع ذلك غير موضح تماماً: فمن وجهة نظر مركبية، ينجز الفاعل مساراً سردياً مكوناً من متتالية من الحالات وفق الترسيمة السردية المتوقعة، وكل حالة تتميز من سابقتها بفعل تحويل مسبب لانقطاعات قابلة للملاحظة.
وبالنتيجة لا يكفي الحديث عن فاعل سميائي بشكل تجريدي، بما أنه مؤسس بمفاهيم مشخصنة وحضور دائم للكينونة، ثم هل يجب تدقيق موضعه المركبي في كل مرة (من خلال فهمه كوضع لحالة الفاعل بالنسبة لمجموع المسار) والوضعية الكيفية التي تميزه في كل مرحلة من هذا المسار (الفاعل الكفء، هو كذلك بالتتابع، مثلاً، حسب الإرادة، القدرة، معرفة الفعل) وهكذا، وبما أن المسار السردي ينقسم إلى متتالية من الحالات السردية، نفهم الدور العاملي كتحديد موضعي وكيفي في الوقت نفسه لكل من هذه الحالات.
تظهر صعوبة أولى حين نريد إحاطة هذا التصور الحركي للعامل السميائي: إننا ننتبه بسرعة إلى أن الفاعل ليس تتابعاً بسيطاً للأدوار العاملية التي يتحملها ولكنه ـ بالعكس ـ في كل حالة من المسار المجموع هو المنظم للأدوار العاملية المكتسبة طول المسار السابق، وبأن البطل مثلاً ليس فقط الفاعل ملتقطاً في اللحظة التي يخرج فيها منتصراً في قتاله الرئيسي، ولكن خلفه ماضياً كاملاً هو الذي منذ طفولته وعبر الاختبارات جعله على ما هو عليه الآن.
إن ههنا واحدة من أكبر الصعوبات، ولكن أيضاً الفائدة الرئيسية للسميائية الخطابية: فالخطاب وعلى عكس الجملة المنعزلة يمتلك "ذاكرة"، فإذا قلنا من زاوية نظر معينة بأنه مكون من تتابع ملفوظات، فيجب مباشرة إضافة بأنه مثل "Si" الفرنسية التي تقتضي "non" سابقاً عليها، فالملفوظ المسلوك داخل استمرارية الخطاب "يتذكر" بأن حالة محددة تقتضي حالة كامنة سابقة. ينتج عن هذا نوع من اللا تجانس ـ أو الطبيعي؟ ـ بين تحليل الخطاب السردي والنحو التحويلي الذي لا يعالج إلا التحولات بين ملفوظات قابلة لأن توضع في تواز، وليس متتاليات منتظمة من الملفوظات، وهنا أيضاً تكمن صعوبة الاستفادة ـ في هذا الجنس من التحليل ـ من قواعد مجربة من الحساب المنطقي الذي يستند إلى مبدأ استبدال الملفوظات أو المقاطع الحشوية.
يسهل الآن تمييز الدور العاملي عن الوضعية العاملية: فبينما لا يكون الدور العاملي إلا الإضافة التي تزاد ـ في لحظة معطاة من المسار السردي ـ إلى ما كان قد كوّن العامل عقب التقدم المركبي للخطاب، فإن الوضعية العاملية هي ما يحدده (أي العامل) باعتباره إجمالاً لمساره المتقدم، متمظهراً أو كامناً.
وكذا المساعد مثلاً، فهو ممثل يتحمل دوراً عاملياً للفاعل الذي يكون منفصلاً عنه باعتباره ممثلاً أيضاً، فالوضعية العاملية ـ في لحظة اكتساب المساعد ـ تتكون من مساره السابق الخاص به إضافة إلى المساعد.
4 ـ صيغ الوجود السميائي:
من أجل أن نكون واضحين، استعملنا ـ لكي نضيء إشكالية تنظيم الأدوار العاملية ـ أساساً، الأمثال المأخوذة من مقطع من المسار أين يوجد تكوين الكفاءة متموضعاً، أي في العمق، تلك الكفاءة التي تهم الفاعل السيميائي باعتباره فاعل الفعل. من زاوية النظر هذه ـ باعتباره هيئة مولدة لأعمالها ـ فإن الفاعل يمر تباعاً على ثلاثة صيغ مختلفة للوجود السيميائي: فاعل افتراضي (كامن)← فاعل محين ← فاعل متحقق: ثلاث حالات سردية، الأولى منها مسبقة على اكتساب الكفاءة، والثانية تنتج عن هذا الاكتساب، والأخيرة تعين الفاعل وقد أنتج العمل الذي يصله بموضوع القيمة ويحقق هكذا مشروعه.
بينما يستطيع الفاعل السيميائي أيضاً بصفته فاعل الحال أن يعدَّ افتراضاً قابلاً لاكتساب "قصته" الخاصة به، لكن فاعل الحال يتحدد أساساً وفقط بعلاقته مع موضوع القيمة، وهي علاقة خاضعة لمتغيرات طوال المسار السردي، هكذا ـ وبمعزل عن الاستثمارات الدلالية التي يمكن أن تتلقاها مواضيع القيمة، يمكن أن نتكلم عن وضعيتها الكيفية وعن صيغ وجودها السيميائي. إذا كان موضوع لا يصبح قيمة إلا باعتباره إسقاطاً لإرادة ـ كينونة الفاعل، أي يتمتع بالوضعية الكيفية لـ "كينونة ـ مرادة"، نستطيع التصور بأنه قبل أن تصبح قيمة للفاعل، لم يكن لها أقل من وجود افتراضي داخل الكون القيمي المدعم عاملياً من المرسل.
نستطيع القول مواصلين: بأن تحمل التبعة من قبل الفاعل وانخراطه داخل البرنامج السردي يحين القيمة، التي يحققها اتصالها مع الفاعل، ويعيد تنازل افتراضها أو أن فصلة مفروضة تعيد تحيينها، هكذا نجد مرة أخرى ليس فقط الصيغ الثلاثة للوجود السيميائي لمواضيع القيمة:
موضوع افتراضي ←موضوع محين ← موضوع متحقق
التي توافق المسار العام للفاعل وتحدده بهذه الكينونة، ولكن أيضاً تطورات أخرى ممكنة انطلاقاً من الإنجاز، أين تحدثُ تنازلاتٌ عن المواضيع إطالات للترسيمة السردية، وأين تخدمُ افتقارات جديدة من المواضيع محاور سردية تكون مبررات لانفتاح مسارات جديدة؟!..
IV ـ آفاق جديدة:
1. بعض الاستنتاجات:
أ ـ نستطيع أن نستشف جيداً من أجل التحليل النصي إمكانات التطبيق لمثل هذا التنظير لمسارات الفاعل السردية: فهذه المسارات مأخوذة مع مجمل متغيراتها، يمكن أن تعدَّ نماذج للتوقع وتسقط على نصوص خاصة متمظهرة، سامحة بهذا بمعرفة أي نمط من المسارات وأي مقطع من المسار يقابل النص ـ الوارد. إذا تمت معرفة "البنية الكبرى" للنص فإنه من السهل مباشرة تحليل "البنى الصغرى" باستعمال الوسائل المتبلورة في إطار التركيب العاملي (ملفوظات الفعل، وملفوظات الحالة وبرنامج سردي الخ..).
ب ـ يمكن أيضاً أن يوجد استغلال نظري أبعد لمعرفة المسارات، فقد رأينا بأن من الممكن ـ في معزل عن المضامين المستثمرة داخل الخطابات السردية وعن أنظمة القيم التي تسهم في بنائها ـ التعرف على الفواعل في كينوناتها (داخل علاقاتها بمواضيع القيمة) وفي قدرتها على الفعل (على إنتاج أحداث منظمة في أفعال)، كل فاعل له القابلية لأن يتصف بتحديد كيفي وموضعي في الآن ذاته، أي تحديد شكلي وليس جوهرياً.
إن السميائية السردية تمنح بهذا جهازاً إجرائياً من أجل تكوين نمذجة الفواعل السميائية، مساهمة بهذه الوسيلة في بلورة سميائية للثقافات.
ج ـ من جهة أخرى، كشف لنا فحص الترسيمة أن هذه الترسيمة متمتعة ببنية تبادلية و/أو نزاعية تبرز فواعل بكفاءات مختلفة ومقصديات صراعية غالباً وتجعلها في مواجهة. وانطلاقاً من نمذجة الفواعل ذوي الصيغة التصنيفية، فإنه يمكن بناء تركيب متحرك يتصور كاستراتيجية للاتصال بين فواعل أكفياء يتبادلون مواضيع قيمة.
د ـ هذا الفحص المختصر والملخص يسمح بقياس الطريق المقطوع منذ إعادة اكتشاف التحليلات الأولى لبروب في فرونسا، فحص تميز ببلورة جهاز وسائل منهجي أكثر صرامة من خلال توسيع الإشكالية السميائية كذلك. في حين، إذا كان السيميائي في مجال سميائية الحدث كما أتينا على تسجيلها، لديه أحياناً الانطباع بالتقدم بقدم ثابتة، فإن حقولاً أخرى، لا تقل عنها أهمية، تبقى عذراء.
2 ـ التأطير القيمي:
في إطار جهدنا لشرح النموذج البروبي، انطلقنا من النواة المركزية، المكونة من تتابع اختبارات، وفسرناه كمسار لفاعل، معتبرين إياه ـ بفعل حضور مواجهة بين الفواعل ـ مكاناً مفضلاً للترسيمة السردية. في حين يبعد أن تكون هذه النواة كل الحكاية؛ إنها على العكس مغلفة في مستوى تراتبي أعلى ببنيات عاملية وسيرورات سردية ذات طبيعة أخرى.
هكذا تفرضُ علينا مضاعفةُ الحكاية وحدها كخاصية للقصة العجيبة، قبول وجود نوع من التنظيم الاقتصادي يشمل الحكايتين: فمساراتهما السردية ـ مسارات الفاعل، ومسارات الفاعل المضاد ـ تنمو في اتجاهات متضادة وتختزل في صيغة تعويضية، بمقتضاها يكون تحطيم النظام الاجتماعي متبوعاً بالعودة إلى النظام والانحراف يُقوَمُ بالتصالح مع القيم المفقودة.
كل شيء، يجري وكأن التنظيم السردي يخضع لمبدأ تواز يتعالى ويوجه الأنشطة الإنسانية المنجزة من قبل الفواعل.
وما هو صحيح بالنسبة لتقاطع مسارات الفواعل، هو أيضاً صحيح بالنسبة للمكون: الحدث مأخوذٌ بمفرده، إنه يعلن عنه ويؤطر بواسطة البنية التعاقدية التي تهيمن على سير الحكاية: العقد المبرم منذ البداية بين "المرسل" و"المرسل إليه ـ الفاعل" يوجه المجموع السردي، وباقي الحكاية، يبدو إذاً كتنفيذ له من قبل الطرفين المتعاقدين، ومسار الفاعل ـ الذي يشكل إسهام المرسل إليه ـ يكون متبوعاً في الوقت نفسه بالتقويم التداولي (مكافأة) والمعرفي (الاعتراف) من قبل المرسل.
عمل الفاعل يوجد ـ بالنتيجة ـ مؤطراً بمقطعين تعاقديين: إقامته وإجازته، واللذين يتبعان هيئة عاملية غير الفاعل: نقول بأنه يوجد بداية هيئة أيديولوجية للإعلان عن الحدث، وفي النهاية هيئة جديدة لتفسيره ومماثلته مع الكون القيمي الذي تتحكم فيه.
وعلى شاكلة اللغة التي ـ تعدُّ نظاماً ـ تؤسس وتُعلِّم الكلام باعتباره تطبيقاً للسان، فإن عمل الإنسان يبدو ـ في هذا الأفق ـ بلا معنى، إلا إذا انخرط داخل كون القيم الذي يحيط به. إننا نعرف الإجبارات التي يفرضها ـ على هذا الشكل من المخيال ـ التركيب السردي للسطح بمطالبته وضع عوامل مشخصنة. صورتان للمرسلين ـ مجموعين عادة في "عامل ـ نمطي" ـ تبدوان هكذا: الأولى واضعة للقيم التي تبحث عن انخراطها داخل برامج العمل، الثانية كقاض على امتثال الأفعال بالنسبة إلى نظام القيم المرجعي.
3 ـ مسارات المرسلين:
هكذا يغتني فحص المسارات السردية بإشكالية جديدة لا تزال غير تامة الاكتشاف، وتظهر الترسيمة السردية مكونات جديدة نستطيع البحث عن الإلمام بها وتفسيرها كمسارات سردية جديدة منجزة ليس من قبل فواعل، ولكن من قبل عوامل جدد معينين كمرسلين سميائيين.
لقد سجلنا آنفاً بعض الفروقات التي توجد بين نمطين من المسارات، لنخلصها باختصار:
أ ـ من زاوية نظر مركبية: الترسيمة السردية تتقدم في مجملها كمسار مضاعف للمرسل حيث يغمر مقطعاه ـ الأصلي والنهائي ـ مسار الفاعل. هذه الخاصية الشكلية لاتنبئنا أبداً عما إذا كنا لا نستطيع ربطها بخصائص سردية أخرى. يجب إذن إضافة أن مسار المرسل يتموضع فوق البعد المعرفي للترسيمة، وبأن المرسل يمارس هنا فعلاً معرفياً، على عكس البعد التداولي لمسار الفاعل والفعل (الحدثي) الوقائعي الجسماني المتمظهر فيه.
ب ـ العلاقة الموجودة بين فاعلي الفعل تبدو لنا ذات نمط تعاقدي، لكون الترسيمة مؤسسة على تبادل مضاعف، تبادل تعهد في البداية، وتبادل برامج التنفيذ لاحقاً، في حين أن العقد الذي يربط بينهما ليس تعادلياً، وعلاقة تراتبية تبقى ضمنية داخله، فليست بنية التبادل بالنسبة للمرسل إلا الإطار الذي يجري فيه اتصاله التشاركي: فبينما الفاعل يلزم ـ في التبادل ـ مجموع فعله وكينونته، فإن المرسل سيد كريم، إذا أعطى كل شيء فلن يخسر شيئاً من جوهره.
ليست هذه ـ مع ذلك ـ إلا خطوطاً سطحية عرفت خلال فحص الترسيمة البروبية تحديدات أدق لا تظهر إلا إذا اعتبرنا مقطعي مسارات المرسل ـ أصلي ونهائي ـ منفصلين كلا على حدة.
إذا لم نأخذ إلا المقطع الأول من هذا المسار، نلاحظ فوراً بأن الفرق بين المرسل الأصيل والفاعل يكمن في وضعيتهما الكيفية على التوالي: فبينما الفاعل السيميائي يتحدد كفاعل الفعل من خلال قدرة الإحداث، "فعل ـ إيجاد" الأشياء، فإن المرسل معتبراً من نفس زاوية النظر هذه ـ هو الذي "يفعل ـ الأحداث"، أي الذي يمارس فعلاً يستهدف إثارة فعل الفاعل. مثل هذا التحديد للمرسل السيميائي المتميز بوضعيته الكيفية التفعيلية (يفعل الفعل المحدث للحدث) وموضعه المركبي كمتقدم على الفاعل، يسمح باعتبار مسار هذا المرسل كوحدة سردية مستقلة وبفصله عن ترسيمة بروب، أين يظهر مجمداً كتعبير عن نوع من الأيديولوجية التي ليست إلا متغيراً خاصاً من بين العلاقات الممكنة بين المرسل والمرسل إليه ـ الفاعل.
هكذا تبدو العلاقة بين المرسل والفاعل داخل الحكاية البروبية، حكاية تراتبية مؤسسة، والعلاقة: مُهَيْمِنٌ/ مُهَيْمَنٌ عليه التي تميزها، معطاة فيها مسبقاً. بينما من الممكن ـ ويبدو ذلك ضرورياً ـ قلب مصطلحات المشكلة: فعوض اعتبار القدرة موجودة مسبقاً على فعل ـ الفعل وتمثل مصدره، نستطيع ـ على العكس ـ الافتراض بأن "فعل ـ الفعل" أي تحريك فواعل لفواعل أخرى هو فعل موحِدٌ لعلاقات هيمنة ومصدراً للقدرة المؤسسة. والتشجيرات السردية لـ"المدح" و"المساومة" تسمح حتى بأن تكون هناك أمثلة ـ مضادة لقدرة ثانية تغطي العلاقات التراتبية الموجودة مسبقاً.
نفهم من الآن، بأن المسار السردي للمرسل ـ محدداً هكذاـ يمكن أن يظهر ليس فقط كمكان لممارسة القدرة المؤسسة، ولكن أيضاً كمكان تباشر فيه مشاريع التحريك وتتبلور البرامج السردية التي تستهدف حمل الفواعل ـ أصدقاء أو خصوماًـ على ممارسة الفعل المطلوب.
إذا كانت كيفية "فعل ـ الفعل" في مستوى معين ـ أين يتشكل العاملون الجماعيون ويمارسون ـ قادرة على تحديد التحكم في الرجال، فإن بنيات كيفية مشابهة تستطيع إبراز تحكم الرجال وللرجال: ومنه القول بأن المسار السردي المعني هو بناء شكلي قابل لأن يكون مستثمراً بأيديولوجيات مختلفة، إنه القول أيضاً بأن المسار السردي ـ باعتباره كذلك ـ غير مهتم بنمط العوامل التي هي المرسل أو الفاعل المتمظهر: دول، مجتمعات، مجموعات اجتماعية أو أفراد.
إذا اعتبرنا الآن المقطع النهائي للمرسل، ننتبه إ لى أن صورة المرسل التي تنبع منه مختلفة تماماً: إنه لم يعد المحرك الأكبر، السيد "Varun" للكون الحاضر فيه، ولكنه ملك على شاكلة "Mythra" ، حارس العقود وسلامة العلاقات الإنسانية وعلى حقيقة الأشياء والكائنات. والفعل الذي يمارسه يبدو مضاعفاً:إنه يعني أولاً فعلاً معرفياً للتعرف، أي تعريف الأعمال المنجزة وطرائق الكينونة المقدمة وفق معايير سلم القيم التي يتحكم فيها. إنه قاضي مواءمة الأعمال والكائنات، أعمال الفواعل الموائمة للنماذج المؤسسة مسبقاً تعتبر صحيحة، أحكام الوجود التي يعرضها عليه الفواعل إذا كانت موائمة للمعايير المقررة تصبح صحيحة.
البنية الكيفية التي تميز مثل هذا المرسل إذا وبداية هي معرفة ـ الفعل، النمط الثاني للفعل الذي يتلو الملاءمة المقررة من خلال الاعتراف، مغطى بمصطلح الإجازة، مصطلح معقد وغامض، لأنه يعين في نفس الوقت حكم المواءمة المعتبر كفعل معرفي، وممارسة السلطة (مكافأة) وفعل ـ المعرفة (الاعتراف العلني بأعمال الفاعل)، ومجموع هذه الكيفيات موجه بإرادة أصيلة.
نرى كيف يكون ممكناً ـ بانفصالنا تدريجياً عن الصورة السيادية ـ الديموزيلية أكثر منها بروبية ـ لهذا المرسل، يكون ممكناً إعطاء المسار السردي، الذي أتينا على رسم خطوطه الكبرى، وضعية في الوقت نفسه أكثر استقلالية وأكثر عمومية. هنا ومثلما كان أثناء فحص المسار الأول للمرسل، نجد أنفسنا في حضور تصور موروث عن تقليد خرافي وفولكلوري لسيادة مطلقة، مقررة بلا منازع: مرسل معرفي، مالك وحيد للعدالة وللحقيقة، يهيمن إذاً على مجمل المسار. لكن مفردات الإشكالية يمكن أن تقلب بسهولة، والهيئة المعرفية ذاتها تصبح نسبية.
إذاً، وعوضاً عن مرسل متوافر على معرفة وعلى معرفة ـ فعل مضمونين، تخيلنا مرسلاً يوجد في حالة بحث عن معرفة حقيقية، ويمارس نتيجة هذا فعلاً تأويلياً دائماً، المسار السردي الذي نخطه ـ بعيداً عن أن تهيمن عليه نظرية الحقيقة المقررة (ليست إلا طريقة لفهم هذا المسار) ـ يكون متميزاً بالبحث عن شروط الحقيقة والتقويم الممارس بسيادة من طرف المرسل المطلق تظهر كواحد من الأشكال الممكنة لانضمام المرسل إلى صورة العالم الذي قدم له، انضمام يُقوِمُ بحث المتحري،عمل الباحث العلمي وبحث المؤمن.
أهما مساران سرديان لكل واحد منهما مرسل مختلف كفاعل؟ أم مقطعان مستقلان لمسار واحد هو نفسه الذي يترسمه تباعاً مرسل واحد؟ كل إجابة في هذه المرحلة من البحث، تكون مغالية، ولا تأتي بشيء لفهم الآليات المعرفية. الميدان لم يمهد بعد والتحري ليس إلا في بداياته.

ليست هناك تعليقات: