الهوية الشخصية

أولاد دراج, المسيلة, Algeria
أستاذ بجامعة محمد بوضياف حاصل على الماجستير في اللسانيات والدراسات المعجمية العربية من المدرسة العليا للإساتذة *ببوزريعة البريد الإلكتروني:sghilous@yahoo.fr

الصفحات

الخميس، أبريل 15، 2010

مقاربة سيميائية لرواية القيامة الىن لابراهيم الدرغوثي

مقدمة
في الحقيقة تتعدد المفاهيم و التعريفات حول موضوع السيمولوجيا والسيمياء، المصطلح مجمل في ذاته بعض الغموض الذي قد لا يمنح له تعريفا محددا إن ما يهمنا في هذا الإطار تحديد أهداف هذا العلم، حتى نتمكن من الوصول إلى نتائج سليمة أقرب إلى الصواب فعلم السيمياء يهدف إلى دراسة المعاني الخفية لكل نظام علاماتي فهو يدرس لغة الإنسان و الحيوان و غيرها من العلامات الغير لسانية باعتبارها نسقا من العلاقات و يدخل في هذا الإطار علامات المرور و أساليب العرض و اللوحات الإشهارية.........الخ.
إن اللجوء إلى المقاربة السيميائية يعتبر خطوة هامة في مسار الاتصال والتواصل إذ انه ينتج المجال لتحديد القيم الدلالية و العلامات و من ثم فتح قنوات الاتصال و نحن إذا أردنا إتباع هذه المنهجية فإننا سنكون في حاجة ماسة إلى معارف كثيرة لإدراك كل الإيحاءات التي يثيرها نص ما.
إن المستوى الأول من القراءة مرتبط بادراك ما تحمله النصوص بكل أبعادها وهو تعامل ظاهري مع النص قد لا يسهم في فتح أبواب كثيرة عليه أما المستوى الثاني فهو ذلك المستوى حيث نقوم بالتأويل والتدليل.
إن أهمية علم الدلالة تكمن بوجه خاص في الكشف عن حركية الدلالة وإبراز مستوياتها ومن ثم إعادة بنائها بهدف تعيين الوحدات الدالة وتنظيمها وفق سلم تراتبي( 2)إذن فالعمل التحليلي السيميائي مبني على إتباع المعنى ومطاردته بين متاهات الكلمات. إن تأويلنا للنص يختلف باختلاف تجاربنا ومعارفنا لكن الأكيد أننا بحاجة إلى أدوات إجرائية تسهم في إنارة دروب التحليل إذ تستهدف استقراء النظام الدلالي, لذلك فالتطبيق يتطلب نوعا من الإلمام بالمفاهيم التنظيرية لكن تتبع هذا الجانب قد يجعلنا نغوص فيه فنبتعد عن عملنا التطبيقي إذ أن الدراسات التي تناولت السيميولوجيا كثيرة الاتجاهات والتفرعات لذلك فلقد فضلت ذكر تعريفين لهذا العلم ق****ا اثنان من أساطين الدراسات السيميائية أولهما هو لدي سوسير الذي يعرف السيميولوجيا بأنها العلم الذي يعرف السيميولوجيا بأنه العلم الذي يدرس حياة العلامات في كنف الحياة الاجتماعية من خلال عدم الفصل بين مادة التعبير ومعنى التعبير وهي تقترب من المحتويات وتحاول الابتعاد شيئا فشيئ عن الدلالات...(1).
وهكذا فان السيميولوجيا تهتم بإيجاد العلاقة بين العلامة والحياة الاجتماعية متطرقة بذلك إلى نقطة مهمة هي المحتوى أما التعريف الثاني فهو لرولان بارت الذي يرى بأن السيميولوجيا هي ذلك العمل الذي يصفي اللسان ويطهر اللسانيات وينفي الخطأ مما بعلق به أي الرغبات والمخاوف والإغراءات والعواطف والاحتجاجات والاعتذارات وكل ما تنطوي عليه اللغة الحية.(2)
ياله من تعريف غريب يكاد يضفي على السيمولوجيا صفة القدسية لكنه تعريف يحاول تحرير النص من السلطة وجعله يسير وفق الدلالة المتعددة بحيث تكون العلاقة بين الدال والمدلول علاقة تطهير ترفعه عن كل ما قد يشوبه من الخارج
إن الغرض الذي يحمله كل محلل لنص ما هو إلا محاولة لفهم النص وتفسيره من خلال مكوناته بالدخول إلى عالم النص وإضاءة جوانبه المظلمة وكشف أسراره اللغوية بحيث نبني فرضية حول نظام البناء فيه وطريقة ترتيب مكوناته وإدراك العلاقة التي تربط بينها.
إن العمل الأدبي أيا كان نوعه هو نتاج رمزي قد يكون بسيطا يسهل القبض على معانيه وقد يكون معقد التركيب ذو وجود متميز متعدد المستويات والدلالات والأبعاد مما يجعل التأويل متعددا والقراءة شاسعة المجال و هكذا فإن الدراسة السيميولوجية تحاول تحديد البناء الدلالي للنصوص هذا البناء الذي قد يتخذ في أغلب الأحيان من المنطق الصوري وسيلة تحيل إلى الدلالة من خلال العلامات التي تؤدي إلى مجموعة من الإحالات التي لا تنتهي، لذلك علينا أن نتجاوز ما تدل عليه الألفاظ ويحدد "روبرت شولتز" ذلك بقوله "و كمسؤولين سيميائيين لسنا أحرارا في وضع المعنى بل أحرار في العثور عليه بإتباع الطرق الدلالية والنحوية والتداولية المختلفة التي تخرجنا من نطاق كلمات النص أي أننا لا نستطيع أن نضفي عليه كل المعاني التي قد نستطيع ربطها بالنص عن طريق الشفرة التأويلية1
تمهــيد
" رواية القيامة....الآن " رواية تنقلنا إلى عوالم ما اعتدنا أن نفكر فيها إلا في إطار معرفتنا الدينية بها إنها عوالم ذات حيثيات مختلفة تحمل الكثير إنها رواية تنتمي إلى ما يسمى بالرواية الجديدة التي انتشرت في تونس منذ 1983 بصدور رواية "ن" لهشام القروي " و"النفير والقيامة " لفرج الحوار 1985...الخ إن هذه الروايات تحمل صفة الجدة إذ أنها تخرج عن إطار خصائص الآثار الروائية عل صعيد السرد العربي وقد اعتبرت تيارا عاما جمع بعض الروائيين الذين نهلوا من الثقافة العربية والغربية وكان لهذا النوع أثر في بناء موطن لحوار ثقافي متعدد الأطراف
إن الرحلة بين صفحات الرواية تجعل القارئ يتساءل هل يمكن إطلاق تسمية الرواية على هذا العمل ؟ إنه لا يملك أي من مقومات الرواية المتعارف عليها فهيكله مختلف تماما هل هذا العمل مجرد لوحات عبثية أفلتت من عقال الكبت السياسي والإرهاب الفكري الذي مورس على العالم العربي لعقود طويلة ؟ إن قراءة الرواية تصيبنا بالارتباك فالرواية مدعمة بآيات و أحديث واردة عن النبي صلي الله عليه و سلم في أخبار القيامة لكن توظيف هذه النصوص كان توظيفا غريبا فيه جرأة غير معتادة. رواية الدر غوثي و إن لم تكن مثل الروايات المألوفة إلا أنها كانت ذات أصوات متعددة و فضاءات متشعبة إنها تمثل مستوي من الوعي إذ أنها تجسد تفاعلا بين الأزمنة الثلاث نقرأ الرواية فيمتلكنا شعور غريب حولها قد يكون مصدره الأول هذه المرجعية المقدسة.
هذه الرواية بقدر ثرائها و دلالتها المتعددة و رموزها و معانيها و ثوبها الفضفاض الذي استوعب الزمن بكل أبعاده، الزمن الأسطورة، زمن الواقع، زمن الخيال، زمن الممكن ولا ممكن لقد اكتست حلة من الغموض ارتأينا أن نعيد أسبابه إلى ما يلي:
1- اختفاء البنية التقليدية للرواية بكل جزئياتها.
2- تعدد السياقات النصية.
3- حضور النص الديني بقوة مما يربك الدلالة.
4- الأجواء التي تدور فيها الرواية أجواء تزرع الشك حول الدلالة التي قد نتوصل إليها.
و لكي تكون الدراسة ذات نتائج جديدة ارتأيت أن أركز في جانب كبير منها على البنية الدلالية و حددت موضوع الدراسة بعنوان مقاربة سميائية لرواية «القيامة.....الان" لإبراهيم الدر غوثي و قد قسمت الدراسة إلى ثلاثة مباحث و تمهيد وخاتمة.
مبحث أول تطرقت فيه إلى الرؤيا والتوظيف حاولت فيه أن اكتشف الرؤيا الكامنة خلف الرواية و طرق توظيف المعاني و قسمت هذا المبحث إلى عنصرين هما....
قراءة سيميائية للعنوان: حاولت فيه أن القي الضوء على العنوان و مدى تفاعله مع نص الرواية ثم انتقلت في العنصر الثاني إلى الكلام عن الرؤيا و التوظيف أنه عنصر حاولت فيه أن أدرس البنية المنطقية التي تحكم النص و الأطراف التي تتجاذبه ثم انتقلت إلى مبحث ثاني حاولت فيه دراسة الإحالة المرجعية للنص و عنونته بـ" النص سيميائية المرجع و الفرار من الواقع" و قسمته إلى ثلاثة عناصر تحدثت فيه عن الإحالات الدينية و الثقافية والإيديولوجية حيث أفردت لكل إحالة عنصر مستقلا أما المبحث الثالث فهو يدرس العلاقة بين اللغة والصورة و عنونته بـ" اللغة و سيمياء الصورة" حاولت فيه أن استكشف طريقة بناء المعنى و تضافر عناصره لإعطاء دلالة كبرى و قسمته إلى العناصر التالية: عنصر أول تحدثت فيه عن الألفاظ و علاقتها ببناء المعنى ثم انتقلت إلى عنصر ثاني حاولت فيه تحديد معالم بناء السيميوزيس ثم انتقلت إلى الحديث عن الزمان و المكان حيث أردت تسليط الأضواء على المكان و الزمان في هذه الرواية ثم أنهيت هذه الدراسة بخاتمة لخصت فيها ما توصلت إليه من خلال قراءتي المتواضعة لهذا النص.
القيامة…الآن: منطقية الرواية و سريالية التوظيف.
1- العنوان: قراءة سميائية.
العنوان: قراءة سيميائية:
عنوان الرواية " القيامة.....الآن " غريبا يصعب فك ثغراته واستقراءه وفهم أجزاءه يستوجب أن نحاول تفكيكه إلى عناصر بسيطة قد توحي بالمعنى الكامن إن العنوان مكون من كلمتين تفصل بينهما مجموعة من النقاط. لفظة القيامة تحملنا مباشرة إلى التفكير في نهاية العالم لكنها بداية لحياة أخرى إنها بداية الحساب.... بداية الثواب والعقاب تغير يلحق كل شيء....إنها انقطاع للحياة الدنيوية الفانية واتصال بالحياة الأخروية الدائمة...إنها المستقبل الكائن منذ البداية.. زمنها غير محدد لكنه آت لا محالة...هي مرتبطة بالمستقبل لكن هذه اللفظة المرتبطة بمستقبل معين ترتبط في بنية لفظية بظرف زماني يفيد الحاضر " الآن" الدالة على الوجود, على الحضور إن هذه البنية غير المتجانسة بنية عميقة الدلالة فالروائي لا يسير ضمن حدود الزمن ولا يعترف بها... إنه يرفض الماضي والحاضر ويستشرف المستقبل يلعب على الزمن محدثا نزعا من القطيعة مع الحاضر والماضي...إن القيامة هي الآن نظرا لما يحدث في العالم...القيامة تمارس السلطة على الآن " إن الحاضر أقرب إلى القيامة فالوضع العام متأزم ملتهب غير متوافق مع المنطق وهكذا فإنه أولى أن يرتبط بالقيامة الحاضر المظلم هو بكل ما فيه من تناقضات ومفارقات لا يفسر إلا إذا قرأناه من منطلق أن القيامة قامت.
2- الرؤيا والتوظيف
الواقع أن الموقف الذي يكتف الذات هو المؤطر الأول للمشاهد التي احتضنتها دلالات الرواية إن الأفكار توجه والأحاسيس تثور وتنقل الحاضر إلى الماضي ومن ثم إلى المستقبل من الحياة اليومية إلى الحياة البرزخية الماورائية خارج حدود الزمان والمكان تتمخض الرؤية المغلفة بالرمز لتجد لها مكانا وزمانا مختلفين، هذه الرؤية التي تقوم بين الواقع ولا واقع بين الموجود و المغيب تمسك بالماضي المخزي والواقع المعيب ونرى الخلاص في المستقبل الغائب رؤية قلقة يكتنفها الغموض تجعل الذات مذبذبة بين الوافد إليها من الخارج ماضيا و حاضرا سياسة و دينا واشتراكية و إمبريالية و بين الصاعد من الداخل شعور بالاغتراب و الانشطار...رفض للماضي و الحاضر و انتصار للمستقبل إن هذا النص مبني على ثنائيات متعددة تملك سيرورة خاصة ضمن النص كما أنه مبني على الغموض، إنه غموض يخلق موقفا، خروج عن المألوف يحمل القارئ على الولوج إلى خبايا النص كي نفهم الموقف أو المواقف التي يحملها .أقنعة النص التي تحمل تعارضا و اختلافا ليس إلا مرافئ حط بها الروائي ليقرأ الأحداث، كما أن الاقتباسات الفنية و الدينية والأدبية تجسد نوعا من التعالي عن الواقع و الغربة و الانفصال عنه... هذا النص يجسد تلك الجزئية في العالم العربي حيث رجعية الفكر و سلطة السياسة و التحكم في المصير الإنساني آدم بن الآدمي (هو الشخصية الأساسية في الرواية إن صح إطلاق هذه التسمية عليه، إنه يمثل الإنسان الضائع المغرب بكل ما يعتوره من تغيرات قوى تسعى للتحكم به وبمصيره و نحن هنا نجد أنفسنا أمام ثنائية الغالب و المغلوب حيث أن الشعوب العربية مغلوبة على أمرها أما الغالب فهو متعدد فمرة هو المسيح الدجال ومرة هو القيصر يوليوس ثم ها هي ثنائية الموت و الحياة، الموت هي هذه الرواية أفضل بكثير من الحياة إنه يمنح الذات المنشطرة سكونا وراحة في حياة أبدية تتمكن من خلالها من إشفاء غليلها من كل من ظلموها أو ظلموا غيرها الرواية تتراوح بين حياة عاشها آدم في مستشفى المجانين حيث فضل البقاء و بين الموت الذي يختزل المسافات ويمنح ذلك الشعور بالسكينة و هاهنا ثنائية أخرى تتمثل في ثنائية العدو و الظلم إن آدم يتعرض للظلم و الاستبداد هو وعادل الخالدي ومحمد علي الحافي و فرحات حشاد... و لا تتحقق العدالة إلا بعد أن تقوم العدالة ويعاقب الظالم ويحترق الشهيري و سالم العطيوي في نار جهنم زبانية الحكومة ممن تلذذوا بتعذيب السجناء بل حتى باستيراد وسائل التعذيب و التفنن في طرقه أما الشعب فهو يتأرجح بين الصحو والغفلة إنه يصفق و يهلل لكل جديد، نفاق إعلامي وسياسي وحتى شعبي.
إن المنطقية تخلق علاقة أخرى بين الديمقراطية و الدكتاتورية، الحاضر هو عالم الدكتاتورية وبالتالي فالآخرة تفتح بابا للديمقراطية في اختيار المصائر و التحليق بعيدا عن عالم مشوه ثم هناك ثنائية الروح والجسد.... الجسد مقيد لا يملك الحرية بينما الروح في عالم القيامة تملك مطلق الحرية في الانتقال بين السماوات و الأرض و هكذا يتصارع عالمان: عالم مادي قاس ظالم تتغير فيه موازين القوى و عالم ما ورائي يصبح حقيقة وتسيير الأمور فيه وفق منطقية مقبولة و هكذا يبني "الدر غوثي" روايته على مجموعة من الثنائيات يصل بها في النهاية إلى بناء واحد يتمثل في أن الواقع اقرب إلى علامات القيامة وهذه الحياة التي فيها كل هذه الأمور الفظيعة و محاولة الإمبريالية تحذير الشعوب و إغوائها هي حياة غير منطقية لا مبرر لها إلا في إطار القيامة...هذه الدنيا ضاقت على آدم بن الآدمي و خنقته فهي ليست الدنيا التي يفترض أن تكون و الآخرة بالمقابل أفضل و أكثر منطقية لكي نستطيع فهم الأحداث كما هي .

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

سيدي هذه الدراسة من تأليف باحثة من مدينة الأغواط اسمها زيان حفصة والأمانة العلمية تقتضي أن تنسب العمل لصاحبه

غيلوس صالح يقول...

شكرا على اهتمامك ونحي فيك روح النقد لكن ياعزيزي هذه المقالة هي للدكتور المذكور ولم أحرف أو أزيف وقد التزمت بالأمانة العلمية وشكرا لك
الأستا> غيلوس