الهوية الشخصية

أولاد دراج, المسيلة, Algeria
أستاذ بجامعة محمد بوضياف حاصل على الماجستير في اللسانيات والدراسات المعجمية العربية من المدرسة العليا للإساتذة *ببوزريعة البريد الإلكتروني:sghilous@yahoo.fr

الصفحات

الخميس، أبريل 21، 2011

أصول النظرية السياقية الحديثة عند علماء العربية
ودور هذه النظرية في التوصل إلى المعنى

الدكتور: محمد سالم صالح
أستاذ النحو والصرف والعروض المساعد
قسم اللغة العربية
كلية المعلمين بمحافظة جدة

تمهيد:
السياق لغة من الجذر اللغوي (س و ق)، والكلمة مصدر (ساق يسوق سوقاً وسياقاً) فالمعنى اللغوي يشير إلى دلالة الحدث، وهو التتابع(1). وذكر التهانوي: أن السياق في اللغة بمعنى (الإيراد)(2).
ويقول الدكتور تمام حسان تأكيداً لهذه المعاني اللغوية التي تدل على (التتابع أو الإيراد): " المقصود بالسياق (التوالي)، ومن ثم ينظر إليه من ناحيتين أولاهما: توالى العناصر التي يتحقق بها التركيب والسبك، والسياق من هذه الزاوية يسمى (سياق النص).
والثانية: توالى الأحداث التي صاحبت الأداء اللغوي وكانت ذات علاقة بالاتصال ومن هذه الناحية يسمى السياق (سياق الموقف) "(3).
ويعد مصطلح " السياق " في الدراسات اللغوية الحديثة من المصطلحات العصية على التحديد الدقيق وإن كان يمثل نظرية دلالية من أكثر نظريات علم الدلالة (Semantics) تماسكاً وأضبطها منهجاً(4).

أهمية السياق:
يقوم السياق في أحيان كثيرة بتحديد الدلالة المقصودة من الكلمة في جملتها ومن قديم أشار العلماء إلى أهمية السياق أو المقام وتطلّبِه مقالا مخصوصا يتلاءم معه، وقالوا عبارتهم الموجزة الدالة " لكل مقامٍ مقال ". فالسياق متضمن داخل التعبير المنطوق بطريقة ما(5) ولذلك ركز النحاة على اللغة المنطوقة، فتعرّضوا للعلاقة بين المتكلم وما أراده من معنى والمخاطب وما فهمه من الرسالة،والأحوال المحيطة بالحدث الكلامي.
كما أنّ الكلمة لا معنى لها خارج السياق الذي ترد فيه، وربما اتحد المدلول واختلف المعنى طبقا للسياق الذي قيلت فيه العبارة أو طبقا لأحوال المتكلمين والزمان والمكان الذي قيلت فيه(6).
وأشار أحد الباحثين(7)إلى أهمية السياق في التفريق بين معاني "المشترك اللفظي"، وأنّ التحديد الدقيق لدلالة هذه الألفاظ إنما يرجع إلى السياق. ولقد تعرّض سيبويه إلى هذه القضية في أوّل كتابه تحت عنوان "هذا باب اللفظ للمعاني"، فيقول "اعلم أنّ من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين. وسترى ذلك إن شاء الله تعالى ". فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب. واختلاف اللفظين والمعنى واحد، نحو: ذهب وانطلق. واتفاق اللفظين والمعنى مختلف، قولك: وَجَدْتُ عليه من المَوْجِدة، ووجدت إذا أردت وِجدان الضّالة.وأشباه هذا كثير "(8).
(فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين) هو المختلف، ومثّل له بجلس وذهب، (اختلاف اللفظين والمعنى واحد) هو المترادف، ومثّل له بذهب وانطلق، و(اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين) هو المشترك اللفظي، ومثّل له بوَجَدَ من الموجِدة أو من وِجدان الضّالّة. وهكذا أشار سيبويه إلى ظاهرة المختلف والمترادف والمشترك اللفظي، مما لا يدع مجالاً للشك بين اللغويين العرب حول وجود هذه الظواهر في اللغة العربية(9)، كما تدل هذه الإشارة المبكرة في أول كتاب نحوي يصلنا على مدى الاهتمام بموضوعات علم الدلالة التي دارت حولها البحوث والمناقشات.
ويستفاد من ذلك أيضا أنه إذا تعدد معنى الكلمة، تعددت بالتالي احتمالات القصد منها. وتعدد احتمالات القصد يقود إلى تعدد المعنى. ويقوم السياق ووضع الكلمة في موقعها داخل التركيب اللغوي بتحديد دلالة الكلمة تحديدا دقيقا مهما تعددت معانيها ويصرف ما يُدّعَى من التباس أو إبـهام أو غموض في الدلالة بسبب هذه الظواهر(10).
وحول تحديد السياق لدلالة هذه الظواهر، يقول (فندريس): " الذي يعيِّن قيمة الكلمة في كل الحالات التي ناقشناها إنما هو السياق، إذ أن الكلمة توجد في كل مرة تستعمل فيها في جوٍّ يحدد معناها تحديدا مؤقتا. والسياق هو الذي يفرض قيمة واحدة بعينها على الكلمة بالرغم من المعاني المتنوعة التي بوسعها أن تدلّ عليها "(11).
كما تتركز أهمية سياق الحال أو المقام في الدرس الدلالي في فوائد منها: الوقوف على المعنى، وتحديد دلالة الكلمات، وإفادة التخصيص، ودفع توهم الحصر، وردّ المفهوم الخاطئ.. وغيرها(12).
ويضاف إلى ما تقدّم أن السياق يساعد على تعيين دلالة الصيغة، فربما جاءت بعض الأبنية متحدة الوزن، ولكنها تختلف في دلالتها على المعنى المراد، والذي يحدد هذه الدلالة إنما هو سياق الكلام، فمن ذلك: أنّ أسماء الزمان والمكان تصاغ من الثلاثي على وزن (مفعَل) بفتح العين، نحو (مذهَب، ومشرَب، ومخرَج ومقتل ومكتَب) - إلا في حالتين، فإنهما يكونان فيهما على وزن (مفعِل) بكسر العين، وفى كل ما تقدم لا نستطيع التفرقة بين الزمان والمكان إلا بالسياق وهو الذي يحدد المراد ويعيّن المقصود. ومن ذلك النسب إلى ما آخره ياء مشدّدة، نحو كرسيّ، وزنجيّ، وشافعيّ، ففي هذه الحالة يتحد لفظ المنسوب وغير المنسوب، والذي يفرق بينهما إنما هو السياق(13).
وأمّا على مستوى التراكيب فلقد أشار الدكتور محمد حماسة إلى أهمية السياق في الوصول إلى (المعنى النحوي الدلالي) فقال: " ولا تكون للعلاقة النحوية ميزة في ذاتها، ولا للكلمات المختارة ميزة في ذاتها، ولا لوضع الكلمات المختارة في موضعها الصحيح ميزة في ذاتها ما لم يكن ذلك كله في سياق ملائم "(14). كما أشار إلى التفاعل بين العناصر النحوية والدلالية، فكما يمد العنصر النحوي العنصر الدلالي بالمعنى الأساسيّ في الجملة يمدّ العنصر الدلالي العنصر النحوي كذلك ببعض الجوانب التي تساعد على تحديده وتمييزه، فبين الجانبين أخذ وعطاء وتبادل تأثير مستمر. فلا يمكن بحال نكران تأثير دلالة سياق النص اللغوي وسياق الموقف الملابس له على العناصر النحوية من حيث الذكر والحذف، والتقديم والتأخير. ولا يُنكر أن دلالة السياق تجعل الجملة ذات الهيئة التركيبية الواحدة بمفرداتها نفسها إذا قيلت بنصها في واقف مختلفة، تختلف باختلاف السياق الذي ترد فيه مهما كانت بساطة هذه الجملة وسذاجتها(15).

السياق عند اللغويين المحدثين:
أما اللغويون الغربيون فتعد " نظرية السياق " هي حجر الأساس في "المدرسة اللغوية الاجتماعية " التي أسسها (فيرث) في بريطانيا، والتي وسع فيها نظريته اللغوية بمعالجة جميع الظروف اللغوية لتحديد المعنى، ومن ثم حاول إثبات صدق المقولة بأن " المعنى وظيفة السياق "(16). فقد عرفت " مدرسة لندن " بالمنهج السياقي الذي وضع تأكيدا كبيرا على الوظيفة الاجتماعية للغة(17)، فنراه ينص على أن اللغة تدرس في ضوء الظروف الاجتماعية المحيطة بها؛ لأنها مزيج من عوامل العادة والعرف والتقليد وعناصر الماضي والإبداع، وكل ذلك يشكل لغة المستقبل، وعندما تتكلم فإنك تصهر كل هذه العوامل في خلق فعلي ملفوظ، و نتاج لغتك وشخصيتك هو أسلوبك، وفى هذا الارتباط حقل واسع للبحث في الأسلوبية(18).
ولقد تعددت المناهج اللغوية الغربية المختلفة لدراسة المعنى، كالنظرية الإشارية التي قامت على يد كل من " أوجدن " و " ريتشاردز "، اللذان ظهرت أفكارهما في كتابهماThe Meaning of Meaning(19)، والنظرية التصورية أو العقلية للفيلسوف " جون لوك"، والنظرية السلوكية التي يُعدّ (بلــومفيلـــد) المسئول عن تقديمها إلى علم اللغة(20).
فقد لفت " بلومفيلد " الانتباه إلى أهمية الموقف والاستجابة التي تستدعى لدى السامع في تحديد معنى الصيغة اللغوية(21). وتناول المتكلم و السامع بالتحليل، فجعل الكلام بديلا من استجابة عضوية لمثيرٍ معين(22).
ولكن على الرغم من ذلك، لم تستطع هذه المناهج - التي ظهرت قبل مدرسة " فيرث " - أن تقدّم لنا فكرة السياق بالمفهوم الذي تحدد على يديه وأصبح نظرية دلالية متكاملة الجوانب إذ أخذ اللغويون الاجتماعيون على علم اللغة الحديث إغفاله للسياق الذي تستعمل فيه اللغة، ويتطلعون من وراء ذلك إلى منهج في درس اللغة يستشرفها من خلال بُعْد أوسع، ويحاول أن يتبين كيف تتفاعل اللغة مع محيطها(23).
ومن أجل ذلك نرى ستيفن أولمان يركز على الفرق بين اللغة والكلام، فاللغة ثابتة مستقرة والكلام عابر سريع الزوال، واللغة تفرض علينا من الخارج فى حين الكلام نشاط متعمد مقصود،كما أن اللغة اجتماعية والكلام فردي(24).
ويقول أيضا: إن " نظرية السياق "ـ إذا طبقت بحكمة - تمثل حجر الأساس فى علم المعنى. وقد قادت بالفعل إلى الحصول على مجموعة من النتائج الباهرة فى هذا الشأن. فقد قدمت لنا وسائل فنية حديثة لتحديد معاني الكلمات، فكل كلماتنا تقريبا تحتاج على الأقل إلى بعض الإيضاح المستمد من السياق الحقيقي، سواء أكان هذا السياق لفظيا أم غير لفظي. فالحقائق الإضافية المستمدة من السياق تحدد الصور الأسلوبية للكلمة، كما تعد ضرورية في تفسير المشترك اللفظي(25). بل لقد وسّع " أولمان " مفهوم السياق فقال: " إن السياق على هذا التفسير ينبغي أن يشمل - لا الكلمات والجمل الحقيقية السابقة واللاحقة فحسب - بل و القطعة كلها والكتاب كله "(26)، وهو ما يطلق عليه " سياق النص ".
كما لم تسلم نظرية " النحو التحويلي التوليدي " - التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الحالي على يد رائدها الأول (نعوم تشومسكي) - من الانتقاد بأنها لم تحفل - في بدايتها الأولى وأصولها - بالسياق، واستبعدت علاقة اللغة بالمجتمع في أعمالها، إذ قامت هذه النظرية على فكرة المتكلم - السامع المثالي، وثنائية: "الطاقة" و " الأداء "(27).
ولعل ضعف جانب المعنى عند التحويليين أنهم يدرسون اللغة " من خلال اللغة نفسها، أي بغض النظر عن الموقف أو المقام الذي تقال فيه تلك الجمل، ليس لأن المقام غير ذي أهمية في تحديد معاني الجمل، بل لأن هذا العنصر يضيف صعوبة إضافية لمنهج التحليل اللغوي المنظم،وهو عنصر تصعب دراسته بشكل علمي،ولذلك فإن دراسته تترك لفئة أخرى من علماء اللغة هم الباحثون في الجانب الاجتماعي منها،أي فيها أصبح يسمى الآن بعلم اللغة الاجتماعي "(28)
ولقد ردّ (بالمر) على كل من رفض السياق أو استبعده من اللغويين قائلا: " من السهل أن نسخر من النظريات السياقية - مثلما فعل بعض العلماء - وأن نرفضها باعتبارها غير عملية. لكن من الصعب أن نرى كيف يمكننا أن نرفضها دون إنكار الحقيقة الواضحة التي تقول بأن معنى الكلمات و الجمل يرتبط بعالم التطبيق "(29). ولقد قسّم " بالمر" السياق إلى(30): "السياق اللغوي " و " السياق غير اللغوي ".
وينقسم السياق عند علماء اللغة الغربيين وعلى رأسهم " فيرث" إلى: "السياق اللغوي "، و " سياق الموقف "، وقد أضاف إليهما أحد أتباعه وهو " جون ليونز" السياق الثقافي "(31).
وأما عناصر سياق الحال، فقد رأى " فيرث " أنها جزء من أدوات عالم اللغة، ولهذا اقترح الاعتناء بالعناصر التالية:
1-الملامح الوثيقة بالمشتركين، كالأشخاص، والخصائص الذاتية المميزة للحدث الكلامي أو غير الكلامي لهؤلاء المشتركين.
2-الأشياء ذات الصلة بالموضوع والتي تفيد في فهمه.
3-تأثيرات الحدث الكلامي(32).

أما اللغويون المحدثون العرب، فقد تولد اهتمامهم بدراسة السياق بتأثير واضح من نظرية " فيرث " السياقية؛ لأنهم تلقوا هذا العلم على يديه - بشكل مباشر أو غير مباشر - ومن أمثلة هؤلاء الدكتور تمام حسان و الدكتور كمال بشر و الدكتور محمود السعران … وغيرهم، و يظهر ذلك بجلاء في مؤلفاتهم العلمية(33).
وبناء عليه فقد شملت عناصر " السياق اللغوي " المكونة للحدث اللغوي عندهم ما يلي:
أولا: الوحدات الصوتية والصرفية والكلمات التي يتحقق بها التركيب والسبك.
ثانيا: طريقة ترتيب هذه العناصر داخل التركيب.
ثالثا: طريقة الأداء اللغوي المصاحبة للجمل أو ما يطلق عليه التطريز الصوتي، و ظواهر هذا الأداء المصاحب المتمثلة في النبر والتنغيم والفاصلة الصوتية (أو الوقف)(34).
ويقول د. محمد على الخولي " سياق الموقف: السياق الذي جرى في إطاره التفاهم بين شخصين، ويشمل ذلك زمن المحادثة ومكانها والعلاقة بين المتحادثين والقيم المشتركة بينهما والكلام السابق للمحادثة "(35) فعناصر هذا المقام عديدة(36):
أولها: المتكلم نفسه: هل هو ذكر أم أنثى؟ واحد أم اثنان أم جماعة أم جمهور؟ وما هو جنسه ودينه وشكله الخارجي ونبرة صوته ومكانه الاجتماعي إلى آخر هذه الصفات التي تميزه عن غيره.
ومنها: المستمع، الذي ينطبق عليه كل ما سبق، و يشمل إضافة إلى ذلك علاقته بالمتكلم من حيث القرابة أو الصداقة أو المعرفة السطحية أو عدم المعرفة أو اللامبالاة أ العداوة، أو المركز الاجتماعي أو المالي أو السياسي … إلخ.
ومنها: موضوع الكلام، وفى أي جو يقال وفى أي مكان وأي زمان؟ وكيف يقال، وما الداعي لقوله، وغير ذلك من العناصر الكثيرة جدا التي يؤثر كل منها تأثيرا مباشرا على كيفية قول الكلام وعلى تركيبه وعلى معانيه وعلى الغرض من قوله.
ومنها: أثر النص الكلامي في المشتركين، كالاقتناع، أو الألم، أو الإغراء أو الضحك... إلخ(37).

السياق عند البلاغيين والأصوليين والنحاة
وبعد التعرف على عناصر النظرية السياقية عند علماء اللغة الغربيين ومن تبعهم من علماء العرب، سأحاول فيما يلي إلقاء الضوء على العديد من النظرات والتطبيقات الثاقبة التي وردت عند علماء العربية - على تعدد اتجاهاتهم - محاولا إظهار الأصول النظرية أو التطبيقية للنظرية السياقية عندهم، مما لا يدع مجالا للشك في معرفة علمائنا الأوائل بتأثير العناصر السياقية في معنى التركيب ودلالته، وهم الأسبق زمانا، وإن لم يضعوا تطبيقاتهم هذه في إطار نظرية متكاملة المعالم ولم يضعوا لها اسما.
ومن ثم سأتعرض بإيجاز فيما يلي للسياق عند البلاغيين والأصوليين ثم نفصل القول عن السياق عند النحاة وبخاصة الأوائل منهم حتى تتضح المسألة:

السياق عند البلاغيين:
انصب اهتمام البلاغيين في دراستهم للسياق على فكرة (مقتضى الحال) والعلاقة بين المقال والمقام.
فأما مصطلح (مقتضى الحال) فقد اهتم به علماء (علم المعاني)، و (الحال) في اصطلاحهم يعدل (مقتضى الحال). يقول التهانوي: " والحال في اصطلاح أهل المعاني هي الأمر الداعي إلى المتكلم على وجه مخصوص – أي الداعي إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدى به أصل المعنى خصوصية ما هي المسماة بمقتضى الحال، مثلا كون المخاطب منكرا للحكم حال يقتضى تأكيد الحكم والتأكيد مقتضاها... وعلى هذا النحو قولهم (علم المعاني) علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال - أي يطابق صفة اللفظ مقتضى الحال، وهذا هو المطابق بعبارات القوم حيث يجعلون الحذف والذكر إلى غير ذلك معللَّةً بالأحوال "(38).
فمن الواضح أن أهل علم المعاني اهتموا بأحوال المتكلم والمستمع، والتعريف يقتضى أن يكون المتكلم على علم بأحوال السامع قبل أن يتكلم؛ حتى يأتي بالكلام على صفة مخصوصة تتطابق مع حال المستمع.
وإذا ما نظرنا إلى " المقال " على أنه يمثل " السياق اللغوي " فإننا نجد أن البلاغيين قد أولوه عناية كبيرة. وليس أدلّ على ذلك من ربط العلاّمة عبد القاهر الجرجاني فصاحة الكلمة بسياقها اللغوي والتركيب الذي قيلت فيه، حيث يقول: "وجملة الأمر أناّ لا نوجب الفصاحة للفظة مقطوعة مرفوعة من الكلام الذي هي فيه، ولكنّا نوجبها لها موصولة بغيرها، ومعلَّقا معناها بمعنى ما يليها. فإذا قلنا في لفظة (اشتعل) من قوله تعالى: (واشتعل الرأس شيبا)(39): إنها في أعلى المرتبة من الفصاحة، لم توجب تلك الفصاحة لها وحدها، ولكن موصولاً بها الرأس معرفا بالألف واللام ومقرونا إليها الشيبُ منكرّاً منصوبا "(40).
ويقول في موضع آخر: " فقد اتضح إذن اتضاحاً لا يدع للشك مجالاً أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلمٌ مفردةٌ، وأن الألفاظ تَثْبُتُ لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أوما أشبه ذلك مما لا تعلُّق له بصريح اللفظ"(41).
كما ردّ عبد القاهر الجرجاني ادعاء من قال: إنّه لا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظي وتعديل مزاج الحروف(42).
وإذا ما نظرنا إلى " المقام " على أنه يمثل " سياق الموقف " وجدنا ذلك أيضا واضحا عند البلاغيين، فهذا عبد القاهر الجرجاني يربط الكلام بمقام استعماله، ومراعاة مقتضى حاله وهو لب دراسة المعنى اللغوي عنده، ومنبثق من نظريته للنظم، وثار على اللغويين العرب؛ لأنهم لم يستفيدوا من مبدأ جيد وضعه سيبويه، مؤداه ربط الكلام بمقام استعماله(43)، بل وقع في ظنهم أن كل تقديم أو تأخير أو حذف.. إنما هو للعناية والاهتمام كما قال صاحب الكتاب(44).
وأورد قول النحويين: " إنّ معنى ذلك أنه قد تكون أغراض الناس في فعلٍ ما أن يقع بإنسان بعينه ولا يبالون مَنْ أوقعه، كمثل ما يعلم من حالهم في حال الخارجي يخرج فيعيثُ ويُفسدُ ويكثر في الأذى أنهم يريدون قتله ولا يبالون مَنْ كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء، فإذا قُتل وأراد مريدٌ الإخبار بذلك فإنه يقدِّم ذكر الخارجيّّ فيقول: قَتَلَ الخارجيّ زيدٌ. ولا يقول: قَتَل زيدٌ الخارجيَّ؛ لأنه يعلم... من حالهم أن الذي هم متوقعون له و متطلعون إليه متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد وأنهم قد كُفُوا شرَّه وتخلصوا منه. ثم قالوا - أي النحاة: فإن كان رجلٌ ليس له بأس ولا يُقَدَّر فيه أنه يَقْتُلُ رجلاً وأراد المخبر أن يخبر بذلك فإنه يقدّم ذكر القاتل، فيقول: قَتَل زيدٌ رجلاً، ذاك لأن الذي يعنيه ويعنى الناس من شأن هذا القتل طرافتُه وموضعُ الندرة فيه وبُعدُه كان من الظن "(45).
ثم علّق على ذلك بقوله: "وقد وقع في ظنون الناس أنه يكفى أن يقال إنه قُدّم للعناية ولأن ذكره أهم، من غير أن يُذكر من أين كانت تلك العناية وبم كان أهمّ "(46).وهكذا يدعو " عبد القاهر " إلى عدم تطبيق قاعدة واحدة على كل الحالات، بل لابد من النظر في حال المتكلمين والمستمعين، ومعرفة أسباب العناية وبواعثها.
كما أشار في موضع آخر إلى أن الفاعل قد " يكون له مفعول مقصودٌ قصدُهُ معلوم إلا أنه يحذف من اللفظ لدليل الحال عليه "(47)، و " نوع منه أن تذكر الفعل وفى نفسك له مفعولٌ مخصوص قد عُلِم مكانه إما لجَرْىِ ذكرٍ أو دليل حالٍ إلا أنك تُنسيه نفسك وتخفيه…"(48).
ومن النماذج التي تؤكد اهتمام "عبد القاهر" بشقّي السياق في دراسته للتراكيب وما يعتورها من حذف، قوله: " ومما يجب ضبطه هنا أيضا: أنّ الكلام إذا امتنع حمله على ظاهره حتى يدعو إلى تقدير حذف، أو إسقاط مذكور، كان على وجهين:
أحدهما: أن يكون امتناع تركه على ظاهره، لأمر يرجع إلى غرض المتكلم، ومثاله الآيتان المتقدم تلاوتهما(49)...
والوجه الثاني: أن يكون امتناع ترك الكلام على ظاهره، ولزوم الحكم بحذفٍ أو زيادةٍ، من أجل الكلام نفسه، لا من حيث غرض المتكلم به، وذلك مثل أن يكون المحذوف أحد جزءي الجملة "(50). وهكذا يربط " الجرجاني " جميع القرائن النحوية - من تضام أو رتبة أو مطابقة(51)- بمراعاة السياق اللغوي وسياق المقام،وما يتصل بالموقف من ظروف، وبكل ما له علاقة بحال المتكلمين وموضوع الكلام و المخاطبين وما يتصل بمشاعرهم على نحو ما مرّ في مثال "الخارجي ".
وإذا كان مصطلح " مقتضى الحال " يقترب إلى حدّ كبير من مصطلح "سياق الحال " في الدرس اللغوي الحديث ويشترك معه في أهم خاصية، وهى الاهتمام بالجانب الاجتماعي للغة، فإن مصطلح "مقتضى الحال " - بالتعريف السابق الذي ذكره التهانوي - أضيق دلالة من مصطلح " سياق الحال "(52) إذ لابد أن يسبق المقام أو مقتضى الحال المقالَ؛ لأن الكلام يصاغ بمقتضاه، وهذا يختلف عن مفهوم(سياق الموقف) حيث يستعان بعناصره في فهم الكلام بعد إنتاجه وهذا المقال جزء من هذا السياق وليس منفصلا عنه.
ويرى الدكتور كمال بشر: أنّ البلاغيين قد وفقوا في إدراك شيء مهم في الدرس اللغوي وهو المقام، ولكنهم - كعادتهم - طبقوه بطريقتهم الخاصة، لقد كانت عنايتهم في "المقام " موجهة نحو الصحة والخطأ أو نحو الجودة وعدمها. ولهذا كانت نظرتهم إلى المقام أو مجريات الحال أو ما يسميه هو - المسرح اللغوي نظرة معيارية لا وصفية(53)، وبذلك يختلف المقام عند البلاغيين عن سياق الموقف عند المحدثين.
أضف إلى ذلك أن " المقام عند البلاغيين معيار جمالي، أي يحكم بمراعاته ببلاغة المقال وبعدم مراعاته بعدم البلاغة(54). وبهذا يكون النحاة أقرب إلى مفهوم " سياق الحال أو الموقف " من البلاغيين.

السياق عند الأصوليين:
اعتمد علماء علوم القرآن والمفسرون في دراسة النص القرآني وفهم دلالته على جانبي السياق:اللغوي الكلي أو ما يسمى " بسياق النص " و " سياق الموقف". إذ نظروا إلى الآية القرآنية أو مجموعة الآيات على أنها جزء من نص متكامل هو القرآن، ومعنى ذلك أنهم لا يعتمدون على السياق اللغوي الجزئي المتمثل في الآية الواحدة أو مجموعة الآيات المعزولة عن سياقها الكلى(55). واهتموا بعنصر آخر مكمل للسياق اللغوي في النص القرآني وهو القراءات القرآنية، كما أفردوا المؤلفات لعلم الوقف والابتداء وكيفية الوصل والفصل وما يترتب على ذلك من دلالات، وهى من عناصر السياق اللغوي.
ويتمثّل سياق الموقف عندهم فيما عُرِفَ " بأسباب النزول "، فقد اعتنوا بمعرفة أسباب النزول لآيات النص القرآني؛ لأنها تعينهم على فهم معانيه(56).
وأما علماء " أصول الفقه " فقد اعتمدوا على فكرة السياق في بيان المعنى في النصوص الشرعية، إذ يعد اللجوء إلى قرائن السياق من وسائلهم لتحديد المعنى " وقد وعوا تماماً أن ثمّة نوعين من القرائن السياقية، الأولى هي القرائن اللفظية، والثانية هي القرائن المقامية، وفهموا الأثر الذي تقوم به هذه القرائن في تحديد دلالة النص "(57). ومن عناصر السياق اللغوي التي اعتمد عليها الأصوليون في رصد الدلالات المختلفة للأمر والنهى ما يسمى بالنبر والتنغيم في الدراسات اللغوية الحديثة(58).
يقول الإمام أبو حامد الغزالي عند حديثه عن دلالة الأمر: " إذا قيل أمرنا بكذا،حَسُنَ أن يستفهم فيقال: أمر إيجاب أو أمر استحباب وندب، ولو قال: رأيت أسداً، لم يحسن أن يقال: أردت سبعاً أو شجاعاً؛ لأنه موضوع للسبع، ويصرف إلى الشجاع بقرينة "(59).
ويتعرض - عند حديثه عن الإجمال - إلى دلالة اللفظ،فيقول: " أما اللفظ المفرد فقد يصلح لمعان مختلفة كالعين للشمس والذهب والعضو الباصر والميزان، وقد يصلح لمتضادين كالقرء للطهر والحيض،والناهل للعطشان والريان،وقد يصلح لمتشابهين بوجه ما كالنور للعقل ونور الشمس، وقد يصلح لمتماثلين كالجسم للسماء والأرض، والرجل لزيدٍ وعمرو "(60).
وأما عن أهمية الوقف والابتداء فقد أشار إلى أن إفادة الإجمالي " قد يكون بحسب الوقف والابتداء، فإن الوقف على السماوات في قوله تعالى: " وهو الله في السماوات وفى الأرض يعلم سركم وجهركم " له معنى يخالف الوقف على الأرض والابتداء بقوله: " يعلم سركم وجهركم ( "(61)
ولا تفوت الإمام أبو حامد الغزالي الإشارة إلى أهمية القرائن اللغوية والقرائن الحالية والرموز والإشارات والحركات الجسمية للمتكلم في إفادة الاستغراق والعموم، فيقول: " إن قصد الاستغراق يعلم بعلم ضروري يحصل عن قرائن أحوال ورموز وإشارات وحركات من المتكلم وتغيرات في وجهه وأمور معلومة من عادته ومقاصده وقرائن مختلفة لا يمكن حصرها في جنس ولا ضبطها بوصف بل هي كالقرائن التي يعلم بها خجل الخجل ووجل الوجل وجبن الجبان، وكما يعلم قصد المتكلم إذا قال السلام عليكم، أنه يريد التحية أو الاستهزاء واللهو.
ومن جملة القرائن فعل المتكلم فإنه إذا قال على المائدة: هات الماء، فهم أنه يريد الماء العذب البارد دون الحار المالح.
وقد تكون دليل العقل كعموم قوله تعالى: " وهو بكل شيء عليم. وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ("، وخصوص قوله تعالى: " خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل "، إذ لا يدخل فيه ذاته وصفاته.
ومن جملة تكرير الألفاظ المؤكدة،كقوله: اضرب الجناة وأكرم المؤمنين كافتهم صغيرهم وكبيرهم شيخهم وشبابـهم ذكرهم وأنثاهم كيف كانوا وعلى أي وجه وصورة كانوا ولا تغادر منهم أحداً بسبب من الأسباب ووجه من الوجوه، ولا يزال يؤكد حتى يحصل علم ضروري بمراده "(62).
ثم يردّ على من اعترض على قرائن الحال، فقال: " أما قولهم ما ليس بلفظ فهو تابع للفظ فهو فاسد، فمن سلّم أن حركة المتكلم وأخلاقه وعادته وأفعاله وتغير لونه وتقطيب وجهه وجبينه وحركة رأسه وتقليب عينيه تابع للفظة، بل هذه أدلة مستقلة يفيد اقتران جملة منها علوما ضرورية.
فإن قيل: فبم عرفت الأمة عموم ألفاظ الكتاب والسنة إن لم يفهموه من اللفظ؟ وبم عرف الرسول من جبريل وجبريل من الله تعالى حتى عمموا الأحكام؟ قلنا: أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد عرفوه بقرائن أحوال النبي عليه السلام وتكريراته وعاداته المتكررة وعلم التابعون بقرائن أحوال الصحابة وإشاراتهم ورموزهم وتكريراتهم المختلفة. وأما جبريل عليه السلام فإن سمع من الله بغير واسطة فالله تعالى يخلق له العلم الضروري بما يريده بالخطاب بكلامه المخالف لأجناس كلام الخلق. وإن رآه جبريل في اللوح المحفوظ فبأن يراه مكتوبا بلغة ملكية و دلالة قطعية لا احتمال فيها "(63).

السياق عند النحاة:
إن كلمة السياق من الألفاظ التي استخدمها القدامى من النحاة بمدلولها اللغوي العام(64)، ولم تكن تحمل المفهوم الاصطلاحي الذي أصبح شائعا فيما بين علماء اللغة المحدثين وبخاصة الدلاليون منهم.
وحول اهتمام النحاة بالعوامل الاجتماعية في اللغة، يقرر الدكتور كمال بشر(65): أنهم لم يقتصروا على النظر في بنية النص اللغوي، كما لو كان شكلا منعزلا عن العوامل الخارجية التي تلفه وتحيط به، وإنما أخذوا مادتهم اللغوية - على ما يبدو من معالجتهم لها - على أنها ضرب من النشاط الإنساني الذي يتفاعل مع محيطه وظروفه، كما فطنوا إلى أن الكلام له وظيفة ومعنى في عملية التواصل الاجتماعي، وأن هذه الوظيفة وذاك المعنى لهما ارتباط وثيق بسياق الحال أو المقام وما فيه من شخوص وأحداث.ظهر هذا كله في دراستهم وإن لم ينصوا عليه مبدأ من مبادئ التقعيد، أو أصلا من أصول نظريتهم اللغوية.
ولقد تعرّض أحد الباحثين(66) إلى دراسة السياق عند النحاة واللغويين، فذكر أن النحاة اعتمدوا - في مرحلة تدوين النحو وتقعيده - على السياق الجزئي المتمثل في الشواهد الشعرية والنثرية المعزولة عن نصوصها، وضربوا صفحا عن النصوص الكاملة الموثوق بها نحو القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وهو منهج لا غبار عليه، إذ كان هدفهم الوصول إلى الصحة النحوية إلا أنه في بعض الأحيان يصبح الاعتماد على السياق الجزئي أمراً غير موفق؛ لأنه يؤدى إلى فهم غير صحيح. وخَلُص هذا الباحث من دراسته للسياق عند النحاة واللغويين إلى نتائج(67):
أولها: أن فكرة السياق بشقيه اللغوي وغير اللغوي لم تكن لتمثل نظرية متكاملة المعالم في الدرس النحوي، كما هي الآن في الدراسات اللغوية الحديثة، ومع ذلك فإننا لانعدم وجود إشارات ذكية ومتقدمة،غير أنها متناثرة في دراساتهم وبحوثهم، ولم تجمع في إطار نظري موحد.
ثانيها: أن النحاة اعتمدوا على السياق اللغوي بمعناه الضيق المتمثل في الشاهد النحوي أو التركيب في بيان الوظيفة النحوية، وعند تعذر ظهور العلامة الإعرابية اعتمدوا على قرائن أخرى تشير إلى تلك الوظيفة. مع عدم إغفال أنّ بعض النحاة اهتموا بسياق النص - بالمفهوم الحديث، ومنهم الفراء (ت 207 هـ) الذي عدّ القرآن نصا واحداً، ونظر إلى القراءة القرآنية على أنها جزء من سياق النص، ويتمثل هذا أيضا في ابن السيد(ت521 هـ) الذي درس شواهد أدب الكاتب المفردة من خلال إعادتها إلى نصها.
ثالثها: أنّ النحاة واللغويين عرفوا ما يسمى في الدراسات الحديثة بسياق الموقف، و أطلقوا عليه " الحال " أو " الحال المشاهدة "، وكانت لهم في هذا الجانب إسهامات واضحة حيث تحدثوا عن أطراف الموقف اللغوي - متكلم ومخاطب، وموضوع الحديث، والعلاقة المعرفية بينهما. وبناء على ذلك، فإن "دلالة الحال " عند النحاة تكاد تقترب من مفهوم " سياق الموقف " في الدراسات الحديثة.
ولكن ما ذهب إليه هذا الباحث قد يكون فيه غبن للنحاة الأوائل وبخاصة إذا تأملنا آراء الخليل بن أحمد (ت 175 هـ) - كما يتضح من كتاب تلميذه سيبويه - حيث يتضح منها أنه من أوائل النحاة الذين اعتمدوا على السياق اللغوي في دراسته للتراكيب النحوية، كما يعتبر من الرواد الذين اهتموا بعناصر سياق الموقف المتمثلة في المتكلم والمخاطب والعلاقة بينهما، وعلم المخاطب بالمعنى إلى غير ذلك مما يرتبط بالمقام.
فمن أمثلة اعتماد الخليل على " السياق اللغوي " ما نسبه إليه تلميذه في معرض تحليله لقول الشاعر(68):
إذا تَغَنَّى الحَمامُ الوُرْقُ هَيَّجَني ولو تغرَّبتُ عنها أُمَّ عَمّارِ [ البسيط ]
" قال الخليل رحمه الله: لماّ قال (هيجّني) عرف أنّه قد كان ثَمَّ تذكُّرٌ لتَذكرةِ الحمام و تهييجه، فألقى ذلك الذي قد عُرف منه على (أمّ عمّارٍ)، كأنه قال: هيجني فذكّرني أمّ عمّارٍ. ومثل ذلك أيضا قول الخليل رحمه الله، وهو قول أبى عمرو: ألا رجلَ إماّ زيداً وإما عمرا؛ لأنه حين قال: (ألا رجلَ)، فهو متمنٍ شيئا يسأله ويريده، فكأنه قال: اللهمَّ اجعله زيداً أو عمراً، أو وفِّقْ لي زيدا أو عمراً "(69).
ومعنى كلام الخليل، أن الشاعر إنما نصب (أم عمار) بفعل دلّ عليه السياق اللغوي (أو سياق الموقف)، وذلك عند توجيه النصب في قولك: انْتَهِ خيراً لك(70)، فيقول:" نصبته؛ لأنك قد عرفت أنك إذا قلت له: (انته)، أنك تحمله على أمرٍ آخر، فلذلك انتصب، وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام، ولعلم المخاطب أنه محمولٌ على أمرٍ حين قال له: انته، فصار بدلاً من قوله: ائت خيرا لك، وادخل فيما هو خيرٌ لك"(71).
وهكذا يتضح بجلاء اعتماد الخليل على شقَّي السياق في بيان ما عرض لمبنى التركيب وبيان دلالته، أما السياق اللغوي: فقد اتضح من نصبه (خيراً) بفعل مضمر دلّ عليه ما قبله وهو (انته)، كما يمكن تفسير عدم نصبه لكلمة (خيرا) بالفعل (انته) بالاعتماد على الفاصلة الصوتية والوقف على الفعل (انته)(72) وهى من عناصر السياق اللغوي كذلك.
وأما (سياق الموقف)، فنجده مُمَثلاً في علم المخاطب بغرض المتكلم وموضوع الكلام، و تعليله حذف الفعل بكثرة استعمالهم لهذا التركيب، وهى - أي علة كثرة الاستعمال - من العلل الدلالية إذ تؤدى إلى علم المخاطب بالمعنى ووضوح الدلالة لديه.
واعتمد على " إرادة المتكلم " في توجيه ما انتصب على (التعظيم والمدح) في نحو (الحمد لله أهلَ الحمد)(73)، و" زعم الخليل أن نصب هذا على أنك لم ترد أن تحدِّث الناس ولا مَنْ تخاطب بأمرٍ جهلوه، ولكنّهم قد علموا مِنْ ذلك ما قد علمتَ، فجعلته ثناء وتعظيما"(74).
كما اعتنى الخليل بالعلاقة بين المتكلم و المخاطب، وذلك عند الحديث عن أن (قد) جواب لمن قال: لماّ يفعل، فتقول في الجواب: قد فَعَل. " و زعم الخليل أن هذا الكلام لقومٍ ينتظرون الخبر "(75)، فالمخاطب في حاجة إلى تأكيد الجواب، و هنا لابد من أن يراعى المتكلم حال المخاطب(76)، فيستخدم (قد) التي تفيد التأكيد مع الماضي.
وسأل سيبويه الخليل عن قوله تعالى " حتى إذا جاءوها وفُتِحَتْ أبوابُها "(77) وعن قوله تعالى: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرَوْنَ العذاب "(78)، وقوله:" لو ترى إذ وُقِفُوا على النار "(79)، فقال الخليل: " إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم، لعلم المخبر لأيِِِّّ شيءٍ وضع هذا الكلام "(80). قال أبو على الفارسي: " قال أبو العباس: حذف الجواب في مثل هذا الموضع أفخم؛ لأن المخاطب يتوهم كلَّ شيء، فإذا ذُكر شيءٌ بعينه حضره فهمُه "(81).
وهكذا، فإن هذه الأمثلة الواردة عن الخليل وغيرها(82)، لا تدع مجالا للشك في أن الخليل اعتمد اعتماداً واضحا على السياق اللغوي وغير اللغوي في تقعيده النحوي وبيان مبنى التراكيب ودلالاتها. وإذا كان الخليل - في هذه الفترة المبكرة من التقعيد النحوي - قد استخدم السياق بشقّيه في بيان دلالة التراكيب على هذا النحو العلمي المبهر، فمن الطبيعي أن يستفيد النحاة من بعده بهذه النظرات الثاقبة، وهذا ما سيتضح بجلاء عند سيبويه.
فقد أولى سيبويه (ت 180 هـ) كلا من (السياق اللغوي) و(سياق الحال) اهتماما كبيرا وسأعمد فيما يلي إلى بيان بعض عناصر السياق اللغوي وسياق الحال عنده، مع بيان أثر هذين السياقين في مباني التراكيب، من حيث الذكر والحذف، أو التقديم والتأخير، أو التوجيه النحوي والحكم بصحة التركيب أو إحالته.
يتضح ذلك من استعانته " بالسياق اللغوي " بكثرة في بيان أحد العناصر المحذوفة في التركيب، فمن ذلك الاستغناء عن تكرار (كلّ) في قول الشاعر:
أكُلَّ امرئٍ تحسبين امرأً ونارٍ تَوَقَّدُ بالليلِ نارا [ المتقارب ]
بجر (نارٍ) والتقدير (وكلَّ نارٍ) وذلك: " لذكرك إياه في أوّل الكلام، ولقلة التباسه على المخاطب "(83).
فقد اعتمد على عنصر لغوى ذُُكر في جملة سابقة للدلالة على العنصر المحذوف في الجملة الثانية، وجعل ذكر العنصر الأول سببا في عدم التباس المعنى على المخاطب.
ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: )" بل مِلّةَ إبراهيمَ حنيفا "(84)، " أي: بل نتَّبع ملّة إبراهيم حنيفا، كأن قيل لهم: اتّبعوا، حين قيل لهم: (كونوا هوداً أو نصارى) "(85)، " ومما ينصب أيضا على إضمار الفعل المستعمل إظهاره، قول العرب: حَدَّث فلانٌ بكذا وكذا، فتقول: صادقاً والله. أو أَ نشدك شعرا فتقول: صادقاً والله، أي: قاله صادقاً؛ لأنك إذا أنشـدك فكأنه قد قال كذا "(86)، أي أنّ السياق اللغوي المذكور قبله دلّ على الفعل المحذوف.
ومنه قوله تعالى: " والمحصنات من النساء إلاّ ما ملكت أيمانكم كتاب اللهِ عليكم"(87)؛ لأنه " لماّ قال: "حُرِّمتْ عليكم أمهاتُكم "(88) حتى انقضى الكلام، عَلِم المخاطبون أنّ هذا مكتوبٌ عليهم، مثبَّت عليهم، وقال (كتابَ اللهِ) توكيدا، كما قال: (صنعَ الله)، و كذلك: (وَعْدَ الله) "(89).
وإذا كان من السياق اللغوي النظر إلى طريقة ترتيب العناصر اللغوية داخل التركيب وما يترتب على ذلك من دلالات، فلقد أولى سيبويه هذا الترتيب عناية كبيرة واهتماما واسعا. ويفهم من كلامه أنّ التقديم على ضربين: ضرب يكون المقدَّم فيه على نية التأخير، وذلك إذا أبقيت المقدَّم على حكمه الإعرابي الذي كان عليه قبل التقديم، كتقديم المفعول على الفاعل في نحو: ضرب عمرا زيدٌ، وتقديم الخبر على المبتدأ في نحو: منطلقٌ زيد. وضرب آخر لا يكون على نية التأخير، وإنما ينتقل المقدَّم من حكم إلى حكم ومن باب إلى آخر، ومثال ذلك أن صفة النكرة إذا تقدمت على الموصوف تحولت إلى الحال، وذلك قولك: هذا قائما رجلٌ. ومن ثم يقبح أيضا أن تقول: قائمٌ زيدٌ،إذا لم تجعل الخبر (وهو قائم) على نية التأخير؛ لأن حدّ الجملة الاسمية أن يتقدم ما هو بالابتداء أولى، وهو المعرفة(90).
يقول سيبويه عن قولك: (ضرب عبدُ الله زيداً): " فإن قدّمت المفعول وأخرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأول، وذلك قولك: ضرب زيداً عبدُ الله؛ لأنك إنما أردت به مؤخراً ما أردت به مقدما، ولم ترد أن تشغل الفعل بأوّلَ منه وإن كان مؤخرا في اللفظ. فمن ثم كان حدّ اللفظ أن يكون فيه مقدّما، وهو عربّي جيد كثير، كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعا يهمّانهم ويعنيانهم "(91).
فهو في هذا النص يعتمد على دلالة العلامة الإعرابية في بيانها للفاعل والمفعول حتى مع التقديم والتأخير فقد لاحظ أن المعنى النحوي لزيد وعبد الله غير مختلف في كلتا الجملتين، وهذا يتضح من قوله: (جرى اللفظ كما جرى في الأول)، أي رفعت الفاعل (عبدُ الله) مع التأخير، ونصبت المفعول (زيداً) مع التقديم، وهذه العلامة الإعرابية من عناصر السياق اللغوي الدالة على الفاعل والمفعول في مثل هذه الجمل التي خالفت الرتبة الأصلية. ثم يربط سيبويه هذا التقديم بإرادة المتكلم - أو العرب؛ لأنك إنما أردت بالفاعل المؤخر ما أردت به مقدماً، ولم ترد أن تشغل الفعل بالمفعول وإن كان الفاعل مؤخرا في اللفظ، وهذا التقديم عربي جيد، بل كثير؛ لأن العرب تقدم الذي بيانه أهم وأعنى لهم، فقد اكتسبـوا من ذلـك ضربا من التوسع في الكلام.
ويؤكد على دلالة العلامة الإعرابية وتفريقها بين نائب الفاعل والمفعول، فيما بني للمفعول من الأفعال التي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، نحو: (كُسِيَ عبدُ الله الثوبَ) و (أُعطىَ عبدُ الله المالَ)، فقد " انتصبَ الثوب والمال؛ لأنهما مفعولان تعدى إليهما فعل مفعولٍ هو بمنزلة الفاعل. وإن شئت قدّمت وأخرت، فقلت: كُسِيَ الثوبَ زيدٌ، وأُعطِىَ المالَ عبدُ الله،كما قلت: ضرب زيدا عبدُ الله. فأمره في هذا - أي أمر نائب الفاعل في التقديم والتأخير - كأمر الفاعل"(92).
ويتضح مما سبق أنّ ترتيب العناصر اللغوية داخل التركيب وما يطرأ عليه من تقديم أحد العنصرين على الآخر لا يسوّغه فقط السياق اللغوي، إنما يرجع ذلك أحيانا إلى سياق الحال والعوامل الخارجية التي تحيط بالحدث اللغوي، كالمتكلم وموقفه من العنصرين وتقديمه لما يراه محلّ العناية والاهتمام، وهو ما يظهر في عبارته المشهورة: (كأنهم إنما يقدّمـون الذي بيانـه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعا يهمّانهم ويعنيانهم).
وهكذا تنبّه سيبويه إلى أثر المتغيرات الخارجية في ترتيب عناصر الجملة، وكأنه يرسم بذلك لأبناء اللغة أن يساقوا بين هذه المتغيرات والوجوه الجائزة المناسبة عند استعمال اللغة(93).
ويؤكد سيبويه على دور العناية والاهتمام في تقديم المفعول على الفعل كذلك، فيقول: " وإن قدّمت الاسم فهو عربي جيد، كما كان ذلك(94)عربيا جيّدا، وذلك قولك: زيداً ضربتُ، والاهتمامُ والعناية هنا في التقديم والتأخير سواءٌ، مثلُه في: ضرب زيدٌ عمراً، وضرب عمراً زيد "(95).
ويبدو أنّ ابن جني لم يأخذ بالعلة التي ذكرها سيبويه بشأن التقديم والتأخير، بل ذهب إلى " أنّ المفعول قد شاع عنهم واطّرد من مذاهبهم كثرةُ تقدّمه على الفاعل، حتى دعا ذاك أبا علىّ إلى أنْ قال: إنّ تقدّم المفعول على الفاعل قسم قائم برأسه، كما أن تقدّم الفاعل قسم أيضا قائم برأسه، وإن كان تقديم الفاعل أكثر، وقد جاء به الاستعمال مجيئا واسعا "(96)، أي أن المفعول لم يتقدّم للعناية والاهتمام به، وإنما " يصير تقديم المفعول لمّا استمرّ وكثر كأنه هو الأصل، وتأخير الفاعل كأنه أيضا هو الأصل "(97). ولعل ابن جني وأستاذه أبا على الفارسّي لمّا ذهبا إلى هذا الرأي إنما قصدا ذلك التقديم الذي لا يقتضى المقام حصوله(98)، بخلاف التقديم الذي نبّه إليه سيبويه، والقائم على ما في نفس المتكلم من معنى وما هو أهم لديه وهو به أعنى.
ويظهر أيضا أنّ عبد القاهر الجرجاني لم يستحسن علّة العناية والاهتمام التي جعلها سيبويه سرّ التقديم في التراكيب، فقال: " واعلم أنّا لم نجدهم اعتمدوا فيه شيئا يجرى مجرى الأصل غير العناية والاهتمام. قال صاحب الكتاب وهو يذكر الفاعل والمفعول: (كأنهم يقدّمون الذي بيانه أهم لهم وهم بشأنه أعنى وإنْ كانا جميعا يُهمّانهم ويعنيانهم)، ولم يذكر في ذلك مثالاً … فهذا جيدٌ بالغ، إلا أنّ الشأن فيّ أنه ينبغي أن يُعرف في كلِّ شيءٍ قُدّم في موضع من الكلام مثلُ هذا المعنى ويفسّر وجهُ العناية فيه هذا التفسير.وقد وقع في ظنون الناس أنه يكفى أن يقال إنه قُدّم للعناية ولأنّ ذكره أهم، من غير أن يُذكر من أين كانت تلك العناية وبِمَ كان أهمّ.ولتخليهم ذلك قد صَغُر أمرُ التقديم والتأخير في نفوسهم وهوّنوا الخطب فيه حتى إنك لترى أكثرهم يرى تتبعه والنظر فيه ضربا من التكلّف "(99).
والحق أنني لا أرى وجها لما قاله الإمام عبد القاهر من أنّ سيبويه (لم يذكر في ذلك مثالاً)؛ لأنه إنْ قصد أنّ سيبويه لم يذكر شاهدا للعناية والاهتمام، فهذا مردود بما ذكرته من أمثلة وشواهد كثيرة أرجع فيها سيبويه التقديم والتأخير إلى ما لدى المتكلم من العناية والاهتمام، فإنّ عبد القاهر نفسه لم يقدّم لنا تفسيرا إلا بما نقله عن النحاة باعترافه(100).
يضاف إلى ذلك أنّ سيبويه لم يكتف بالاعتماد على العناية والاهتمام ناسبا إليها كل ما يعرض له من تقديم أو تأخير، وإنما تعدّى ذلك إلى شرح ملابسات الحال المصاحبة التي تفسّر وجه العناية ومحل الاهتمام كما ظهر في الأمثلة السابقة. وهو ما يظهر أيضا في باب الأفعال التي تُستعمل وتُلغى، وهى (ظنّ) وأخواتها من الأفعال القلبية المتصرّفة، فإنْ ألغيت كان تأخير هذه الأفعال أقوى من تقديمها، تقول: عبدُ الله أظنُّ ذاهبٌ، وهذا إدخالُ أخوك، وفيها أُرَى أبوك. ويعلل سيبويه هذا التأخير بقوله: "وإنما كان التأخير أقوى لأنه إنما يجيء بالشكّ بعدما يمضى كلامه على اليقين، أو بعد ما يبتدئ وهو يريد اليقين ثم يدركه الشكّ،كما تقول: عبدُ الله صاحب ذاك بلغني، وكما قال: مَنْ يقول ذاك تدرى؟، فأخر ما لم يعمل في أوّل كلامه(101). وإنما جعل ذلك فيما بلغه بعد ما مضى كلامه على اليقين، وفيما يدري"(102). يعنى أنّ تأخير الفعل أقوى ههنا لأن المتكلم يبتدئ كلامه وليس في قلبه منه شك، فإذا مضى كلّه أو بعضه على لفظ اليقين لحقه فيه الشك(103).
ويؤكد سيبويه العلاقة بين التقديم والتأخير وما في نفس المتكلم من يقين أو شك في هذا الباب فيقول: " فإذا ابتدأ كلامه على ما في نيّته من الشكّ أعمل الفعل قدّم أو أخّر "(104)، أي أنّه إذا كان في نيته الشك من ابتداء الكلام أعمل الفعل سواء قدّمه أو أخره، فيقول: ظننت زيدا قائما، وزيدا ظننت قائما، وزيدا قائما ظننت. وهكذا يظهر أنّ التقديم والتأخير في هذا الباب ليس للعناية والاهتمام كالموضع السابق في تقديم المفعول على الفاعل أو الفعل، وإنما تأخير الفعل هنا لعامل نفسّي طرأ على المتكلم أثناء كلامه وحوّل يقينه إلى شك(105)، فألزمه ذلك المعنى أن يورد كلامه على ما كان في نفسه من يقين أولاً. فلما كان في نفسه الشك من البداية جاز أنْ يورد ألفاظه على أي وجه شاء.
كما أنّ سيبويه لم يقتصر في تفسير سرّ التقديم على العناية والاهتمام، وإنما ذكر أيضا أنّ التقديم قد يكون لتنبيه المخاطب وتأكيد الكلام(106). يقول سيبويه: " فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت: زيدٌ ضربتُه، فلزمته الهاء. وإنما تريد بقولك مبنىٌّ عليه الفعل أنّه في موضع (منطلق) إذا قلت: عبد الله منطلق، فهو في موضع هذا الذي بُني على الأول وارتفع به. فإنما قلت عبدُ الله، فنبّهته له(107) ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء "(108).
وهكذا يتضح أن التقديم والتأخير يقع عند سيبويه كثيرا بدافع من العناية والاهتمام على نحو ما نُقل عنه وشاع، كما يأتي أحيانا للتنبيه والتوكيد. وهذا ما نقله عبد القاهر منسوبا إلى سيبويه حيث يقول: " وهذا الذي قد ذكرتُ من أنّ تقديم ذكر المحدَّث عنه يفيد التنبيه له قد ذكره صاحب الكتاب في المفعول إذا قُدِّم فرفع بالابتداء،وبُني الفعل الناصب كان له عليه، وعُدِّى إلى ضميره فشُغِل به، كقولنا في (ضربت عبد الله): عبدُ الله ضربته. فقال: وإنما قلت عبد الله فنبّهته له ثم بنيت عليه الفعل ورفعته بالابتداء "(109).ويبيّن مِنْ أين كان تقديم الاسم فيما سبق دالا على التنبيه ومؤكدا للكلام فيقول: " فإنّ ذلك من أجل أنه لا يؤتى بالاسم معرّىً من العوامل إلاّ لحديث قد نٌوى إسناده إليه. وإذا كان كذلك فإذا قلت (عبدُ الله) فقد أشعرت قلبه بذلك أنك قد أردت الحديث عنه، فإذا جئت بالحديث … فقد عَلِمَ ما جئت به، وقد وطَّأت له وقدّمت الإعلام فيه، فدخل على القلب دخول المأنوس به، وقَبِلَه قَبُول المتهيّّء له المطمئن إليه،وذلك لا محالة أشدُّ لثبوته، وأنفى للشُّبهة، وأمنع للشكّ، وأدخل في التحقيق "(110).
كما أشار سيبويه في مواضع متفرقة إلى طريقة الأداء اللغوي المصاحبة للتركيب، أو ما يطلق عليه التطريز الصوتي، والمتمثلة في " الوقف" و " النبر و التنغيم ".
فأما الوقف فقد اعتمد عليه سيبويه في توجيه المعنى على مستوى التركيب، وجعله ضابطا لصحة التركيب فمن ذلك قوله: " واعلم أنه يقبح: زيداً عليك، وزيداً حَذَرَك؛ لأنه ليس من أمثلة الفعل، فقبح أن يجرى ما ليس من الأمثلة مجراها، إلاّ أنْ تقول: (زيداً)، فتنصبَ بإضمارك الفعل، ثم تذكرُ (عليك) بعد ذلك "(111).
(فعليك) اسم فعل أمر يتعدى إلى مأمور به، و(حَذَرَك) اسم فعل يدل على النهى ويتعدى أيضا إلى المنهي عنه، ولكنهما لا يتصرفان تصرف الفعل، ولذلك قبُح عند سيبويه تقديم معموله عليه في نحو (زيداً عليك) و (زيداً حَذَرَك). إلاّ أنه وجد وجها لجواز ذلك مستعينا بظاهرة الوقف، إذ تقول (زيداً) و تنصبه على إضمار فعل الإغراء أو الاختصاص، ثم تقول بعد وقفة: (عليك) للبيان. وهكذا أسهم الوقف في صحة التركيب وبيان معناه.
ويبرز الوقف أيضا بوصفه عنصرا من العناصر الصوتية في السياق اللغوي، وذلك في قول سيبويه: " وسألته - أي الخليل - عن قوله عز وجل: " وما يُشْعِرُكُم إنها إذا جاءت لا يؤمنون "(112)، ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعلُ؟ فقال: لا يحسن ذا في ذا الموضع، إنما قال: (وما يشعركم)، ثم ابتدأ فأوجب فقال: (إنها إذا جاءت لا يؤمنون). ولو قال: (وما يشعركم أنَّها إذا جاءت لا يؤمنون)، كان ذلك عذراً لهم "(113).
وإنما كره أن يجعل (أنّها) في صلة يشعركم؛ لأنه يصير عذرا لهم، ألا ترى أنه لو قال لك قائل في رجل يقرأ شيئا: إنه لا يفهم ما يقرأ،فقلت: ما يدريك أنه لا يفهم، لكان ذلك عذراً للقارئ - أي أنه يفهم، وكذلك قوله تعالى: " وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " بفتح الهمزة؛ لأن التقدير: (ما يدريكم أنهم لا يؤمنون إذا جاءت) أي: لو جاءت لآمنوا، وليس معنى الآية على هذا(114).
ففي هذه الآية قراءتان: كسر (إنّ) وفتحها، فمن كسرها فقد تم الكلام بقوله: (وما يشعركم) ووقف على ذلك، ثم أخبر الله عنهم إنهم لا يؤمنون، ومن فتحها فقد تم الكلام أيضا عند قوله: (وما يشعركم) ثم استأنف الكلام وأبهم أمرَهم ولم يخبرهم بإيمانٍ ولا غيره، فقال: (أنها) على معنى (لعلّها)(115). وهكذا اتضح أن الوقف - وهو من عناصر الأداء اللغوي للنص - يسهم بشكل واضح في تفسير النصوص وبيان دلالتها، ولا يفوتنا جهد علماء القرآن والقراءات في بيان مواضع الوقف والابتداء في النص القرآني.
وأما " التنغيم " فيظهر من قول سيبويه في باب الندبة: " اعلم أن المندوب مدعوٌّ و لكنه متفجَّعٌ عليه، فإن شئت ألحقت في آخر الاسم الألف؛ لأن الندبة كأنهم يترنمون فيها … واعلم أن المندوب لابُدَّ له من أن يكون قبل اسمه (يا) أو (وا)،كما لزم (يا) المستغاثَ به و المتعجبَ منه "(116).
فانظر إلى قوله (كأنهم يترنمّون فيها)، والترنّم: تطريب وتحسين للصوت يكسبه النادب لصيغة المندوب؛لأن الندبة تفجّع ونوح من حزن وغمٍّ يلحق النادب على المندوب عند فقده، فيدعوه وإن كان يعلم أنه لا يُجاب لإزالة الشدة،وندبته للدلالة على ما ناله من الحزن لفقده. " ولما كان المندوب ليس بحيث يسمع احتيج إلى غاية بعدِ الصوت، فألزموا أوّلَهُ(يا) أو (وا) وآخره الألف في الأكثر من الكلام؛ لأن الألف أبعدُ للصوت وأمكن للمدّ "(117).
ويعتمد سيبويه على ما يسميه الاجتهاد أو الاحتلاط أو الترنم(118) - في أبواب الندبة و الاستغاثة والتعجب أيضا، مما يذكرنا بمصطلحات ابن جني الواردة في النص السابق كالتطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم، يقول سيبويه: " وأما المستغاث به (فيا) لازمةٌ له؛ لأنه يجتهد: فكذلك المتعجب منه، وذلك: يا للناس، ويا للماء. وإنّما اجتهد؛ لأن المستغاث عندهم متراخٍ أو غافلٌ والمتعجَّب كذلك. والندبة يلزمها (يا) و (وا)؛ لأنهم يحتلطون ويدعون ما قد فات وبعُد عنهم. ومع ذلك أن الندبة كأنهم يترنّمون فيها، فمن ثم ألزموها المدّ، وألحقوا آخر الاسم المدّ مبالغة في الترنم "(119).
فهو في النص السابق يجعل المستغيث والمتعجِّب باذلاً وُسْعَه و المجهود في إطالة الصوت؛ لأن المستغاث به والمتعجب منه متراخٍ أو غافلٌ، فيحتاج لتنبيهه إلى إطالة الصوت بأداة النداء (يا)، فهي لازمةٌ له ولا يجوز حذفها كما هو الحال في باب النداء. أما الندبة فجعلها موضعا للاجتهاد في إطالة ورفع الصوت؛ لأن المندوب فائت بعيد، كما جعلها موضعا للتطريب والتغنِّي والتحسين في الصوت؛ فألزمها (يا) أو (وا) في أولها وألفا في آخرها.
ولا شك أن كلاًّ من الاجتهاد والاحتلاط والتَّرنُّم ضرب من ضروب التنغيم أو التلوين الصوتي عند الأداء الفعلي للكلمة أو التركيب.
وهكذا يتبين للناظر في مثل هذه الأمثلة والنصوص أن النظام اللغوي والاستعمال السياقيّ جميعا في اللغة العربية يستخدمان التشكيل الصوتي في التمييز بين المعاني النحوية، فيُعلم به المندوب وغير المندوب(120) … إلخ.
وكما اهتم سيبويه بجميع عناصر السياق اللغوي فقد اهتم أيضا بعناصر السياق غير اللغوي، أو (الحال) كما يسميه بنفسه(121)، كالمتكلم والمخاطب والعلاقة بينهما وموضوع الكلام وأثر الكلام والحركة الجسمية المصاحبة للحدث الكلامي وغير ذلك من العناصر غير اللغوية المصاحبة للكلام المنطوق.
فمن أمثلة اهتمامه ببيان العلاقة بين المتكلم والمخاطب، وما ينتظره المخاطب من المتكلم، أنّ المتكلم إذا قال: (كان زيدٌ) فإن المخاطب " إنما ينتظر الخبر"(122)، وإذا قال المتكلم: (كان حليما) " فإنما ينتظر - أي المخاطب - أن تعرّفه صاحب الصفة "(123).
ويحمل سيبويه كلام المجيب على كلام المستفهِم، فللمسئولِ أن يورد الجواب على منهاج الاستفهام، فإذا قال " الرجل: من رأيت وأيَّهم رأيت، فتقول: زيداً رأيته … ومثل ذلك قولك: أرأيت زيدا، فتقول: لا ولكنْ عمراً مررتُ به … فإن قال: من رأيته وأيُّهم رأيته، فأجبته قلت: زيدٌ رأيتُه … فإنما تحمل الاسم على ما يحملُ السائلُ "(124)، بل إنه في موضع آخر يبين أن الجواب من المخاطب يكون على قدر ما فهمه من مسألة السائل، فهو يجيب على ما عنده من معنى، فإذا قال المجيب: مررتُ برجلين مسلمٍ وكافرٍ، وجعل
(مسلمٍ وكافرٍ) بدلاً، فكأنه " أجاب من قال: بأيِّ ضربٍ مررت؟ وإن شاء رفع،كأنه أجاب من قال: فما هما؟ فالكلام على هذا وإن لم يلفظ به المخاطب؛ لأنه إنما يَجْرِى كلامُـه - أي جوابه - على قدر مسألتك عنده لو سألته "(125).
كما أولى سيبويه موضوع الكلام - أو ما يطلق عليه مضمون الرسالة - اهتماما واضحا، ويبدو هذا من قوله: " واعلم أنه ليس كلُّ موضع يجوز فيه التعظيم، ولا كلُّ صفة يحسن أن يعظَّم بها. لو قلت: مررتُ بعبد الله أخيك صاحب الثياب أو البزّاز،لم يكن هذا مما يعظم به الرجلُ عند الناس ولا يفخّم به. وأما الموضع الذي لا يجوز فيه التعظيم فأنْ تذكرَ رجلاً ليس بنبيهٍ عند الناس، ولا معروفٍ بالتعظيم ثم تعظّمَه كما تعظّم النبيه. وذلك قولك: مررت بعبد الله الصالحَ.
فإن قلت: مررت بقومك الكرامِ الصالحين، ثم قلت: المطعمين في المَحْلِ(126) ، جاز لأنه إذا وصفهم صاروا بمنزلة مَنْ قد عُرِف منهم ذلك، وجاز له أنْ يجعلهم كأنهم عُلِمُوا. فاستحسن من هذا ما استحسن العرب، وأحزْهُ كما أجازته.
وليس كلُّ شيء من الكلام يكون تعظيما لله عز وجل يكون تعظيما لغيره من المخلوقين، لو قلت: الحمدُ لزيد، تريد العظمة لم يجز، وكان عظيما. وقد يجوز أن تقول: مررت بقومك الكرامَ، إذا جعلت المخاطب كأنه قد عرفهم "(127).
وهكذا يشير سيبويه في هذا النص المهم إلى مسألتين(128):
إحداهما: تتعلق بمضمون الرسالة، إذ لابد أن تكون الصفةُ التي يُعَظَّم بها صفةَ مدحٍ و ثناءٍ ورِفْعَة،أو أنْ تكون هذه الصفة مما يليق وقوعها على الممدوح، ومن ثَمَّ لم يُجز: (مررت بعبد الله أخيك صاحبَ الثياب أو البَزَّازَ)؛ لأن وصفه بقوله (صاحبَ الثياب أو البزّازَ) ليست من الصفات التي يتم التعظيم والمدح بها، كما لم يُجِز: (الحمدُ لزيدٍ) إذا أراد(العظمةُ لزيدٍ)؛لأن هذه الصفة لا تليق إلا بالله، ولو وصفت بها المخلوقين كان غيرَ مغتفر. وهكذا سجّل سيبويه تخصيص تراكيب معلومة، بتوجيه ديني خالص، ولقد نفذ إلى ذلك من خلال المراوحة الغنية بين النظر في الأنماط اللغوية والمواقف الدينية، والحكم على التركيب بناء على ذلك(129).
المسألة الثانية: أن يكون المعظَّمُ قد عرفه المخاطب وعَلِم فضله، وذلك إما بأنْ يشتهر عنده ما عُظِّمَ به، نحو (مررتُ بعبد الله الصالحَ) إذا كان عبد الله مشتهرا بالصلاح عند المخاطب قبل التعظيم والمدح.
أو أنْ يرد من السياق اللغوي ما يدل على فضل المعظَّم فيعرفه المخاطب، وذلك نحو قولك: (مررتُ بقومك الكرام الصالحين)، ثم يمدح بعد ذلك بقوله (المطعمين في المَحْلِ)؛ لأنه قد تقدّم من كلام المتكلم ما يتقرر به عند المخاطب حال مدحٍ وثناءٍ وتشريفٍ في المذكور. ومنه في الشتم والذمّ قول الفرزدق:
كم عمّة لك يا جريرُ و خالةٍ فَدْعاءَ قد حَلَبَتْ علىَّ عِشارِي
شَغَّارةً تَقِذُ الفصيـلَ برجلها فطّـارةً لقـوادِمِ الأبــكار [الكامل]
فنصب (شغّارةً) و (فطّارةً) على الذم و " جعله شتماً، و كأنه حين ذكر (الحلبَ) صار من يخاطب عنده عالما بذلك "(130).
أو أنْ ينزِّل المتكلم المخاطب منزلة من عرف فضل المعظَّم، فيقول: (مررت بقومك الكرامَ)؛ كأنه قد عرفهم وإنْ لم يعرفهم.
كما استعان سيبويه بغرض المتكلم وإرادته في التوجيه النحوي، مما يترك أثره على شكل التركيب،فيقول: " وأما قولهم: مَنْ ذا خيرٌ منك؛ لأنك لم ترد أن تشير أو تومئ إلى إنسان قد استبان لك فضله على المسئول فيُعَلِمَكَه، ولكنك أردت: مَنْ ذا الذي هو أفضلُ منك. فإن أومأت إلى إنسان قد استبان لك فضله عليه، فأردت أن يعلمكه نصبت خيراً منك، كما قلت: مَنْ ذا قائماً، كأنك قلت: إنما أريد أن أسألك عن هذا الذي قد صار في حالٍ قد فضلَكَ بها "(131) فرفع (خيرٌ منك) في قولك: (مَنْ ذا خيرٌ منك) إنما كان؛ لأن غرض المتكلم إنكار أن يكون أحدٌ خيرا منه، كقولك: (من ذا أرفعُ من الخليفة)(132) فجعل (ذا) بمعنى (الذي)، والتقدير: (من الذي هو خيرٌ منك)، وأما نصب (خيرا منك)، فعلى إرادة المتكلم معنى الاستفهام كأنه عندما قال (من ذا خيراً منك) يستفهم عن هذا الذي صار أفضلَ منك، وينصب (خيراً منك) على الحال الذي صار فيها المسئول عنه.(133)
ويهتم سيبويه ببيان الحال المصاحبة للتركيب، أو ما يسمى بملابسات "المسرح اللغوي"(134)، وما يترتب على ذلك من المفاضلة بين التراكيب، أو الحكم على العبارة بالحسن أو الإحالة الدلالية، كما في قوله: " وذلك أن رجلا من إخوانك ومعرفتِك لو أراد أن يخبرك عن نفسه أو عن غيره بأمر فقال: أنا عبدُ الله منطلقا،وهو زيدٌ منطلقا، كان محالاً؛ لأنه إنما أراد أن يخبرك بالانطلاق، ولم يقل هو ولا أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية، لأن هو وأنا علامتان للمضمر إذا علم أنّك قد عرفت من يعنى. إلا أنّ رجلاً لو كان خلف حائط، أو في موضعٍ تجهله فيه، فقلت: مَنْ أنت؟ فقال: أنا عبدُ الله منطلقا في حاجتك، كان حسنا "(135).
فإنما حكم سيبويه على التركيب (أنا عبدُ الله منطلقا) و (هو زيدٌ منطلقا) بالإحالة - على الرغم من أنه من وجهة النظر النحوية صحيح - استنادا على ما أراده المتكلم من معنى؛ لأنه إنما أراد أن يخبرك عن نفسه أو غيره بالانطلاق، فكان حقه أن يقول (أنا منطلق) و (هو منطلق)، ولأنك لا تضمر فتقول (أنا) أو (هو) حتى تكون معروفا، فتستغني عن قولك (عبد الله) أو (زيد). في حين حكم على التركيب نفسه (أنا عبد الله منطلقاً في حاجتك) بالحسن استنادا إلى ملابسات المسرح اللغوي المصاحبة للتركيب؛لأن المتكلم ينادى رجلاً خلف حائط فهو يجهله أو يجهل مكانه فمن ثَمّ أفاد قوله (أنا عبد الله) ثُمّ بيّن حاله.
وهكذا نجد سيبويه ينظر إلى الجملة الواحدة فيحكم عليها في موقف من الاستعمال بأنها خطأ وفى موقف من الاستعمال آخر بأنها صواب، وهذه الجملة لو اكتفى بالنظرة الشكلية الذاتية، جملة نحوية جائزة، ولكن اللغة عنده لم تكن تنفك عن ملابسات استعمالها، ومقاييس اللغة عنده تُستمد من معطيات النظام الداخلي للبناء اللغوي كما تستمد أيضا من معطيات السياق الاجتماعي التي تكتنف الاستعمال اللغوي، فالتعبير واحد ولكن الذي اختلف هو السياق الملابس للكلام(136).
كما يبدو بجلاء من المثال السابق اهتمام سيبويه في كتابه بالأساليب والتراكيب العربية، مما جعله يلقى باللوم على النحويين الذين كانوا يتهاونون بقيمة الاختلاف في الأساليب إذا ظهر عندهم الإعراب(137)، ففي معرض تفريقه بين الحال المؤسسة في نحو (هذا عبدُ الله منطلقا) " والمعنى أنك تريد أن تنبِّهه له منطلقا، لا تريد أن تعرِّفه عبد الله لأنك ظننت أنه يجهله "(138) والحال المؤكدة في نحو (هو زيدٌ معروفاً)، " وذلك أنك ذكرت للمخاطب إنسانا كان يجهله أو ظننت أنه يجهله... والمعنى أنك أردت أن توضح أنّ المذكور زيدٌ حين قلت معروفا، ولا يجوز أن تذكر في هذا الموضع إلا ما أشبه المعروف؛ لأنه يعرِّفُ ويؤكِّد، فلو ذكر الانطلاق كان غير جائز؛ لأن الانطلاق لا يوضحُ أنه زيدٌ ولا يؤكدِّه "(139). ثم يقول بعد بيانه للفرق الدلالي بين الحال المؤسسة والحال المؤكدة اعتمادا على غرض المتكلم وما في نفسه من معنى: " وإنما ذكر الخليل رحمه الله هذا لتعرف ما يحال منه وما يحسن، فإن النحويين مما يتهاونون بالخلف إذا عرفوا الإعراب "(140)، ويؤكد هذا المعنى عند تقبيحه لقولك (مررتُ قائماً برجلٍ) لأن الحال تقدمت على صاحبها والعامل فيه، فلو قلت (مررت بقائماً رجلٍ) كان أخبث؛ لأنه لا يُفصل بين الجار والمجرور، ثم يقول: " فهذا كلامٌ قبيح ضعيف، فاعرف قبحه، فإنّ إعرابه يسير … ولكنّ معرفةَ قبحه أمثلُ من إعرابه "(141).
فكأن هذه إشارة من سيبويه إلى بعض النحاة المعياريين الذين لا يهتمون إلا بالإعراب ولا ينظرون إلى المعنى والدلالة، بل قل يهتمون بالتركيب وصحته دون النظر إلى الدلالة و الملابسات الحالية والمقامية التي تحيط بالعبارة.
وأما عن علاقة سياق الحال عند سيبويه بقرينة التضام، وتسويغه لحذف أحد عناصر الجملة، فهذا مما كثرت أمثلته عنده. والحق أن إشارات سيبويه الذكية والرائدة في هذا الباب تجعله سبَّاقا لأحدث الاتجاهات اللغوية في زماننا، إذ لم تفته العنايةُ بأثر الحركة الجسمية و عناصر الموقف المستمدة من الحواس الخمسة في بنية التركيب ودلالته، من حيث حذف أحد عناصر التركيب استنادا إلى تلك العناصر الحالية. وهو ما ينجلي من المثال التالي:
أجاز سيبويه حذف الكاف من اسم الفعل (رويدك)،" استغناءً بعلم المخاطب أنه لا يعنى غيره "(142)، والمعروف أن (الكاف) إنما تلحق (رويدا) " لتبيّن المخاطب المخصوص؛ لأن (رُوَيْدَ) تقع للواحد والجميع، والمذكّر والأنثى، فإنما أدخل الكاف حين خاف التباس من يعنى بمن لا يعنى "(143). وهكذا التفت سيبويه إلى أنّ لموقف الخطاب حالات متباينة، وتنبّه إلى أنّ العبارة اللغوية تتباين على قدر ذلك. فإذا كنت تستمهل رجلاً على حِدَتِه رأيته يعالج شيئا قلت: رويداً، أما إذا كنت تستمهل رجلاً في جماعة، فإنك تقول رويدكَ،وكذلك إذا كنت تستمهل امرأة في جماعة فإنك تقول: رويدكِ.. إلخ(144).
ثم يستطرد سيبويه فيقول: " فلحاق الكاف، كقولك: يا فلان، للرجل حتى يقبل عليك، وتركها كقولك للرجل: أنت تفعل، إذا كان مقبلاً عليك بوجهه منصتا لك. فتركت: يا فلان، حين قلت: أنت تفعل؛ استغناءً بإقباله عليك. وقد تقول أيضا: رويدك، لمن لا يُخاف أن يلتبس بسواه، توكيدا، كما تقول للمقبل عليك المنصت لك: أنت تفعل ذاك يا فلان، توكيدا "(145).
فلقد جعل سيبويه إقبال المخاطب بوجهه وإنصاته إليك مسوّغاً لحذف الكاف من (رويدك) لأن حاله يغنى عن لحاق الضمير به، وشبهه بحذف حرف النداء اكتفاءً بإقبال المنادى عليك فتقول له (أنت تفعل) وتستغني عن قولك: (يا فلان).
فإن علم المخاطب أنه المعنِىُّ، لم يحتج المتكلم إلى الضمير، ولكنه قد يلحق الضمير مع علم المخاطب بأنه المقصود على سبيل التوكيد لا البيان والتخصيص، وشبهه أيضا بقولك للمقبل عليك المنصت لك (أنت تفعل يا فلان) توكيدا، وبقولك (أرأيتك) توكيدا(146).
كما أشار سيبويه إلى ما يعمد إليه المتكلم من حذف المبتدأ اعتمادا على القرائن الحالية المصاحبة للكلام والمرطبة بحاسة من الحواس الخمس، فيقول: " وذلك أنك رأيت صورة شخصٍ فصار آيةً لك على معرفة الشخص فقلت: عبدُ الله وربِّى، كأنك قلت: ذاك عبدُ الله، أو هذا عبدُ الله. أو سمعتَ صوتا فعرفت صاحب الصوت فصار آيةً لك على معرفته فقلتَ: زيدٌ وربِّى. أو مسستَ جسداً، أو شممتَ ريحا فقلت: زيدٌ أو المسكُ. أو ذُقْتَ طعاما فقلت: العسلُ.ولو حُدِّثتَ عن شمائل رجل فصار آيةً لك على معرفته لقلت: عبدُ الله. كأنّ رجلا قال: مررتُ برجلٍ راحمٍ للمساكين بارٍّ بوالديه، فقلت: فلانُ والله "(147).
فإذا كان سيبويه في أمثلة سابقة قد أشار إلى حذف أحد عناصر التركيب لدلالة الحركة الجسمية عليه فإنّه في هذا الموضع يتحدث عن المتكلم المعبر عن نفسه دون التوجه بكلامه هذا إلى مخاطب بعينه، وجعل ما يحيط به من عناصر مستمدة من الموقف والمرتبطة بحواسّه الخمسة - كالرؤية والسمع والمسّ والشّم والتذوّق - أو المرتبطة بمعرفته للمخاطب عن طريق سابق تحدّثٍ عنه دليلاً على المبتدأ المحذوف، وتصبح هذه الأشياء الواقعة في مجال خبرة الحواس أو المعرفة جزءا من نسيج اللغة، وتقوم مقام العناصر اللغوية الخالصة(148).
وبعد هذا العرض، فإنه بوسعنا أن نشير إلى عدد من النتائج المهمة المتعلقة بالسياق عند الأوائل من علماء العربية:
أولاها: أنّ علماء اللغة قديما وحديثا أدركوا هذه الوظيفة المهمة للسياق، بل إن فكرة السياق ودلالته على المعاني الحقيقية للكلام مطروحة في الفكر الإنساني منذ أفلاطون وأرسطو، " فقد تحدث أفلاطون في كتابه " فيدروس" عن مراعاة مقتضى الحال في الخطابة، وكذلك عرض أرسطو في كتابه " فن الشعر " لموضوع مقتضى الحال، وأشار إلى أن الفكرة هي إيجاد اللغة التي يقتضيها الموقف ويتلاءم وإياه "(149).
ولم يكن علماء العربية بعيدين عن إدراك وظيفة السياق ودلالته، فقد أشرت إلى اهتمام علماء القرآن والأصوليين بشقيّ السياق في فهم دلالة النصوص الشرعية. وإلى ربط عبد القاهر الجرجاني فصاحة الكلمة بسياقها اللغوي والتركيب الذي قيلت فيه، وذلك عند حديثه عن نظرية النظم، وربط الكلام بمقام استعماله.
فلقد كان البلاغيون عند اعترافهم بفكرة (المقام) متقدمين ألف سنة تقريبا على زمانهم لأن هذه الفكرة بوصفها من أسس تحليل المعنى تعد الآن في الغرب من الكشوف التي جاءت نتيجة لمغامرات العقل المعاصر في دراسة اللغة(150). وحين قال البلاغيون: " لكل مقام مقال " و" لكل كلمة مع صاحبتها مقام " وقعوا على عبارتين من جوامع الكلم تصدقان على دراسة المعنى في كل اللغات لا في العربية الفصحى فقط وتصلحان للتطبيق في إطار كل الثقافات على حد سواء.
ولم يكن " مالينوفسكي " وهو يصوغ مصطلحه الشهير يعلم أنه مسبوق إلى مفهوم هذا المصطلح بألف سنة أو يزيد؛ لأن الذين عرفوا هذا المفهوم قبله سجلوه في كتبهم تحت مصطلح (المقام)، ولكنّ كتبهم هذه لم تجد من الدعاية على المستوى العالمي ما وجده مصطلح مالينوفسكي من تلك الدعاية بسبب انتشار نفوذ العالم الغربي في كل الاتجاهات وبراعة الدعاية الغربية الدائبة.
ولم يكن أقل من هاتين العبارتين صدقا في تحليل اللغة ما سبق إليه النحاة العرب في مقولتهم المشهورة " الإعراب فرع المعنى "، فهذه المقولة أيضا من جوامع الكلم إذا فهمنا بالإعراب معنى (التحليل)؛لأن كل تحليل لا يكون إلا عند فهم المعنى الوظيفي لكل مبنى من مباني السياق(151).
ثانيها: أن النحاة الأوائل - وعلى رأسهم الخليل وسيبويه - اعتمدوا على السياق بشقيه في التقعيد النحوي، ويبدو ذلك جليا من اعتمادهم على السياق اللغوي في بيان مبنى التركيب ودلالته وتجويزهم بهذا السياق حذف أحد عناصر الجملة وطريقة ترتيب هذه العناصر اللغوية داخل التركيب، واستعانتهم بطرق الأداء اللغوي المصاحبة للنطق بالعبارة كالوقف و النبر والتنغيم.
وأما اعتمادهم على سياق الحال فيتضح من استعانتهم بإرادة المتكلم والمخاطب في تعيين معنى التركيب واهتمامهم بمضمون الرسالة وضرورة اختيار المفردات المناسبة لكل باب، واستعانتهم بملابسات الحال في التوجيه النحوي، والحكم على التركيب بالصحة أو الإحالة، وتسويغ الحذف استنادا على دلالة الحركة الجسمية والحواس الخمسة وباقي عناصر سياق الحال.
ثالثها: أنه إذا كان كتاب سيبويه يمثل أولى المحاولات المكتوبة التي وصلتنا من التراث النحوي، فهو يمثل أيضا قمة الدراسات النحوية التي سبقته، ويعد مصطلح" الحال " الذي استخدمه سيبويه أقدم مصطلح في التراث العربي النحوي - على حد علمي - يقترب من مفهوم " سياق الحال " في أيامنا، ولعل هذا المصطلح عند سيبويه يرجع إلى أستاذه الخليل، الذي أثبت كتاب تلميذه اعتماده الواضح على السياق اللغوي وسياق الحال في دراسة التراكيب النحوية.
وهكذا تلتقي تطبيقات الخليل وتلميذه سيبويه مع أحدث الاتجاهات اللغوية مع تباعد الزمن والشقة(152)، إذ كانا يعوّلان على شقيّ السياق على النحو الموضح في الملحوظة السابقة، مما يجعلنا نقول دون تردد: إنهما يعدان بحق رائدي النظرية السياقية، إذ طبقا عمليا وبإحكام جميع عناصر هذه النظرية مع أدق تفاصيلها، ولم يتركا - تقريبا - شيئا مما عرفته الدراسات الاجتماعية الحديثة إلا ومارساه تطبيقاً في الكتاب، أو كما يقول الدكتور نهاد الموسى عن سيبويه: فوجدته منذ ذلك العهد المبكر يفزع إلى السياق والملابسات الخارجية وعناصر المقام، ليردّ ما يعرض في بناء المادة اللغوية من ظواهر مخالفة إلى أصول النظام النحوي طالبا للاطراد المحكم. وهو يوافق فيما صدر عنه في الكتاب ملحوظات كثيرة مما تنبني عليه الوظيفة ومناهج " التوسيع " أو اللغويات الخارجية بعبارة " دي سوسير"، كما أشبهت ملحوظاته ملحوظات اللغويين " الاجتماعيين "(153).
وعند هذا الحد ينبغي أن نتساءل: إذا كان السياق عند الخليل وسيبويه بهذا الوضوح، فهل استطاع النحاة بعدهما تطوير مفهوم السياق؟ أو أن يوظفوه بشكل أوسع وأشمل؟ أو أن يضعوا له الإطار النظري الذي يجعله نظرية لغوية مستقلة؟
يبدو أن النحاة من بعد الخليل وسيبويه لم يطوروا هذه الملحوظات والتطبيقات العملية الذكية له، فقد اتجهت الدراسات النحوية من بعدهما إلى الجانب التحليلي لا التركيبي، فأصبحت تُعنى بتحليل مكونات التركيب أكثر من عنايتها بالتركيب نفسه مع العناية الواجبة في كل ذلك بالمعالم السياقية بوصفها ظواهر لا تبدو إلا في التركيب، ولكن النحاة لم يفطنوا إلى طبيعة التعارض الممكن بين مطالب التحليل ومطالب التركيب(154).
ولعل هذا هو سبب العتاب الذي وجهه سيبويه نفسه إلى طائفة من النحاة الذين كانوا يتهاونون بالقيمة الدلالية الناشئة عن الاختلاف في الأساليب إذا ظهر عندهم الإعراب، ويجعل سيبويه معرفة قبح وضعف التركيب أمثل من إعرابه وهى إشارة منه إلى طائفة من النحاة لم يهتموا بالدلالة والملابسات الحالية المقترنة بالعبارة(155). كما يبدو أن هذا أيضا هو السبب في ثورة عبد القاهر الجرجاني على اللغويين العرب الذين لم يستفيدوا من المبدأ الجيد الذي وضعه سيبويه، ألا وهو ربط الكلام بمقام استعماله.
إذن، فأقصى ما يمكن أن نعترف به من فضل للنظريات الحديثة ونظرية " فيرث " السياقية، هو وضع الإطار النظري للفكرة في إطار نظرية متكاملة الجوانب، وتسمتها بنظرية السياق.
هوامش البحث:
(1) انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة (سَوَقَ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت ط2 سنة 1412 هـ 1992م.
(2) انظر: كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 4/27، الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1977م.
(3) قرينة السياق للدكتور تمام حسان 375، بحث قُدِّم في (الكتاب التذكاري للاحتفال بالعيد المئوي لكلية دار العلوم) مطبعة عبير للكتاب سنة 1413 هـ 1993م.
(4) انظر: البحث الدلالي عند الأصوليين للدكتور محمد يوسف حبلص 28، مكتبة عالم الكتب ط1 سنة 1411هـ 1991م.
(5) انظر: النحو والدلالة الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف (مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي) 98، ط 1 القاهرة سنة 1403هـ 1983م.
(6) انظر: النحو والدلالة 33، 36.
(7) انظر: ظاهرة المشترك اللفظي ومشكلة غموض الدلالة للدكتور أحمد نصيف الجنابي 400 - 401، مجلة المجمع العلمي العراقي، ج 4، مج 35، محرم سنة 1405 هـ تشرين الأول سنة 1984م.
(8) الكتاب 1/24.
(9) انظر: علم الدلالة للدكتور أحمد مختار عمر 156،215 عالم الكتب ط3 سنة 1993م. وانظر له أيضا: ظاهرة الترادف بين القدماء والمحدثين10 – 21، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، الكويت عدد 6، مج2، ربيع سنة1982.
(10) انظر: ظاهرة المشترك اللفظي ومشكلة غموض الدلالة 361، 398.
(11) فندريس: اللغة، ترجمة الدواخلي والقصاص، 231 مكتبة الأنجلو المصرية سنة 1950م.
(12) انظر سياق الحال في الدرس الدلالي للدكتور فريد عوض حيدر (تحليل وتطبيق) 30 -52 مكتبة النهضة المصرية.
(13) انظر دردير محمد أبو السعود، دلالة السياق وأثرها في الأساليب العربية 507 - 509، مجلة كلية اللغة العربية بأسيوط، عدد 7، سنة 1407هـ 1987م
(14) النحو والدلالة 98.
(15) انظر السابق 113.
(16) R. H. Robins: A Short history of Linguistics. P. 213 Longman’s Linguistics Library، Green and Co LTD. Second impression 1969.
(17) انظر د. أحمد مختار عمر: علم الدلالة 68، عالم الكتب، القاهرة، ط 4 سنة 1993م.
(18) J. R. Firth: Papers in Linguistics. P. 184 ، London ، Oxford University PRESS ، Amen House ، First edition 1957 ، Reprinted 1958 ، 1961 and 1964.
(19) انظر:على سبيل المثال كلامهما فى الفصل الثالث من هذا الكتاب حول " المواقف الإشارية " Sign – Situations 4 8 – 76، وفى الفصل الرابع حول " مفهوم الإشارات" Signs in Perception 77- 86.
The Meaning of Meaning ، London: Kegan Paul ، Trench ، Trubner. New York: Harcourt ، Brace ، Fourth Edition ، 1936.
(20) انظر:د. أحمد مختار، علم الدلالة 54 – 67.
(21) Geoffrey Leech: Semantics ، P. 62 ، Penguin Books ، Second Edition ، 1981.
(22) انظر: د. تمام حسان: مناهج البحث في اللغة 243 دار الثقافة – الدار البيضاء ط 2 سنة 1394 –1974.
(23) انظر: نظرية النحو العربي 86، 87.
(24) انظر: ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، ترجمة د. كمال بشر 32 مكتبة الشباب ط 10 سنة 1986م.
(25) انظر السابق 66 – 67.
(26) السابق 62، وانظر: د. فايز الداية: علم الدلالة العربي 218 دار الفكر – دمشق ط 1 سنة 1405 هـ 1985م.
(27) انظر: د. كمال بشر، علم اللغة الاجتماعي 52.
(28) د. نايف خرما، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة 322(سلسلة عالم المعرفة) الكويت ط 2 سنة 1979م. 29. بالمر: علم الدلالة 80.
(30) انظر: علم الدلالة لبالمر 69، 141.
(31) انظر: J. Lyons: Semantics ، Volume 2: P 609 ، Cambridge University PRESS ، London ، First Published 1977.
(32) انظر: بالمر، علم الدلالة 77.
(33) انظر على سبيل المثال كلام د. تمام حسان عن أستاذه " فيرث " - كما يقول بنفسه - في: مناهج البحث في اللغة 251، و شرحه لمصطلح " سياق الموقف " عند " فيرث " أو ما أسماه " الماجريات "، وكلام د. كمال بشر في كتابيه: " دراسات في علم اللغة " 64 – 66، و " علم اللغة الاجتماعي " 87، عما أسماه (المسرح اللغوي)، و كتاب د. محمود السعران: علم اللغة " مقدمة للقارئ العربي " 337 – 341.
(34) النبر: يعنى الضغط على مقطع معين من مقاطع الكلمة، فيعطى لهذا المقطع المنبور قدرا من التميز أو الوضوح السمعي، و الذي يحمل بدوره قيمة دلالية كالانفعال أو الاهتمام أو التأكيد … إلخ.
أما التنغيم: فهو نوع من التلوين الصوتي الذي يكسو به المتحدث نطقه للكلمات أو الجمل أو العبارات، فتبدو هابطة النغمة أو عالية أو متوسطة أو طويلة أو قصيرة أو لينة أو خشنة أو رقيقة أو مفخمة … إلخ، الأمر الذي يؤثر تأثيرا مباشرا على معنى الوحدة المصحوبة بنغمة.
وأما الوقف: فهو قطع الصوت آخر الكلمة زمنا ما، أو هو: قطع الكلمة عما بعدها، وهو من الظواهر الصوتية ذات الشأن في توجيه المعنى على مستوى التركيب. انظر: د. محمد حبلص، أثر الوقف على الدلالة التركيبية 15 – 17، 24 دار الثقافة العربية سنة 1414 هـ 1993 م.
(35) معجم علم اللغة النظري، مكتبة لبنان، 259. وانظر: علم اللغة (مقدمة للقارئ العربي) 339.
(36) انظر: د. نايف خرما، أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة 123.
(37) انظر: د. نهاد الموسى، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث 85 – 87 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1 1400هـ 1980م.
(38) التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون 2/125 الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1977م.
(39) مريم 4.
(40) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز 364 ت د. محمد رضوان الداية و د. فايز الداية، مكتبة سعد الدين – دمشق ط 2 سنة 1407 هـ 1987 م.
(41) الجرجاني، دلائل الإعجاز 92.
(42) انظر السابق 99.
(43) انظر د. البدراوي زهران: عالِم اللغة عبد القاهر الجرجاني (المفتنُّ في العربية ونحوها) 238 – 242 دار المعارف – القاهرة ط4 سنة 1987 م.
(44) وهو المبدأ الذي وضعه سيبويه عند حديثه عن جواز تقديم المفعول على الفاعل، فقال: "كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهمُّ لهم وهم ببيانه أعنى، وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم " الكتاب 1/34.
(45) الجرجاني، دلائل الإعجاز 136 – 137.46. السابق 137.47. السابق 169.48. السابق 169–170.
(49) يقصد قوله تعالى ) واسأل القرية ( يوسف 82، وقوله تعالى ) ليس كمثله شيءٌ( الشورى11.
(50) عبد القاهر الجرجاني: كتاب أسرار البلاغة 421 – 422 قرأه و علّق عليه محمود محمد شاكر – مطبعة المدني بالقاهرة ودار المدني بجدة ط 1 سنة 1412 هـ 1991 م.
(51) انظر على سبيل المثال كلامه حول نفى علم المخاطب بالانطلاق في نحو (زيد منطلق)، وعلمه بأن انطلاقا كان في نحو (زيد المنطلق). دلائل الإعجاز 185، و انظر 203، 258.
(52) انظر: أثر السياق في مبنى التركيب ودلالته 73 – 74، وسياق الحال في الدرس الدلالي 9 – 10.
(53) انظر: دراسات في علم اللغة (القسم الثاني) 64 دار المعارف بمصر سنة 1969م.
(54) انظر: أثر السياق في مبنى التركيب ودلالته 74.
(55) انظر: أثر السياق في مبنى التركيب ودلالته 79 – 80.
(56) انظر السابق 86.
(57) د. محمد يوسف حبلص: البحث الدلالي عند الأصوليين 12.
(58) انظر: السابق 54 – 58.
(59) المستصفى من علم الأصول 1/429 المطبعة الأميرية ببولاق ط 1 سنة 1322 هـ.
(60) السابق 1/361.
(61) السابق 1/362.
(62) السابق 2/41 – 42 المطبعة الأميرية ببولاق ط 1 سنة 1324 هـ.
(63) السابق 2/42 – 43.
(64) انظر على سبيل المثال استخدام أبى البركات الأنباري لفظ " الكلام " للدلالة على "السياق اللغوي " في معرض بيانه لحذف أحد عناصر التركيب " لدلالة الكلام عليه " و ذلك في إعرابه لقوله تعالى " وكم أهلكنا قبلهم من قرن " مريم 74، إذ التقدير (كم قرنٍ أهلكنا)، أو " لدلالة الكلام الذي قبله عليه " وذلك في قوله تعالى " يحلّوْن فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا " الحج 23، فقد وجّه النصب في (لؤلؤا) بتقدير فعل، وتقديره (ويعطون لؤلؤا) لدلالة (يحلّوْن) عليه في أول الكلام. البيان في غريب إعراب القرآن، ت د.طه عبد الحميد 2/133، 172 الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1400هـ 1980م.
(65) انظر: علم اللغة الاجتماعي (مدخل) 66 دار الثقافة العربية سنة 1994م.
(66) هو الدكتور فتحي ثابت علم الدين، انظر (أثر السياق في مبنى التركيب ودلالته، دراسة نصّيه من القرآن) 5 - 9 رسالة دكتوراه بكلية الدراسات العربية والإسلامية بالمنيا سنة 1994م.
(67) انظر السابق 60- 62.
(68) نسبه محقق الكتاب للنابغة الذبياني، الكتاب 1/286.
(69) السابق والصفحة.
(70) ومنه قوله تعالى ) انتهوا خيراً لكم ( النساء 171، و (وراءَك أوسَعَ لك)، و (حسبك خيرا لك). انظر الكتاب 1/282.
(71) الكتاب، 1/283 - 284.
(72) انظر: أثر السياق في مبنى التركيب ودلالته 12 – 13.
(73) انظر الكتاب 2/62.
(74) السابق 2/65.
(75) السابق 4/223.
(76) انظر: أثر السياق 11 – 12.
(77) الزمر 73.
(78) البقرة 165.
(79) الأنعام 27.
(80) الكتاب 3/103.
(81) التعليقة على كتاب سيبويه، ت د. عوض القوزي 2/211 ط1 سنة 1412 هـ 1992م
(82) انظر على سبيل المثال، الكتاب 3/102، إذ يتضح أثر غرض المتكلم في شكل التركيب، ودخول الفاء في قولك (الذي يأتيني فله درهمان)؛ لأنه أراد معنى الجزاء وإن لم يجزم.
(83) الكتاب 1/66، و انظر 1/232.
(84) البقرة 135.
(85) الكتاب 1/257.
(86) الكتاب 1/271.
(87) النساء 24.
(88) النساء 23.
(89) الكتاب 1/381.
(90) انظر الكتاب 2/122 – 125، 127. وانظر: دلائل الإعجاز 135 – 136، والبرهان في علوم القرآن للزركشي 3/238، 275 وما بعدها.
(91) الكتاب 1/34.
(92) الكتاب 1/42.
(93) انظر: نظرية النحو العربي 93.
(94) يقصد: تأخير الاسم في نحو قولك: ضربت زيداً.
(95) الكتاب 1/80 – 81.
(96) الخصائص 1/295.
(97) السابق 1/298.
(98) انظر: أثر النحاة في البحث البلاغي 86.
(99) دلائل الإعجاز 136 – 137. وانظر أيضا: البرهان في علوم القرآن 3/233 – 237، حيث أشار إلى أسباب التقديم والتأخير، وجعل منها: عظم المقدّم والاهتمام به، وأن تكون الهمة معقودة به، والاختصاص.
(100) انظر: الأصول البلاغية في كتاب سيبويه 283.
(101) وهو (تدرى)؛ لأنه لو قدّم (تدرى) لعملت في (مَنْ) وصارت في معنى (الذي).
(102) الكتاب 1/120.
(103) انظر: النكت في تفسير كتاب سيبويه 1/252 – 253.
(104) الكتاب 1/120.
(105) انظر: أثر النحاة في البحث البلاغي 81.
(106) انظر: أثر النحاة في البحث البلاغي 82 – 83، والأصول البلاغية في كتاب سيبويه 284 – 285.
(107) ذكر الأستاذ عبد السلام هارون في تحقيقه للكتاب عبارة (فنسبته له) في المتن، وأما في الهامش فذكر أن الوارد في المخطوط الذي يرمز له به (ط) عبارة (فنبّهته له)، وهى العبارة التي أختارها. ومما يدل على صحة ما اخترت تكرار هذه العبارة في كلام سيبويه في مواضع أخرى على ما سيظهر بعد قليل.
(108) الكتاب 1/81.
(109) دلائل الإعجاز 153.
(110) السابق 1/128.
(111) الكتاب 1/252 – 253.
(112) الأنعام 109، وكسر همزة (إنها) قراءة ابن كثير، والبصريان، وخلف. انظر: ابن الجزري، النشر في القراءات العشر 2/261، دار الكتب العلمية - بيروت (د. ت).
(113) الكتاب 3/123.
(114) انظر: التعليقة على كتاب سيبويه 2/235.
(115) انظر: النكت في تفسير كتاب سيبويه 2/766، وذكر المرادي لـ (لعل) اثنتي عشرة لغة، منها (أنّ) انظر الجنى الداني في حروف المعاني 582، وانظر كذلك حول اللغات في (لعل): الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين لأبى البركات الأنباري 1/224 – 225، سنة 1982.
(116) الكتاب 2/220.
(117) النكت في تفسير كتاب سيبويه 1/564.
(118) الاجتهاد: هو بذل الوُسْع والمجهود. انظر اللسان: مادة (جهد)، و " حَلَطَ حَلْطا، وأَحْلَط واحْتَلَط:حَلَف ولَجَّ وغَضِبَ واجتهد … قال الأزهري: و الاحتلاط الاجتهاد " اللسان: مادة (حَلَطَ)، وجاء فيه أيضا: " الرَّنيمُ والترَّنيمُ: تطريب الصوت "و" التَّرَنُّمُ: التطريب والتغنِّي وتحسين الصوت بالتلاوة " اللسان: مادة (رَنَمَ).
(119) الكتاب 2/231.
(120) انظر: الفواصل الصوتية في الكلام و أثرها على المواقع النحوية (دراسة للوقف والسكت) 121.
(121) سمى سيبويه هذا الضرب من السياق " ما يرى من الحال " أو " ما فيه من الحال "، يقصد بذلك " سياق الحال". انظر الكتاب 1/272.
(122) الكتاب 1/48.
(123) السابق نفسه.
(124) السابق 1/93 – 94.
(125) السابق 1/431.
(126) المَحْلُ: الشدَّة، والجوع الشديد وإنْ لم يكن جَدْبٌ، وهو نقيض الخِصْب، وجمعه مُحول وأمحال انظر اللسان مادة (مَحَلَ).
(127) الكتاب 2/69 – 70.
(128) انظر التعليقة 1/263، وانظر، النكت في تفسير كتاب سيبويه، 1/475.
(129) انظر: نظرية النحو العربي 96.
(130) الكتاب 2/73.
(131) السابق 2/61.
(132) انظر الأعلم الشنتمري: النكت في تفسير كتاب سيبويه 1/471.
(133) انظر باب " هذا باب ما ينتصب؛ لأنه حالٌ صار فيها المسئولُ و المسئولُ عنه " الكتاب 1/60 – 61.
(134) انظر د. كمال بشر: علم اللغة الاجتماعي (مدخل) 87.
(135) الكتاب 2/80 – 81، وانظر: شرح كتاب سيبويه للسيرافي ج2 ق 196، والتعليقة 1/264 – 265، والنكت 1/482 – 483.
(136) انظر: نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث 92، والنحو والدلالة 116 – 117.
(137) انظر: د. محمد الريح هاشم: حول كتاب سيبويه 29.
(138) الكتاب 2/78.
(139) السابق 2/78 – 79.
(140) السابق 2/80.
(141) السابق 2/124.
(142) الكتاب 1/244.
(143) السابق نفسه.
(144) انظر: نظرية النحو العربي 95.
(145) الكتاب 1/244.
(146) الكتاب 1/145.
(147) الكتاب 2/130.
(148) انظر: نظرية النحو العربي 90، وانظر: أثر السياق في مبنى التركيب ودلالته 18، وانظر: دلالة الحال و دورها في الدراسات النحوية (رسالة ماجستير بدار العلوم) 9.
(149) د. حلمي خليل: الكلمة (دراسة لغوية و معجمية) 212، الهيئة المصرية العامة للكتاب – فرع الإسكندرية،سنة 1980م.
(150) انظر د. تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها 337، الهيئة المصرية العامة للكتاب ط2 سنة 1979م
(151) انظر: السابق 372.
(152) انظر: النحو والدلالة 115 – 116.
(153) انظر: نظرية النحو العربي 88، 96.
(154) انظر: اللغة العربية معناها ومبناها 16، 17.
(155) انظر: الكتاب 2/80، 124.

مصادر البحث ومراجعه:
1) أثر السياق في مبنى التركيب ودلالته (دراسة نصّيه من القرآن)، الدكتور فتحي ثابت علم الدين، رسالة دكتوراه بكلية الدراسات العربية والإسلامية بالمنيا سنة 1994م.
2) أثر النحاة في البحث البلاغي، للدكتور عبد القادر حسين، دار نهضة مصر - القاهرة، ط سنة 1970 م.
3) أثر الوقف على الدلالة التركيبية، د. محمد حبلص، دار الثقافة العربية، سنة 1414 هـ 1993 م.
4) الأصول البلاغية في كتاب سيبويه وأثرها في البحث البلاغي، للدكتور أحمد سعد محمد، مكتبة الآداب - القاهرة، ط1 سنة 1419 هـ 1999 م.
5) أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، د. نايف خرما، (سلسلة عالم المعرفة)، الكويت ط 2 سنة 1979م.
6) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، لأبي البركات الأنباري ومعه كتاب الانتصاف من الإنصاف، لمحمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة - القاهرة، ط 4، سنة 1961 م.
7) البحث الدلالي عند الأصوليين، للدكتور محمد يوسف حبلص، مكتبة عالم الكتب، ط1 سنة 1411هـ 1991م.
8) البرهان في علوم القرآن، للإمام بدر الدين الزركشي، ت. محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث - القاهرة، د ت.
9) البيان في غريب إعراب القرآن، ت د.طه عبد الحميد، الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1400هـ 1980م.
10) التعليقة على كتاب سيبويه، ت د. عوض القوزي، ط1 سنة 1412 هـ 1992م.
11) حول كتاب سيبويه، للدكتور محمد علي الريح هاشم، مجلة كليت الآداب - جامعة الخرطوم، ع 2، سنة 1975 م.
12) الخصائص، لأبي الفتح عثمان بن جني، ت. محمد علي النجار، عالم الكتب - بيروت، ط3 سنة 1403 هـ 1983 م.
13) دراسات في علم اللغة (القسم الثاني)، د. كمال بشر، دار المعارف بمصر سنة 1969م.
14) دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، ت د. محمد رضوان الداية و د. فايز الداية، مكتبة سعد الدين – دمشق، ط 2 سنة 1407 هـ 1987 م.
15) دلالة الحال ودورها في الدراسات النحوية، لكمال سعد أبو المعاطي، رسالة ماجستير بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة، سنة 1990 م.
16) دلالة السياق وأثرها في الأساليب العربية، دردير محمد أبو السعود، مجلة كلية اللغة العربية بأسيوط، عدد 7، سنة 1407هـ 1987م.
17) دور الكلمة في اللغة، ستيفن أولمان، ترجمة د. كمال بشر، مكتبة الشباب، ط 10 سنة 1986م.
18) سياق الحال في الدرس الدلالي (تحليل وتطبيق)، للدكتور فريد عوض حيدر، مكتبة النهضة المصرية.
19) شرح كتاب سيبويه، لأبي سعيد السيرافي، مخطوط بدار الكتب والوثائق القومية بمصر رقم 137 نحو ش.
20) ظاهرة الترادف بين القدماء والمحدثين، د. أحمد مختار عمر، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، الكويت عدد 6، مج2، ربيع سنة1982.
21) ظاهرة المشترك اللفظي ومشكلة غموض الدلالة للدكتور أحمد نصيف الجنابي، مجلة المجمع العلمي العراقي مج 35، ج 4، محرم 1405 هـ تشرين الأول سنة 1984م.
22) عالِم اللغة عبد القاهر الجرجاني (المفتنُّ في العربية ونحوها)، د. البدراوي زهران، دار المعارف – القاهرة، ط4 سنة 1987 م.
23) علم الدلالة، د. أحمد مختار عمر، عالم الكتب - القاهرة، ط 4 سنة 1993م.
24) علم الدلالة - إطار جديد، ف. ر. بالمر، ت الدكتور صبري إبراهيم السيد، دار المعرفة الجامعية - الإسكندرية، ط سنة 1995 م.
25) علم الدلالة العربي، د. فايز الداية، دار الفكر – دمشق، ط 1 سنة 1405 هـ 1985م.
26) علم اللغة الاجتماعي (مدخل)، د. كمال بشر، دار الثقافة العربية، ط سنة 1994م.
27) علم اللغة - مقدمة للقارئ العربي، للدكتور محمود السعران، دار الفكر العربي.
28) الفواصل الصوتية في الكلام وأثرها على المواقع النحوية - دراسة للوقف والسكت، للدكتور مصطفى النحاس، المجلة العربية للعلوم الإنسانية - الكويت، مج 6، ع 24، سنة (1986م).
29) قرينة السياق، للدكتور تمام حسان، بحث قُدِّم في (الكتاب التذكاري للاحتفال بالعيد المئوي لكلية دار العلوم)، مطبعة عبير للكتاب، سنة (1413هـ-1993م).
30) الكتاب، لأبي بشر عمرو عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه، ت. الأستاذ عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط.3 سنة (1408هـ-1988م).
31) كتاب أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني، قرأه و علّق عليه محمود محمد شاكر – مطبعة المدني بالقاهرة ودار المدني بجدة، ط.1 سنة (1412هـ) (1991م).
32) كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة (1977م).
33) الكلمة (دراسة لغوية و معجمية)، د. حلمي خليل، الهيئة المصرية العامة للكتاب – فرع الإسكندرية،سنة (1980م).
34) لسان العرب لابن منظور، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط2 سنة 1412هـ-1992م.
35) اللغة، لفندريس، ترجمة الدواخلي والقصاص، مكتبة الأنجلو المصرية سنة 1950م.
36) المستصفى من علم الأصول، الإمام أبو حامد الغزالي، المطبعة الأميرية ببولاق ط 1 سنة 1322 هـ.
37) اللغة العربية معناها ومبناها، د. تمام حسان، الهيئة المصرية العامة للكتاب ط2 سنة 1979م.
38) معجم علم اللغة النظري، للدكتور محمد علي الخولي، مكتبة لبنان، ط1 سنة 1982 م.
39) مناهج البحث في اللغة، د. تمام حسان، دار الثقافة – الدار البيضاء، ط 2 سنة 1394 هـ 1974 م.
40) النحو والدلالة (مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي)، الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف، ط 1 القاهرة، سنة 1403هـ 1983م.
41) النشر في القراءات العشر، للحافظ محمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري، دار الكتب العلمية - بيروت، د ت.
42) نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث، د. نهاد الموسى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1 (1400هـ-1980م).
43) النكت في تفسير كتاب سيبويه، لأبي الحجاج يوسف بن سليمان المعروف بالأعلم الشنتمري، ت. زهير عبد المحسن سلطان، منشورات معهد المخطوطات العربية - الكويت، ط، (1407هـ-1987م).

مراجع أجنبية:
1. R. H. Robins: A Short history of Linguistics. Longman’s Linguistics Library، Green and Co LTD. Second impression 1969.
2. J. R. Firth: Papers in Linguistics. London ، Oxford University PRESS ، Amen House ، First edition 1957 ، Reprinted 1958 ، 1961 and 1964.
3. The Meaning of Meaning ، London: Kegan Paul ، Trench ، Trubner. New York: Harcourt ، Brace ، Fourth Edition ، 1936.
4. Geoffrey Leech: Semantics، Penguin Books ، Second Edition ، 1981.
5. J. Lyons: Semantics، Cambridge University PRESS ، London ، First Published 1977.

ليست هناك تعليقات: