الهوية الشخصية

أولاد دراج, المسيلة, Algeria
أستاذ بجامعة محمد بوضياف حاصل على الماجستير في اللسانيات والدراسات المعجمية العربية من المدرسة العليا للإساتذة *ببوزريعة البريد الإلكتروني:sghilous@yahoo.fr

الصفحات

الخميس، أبريل 21، 2011

الباب الأول: الجانب النظري
الفصل الثاني: تعريف الشعرية
تقديم: مفهوم الشعرية
- المقاربة الجينينية للمحكي
1) * الزمن
- الترتيب
- المدة أو السرعة السردية
- المشهد
- التلخيص
- الحذف
- الوقفة
- التواتر
* الصيغة
- المسافة
- التبئير
- الصوت السردي
- الزمن السردي
- المستويات السردية
- وضعية السارد إزاء القصة وإزاء المحكي
- وظائف السارد في المحكي
2) التعالي النصي
أشكال التفاعل النصي
أنواع التعالي النصي
1- التناصية
2- الميتانصية
3- التجاور النصي
4- المعمارية النصية
5- المناصية

تقديم: مفهوم الشعرية La poétique

يكتنف مصطلح “ الشعرية “ الكثير من الالتباس نتيجة تعدد معانيه وتنوع تعريفاته، الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى القول بأن العثور على تعريف موحد لهذا المصطلح هو أشبه بالعثور على"حجر الفلاسفة"[1]
وقد سعى تودوروف Todorov إلى حصر الشعرية في ثلاثة تعريفات، هي:
-1كل نظرية داخلية للأدب.
-2الاختيار الذي يمارسه كاتب ما من بين كل الإمكانيات الأدبية الممكنة ( في إطار النظام الموضوعاتي، ونمظ التركيب، والأسلوب إلخ) وفي هذا السياق يمكننا الحديث عن شعرية هوجو Hugo)
3- السنن أو القوانين المعيارية Codes Normatifs المؤسسة من طرف مدرسة أدبية معينة ومجموع القواعد التطبيقية التي يصبح استعمالها، عندئذ، إجباريا[2] .
غير أن الشعرية ، ستستبعد المعنيين الأخيرين وستحافظ على المعنى الأول.
فالشعرية انطلاقا من الاختيار المعتمد، تقترح إنجاز مقولات تسمح بالقبض، في آن واحد، على وحدة وتنوع كل الأعمال الأدبية وكل عمل فردي لن يكون إلا مساهما في إبراز المقولات، بمعنى أنه لن يصبح إلا مجرد حالة تمثيلية وليس حدا نهائيا.
إن موضوع الشعرية سيكون مؤسسا عن طريق الأعمال المحتملة والأعمال المتحققة على حد سواء يقول تودوروف " ليس العمل الأدبي في حد ذاته هو موضوع الشعرية، فما تستنطقه الشعرية، فما تستنطقه هو خصائص هذا الخطاب النوعي الذي هو الخطاب الأدبي. وكل عمل عندئذ لا يعتبر إلا تجليا لبنية محددة وعامة وإنجازا من إنجازاتها الممكنة. ولكل ذلك فإن هذا العلم لا يعنى بالأدب الحقيقي بل بالأدب الممكن، وبعبارة أخرى يعنى بتلك الخصائص التي تصنع فرادة الحدث الأدبي أي الأدبية" [3].
كما أن الشعرية لا تتوخى التأويل الصحيح للأعمال الأدبية، كعلم للأدب، مع أنها تملك طموحا علميا في التناول "لأن موضوع علم ما ليست هي الوقائع المعزولة وإنما القواعد التي تعمل على تفسيرها"[4] وعليه، فإن الشعرية تتخذ موضوعا لها الوسائل التقنية الكفيلة بتحليل الأعمال الأدبية باعتبارها خطابا أدبيا يؤسس المبدأ الذي يولد عددا لا يحصى من النصوص، إن الشعرية، إذن، مبحث نظري تغذيه الأبحاث التجريبية وتلقحه دون أن تؤسسه، كما تعد مقاربة للأدب "مجردة" "وباطنية" في الآن نفسه" [5].
وبهذا ستكون الشعرية في معناها العام " الدراسة المنهجية التي تقوم على نموذج علم اللغة للأنظمة التي تنطوي عليها النصوص الأدبية، فهدف الشعرية هو دراسة " الأدبية" أو اكتشاف الأنساق الكامنة التي تحدد أدبية النصوص ، واكتشاف الأنساق الكامنة التي توجه القارئ في العملية التي يتفهم بها أدبية هذه النصوص"[6] فهي تسعى إلى البحث عن قوانين الخطاب الأدبي وإلى وضع نظرية عامة مجردة ومحايثة للأدب بوصفه فنا لفظيا" إنها تستنبط القوانين التي يتوجه الخطاب اللغوي بموجبها وجهة أدبية، فهي إذن، تشخص قوانين الأدبية في أي خطاب لغوي" بغية تأسيس علم الأدب، وقد تحقق ذلك نتيجة ازدهار الأبحاث الشكلانية، من جهة، والأبحاث اللسانية، التي قدمت الأدوات اللازمة القادرة على تجنيب التحليل الأدبي السقوط في الأحكام المعيارية، من جهة ثانية[7].
إن الفضل الأكبر يرجع ألى الشكلانيين في تحديد مصطلح الشعرية الحديث، فقد نبهوا إلى أن وظيفة النقد لا تتمثل في الحديث عن الأدب أو النصوص الأدبية الفردية بل عن أدبية هذه النصوص.
كما برهنوا على نجاعة المقاربة المحايثة ودحضوا كل المقاربات الخارجية مبرزين عدم صلاحيتها في العثور على قوانين الخطاب، فليست هناك، أية أهمية لمرجع الخطاب الأدبي ولحياة الكاتب ولظروف إنتاج الخطاب...فالمرجع الأول والأخير هو الخطاب الأدبي فقط.
كما أن علم الأدب، بالنسبة لهم مدعو إلى الاستقلال بموضوعه وإلى تشذيبه من التحليلات النفسية والاجتماعية وغيرها، إذا كان يريد الوصول إلى هذه الأدبية. إلا أن المشكلة تتأتى من كون النص الأدبي يعد مملكة مشاعة بين جميع العلوم الإنسانية، تتقاسمه دون أن تندرج ضمن علوم الأدب، وهذا ما أشار إليه تودوروف حين قال :"إن الشعرية ليست الوحيدة في اتخاذ الأدب موضوعا لها"[8]. مع إشارته إلى أنها قد" تجد في كل علم من هذه العلوم عونا كبيرا ما دامت اللغة جزءا من موضوعها، وستكون العلوم الأخرى التي تعالج الخطاب أقرب أقربائها علما"[9]
والأمر نفسه يؤكده ايخنباوم Eikhenbaum .B حين يقول " إن ما يميزنا في " نظرية المنهج الشكلي La théorie de la methode formelle" هو تلك الرغبة في إبداع علم أدبي مستقل انطلاقا من الصفات الذاتية للأدوات الأدبية(...) لقد طرحنا، وما نزال نطرح كأكيدة أساسية، مبدأ مفاده أن على موضوع Objet العلم الأدبي أن يكون دراسة الخواص النوعية للموضوعات الأدبية التي تميزها عن أي مادة أخرى (...)، ويعطي ياكبسون لهذه الفكرة في " الشعر الروسي الحديث La poésie moderne russe، صيغتها النهائية : إن موضوع العلم الأدبي ليس الأدب بل " الأدبية Literaturnost" أي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا.
ويحدد هذا البحث عن الخواص النوعية موضوعه بتمييزه عن علوم أخرى قريبة منه، وذلك باستخدام مجموعة من الحجج Arguments تتكرر باستمرار في الدراسات التي تنسب نفسها إلى النص"[10].
يظهر، إذن، أن رغبة الشعرية هي وضع تصور منهجي واضح ومضبوط يستطيع الإجابة عن أدبية العمل الأدبي، وتقديم الأدوات الضرورية التي تبعد التحليل الأدبي من السقوط في الارتباك وإصدار الأحكام المعيارية، وذلك باقتراح مجموعة من الصيغ والقرائن التي تفصله عن النقد. وهو ما يشير إليه بارث Barthes بالقول " يمكننا أن نقترح اسم (علم الأدب) أو (الكتابة) لإطلاقه على ذلك الخطاب العام الذي لا يكون موضوعه معنى معينا، وإنما التعدد ذاته لمعاني الأثر الأدبي، واسم (النقد الأدبي) لإطلاقه على ذلك الخطاب الأخر الذي يتجشم صراحة، وعلى مسؤوليته، نية إعطاء الأثر معنى محددا "[11].فالنقد يرتبط بالنصوص الإبداعية، ووظيفته هي وصفها ارتكازا على تحويل اللغة إلى أداة تفسيرية وتقويمية وتوجيهية في الوقت نفسه، الأمر الذي كان يسقطه في أحايين كثيرة في الأوصاف المعيارية المرتبطة بالأحكام القيمية والجمالية الضيقة... وهذه هي الأمور التي تحول دون تحول النقد إلى علم أدبي ينبني على قواعد متينة إلا أن هذا لا يعني ضرورة التخلص منه، مادام أنه يقوم بشرح وتفسير ومقارنة بين مختلف الأنماط الدلالية والأشكال الخطابية واللغوية والجمالية التي تطبع النصوص الأدبية.
في حين، إن الشعرية تتجاوز الأعمال الأدبية سعيا وراء القبض على خصائص الخطاب الأدبي. "بداية، ماتقوم الشعرية بدراسته ليس الشعر أو الأدب وإنما "الشاعرية" و"الأدبية". فليس العمل الفردي هدفا نهائيا في حد ذاته، وإذا ما توفقت عند هذا المؤلف أو ذاك، فما ذاك إلا لكونه يسمح بإظهار خصائص الخطاب الأدبي بشكل جلي. لهذا، فإن الشعرية مدعوة إلى أن لا تدرس الأشكال الأدبية الموجودة سلفا، ولكن أن تدرس مجموعة من الأشكال المفترضة، انطلاقا من الأولى: ما يمكن أن يكونه الأدب أكبر مما هو موجود. الشعرية هي في الآن ذاته أقل وأكثر إلحاحا من النقد: إنها لاتدعي تسمية معنى عمل ما، لأنها تريد أن تكون أكثر صرامة من التفكير النقدي"[12]
ولنا عودة إلى الشكلانية بنوع من التفصيل.
أما الجانب الثاني الذي أسهم في نجاح مشروع تأسيس شعرية لدراسة النص الأدبي، شعره ونثره، فهو اللسانيات التي حققت تحولا جذريا في ميدان الدراسات اللغوية، بوصفها علما صلبا، سعت الدراسات الأدبية إلى اكتساب دقته وصرامته.
فأهمية اللسانيات لا تقتصر على تجديد الدراسات اللغوية فقط، وإنما امتدت لتلج ميدان العلوم الإنسانية بفضل مبادئها وطرائقها في التحليل أو كما قال تودوروف " فقد كانت مدرسة (...) في صرامة الفكر ومنهج الاستدلال ومراسيم المعالجة"[13]
إن اللسانيات تعد عنصرا أساسيا في تغيير وجهات النظر المتبلورة في الشعرية. هذه الأخيرة لم تحقق جدتها إلا بالاستناد على المبادئ اللسانية مستثمرة إياها وموسعة من أطرها. لم يكن هذا التوسيع إلا لضرورة فرضتها طبيعة المعالجة الإجرائية على النصوص الأدبية، حتى تتمكن من الغوص فيها لاكتناه سرها أي شعريتها.
وعليه تكون اللسانيات الجسر الذي عبره الأدب نحو العلمية. ف" بعد أن ظلت تلك العلمية تراوغ المتشيعين لعلمية الأدب والمنادين بها منذ ساد التجريب الفكر العلمي وصل إلى ذروته في القرن العشرين. كان ارتفاع نجم العلم وغلبة المذهب التجريبي قد وضعا النقد والدراسات الأدبية في مأزق حقيقي، بسبب التناقض الأساسي في محاولات تطبيق المنهج التجريبي العلمي على حقيقة أدبية أو شاعرية، لا يمكن قياسها لإثبات صحتها أو كذبها عن طريق الحواس وإعمال العقل، إلى أن بزغ نجم الدراسات اللغوية، فوجد نقاد الأدب فيها وسيلة توفيقية تقضي على ذلك التناقض وتحقق علمية الأدب في نفس الوقت"[14].
يقول آرث بيرمان مؤكدا ذلك " إن اللغويات تضع اللغة في قلب الدراسات العلمية، ومن ثم لم يعد النقد، في محاولته تحقيق حالة العلم، بحاجة إلى الاعتماد على نظرية خارج اللغة، لا على علم النفس أو الاجتماع أو التاريخ أو وضعية القرن التاسع عشر"[15].
وهذا التأكيد يتصادى مع اقتراح جان كوهين J.cohen الذي يرى بأن الشعرية إذا أرادت ان تكون علما فعليها أن تتبنى "المبدأ نفسه الذي أصبحت به اللسانيات علما، وهو مبدأ المحايثة - أي تفسير اللغة باللغة نفسها- وبذلك يكون الفرق بين الشعرية واللسانيات هو أن الشعرية تعالج شكلا من أشكال اللغة أما اللسانيات فتعنى بالقضايا اللغوية عامة" [16].
وهنا يجب التنبيه إلى أن هذه العلاقة لا تربط بين الشعرية واللسانيات بقدر ما تربط بين الأدب واللغة، وبالتالي بين الشعرية وكل علوم اللغة، كما أكد ذلك تودوروف الذي يضيف" وكما أن الشعرية ليست الوحيدة في اتخاذ الأدب موضوعا لها فإن اللسانيات( كما هي حاليا على الأقل ) ليست علم اللغة الوحيد. فموضوعها نمط معين من البنى اللسانية (الصوتية والنحوية والدلالية) دون أنماط أخرى تدرس في نطاق الأنتروبولوجيا أو التحليل النفسي أو في نطاق " فلسفة اللغة"[17]. مضيفا أن الشعرية قد تجد في تلك العلوم عونا كبيرا لها ما دامت اللغة جزءا من موضوعها "وستكون العلوم الأخرى التي تعالج الخطاب أقرب أقربائها علما"[18].
وقد أصبح بوسع الدراسات الإنسانية المتنوعة، جراء ذلك، استثمار طرائق اللسانيات كي تحصل على زاوية نظر جديد: كمنطلق لمعالجة قضاياها الخاصة " ذلك أن الشعرية حقل معرفي يقارب النصوص اللغوية الأمر الذي يجعلها أكثر تماسا مع منهجية اللسانيات، مما يجعل منهجية هذه الأخيرة أكثر نجاعة في تعاملها مع الشعرية"[19]
لقد هيمنت المصطلحات اللسانية على الدراسات الأدبية بشكل كبير جدا" ومنذ الشكلانيين الروس كان التلازم وثيقا بين اللسانيات والأدب "[20] ولا أدل على ذلك من التمييز الذي أقامه بنفنست E.Beneveniste بين الحكي والخطاب اعتمادا على العناصر التي يتميز بها أحدهما عن الآخر "وإن كانا يتكاملان ويتقاطعان معا على صعيد الممارسة التواصلية، حيث سيتأسس انطلاقا من ذلك تصور متكامل حول تحليل الخطاب الروائي والسردي بصفة عامة"[21] ذلك التميز الذي ستتم مناقشته وقراءته بعد ذلك من طرف الكثير من الباحثين، منهم تودوروف Todorov وجينيت Genette وقبلهما الشكلانيون الروس الذين قاموا بالتمييز بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي مع تركيزهم على هذا الأخير الذي ليس في المحصلة النهائية إلا الخطاب Discours.


إشارة وتنبيه:

لأن المشروعات الشعرية المقدمة كثيرة ومتنوعة فإننا سنقوم بعرض مشروع شعري واحد ارتبط بالأعمال السردية، وعمل على استكناه خصوصيات الخطاب الروائي، وزود الدراسات الأدبية بمفاهيم وأدوات تحليلية أظهرت كفايتها وقيمتها الاجرائية في التعامل مع الخطاب الروائي ويتعلق الأمر بمشروع جنيت Genette أساسا.
كما أن تعاملنا مع هذه المنظومة من المفاهيم لن يكون على حساب خصوصية النصوص المقاربة، لأن ما نود القيام به، أساسا، هو التعامل مع هاته النصوص من منطلق الإصغاء إلى نبضاتها، بعيداعن اقتحامها بتلك الترسانة من المفاهيم التي قد تتعالى عن نسق اشتغالها.
لن نعمل، إذن، على البرهنة على نجاعة تلك المفاهيم، في مقاربة النصوص الروائية، فذاك ما أثبتته الكثير من الدراسات، ولكن ما نرومه هو إبراز شعرية النصوص الروائية قيد الدرس، الأمر الذي يفرض على الدارس أن يمنح أذنيه لها والإنصات إلى وجيبها ودبيب حركتها!...


- المقاربة الجينيتية للمحكي:
إن المتتبع لأعمال ج.جينيت G.genette الشعرية لا بدله من أن يلمس التغيير الذي طرأ عليها، فبعد أن كانت أعماله الأولى تنطلق من النص كبنية منغلقة لاستكناه آليات اشتغاله، وبالتالي تحديد المفاهيم العامة التي تمكن من تهيئ المقولات لنموذجه، تلك المقولات التي يستقيم بها كل نص فردي، أصبح اهتمامه منصبا على العبر–نصية ( Transtextualité) أو التعالي النصي، الأمر الذي يجعل النص ينفتح على نصوص موازية له ومتقاطعة فيه...
المقاربة المحايثة في:"Discours du récit":
تجدر الإشارة، أولا، إلى أن جينيت Genette قد أقام تمييزا بين المحكي Récit والخطاب Discours في دراسته الموســومة ب (حدود المحكي frontière du récit) فقد رأى أن الشعرية الكلاسيكية مع أرسطو وأفلاطون قبله تختزل مجال الأدب التمثيلي بجعله مقتصرا على المحاكاة. وهي بذلك تلغي العديد من الخطابات ذات الوظيفة التمثيلية في الشعر لذا يقترح التمييز الذي أقامه بنفنست benveniste بين القصة (histoire) والخطاب (discours) لأنه يمكننا من تجاوز الاختزال الذي طبع الشعرية الكلاسيكية، حيث إن الخطاب سيصبح شاملا للمحاكاة المباشرة لدى أرسطو، وتدخل فيه خطابات الشاعر أو السارد التي تعطى للشخصيات. إن جيرار جينيت كما يلاحظ هنا، ينطلق بدوره من البويطيقا الكلاسيكية ومن تمييز بنفنست.
ترى، ما هي مكونات الخطاب الروائي وخصائصه كما حددها جينيت؟
في مدخل كتابه (خطاب المحكي discours du récit) يثير الباحث المشاكل المرتبطة بمفهوم المحكي Récit، داعيا السرديات إلى الإسهام في حلها. ويرى أنه بالإمكان تقديم ثلاثة تحديدات للمحكي وهي:
في معناه الأول: الخطاب الشفهي أو الكتابي الذي يتكفل بربط حدث أو سلسلة من الأحداث[22]
في معناه الثاني: تتابع أحداث واقعية أو متخيلة تكون موضوع الخطاب[23] وعليه فإن تحليل المحكي" يعني دراسة مجموع الأحداث منظورا إليها في ذاتها .
في معناه الثالث: الحدث والذي يعني أن شخصا ما يحكي شيئا، إنه فعل السرد ذاته [24].
بعد تمييزه بين هذه الاستعمالات، يشير جينيت Genette أن موضوعه هو المحكي في معناه الأول (المحكي كخطاب) غير أن تحليل الخطاب السردي كما يتمثله، يفرض باستمرار دراسة العلاقات، من جهة، بين الخطاب والأحداث التي تروى (المحكي في معناه الثاني)، ومن جهة أخرى، بين الخطاب نفسه والفعل الذي ينتجه "[25](المحكي في معناه الثالث).
ولتجنب أي إبهام أو غموض يسعى إلى تغيير الأسماء المتصلة بالاستعمالات السالفة للمحكي لتصبح ثلاثة وهي:
1- القصة ( Histoire) : المدلول أو المضمون السردي.
2- المحكي (Récit) : الدال أو الملفوظ أو الخطاب أو النص السردي ذاته
3- السرد ( Narration) : الفعل السردي المنتج [26]
ويــقترح جينيت معالجة المحــكي ك " تـوسـع لشــكل لفــظي ( Expansion d'une Forme Verbale) بالمعنى النحوي للكلمة. مميزا بين ثلاثة تحديدات يمكن اختزالها في: الزمن (Temps) والصيغة (mode) والصوت ( Voix) " فالزمن والصيغة يتمان على مستويين للعلاقات بين القصة والحكي، أما الصوت فيتصل في آن بعلاقات السرد والحكي والسرد والقصة "[27] ويمكن تمثيل ذلك بالرسم التالي :

الزمن ---------->
يتمان على مستوى القصة. المحكي
الصيغة------------>

<-------- السرد والمحكي الصوت حول <--------- السرد والقصة[28] وقد رأى جينيت أن الخطاب وحده هو الذي يمكن دراستة وتحليله نصيا "وذلك لسبب بسيط هو أن القصة والسرد لا يمكن أن يوجدا إلا في علاقة مع الحكي. وكذلك الحكي أو الخطاب السردي لا يمكن أن يتم إلا من خلال حكي قصة وإلا فليس سرديا إن الخطاب سردي بسبب علاقته بالقصة التي يحكي، وبسبب علاقته بالسرد الذي يرسله"[29]. 1) * الزمن: إن السؤال المتعلق بزمن المحكي هو: ما هي الصيغ Modalités الزمنية التي نقل إلينا عبرها المحكي؟ وهو سؤال لا يقصد العلاقة بين السرد والقصة، ولكن بين المحكي والقصة. وقد حدد الباحث ثلاثة مستويات وهي: الترتيب (ordre) والمدة durée، والتواتر frequence. - الترتيب: L 'ordre لكي نظهر النظام الزمني للمحكي، يجب أن نقارن نظام تتابع الأحداث في القصة بنظام ظهورها في المحكي. وبما أن المحكي غير خطي، فإنه بالإمكان تسجيل مزيج من الاستباقات والاسترجاعات، ما دامت السلسلتان (القصة والمحكي) غير متلائمتين. إن اللاتلاؤم هذا يسمى اختلالات زمنية أو مفارقات (anachronies). إذ من خلالها تبتدئ مختلف أشكال التفاوت بين الترتيب في القصة والمحكي. علما أن المفارقة ليست وليدة اليوم، فقد عرفها السرد الأدبي الكلاسيكي. إن الحدث المركزي الذي يمكن من ضبط مختلف أنواع الاختلالات بين نوعي الترتيب الزمني (السردي والقصصي) في أي نص يسمى بالمحكي الأول Récit premier ou primaire الذي على ضوئه "يتحدد كل تحريف زمني بوصفه تحريفا".[30]. وانطلاقا من هذا المحكي الأولي ، يمكن إبراز نوعين من المفارقات الزمنية: -1الإرجاع analepse ويعني استرجاع حدث سابق عن الحدث الذي يحكى انطلاقا من كون السارد يعمد إلى إيقاف مجرى تطور أحداثه ، ليعود لاستذكار أحداث ماضية. 2- الاستباق Prolepse: ويعني حكي شئ قبل وقوعه بالنسبة للمحكي الأول، وهو أقل انتشارا من الاسترجاع، ولكنه ليس أقل منه أهمية. والإرجاع كما الاستباق يمكن أن يكونا داخليين أو خارجيين أومختلطين. وفي معرض حديثه عن المفارقات أبرز أنها " يمكن أن تو ضع في الماضي أو المستقبل ، بعيدة بهذا الشكل أو ذاك عن لحظة " الحاضر". وهكذا فالمسافة الزمنية التي تفصل بين فترة في القصة يتوقف فيها الحكي، وفترة في القصة يبدأ فيها الحكي المفارق، هي التي يسميها ب " السعة" ( portée ) ويمكن للمفارقة أن تغطي مدة Durée طويلة أو قصيرة من القصة وهي المدى " amplitude"[31]. إن دور كل من الاسترجاع والاستباق يتمثل أساسا في ملء فجوة (حذف) ellipse في المحكي. وفي هذه الحالة يسميان بالتكميليين completétives، أو تكرار حدث وهنا يسميان تكرارين répétitives، مع الإشارة إلى مختلف آثارهما على المحكي. المدة أو السرعة السردية Durée ou Vitesse narrative وتتمثل، بحسب جينيت، في العلاقة الموجودة بين مدة القصة وطول المحكي. هذه العلاقة التي يطبعها التنوع، وهو ما يقود إلى أنواع مختلفة من المفارقات الزمنية أو التأثيرات الإيقاعية الأمر الذي ينتج عنه المتغيرات الآتية: التلخيص sommaire والوقفة Pause والحذف ellipse والمشهد scéne. المشهد :Scéne حيث يطابق زمن المحكي زمن القصة : ز.م = ز.ق T.R = T.H " ويجب أن نحتاط من مماثلة المشهد باللحظات القوية للعقدة التي يجسد التلخيص لحظتها الضعيفة. فالأحداث الأساسية في الحكاية قد تلخص في بضعة جمل تحيط بمشهد " اصطلاحي" إن المصطلح التقني " مشهد" لايجب أن يعني سوى المعادلة بين ز م = ز.ح"[32] التلخيص:Sommaire وصيغته هي ز.م >ز.ق T.H < T.R حيث تقدم مدة غير محددة من القصة ملخصة بشكل توحي معه بالسرعة، أوهي، كما قال تودوروف:" وحدة من زمن القصة تقابلها وحدة أقل من زمن الكتابة" [33]. الحذف:Ellipse وصيغته هي ز.م = o ز.ق = ن T.H < T.R  n = T.H o= T.R إذن زمن المحكي > زمن القصة.
وينقسم إلى نوعين وهما:
-1حذف محدد ellipse déterminée
-2 حذف غير محدد ellipse indéterminée
كما يمكن أن نميز بين صنفين من الحذف على المستوى الشكلي وهما:
1- الحذف الصريح Ellipse Explicite
2- الحذف الضمني ellipse Implicite
الوقفة:Pause
وصيغتها : ز.م = ن ، ز .ق = o وإذن ز.م <ز.ق T.H > T.R  o = T.H n= T.R
إن الأمر هنا يتعلق بالمقاطع التي تتوقف فيها القصة وتغيب عن الأنظار، في حين، يستمر خطاب السارد وحده.
إن الوقفة تكون حينما يلتجئ السارد إلى الوصف. فالوصف يقتضي، عادة، انقطاع السيرورة الزمنية، ويعطل حركتها،" ومع ذلك فإن الوصف يندمج مجددا في زمن الحكاية (القصة) بمجرد أن يتم التبيئر على الشيء الموصوف، من طرف إحدى الشخصيات، مهما كانت درجة هذا التبئير ضئيلة"[34].
كما أن جينيت من خلال دراسته لرواية "بحثا عن الزمن الضائع" ل " بروست" Proust بين أن أكثر من ثلث مقاطع الوصف الكثيرة فيها لايسبب تعطيلا زمنيا في مسار الأحداث[35].
بين كل نوع وآخر من هذه الأنواع الأربعة السابقة، كل الدرجات الوسطى ممكنة كما أنه من النادر أن تظهر في حالة خالصة: إن المشهد ذا الشكل الحواري قد يتضمن تلخيصا أو حذفا.
التواتر La fréquence
ويقصد به جينيت التكرار بين المحكي والقصة، وينطلق في تحديده من كون الحدث أي حدث" ليس قادرا فقط على أن ينتج : وإنما، أيضا، أن يعاد إنتاجه، أو تكراره: تشرق الشمس كل يوم"[36] وأنواع التواتر التي يضبطها هي:
1 المفردي singulatif: حيث نحكي مرة واحدة ما وقع مرة واحدة أو نحكي س مرة ما حدث س مرة، ولا فرق بين الحالتين)
2 التكراري Répétitif، حيث تحكي خطابات عديدة حدثا واحدا، وقد يكون ذلك من طرف شخصية واحدة أو عدة شخصيات.
3 التكراري المتشابه Itératif حيث نحكي فيه مرة واحدة ما حدث عدة مرات ،وتجدر الإشارة إلى أن الأنواع الثلاثة يمكن أن تتواجد في عمل واحد، مع هيمنة نوع على بقية الأنواع الأخرى. وقد لاحظ الباحث أن " المحكي الكلاسيكي وإلى حدود بلزاك Balzac ، تكون فيه المقاطع التكرارية المتشابهة ، بشكل شبه دائم ، في حالة تبعية وظيفية بالنسبة للمشاهد المفردة (Singulatives) إذ أنها لاتشكل إلا إطارا أو خلفية إخبارية فقط "[37].ولن يحصل التكرار المتشابه على حضوره واستقلاله إلا مع فلوبير Flaubert في رواية (مدام بوفاري Madame Bovary) وبحدة مع مارسيل بروست M.Proust في روايته ( بحثا عن الزمــن الضائع à la recherche du temps perdu)§، وصلت إلى حدود تحول المفردي إلى تكراري متشابه. هاته الرواية التي عدها الباحث "رواية زمن" حيث لاحظ أن لها وعيا خاصا بالزمن" وتلعب معه وبواسطته لعبا جميلا" [38].
* الصيغة Mode :
وتشير إلى مختلف صيغ العرض السردي الهادف إلى ضبط وتنظيم الإخبار ودرجاته، والتي يمكن تصنيفها في نوعين:
® المسافة la distance : وتعني سرد حدث بشكل تقريبي.
® التبئير La focalisation وتعني سرد حدث بحسب منظور معين.
المسافة La distance
في معرض حديث جينيت عن المسافة يخبرنا بأن هذه القضية قد آثارتها الشعرية الكلاسيكية عندما أقامت تمييزا بين المحاكاة Mimésis والمحكي الخالص Diégésis وخاصة أفلاطون Platon في الكتاب الثالث من الجمهورية La republic عندما أقام تعارضا بين صيغتين سرديتين Modes narratifs بحسب كون الشاعر:
أ- يتكلم باسمه بدون أن يدفعنا إلى الاعتقاد بأن آخر هو من يتكلم (وهو ما يسميه بالمحكي الخالص).
ب‌- يجهد نفسه من أجل إيهامنا بأنه ليس هو المتكلم ولكن شخصية ما هي التي تقوم بذلك حين يتعلق الأمر بكلام ملفوظ (وهو ما يسميه بالمحاكاة). " إن المحكي الخالص يمكن اعتباره على مسافة أبعد من المحاكاة ، لأنه يقول الأقل على مستوى الإخبار ولكن بطريقة وسيطية"[39] .
أما أرسطو Aristote فسيقوم بتحييد هذا التعارض، حيث سيعدهما معا تنويعين للمحاكاة، وإن كان هذا الأمر قد تم إهماله من طرف التقليد الكلاسيكي، فإن النقاش حوله من جديد سينبعث من داخل نظرية الرواية، في الولايات المتحدة الأمريكية وأنجلترا أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من طرف " هنري جيمس H. James وأتباعه تحت مصطلحي showing العرض مقابل Telling الحكي. وفي إطار استجلاء مفهوم المسافة ميز الباحث بين:
أ- محكي الأحداث Le récit d' évenéments
ب- محكي الأقوال Le récit de Paroles
 محكي الأحداث :
يقوم أفلاطون بإعادة كتابة مقطع سردي من هو ميروس وذلك بتحويله إلى "محكي خالص" حيث قام بإسقاط ما احتواه من إخبارات زائدة، ومؤشرات وصفية محاكاتية مسهبة. إسقاط ينبني على وعي يرتبط بثنائية، المحاكاة و المحكي الخالص، فما دام "التفصيل غير المفيد والعارض، وهو وسيط الايهام المرجعي بامتياز وبالتالي الأثر المحاكاتي، إذ أنه الموحي بالمحاكاة، فإن أفلاطون، وهو يستعيض بنشاطه الترجمي ، يستبعده باعتباره ملمحا يتنافى والمحكي الخالص"[40]
ويلاحظ جينيت أن هذا لا يلغي المحاكاة أو يؤكدها، لأن مسألة المحاكاة مفهومة بارتباطها بالعصور وتطور التاريخ. فما يفهم في عصر على أنه محاكاة لايعد كذلك في عصر آخر. إن التطور التاريخي يقوم بدور حاسم هنا. فمن المحتمل أن الجمهور المعتاد على الفن الكلاسيكي، والذي يميل إلى التجسيد الراسيني racinienne سيجد في أعماله الحضور المحاكاتي الكثير أكثر من الجمهور المعاصر. ولهذا فإن العناصر Facteurs المحاكاتية النصية الخالصة تعود إلى هذين المعطيين اللذين يحضران ضمنيا في ملاحظات أفلاطون وهما:
أ‌- كمية الإخبار السردي محكي (Récit مطور أو مفصل)
ب‌- غياب ( أو حضور ضعيف) للمخبر أي السارد "[41]
وهما معطيان أنارا المحاكاة، وفي الآن نفسه، المحكي الخالص. وتبعا لذلك فإن كمية الإخبار ودرجة حضور السارد تظهر من خلال المحاكاة (العرض) محددة في درجة قصوى من الإخبار، ودرجة دنيا من حضور المخبر أي السارد. بخلاف المحكي الخالص تماما. إنه يتعارض معهما تعارضا أبرزه الباحث بواسطة الصيغة التالية: الإخبار + المخبر = تضاد.
حيث إن هاته الصيغة تفيد أن كمية الإخبار وحضور المخبر يتعاكسان. كما أن هذا التعريف يشير إلى التحديد الزمني، من جهة، فمن البدهي أن كمية الإخبار القصوى ترتبط بسرعة سردية دنيا، كما أنه يرتبط ب "الصوت Voix أي بدرجة حضور -المحفل السردي –السارد.
 محكي الأقوال :
يشير جينيت إلى الاختلاف الموجود بين خطاب هو ميروس وخطاب أفلاطون في المقطع السالف الذكر، حيث يجد أن خطاب الأول منقولا ، بينما خطاب الثاني مسرودا. وباستعمال الأسلوب غير المباشر Style indirect وإدخال عناصر وسيطية médiatisé... سنحصل على خطاب ثالث هو الخطاب المبدل Transposé. وعلى أساس ذلك يميز بين ثلاثة أنواع من الخطاب وهي:
الخطاب المسرود Le discours narrativisé:
ويمثل، بالطبع، الحالة الأبعد مسافة، وبعامة، الأشد اختزالا. فعوض أن يعيد بطل رواية " البحث عن الزمن الضائع " حواره مع أمه يكتب فقط " أخبرت أمي بقراري الزواج من آلبرتين" لأن الأمر إذا كان يتعلق ب " أفكاره" لا بأقواله يكون " الملفوظ " (énoncé) أكثر اختصارا وأشد قربا من الحدث الخالص: " قررت الزواج من آلبرتين" " ويمكن اعتباره محكي أفكار أو خطابا داخليا مسرودا"[42].
الخطاب المبدل Le discours Transposé:
وفيه يحول كلام الشخصيات إلى الأسلوب غير المباشر: فقد يكون منطوقا" قلت لأمي ينبغي أن أتزوج من آلبرتين" وقد يكون خطابا داخليا :" فكرت بأنه ينبغي، حتما، أن أتزوج من آلبرتين ". فهذا الشكل أكثر محاكاة من الخــطاب المسرود (discouursraconté) لأنه لا يمكن أن يمنح القارئ أي ضمانة، وبخاصة، أي إحساس بالأمانة الحرفية للأقوال المفوه بها حقيقة.
إن هذا الخطاب المبدل يتواصل مع التنويعة المعروفة ب" الأسلوب غير المباشر الحر" ومعروف أن الفعل، في الأسلوب غير المباشر الحر، يحافظ على الصيغ الضميرية والزمنية نفسها للأسلوب غير المباشر. في حين تختفي الصيغة الإسنادية: "قال لي". الأمر الذي قد يولد غموضا مضاعفا:
1- "مابين الخطاب المفوه به والخطاب الداخلي ،ففي ملفوظ من مثل: " ذهبت لملاقاة أمي : ينبغي، حتما، أن أتزوج من آلبرتين " يمكن للجملة الثانية أن تترجم، في الآن ذاته، أفكار "مارسيل Marcel" الذي يذهب لملاقاة أمه، وقوله الموجه إليها.
2- مابين خطاب الشخصية (المفوه به أو الداخلي) وخطاب السارد"[43] مما يدعو إلى اتخاذ موقف الحذر حياله، وذلك عن طريق مراعاة السياق اللفظي.
3- الخطاب المنقول Le discours rapporté وهو الشكل الأكثر محاكاة، الذي قام أفلاطون برفضه لكون السارد يترك فيه الكلام للشخصيات:" قلت لأمي (أو فكرت): يجب حتما أن أتزوج من آلبرتين".
هذا الخطاب المنقول اعتبره أر سطو الشكل السردي " المختلط " mixte" الذي نجده في الملحمة ثم بعد ذلك في الرواية، أما الرواية المعاصرة فستدفع بهاته المحاكاة إلى حدودها القصوى عن طريق محو آخر إمارات المحفل السردي، وإعطاء الكلمة للشخصية. هكذا أصبح المحكي يبتدئ، بدون مزدوجتين، بخطاب مباشر للشخصية من نحو " يجب حتما أن أتزوج من آلبرتين "ويتابع بهذا الشكل، إلى حدود الصفحة الأخيرة، بحسب ترتيب الأفكار، والمدركات والوقائع المنجزة من طرف البطل أو التي ينوء بثقلها. من هنا يجد القارئ نفسه ومنذ الأسطر الأولى مقيما في فكر الشخصية الأساسية، وعن طريق التتابع غير المتقطع لهذا الفكر، والتي تعوض، كليا الشكل المتداول للمحكي، نعرف الذي تقوم به الشخصية وما يحدث لها"[44]
ويدعو الباحث إلى تدوين العلاقة التي تم تجاهلها بعامة، بين الخطاب المباشر Discours immediat والخطاب المنقول، وإلى عدم الخلط بينهما، ذاهبا إلى أن التمييز بينهما يمكن أن يتحقق من خلال حضور أوغياب الصيغة الإسنادية أوالمقدمات البيانية (Intoductions Declaratives). فالخطاب المنقول يتكلم فيه السارد بخطاب الشخصية، أو أن الشخصية هي التي تتكلم فيه بصوت السارد، لذا فإن المحفلين السرديين يختلطان. وفي الخطاب العرضي المباشر ينمحي السارد لتعوضه الشخصية.
بعد أن قمنا باستعراض الخطابات وأنواع أساليبها التي تنقلنا بشكل تدريجي من خطاب السارد إلى خطاب الشخصيات، أي من السرد إلى القصة، سنقوم باستجلاء المستوى الثاني المكون للصيغة والمتمثل في التبئير Focalisation.


التبئير la focalisation
بالنسبة لجنييت يعد المنظور السردي الصيغة الثانية التي تنظم المعلومات الصادرة عن اختيار وجهة نظر محددة أو عدم اختيارها. وتكمن إحدى الإنجازات الأساسية للنموذج الجينيتي في "التمييز الواضح بين مشاكل الصوت ومشاكل الرؤية"[45] والتي تم الخلط بينها في أعمال الباحثيين السابقين عنه، لكن جينيت سيرفضها وسيقترح مفهوم "التبئير" الذي يراه أكثر تجريدا. والتبئير يشير إلى المعرفة أو الإدراك الذي يمتلكه المحفل السردي عن الكون المسرود، ويتحدد انطلاقا من سؤال " من يرى". من هنا نحصل على تقسيم ثلاثي للتبئير:
1اللاتبئير (التبئير الصفر) أو المحكي ذي السارد الكلي المعرفة : حيث السارد N يعرف أكثر مما تعرفه الشخصية P : P > N
2التبئير الداخلي : حيث السارد لايقول إلا ماتعرفه شخــصية معينة P=N
3 التبئير الخارجي: حيث السارد يعرف أقل مما تعرفه الشخصية P < Nويمكن للتئـبير أن يكون:
-ثابتا حول شخصية واحدة .
-متحولا حول مجموعة من الشخصيات .
-متعددا حيث يكون موضوع واحد متعددا بتعدد الشخصيات التي تسترجعه.
ثم ينتقل إلى الحديث عن الخروقات Infractions المنعزلة التي تميز التبئير المهيمن عن طريق إبراز الإخبارات الزائدة أو الناقصة الرابطة بين التبئيرات والقارئ.

الصوت السردي La voix Narratrive :
يجب أن نميز بدقة، السارد عن المؤلف الحقيقي الغائب نهائيا عن النص، أي ذلك الكاتب الذي أعلن بارت عن موته، ليس السارد إلا ذلك المحفل التخييلي instance fictive الممثل في بنية المحكي بالطريقة نفسها للكون المتخيل المعروض من طرف المحكي.
فكما أن الشخصيات يمكن أن يتقلص دورها الوظيفي، مؤقتا، ليصبح بالإمكان وصفها كعوامل Actants كذلك الشأن بالنسبة للسارد الذي ليس إلا صفة أطلقت على من يقوم بدور حكي القصة. بالإضافة إلا أن الفعل اللغوي الباني للتخيل fiction يفرق بين المؤلف والسارد بشكل كبير. إن آثار وتنويعات هذا المحفل التخييلي هو ما ينبغي دراسته في الخطاب المتخيل، أي الزمن السردي، المستويات السردية، والشخصية بالمفهوم اللغوي.


الزمن السردي Le temps narratif :
ويتحدد من خلال العلاقة الموجودة بين الموقف الزمني للسارد والقصة. لهذا يمكن أن يكون السرد:
 لاحقا، Ultérieur وهو الأكثر شيوعا، وفيه تروي القصة بعد اكتمال وقوعها تماما.
 سابقا Antérieure أو استباقيا ويتم قبل بداية القصة.
 مزامنا Simultanée ويتم متزامنا مع القصة مما يوهمنا بانحكائه لحظة الحدث .
إن السرد والقصة يسترسلان سوية مما يظهر حركة سردية ذاتية تزامن وقوع الأحداث وزمن لحظة سردها.
متداخلا intercalée وهو مزيج من السرد اللاحق والسرد المزامن، حينئذ يصبح السرد متقطعا.
يمكن أن نجد في محكي واحد مختلف أنواع السرد وإن بمستويات مختلفة وتأثيرات متنوعة.
المستويات السردية : Les niveaux narratifs
"يتميز مفهوم تودوروف" المحكي المتضمن "Récit enchasse" بميزة الحدس، غير أنه يهمل اختلاف المستوى الذي يفصل بين من يحكي وما يحكى، لكون المحفل السردي لايوجد في المستوى نفسه للقصة المحكية ، وإنما يوجد خارج الكون المسرود، وأساسا، حين يقوم بسرده"[46].
اعتمادا على ما سبق، فإن المحفل السردي للمحكي الأول يسمى خارج - حكائي extradiégétique، في حين، تتحول الشخصيات التي تسرد محكيا فعليا في المحكي أو المحكي الميتاحكائي، من الدرجــة الثانية، إلى سارد داخل – حكائي intradiégétique .
وتجدر الإشارة إلى أن المفاهيم السابقة لاتقوم إلا بتعيين الوظيفة، التي يمكن أن تكون متراكمة ومتعددة Cummulées كما في قصة سارازين Sarrasine حيث يكون ضمير "أنا" هو من يتولى سرد الحفل الراقص Le Bal مما يجعله ساردا خارج الحكي وشخصية حكائية Diégétique في الآن نفسه. إلا أنه حين يقوم بسرد قصة النقاش سارازين، في الغد، للسيدة غوشفيد Rechefide يصبح ساردا داخل الحكي، مما يجعله، بالنتيجة، يحتل طوال السرد الميتاحكائي، محفلين سرديين في الوقت ذاته، إنه يتخيل أنه يسرد - سرد ما يقع للنقاش الشاب، إن القيام بالسرد، هو باستمرار، سرد موجه لشخص آخر، لجمهور ما، أي إلى متلق ، في إطار العملية التواصلية. إن سارد سارازين يتوجه في الآن ذاته إلى مسرود له داخل الحكي هو السيدة الماركيزة التي تقف بينه وبين القارئ كاستمرار للتلقي وإلى مسرود له خارج الحكي، أي إلى قارئ افتراضي الممثل لأفق كل سارد.
الضمير:
إن السؤال الذي يطرح هو : هل هذا الضمير يسند إلى المتكلم، فيكون بذلك المحكي جواني الحكي Homodiegétique ، أم انه يسند إلى ضمير الغائب، فيكون المحكي بالتالي براني الحكي Hétérodiégétique؟
والجواب عنه يضعنا أمام احتمالين، فإما أن تحكى القصة بواسطة شخصية من الشخصيات، وإما بواسطة سارد غائب عن القصة. الأمر الذي يمكننا من التمييز بين نمطين من السرد:
1" سارد غائب عن القصة التي يحكيها، ويسمى المحكي جواني الحكي.
2سارد حاضر في الحكاية التي يحكيها، كشخصية من الشخصيات"[47] ومن الواجب، حسب جينيت، التمييز، على الأقل، بين نوعين داخل النمط الثاني:
1-" نوع يكون فيه السارد هو بطل محكيه.
2 - نوع لا يؤدي فيه السارد إلا دورا ثانويا، حيــث يكون إما شاهدا أو ملاحظا "[48].
ويطلق الباحث على النوع الأول (الذي يقدم الحضور القوي للجواني الحكي) مصطلح الذاتي الحكائي ( Autodiégétique)

وضعية السارد إزاء القصة وإزاء المحكي :
وهي وضعية تتحدد، في الآن ذاته، بالمستوى السردي (خارجي أو داخلي الحكي) وبعلاقتها بالقصة (براني أو جواني الحكي) ، الأمر الذي يسمح بوضع ترسيمة ذات مدخلين تحدد الاحتمالات الأربعة حيث يكون السارد ملازما لإحداها:
1- خارج الحكي - براني الحكي، نموذجه هوميروس الذي يمثل ساردا من الدرجة الأولى، يسرد قصة هو غائب عنها.
2 - خارج الحكي، جواني الحكي : ونموذجه " جيل بلاس Gil Blas الذي يمثل ساردا من الدرجة الأولى يسرد قصته الخاصة.
3 - داخل الحكي، براني الحكي، ونموذجه شهرزاد التي تمثل ساردا من الدرجة الثانية تسرد قصصا هي غائبة عنها، بشكل عام.
داخل الحكي- جواني الحكي- ونموذجه أوليس Vlysse في النشيدين الرابع والسابع والذي يمثل ساردا من الدرجة الثانية يسرد قصته الخاصة.
بعد ذلك، ينتقل جينيت إلى إثبات الوضعيات السردية السابقة في جدول توضيحي، وهو الجدول الذي قام سعيد يقطين بإعادة كتابته بإدخال بعض التعديلات عليه، كتعويض المستوى بالشكل والعلاقة بالصوت مقدما الدليل الذي دفعه إلى القيام بذلك التعديل§

وظائف السارد في المحكي:
قد يبدو غريبا إسناد أدوار أخرى للسارد أي سارد، غير دور السرد، بمعنى القيام بفعل حكي قصة ما، إلا أنه من المعروف بأن خطاب السارد والروائي أو غيره، يمكن أن ينهض بوظائف أخرى، وقد يبدو من الأفيد توزيع هاته الوظائف (التي تكاد تقابل كليا العناصر التواصلية كما هي مثبتة في نظرية التواصل الياكبسوني) بحسب مختلف مظاهر المحكي (بالمعنى الأوسع) التي تطابقها. فما هي هاته الوظائف؟.
-1الوظيفة السردية Narrative الخالصة، والمرتبطة بالمظهر الأول ألا وهو القصة. هاته الوظيفة التي لايمكن للسارد أن يحيد عنها، وإلا فقد صفته كسارد.
-2 وظيفة التنظيم fonction de régie التي تبين العلاقة" الميطاسردية metanarratif المقامة بين السارد والنص السردي من خلال التعليق عليه أو إظهار تنظيمه الداخلي. وقد أطلق جورج بلين G. Blin على ذلك الإشارات التنظيمية (indications de régie) .
3- وظيفة التواصل fonction de communication وهي المرتبطة بالوضعية السردية situation narrative والمرتبطة بعنصرين هما المسرود له، الحاضر أو الغائب أو الافتراضي، والسارد نفسه. إنها وظيفة تعتمد على إثبات التواصل مع المسرود له، أو صيانة أو إقامة حوار معه (واقعي أو خيالي). وتشبه في هذا المجال الوظيفة الانتباهية (phatique) (مراجعة التواصل)، والوظيفة الإفهامية (conative) التأثير في المرسل له كما عند ياكبسون.
4- الوظيفة الاستشهادية (Testimoniale) أو التصريحية الإقرارية attestation والتي تظهر علاقة السارد بذاته. وتقابل في هذا المجال ما أطلق عليه ياكبسون الوظيفة الانفعالية émotive وهي تشير إلى المصدر الذي اعتمد عليه والمنبع الذي استقى منه أخباره أو دقة ذكرياته الخاصة أو المشاعر التي تستيقظ لديه من خلال فقرة. غير أن تدخلات السارد المباشرة أو غير المباشرة في القصة، يمكن أن تأخذ شكل تعليق تعليمي مصرح به، وهنا يتأكد ما يمكن تسميته ب :
5- الوظيفة الايديولوجية fonction idéologique للسارد، مما يتيح له إصدار أحكام عامة حول الإنسان أو المجتمع أو العالم.


2)- التعالي النصي Transtextualité

وتحد بكل ما يجعل النص يدخل في علاقة جلية أو ضمنية بنصوص أخرى. أوهو "التعالي النصي" للنص والذي يحوي مختلف أنواع العلاقة "الظاهرة أو الخفية" التي يقيمها النص مع نصوص أخرى"[49]
والقراءة الآخذة بتلابيب هذا الاتجاه" خصبة للغاية بالمقارنة مع القراءة المحايثة الخالصة، على الأقل، لكونها تقوم بإدماج النص الفردي في الشبكة النصية المرتبط بها. والتي تعمل القراءة المحايثة على عزله منها، بشكل مصطنع"[50].
والتعالي النصي خمسة أنواع اساسية تشكل في مجموعها المظاهر المرتبطة بالأدبية.
وقبل الحديث عن هاته التعالي النصي بشكل مقتضب، يكون من المفيد الإشارة إلى المصطلح الذي استعمل في البداية لإظهار مختلف العلاقات بين النصوص، إنه " التناص Intertextualité على أنه فيما بعد، سيتم ضبط علاقات أخرى تأخذها النصوص ببعضها وسيعطى لكل منها مصطلح خاص دال على خصوصيتها.
وقد طرحت جوليا كريستيفا J. Kristeva مفهوم “ايديولوجيم” باعتباره وظيفة تناصية تتقاطع فيه نصوص عديدة في المجتمع والتاريخ" [51] غير أن هذا المفهوم سيغيبه النسيان لصالح "التناص" الذي سيحل محله. وكانت الباحثة قد أدخلته، إلى جانب الايديولوجيوم، إلى حقل الدراسات الأدبية مستفيدة من ميخائيل باختين M. Bakhtine الذي سماه ب" التفاعل السوسيولفظي". لم يستعمل " باختين مصطلح "التناص" ولكنه أسس له نظريا في كتاباته وخاصة في كتابه " شعرية دوستويفسكي Problemy Poetiki Doostowskavo وتكلم كثيرا عن مصطلح آخر هو الحوارية"[52].
سيتميز التناص بالشمول والعموم باختراقه حقولا معرفية خارج حقل الأدب، بحيث إن أي نص لايمكن أن يخلو منه. وما ذاك إلا لكونه سمة " متعالية عن الزمان والمكان ، بل إنه يرتبط بأي كلام كيفما كان جنسه أو نوعه أو نمطه"[53] .هاته السطوة التي ميزت المفهوم هي التي دفعت لوران جيني L.Jenney إلى القول :" خارج التناص يغدو العمل الأدبي ببساطة غير قابل للإدراك"[54]
إن جزءا أساسيا من"نصية" النص يتجلى من خلال "التناص" كممارسة تبرز لنا عبرها" "قدرة" الكاتب على التفاعل مع نصوص غيره من الكتاب، وعلى " إنتاجه" لنص جديد [55]. ويمكن للتناص أن يتميز بالسكونية الشيء الذي يحافظ على استمرار نوع أدبي ما. ويمكن له أن يتميز بالدينامية الشيء الذي يؤدي إلى خلخلة نوع أدبي ما، حيث يتأسس النص الجديد من خلال علاقة خاصة من التفاعل يأخذها النص اللاحق مع النص السابق.
ويمكن حصر أشكال التفاعل النصي في ثلاثة وهي:
*1 التفاعل النصي العام، حيث نجد أنفسنا أمام علاقة نص الكاتب بنصوص غيره من الكتاب، ويسمى أيضا بالخارجي.
*2التفاعل النصي المقيد حيث نجد أنفسنا أمام علاقة نصوص الكاتب بعضها ببعض. وسمي أيضا بالداخلي.
3*التفاعل النصي الذاتي حيث نجد أنفسنا أمام علاقة نص بذاته، وسمي أيضا التفاعل النصي المكتفي بذاته.
أما العلاقات التي تحيل إليها فهي حسب ل. جيني*:
 علاقة تحقق حيث لايتحقق إلا التكرار.
 علاقة تحويل حيث لا تتحقق إلا تغييرات بسيطة على النصوص السابقة .
 علاقة خرق حيث تعدل النصوص اللاحقة عن النصوص السابقة .
إن الكاتب يكتب نصه تحت تأثير " الهوس الذي يمارسه النص السابق كعقدة أوديبية تدفع المبدع إلى السير على منوال النص الأول أو التمرد عليه[56] كما أن هاته التفاعلات ترتبط بالحوار الذي تقيمه النصوص فيما بينها فلا قدرة للنص على إنتاج تصوره الخاص للأدب إلا باعتماد هذا الحوار.
وللتفاعل النصي "وظيفة ،أو وظائف، تتغير بتغير الذوق الفني،أو الخلفيات النصية بما تحتوي عليه من أبعاد مختلفة جمالية وفكرية وايديولوجية. فإذا كانت" المحاكاة" ترمي إلى تثبيت القيم النصية واستعادتها بهدف إدامتها، فإن "التحويل" تنويع على القيم نفسها لكنه يظل غير قادر على العمل على تغييرها، وذلك ما نجده في " المعارضة"[57] .
والآن ماهي أنواع التعالي النصي؟
1- التناصية intertextualité وهو حضور نص بشكل فعلي أو مضمر، في نص آخر ( الاستشهاد التلميح allusion ، السرقة وماشابه ذلك).
2- الميتانصية metatextualité وهو علاقة التعليق التي تربط نصا بآخر يتحدث عنه دون أن يذكره أحيانا، كما نجده لدى هيجل Hegel في كتابه (ظاهراتية الفكر la phénomologie de l esprit) حيث يستحضر بطريقة تلميحية وصامتة كتاب (le néveu de rameau)[58] إنها علاقة نقد متقنة .
3 - التجاوز النصي Hypertextualité ويكمن في العلاقة التي تجمع النص(ب)كنص لاحق (Hypertexte) بالنص (أ) كنص سابق ( Hypotexte) وهي علاقة تقليد أو محاكاة أو تحويل .
والتحويل إما أن يكون بسيطا أو مباشرا في المحاكاة الساخرة ويسميها جينيت بالتحويل. وإما أن يكون غير مباشر كما في أدب المعارضة ويسميها الباحث بالتقليد"[59] وهذا النموذج يشكل بين النص المحاكى imité والنص المحاكيimitatif محطة وواسطة ضرورية مما لا يوجد في حال التحويل البسيط أو المباشر"[60]
4 - المعمارية النصية Architextualité
وهو النمط الأكثر تجريدا وتضمنا، حيث يشير إلى علاقة النص بمجموع الخصائص العامة أو المتعالية للجنس الذي ينتمي إليه، إنه علاقة بكماء، لاتفصح عنها إلا إشارات مناصية، وتتصل بالنوع (شعر،رواية، مسرحية..) على اعتبار أن التمييز النوعي يتحكم في توجيه أفق انتظار القارئ ومن ثم في استقباله للعمل الأدبي.
5 - المناصية paratextualité ويفيد علاقة النص بمناصاته (العناوين، العناوين الفرعية، المقدمات، الملحقات، التوطئات، التمهيدات، الهوامش، الإهداء، العبارات التوجيهية، الصور...) وهي مناصات تحيط بالنص لتمثيله وجعله متحققا وقابلا للتلقي والاستهلاك.
وقد أفرد الباحث كتابا خاصا بالمناص paratexte سماه بالعتبات seuils، وفيه تحدث عن علاقة النص بعتباته. وماذلك إلا لأنها هي التي تمنح حضورا للنص، وتضمن مثوله في العالم ومن ثم استهلاكه على شكل كتاب على الأقل[61] والملاحظ، يقول جينيت “ إن المناص يتكون من مجموعة شاذة أو غير متجانسة من الممارسات والخطابات المختلفة ومن أي نوع وأي سنن والتي سأجعلها مؤتلفة تحت هذا المفهوم باسم وحدة المصالح، أو تقارب الآثار، والتي تبدو لي أكثر أهمية من تنافر مظاهرها"[62].
وعليه فإن تحديد عنصر مناصي ما يتطلب تحديد موقعه والمرتبط بسؤال (أين؟) وزمن ظهوره، واحتمالا زمن غيابه (متى؟) وصيغة وجوده، اللغوي وغيره (كيف؟) وخاصيات محفل تواصله بين المرسل والمرسل إليه (ممن وإلى من؟) والوظائف تحرك رسالته: (لأية غاية أو لماذا؟)وواضح أن الأسئلة السالفة تحيل إلى الخصائص الآتية: المكانية –الزمانية-الماهية – التداولية- الوظيفية

أ- فالمناص بصفته رسالة مادية يحتاج إلى مكان، فإما أن يكون:
-1 حول النص وفي المكان نفسه للكتاب، من مثل : العنوان والتمهيد أو مدرجة ضمن فجواته من مثل: عناوين الفصول، وبعض الملاحظات. وهو ما سيطلق عليه الباحث مفهوم " النص المحيط Péritexte".
-2 أو خارج النص من مثل: المقابلات أوالاستجوابات أو بعض العناصر ذات الخصوصية من مثل المراسلات والمذكرات الشخصية وغيرها. وهو ما سيطلق عليه الباحث مفهوم النص الفوقي épitexte "
"إن النص المحيط والنص الفوقي سيقتسمان، بشمولية، الحقل الفضائي للمناص: بمعنى آخر، وهو أمر خاص بهواة المعادلات: إن المناص = النص المحيط + النص الفوقي.[63]"
ب- أما بالنسبة للزمن فإنه يرتبط بتاريخ ظهور النص وخاصة طبعته الأولى أو الأصلية. ويمكن أن يتحدد المناص بكونه:
- سابقا يظهر قبل ظهور النص Paratexte antérieur
- متزامنا، يظهر بظهور النص. إنه المناص الأصلي Paratexte Original
- لاحقا أو متأخرا، يظهر بعد ظهور النص Paratexte ultérieure ou tardif.
ويمكن أن يكون إما بعد وفاة الكاتب أو في حياته Posthumes ou authume.(1)
ج- أما بالنسبة للماهية فإن المناصات يمكن أن تكون إما:
* ذات تجليات نصية أو على الأقل لفظية من مثل العناوين والتمهيدات والمقابلات. في الغالب يكون المناص نفسه نصا " فإذا لم يكن هو النص، فهو من النص"[64]
* ذات تجليات ايقونية من مثل الرسومات.
* ذات تجليات مادية مرتبطة بالاختبارات الطباعية، والتي تكون، أحيانا، دالة في تأليف كتاب ما.
* ذات تجليات حديثة، والمرتبطة بحدث معروف من طرف الجمهور، مما يؤثر في تلقيه لها من مثل سن وجنس الكاتب، أو ذات أهمية ضعيفة من مثل انتمائه (الكاتب) إلى أكاديمية ما، أو حصوله على جائزة أدبية، أو ذات أهمية أساسية من مثل حضور سياق مضمر حول النص، يحدد أو يعدل من دلالته. وهو أنواع:
 سياق ذاتي مؤلفي contexte auctorial
 سياق جنسي contexte générique مرتبط بتحديد جنس العمل الأدبي.
 سياق تاريخي contexte historique مرتبط بالعصر الذي ظهر فيه العمل الأدبي.
مما يؤكد، مبدئيا، على أن كل سياق يشكل مناصا.
د- أما بالنسبة للتداولية Pragmatique فإنها تتحدد من خلال خاصيات محفلها ووضعية التواصل من مثل: طبيعة مرسل المرسلة المناصية والمرسل إليه ودرجة سلطة الأول ومسؤوليته، وقوة رسالته Illocutoire التلفظية.
ومن بين المناصات المرتبطة بهذا الجانب ، نجد:
1- المناص المرتبط بالمؤلف ذي المسؤولية الواضحة.
2- المناص المرتبط بالناشر والذي يقتسم مع المؤلف المسؤولية.
3- المناص المرتبط بالجمهور العام وخاصة العنوان والمقابلة.
4- المناص المرتبط بقراء النص سواء أكانوا قراء عاديين أو نقادا أو أصحاب مكتبات، ويظهر ذلك من خلال التمهيد.
5- المناص الخاص أو الشخصي Privé والمتمثل، بشكل خاص، في الرسائل التي يوجهها المؤلف إلى نفسه في شكل مذكرات شخصية أو غيرها. ويظهر أن هذا الجانب يحدد بقوة العلاقة التواصلية الضمنية المقامة تفاعليا بين العناصر المناصية والمتلقي.
أما بالنسبة للوظيفة فإن سؤالها (لماذا) يحدد الوظائف التي تحرك المرسلة على اعتبار أن المناص، بمختلف أشكاله، هو خطاب تابع في خدمة النص الذي يمنحه حقيقة وجوده " إن الوضعية المكانية والزمانية والجوهرية substantielle والتداولية للعنصر المناصي ترتبط باختيار حر، يجري على شبكة عامة وثابتة من الاحتمالات التناوبية حيث يتم تبني واحدة وينفى الباقي" [65] من هنا يكون تحديد الوضعية الوظيفية للعنصر المناصي غير خاضع لهذا الاختيار المقيد، وإنما يكون خاضعا لاختيارات غير مقيدة.



[1] H.Suhamy , la poétique , que sais je ? nº 2311, puf , Paris , 1986 ,P 101
[2] O.Ducrot / T.Todorov , Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, col points , ed, Du seuil, 1972, P:106.
[3] تزفيطات تودوروف، الشعرية، ترجمة : شكري المبخوت ورجاء بن سلامة المعرفة الأدبية ، دار توبقال للنشر، ط الأولى 1987 ص 23.
[4] O.Ducrot / T.Todorov , Dictionnaire encyclopédique des sciences du langage, ibid, P:106.

[5] تزفيطان تودوروف، الشعرية، المرجع السابق ص 23.
[6] رامان سلدت ، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة وتقديم جابر عصفور ،دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع القاهرة ، ط 1 ،1991 ص113
[7] حسن ناظم ، مفاهيم الشعرية، المركز الثقافي العربي، ط الأولى سنة 1994 ص 9
[8] تزفيطان تودوروف الشعرية مرجع سابق ص 27
[9] تزفيطان تودوروف الشعرية مرجع سابق ص 28
[10] مجموعة من الكتاب ، مدخل إلى مفاهيم النقد الأدبي ، ترجمة د رضوان ظاظا، عالم المعرفة عدد 221 مايو 1997 ص ص 215-214.
[11] رولان بارث ، النقد والحقيقة ، ترجمة ابراهيم الخطيب، مجلة الكرمل، عدد 11 س 1984 ص 27
[12] T.Todorov Poétique de la prose m ed du seuil ,PARIS 1971 P 46
[13] -تزقيطان تودوروف الشعرية ، مرجع سابق ص 27
[14] عبد العزيز حمودة : المرايا المحدبة، من البينونة إلى التفكيك، عالم المعرفة ط 1 عدد 232 ابريل 1998 ص ص 108-107
[15] آرث بيرمان اعتمادا على المرجع السابق ص 108.
[16] جان كوهين ن بنية اللغة الشعرية، ترجمة محمد الوالي ومحمد العمري الدار البيضاء دار توبقال للنشر سنة ص 40
[17] تزفيطان تودوروف ، الشعرية ، مرجع سابق ، ص 27
[18] تزفيطان تودوروف ، الشعرية ، مرجع سابق ، ص 28
[19] حسن ناظم ، مفاهيم الشعرية،، دراسة مقارنة في الأصول والمنهج والمفاهيم، مرجع سابق ص 15.
[20] سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي(الزمن السرد-التبئير) المركز الثقافي الطبعة الثانية س 1993. ص 15
[21] المرجع نفسه ص 19
[22] G.genette , figures III Col poétique, ed seuil, Paris , 1972, P71
[23] Ibid,P71
[24] Ibid,P71
[25] Ibid,P72
[26] سعيد يقطينن تحليل الخطاب الروائي، مرجع سابق ص 40 علما أن (Le récit ) عند نا يقابل المحكي ، لا كما عند يقطين الذي يقاابله ب(الحكي)
[27] سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، مرجع سابق ص 41
[28] استفدنا من الترسيمة التي قدمها عبد الله المدغري العلوي في كتابه.Narratologie ,theories et analysesm enonciation du récit , ed : OUKAD ,1989 P58
[29] سعيد يقطين تحليل الخطاب الروائي، مرجع سابق ص 40
[30] G.genette , Figures III O.d.c P 90
[31] سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي ، مرجع سابق ص 77
[32] مجموعة من المؤلفين : نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير ، ترجمة: ناجي مصطفى ن الحوار الأكاديمي والجامعي ط الأولى 1989 ص 126 وهو يترجم Histoire ب حكاية
[33] T.Todorov , et O.Ducrot , Op.cit P 401
[34] مجموعة من المؤلفين ، نظرية السرد، من وجهة النظر إلى التبئير، مرجع سابق ص 127
[35] G.genette , Figure III, Op. Cit P 138
[36] G.Genette , Figure III, Op. Cit P 145
[37] G.Genette , Figure III, Op. Cit P 148
§ انظر المرجع نفسه ص 149
[38] سعيد يقطين ، تحليل الخطاب الروائي، مرجع سابق ص 79
[39] G.Genette , Figure III , Op. Cit P 184
[40] G.Genette ,ibid , P 191
[41] ibid , P 187
[42] G.Genette , ibid ,P 191
[43] G.Genette ,ibid ,P 192
[44] G.Genette ,ibid ,P 193
[45] مجموعة من الباحثين نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير مرجع سابق ص 111
[46] David Fontaine, lapoétique : introduction a la théorie générale des formes littéraires ed NATHAN , université Paris 93 P 53
[47] G.Genette , Figures III Op. Cit P 252
[48] G.Genette , Ibid P 253
§ انظر سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي مرجع سابق ص311
[49] David Fontaine , la poétique, Op. Cit P 114
[50] J.M. Schaeffer : du texte au genre théorie des genres oeuvres collectives éd du seuil , Janvier 1986 P 194
[51] سعيد يقطين : انفتاح النص الروائي النص السياق المركز الثقافي العربي ط 1 1989 ص 93
[52] جيرار جينيت ، ( الأدب في الدرجة الثانية) قراءة وتقديم، المختار حسين،مجلة فكر ونقد السنة الثانية ع 16 فبراير 1999، ص 129.
[53] سعيد يقطين الرواية والتراث السردي من أجل جديد بالثرات المركز الثقافي العربي ط 1 أغسطس 1992 ص 10
[54] لوران جيني : استراتيجيت الشكل، أخذ عن سعيد يقطين، الرواية والثرات السردي مرجع سابق ص 10
[55] سعيد يقطين، الرواية والتراث السردي ص 10
* ل.جيني استراتيجية الشكل أخذا عن سعيد يقطين مرجع مذكور ص 94
[56] المرجع ذاته ص 94
[57] سعيد يقطين ، الرواية والتراث السردي ، مرجع مذكور ص 30
[58] G.Genette ,palimpsestes ,ed seuil 1983 P 10
[59] ibid ,P 11-12-13-14
[60] جيرار جينيت ، اطراس الأدب في الدرجة الثانية مرجع سابق ص 134.
[61] G.Genette ,seuils ed du seuil , fevrier 1987 P7
[62] ibid , P 8
[63] et 2 ibid ,P 11
[64] ibid ,P 12
[65] ibid P P 16-17

ليست هناك تعليقات: