الهوية الشخصية

أولاد دراج, المسيلة, Algeria
أستاذ بجامعة محمد بوضياف حاصل على الماجستير في اللسانيات والدراسات المعجمية العربية من المدرسة العليا للإساتذة *ببوزريعة البريد الإلكتروني:sghilous@yahoo.fr

الصفحات

الأربعاء، أبريل 20، 2011

ثقافـــة الآخـــر:
من الرّفض إلى المواجهة
تأليف: جان- لوي كوردونييه





المعادلة هي الإلحاق
في علم الترجمة، هناك دعاةٌ يشجّعون نزعة التمركز على العرق. وهذا ما سنعاينُه بصدد مقالة نشرتها المجلة الكندية META (بقلم رومني: 1984)، وهذه المقالة تهتمُّ بترجمة التضمينات( ) الثقافية، في قصة: "أليس في بلاد العجائب". ويدرسُ كاتب المقالة، من بين النصوص الفرنسية الموجودة التي تقارب الأربعين، سبعة نصوص، نُشرت بين عامي 1869 و1976. أما حديثنا هنا فلا يتمثل في أن نقدم بدورنا نقداً لتلك النصوص المختلفة، بل في تبيان الكيفية التي تؤدي بالإطار التحليلي الذي يضع مؤلف المقالة نفسه فيه، إلى الوقوع في نطاق الانغلاق.
إن ك.رومني يعدد تسع مشكلات ثقافية، أي أنه يعدِّد، في واقع الأمر، تضمينات ثقافية بريطانية بنوع خاص، وهي تشكل صعوبات في الترجمة، وهذه الصعوبات هي: 1-"أن جنسية شخوص كتاب معين يجري تعرُّفُها عموماً من خلال الأسماء التي تحملها". 2-"وثمة دليل آخر يتيح للقارئ أن يعرف جنسية الشخوص هو، بدهياً، اللغة التي تتكلمها". 3-"التلميحات إلى تاريخ انكلترا والذي لا يعرفه القراء الفرنسيون معرفة حسنة". 4-"التلميحات الجغرافية". 5-"التلميحات إلى طرائق التعليم". 6-"الطعام". 7-"بعض التلميحات النادرة إلى النظام السياسي والقضائي". 8-"التعابير الاستعارية والأمثال". 9-"الأغاني وهدهدات الأطفال أي: Nursery Rymes".( )
نرى في هذه القائمة حالاً أن "تلميحات" هي الكلمة المفتاحية. فمشكلة الضمني بكاملها، وهي المشكلة الجوهرية فيما يخص إشكالية ترجمة الثافة، هي التي تُطرح هنا في واقع الأمر. ولسوف يتعين علينا أن نرجع إلى هذه المسألة. وبانتظار ذلك الحين، لنلاحظ أن ك.رومني يحذرنا، بدءاً من مدخله، من تعذر اكتشاف الآخر في العمق: "عدم الفهم هذا، وهذه الحيرة التي يثيرها الكتاب تصدر جزئياً عن الأساس الثقافي الذي يستخدم كحبكة لمغامرات الصبيّة (...). وفي بعض الأحيان لا يفهم القارئ الفرنسي التلميحات، ويلقى نفسه غارقاً في جوٍّ لا ترتبط عناصره بعالمه الخاص به، (الموضع نفسه، ص: 267). وإذا ما رددنا عبارة ج. لادميرال، نجد، منذ البدء هنا "اعتراضاً استباقياً" (لادميرال، 1979، الصفحات 76- 85، وما تلاهما) على ترجمة الثقافة: فثقافة الآخر تظلُّ حبيسةً في أجوائه الداخلية. وحين تصل إلى ذاتنا( ) فهي تصيبُها بالحيرة، بسبب طابعها الأجنبي. إن مقالة ك. رومني تتيح لنا أن نفهم حول أية محاور تُبنى الممارسة المتمركزة على العرق؛ فهناك، أولاً، هاجس "القارئ"، ثم البحث عن "المعادلات" الفرنسية التي يمكنها أن تتوافق مع التضمينات الثقافية الأجنبية، أو، على الأصح، أن تحل محلها، ثم تجابهنا المشكلة التي مفادها أن المرجعيات الثقافية ليس لها "القيمة" ذاتها بالفرنسية، وبالانكليزية. (مثال: الفكرة التي نكوّنها عن زيلاندة الجديدة مختلفة، من هذه الجهة أو تلك من بحر المانش)؛ وهناك أخيراً رفضٌ "للغرابة".
وإذا ما حكمنا على الأمر، انطلاقاً من التجديدات العديدة التي يشكل تحليل ترجمات "أليس" موضوعها؛ فإن القارئ، سواء كان انكليزياً أم فرنسياً، يكوّن نقطة رجوع مفتاحية للمحاجة؛ فالأمر يتعلق بقارئ أسطوري وليس محدداً على الإطلاق. إنه يضع نفسه في ثنائية لا يمكن تبسيطها تقريباً؛ فإما أن يكون هذا القارئ بريطانياً؛ فيكون الوصول إلى النص مضموناً بالنسبة إليه، على نحو طبيعي، أو أن يكون فرنسياً، أو ناطقاً بالفرنسية، فلا يتمكن من أن يفهم التلميحات التي ترجع إلى عالم ليس عالمه. إن القارئ يتحدد، قبل كل شيء آخر، من خلال انتمائه الوطني. إن الاعتراض الاستباقي يرتكز على معيار الغرابة البسيط، ويدل على انغلاق ثقافي يتعذر إصلاحه. وهو طابع الهوية الذي لا يمكن تخطيه. إن ملاءمة هذا المعيار، معيار القارئ الوطني المبهم الذي نحتمي به في كل آن، والذي يستخدم في تسويغ الإلحاق، تبدو واهنة، في حقيقة الأمر، وعديمة التأثير، فيما يخص الترجمة، نظراً لأن هناك نماذج عديدة من القراء، كما هناك مستويات من القراءة؛ بما في ذلك الحالة الأخيرة، وداخل الفئة الاجتماعية ذاتها، أو في تاريخ الفرد نفسه. ونتيجة لذلك، فإذا ما أردنا أن نترجم من أجل قارئ ما؛ فلا بد أولاً من أن نحدد على أي شيء يرتكز هذا القارئ، من الوجهة السوسيولوجية، وبماذا يتميز عن القراء الآخرين. إن هذا المسعى يفترض، والحالة هذه، أنه يمكن لعدد من الترجمات، أو الاقتباسات، على الأصح، أن تُقابل عملاً أجنبياً بقدر ما هناك من قراء يلاقيهم هذا العمل( ). وهذا ما يشكك بهذا العمل نفسه باعتباره عملاً. وقد ينحل هذا العمل إلى كثرة من الترجمات المستندة بالضرورة على "الاقتباس" من أجل هذا الجمهور أو ذاك، وانطلاقاً من تلك اللحظة، قد يجد المرء أنه، حسب رأينا، لم يعد في إطار الترجمة بمعناها الحقيقي، وكما نفهمها، بل في إطار الإسهاب، والشرح، والترجمة الحرة، أو التعليق على العمل. إننا نعلم، والحالة هذه أن الاقتباس يقود إلى تدمير النص، وإلى إلحاقه. إضافة إلى أن تصوراً كهذا يبدو لنا غير وافٍ بالغرض، حين نعلم أن مترجماً معيناً لا يتحكم بمصير ترجمته، وأن هذه الترجمة، شأنها شأن العمل نفسه، تنتقل من فرد إلى آخر، دون أن تأخذ باعتبارها الاختلافات السوسيولوجية. إن عملاً ما ليس نتاجاً نهيئه تبعاً لمزاج الجمهور، ولم يعد كذلك الآن، انطلاقاً من اللحظة التي نضع فيها الترجمة في إطار بعيد عن المركزية؛ فالأمر يدور إذن على ترجمة هذا العمل باعتباره عملاً، وفي إظهار الذات الكاتبة في هذا العمل؛ ففي تقديرنا، ليس المعيار هو هذا القارئ أو ذاك، بل النص. فحين كتب لويس كارول: "أليس في بلاد العجائب" كان يفكر بالأطفال من غير شك. إلا أن الجدير بالملاحظة هو أن نص كارول يصل إلى العالمية، من خلال نوعية إبداعه. وهذا ما يتعين على الترجمة أن تظهره. إن هذا الإبداع يندرج طبعاً في ثقافة الآخر، وهذا ما ينبغي أيضاً إظهاره في الترجمة، وينبغي أن تقابل عملاً معيناً ترجمة تكون هي أيضاً عملاً معيناً.
من جهته، يخضع التمركز على العرق الترجمة، إلى الفكرة التي يكونها عن الحدود بمواجهة الثقافة الأجنبية، وعن القدرة التأويلية لجمهورها. وبكلمات أخرى، بمواجهة إمكاناتها لتلقي النص، وهذا ما يسميه هـ. ر. جوس (1978) "أفق التوقع". غير أنه فيما يقوم المتلقي، في نظر جوس، بمسعىً معين ليمضي إلى لقاء النص، فيغدو فاعلاً إلى حد ما، يعتبر متلقي النص المترجم، في نظر التمركز على العرق، وكأنه يمتلك قدرة تأويلية محدودة للغاية، فيما يتعلق بمستويي الأفق التوقعي. وبناء على ذلك، في المستوى الأول، مستوى العمل، فإن التمركز على العرق يحرص على أن يؤمن للمتلقي قدرة كبيرة على القراءة، تمر عبر تشويه النص، كما أشرنا إلى ذلك في الفصل السابق، بصدد ترجمة هيدغر. ثم إنه، في المستوى الثاني، مستوى الجمهور، يأخذ بحسبانه جهل الجمهور ويستخدم معادلات، بدلاً من أن يعرض له ثقافة الآخر. وحين يُدخل التمركز على العرق تمايزاً بين مختلف الجماهير؛ فذلك بهدف تعديل درجة التكييف في ترجمته. أي أنه يضَع نفسه بشكل لا يعوَّض في منظور الإلحاق: "ينبغي للمترجم، في واقع الأمر، وفي الكثير من الحالات، أن يقرر إن كان يتعين عليه أن يترك الإحالات إلى مختلف الجوانب الثقافية التي يصادفها على حالها، أو أن ينقلها من خلال تبليده لها". ولسوف يرتبط اختياره إلى حد كبير بالجمهور" الذي يوجّه ترجمته إليه. فإذا كانت هذه الترجمة موجهة إلى أطفال؛ يحتمل أن تحتوي قدراً أكبر من التكييفات الثقافية. إن الصفة الوطنية للمؤلف تعطل إلى الحد الأقصى. (رومني: 1984، ص: 267).
وإليكم بعض الأمثلة التي توضح هذه الممارسة، إن رومني يعتبر، بصدد "المشكلة الثقافية" المتعلقة بجنسية الشخوص، أنه من غير المناسب أن يجري تغييرها، نظراً لأن هذه الشخوص "تنتمي بصورةٍ جلية إلى ثقافة أجنبية" (كذا) (في الموضع نفسه، ص: 270). ويوصي، والحالة هذه، بإدخال "ملاحظة استهلالية" لإعلام القارئ. إن مجرد طرح احتمال كهذا للنظر في حرمان الشخوص من جنسيتها يبعث بالأحرى على الذهول. ثم إن ك. رومني، في إطار ما يسميه "التلميحات إلى طرائق التعليم" يلاحظ أن الأطفال البريطانيين يستظهرون دروسهم، وأيديهم متصالبة على ركبهم، وهذا ما تفعله أليس حين تستظهر:
How doth the little busy bee?( )
أما الأطفال الفرنسيون، من ناحيتهم، فهم يصالبون أذرعهم. وك. رومني يتفق في الرأي مع المترجمين الذين يجعلون أليس تصالب ذراعيها، أي الذين جعلوا منها طفلة فرنسية: "إنهم على حق في ذلك تماماً؛ فالتلميحات غير المباشرة إلى طرائق التعليم هي التي كان من المناسب تكييفها، أما التلميحات المباشرة، من مثل تلك التلميحات إلى الكتب المدرسية، فهي على درجة كافية من الوضوح" (المرجع السابق، ص: 272)، وهنالك أيضاً "المشكلة الثقافية" التي تشكلها "العبارات المزينة بالصور". وفي نهاية الفصل السادس، يخبر القط أليس أنه يمكنها أن تزور، إذا شاءت، شخصيتين غريبتين تسكنان المنطقة، أولاهما شخصية صانع القبعات (Hatter)( )، ثم أرنب آذار البري: (March Hare)( ) واللذان يذكرّ اسماهما بالتعبيرين: Mad as a Hatter أي: مجنون مثل صانع قبعات. إن ك. رومني يشير لنا بأن صانعي القبعات قد كانوا يصالبون بهلاوس وارتعاشات، لأنهم كانوا يتسممون شيئاً فشيئاً بالزئبق الذي يستخدمونه في صناعة اللباد، والأرنب البري يصير مجنوناً في آذار، لأنه فصل التزاوج؛ فبعد أن تلقت أليس الإيضاحات من القط، تقرر الذهاب لرؤية ارنب آذار البري. وهذا هو التبرير الذي تسوّغ به قرارها:
“The march Hare will be much the more interesting, and perhaps as this is May, it won’t be raving mad- at least not as mas as it was in March” المرجع السابق ص: 277.( )
أي: "أن أرنب آذار البري سيكون أكثر إثارة للاهتمام بكثير، وبما أننا في شهر أيار، فهو لن يكون مجنوناً ينبغي حجزه- على أية حال، لن يكون مجنوناً بقدر ما كان في آذار.".
إن كاتب مقالتنا يرى أن "القارئ الفرنسي سوف يسيء فهم الإيضاح الذي تقدمه أليس" (في الموضع نفسه)، وهو يوافق في هذه الحالة المترجم الذي حذف بكل بساطة الذريعة الثانية في جملة أليس. ويجد أن محاكمة أليس في النصوص الأخرى سوف تكون مجردة من المعنى (...) (الموضع نفسه). إن هذين المثالين يحددان مقدار العلاقة المتبادلة الموجودة بين التخلي عن إظهار الآخر، وحجة تعذر الترجمة، لكون هذا التعذر ليس مطلقاً ونهائياً، بل مرتبطاً بأسلوب الترجمة العرقية النزعة؛ فلا يمكن للذات، في النتيجة، أن تصور "أليساً" بريطانية، وهي تستظهر دروسها، ويداها متصالبتان على ركبتها؟ ثم أليس للأرنب البري الذي يعيش في فرنسا فصل تزاوج في شهر آذار أيضاً؟ أما التعبير "مجنون مثل أرنب بري في شهر آذار (بالانكليزية)، فيكفي أن نقدمه في الحاشية، أو من خلال تفسير إيضاحي، أي باختصار، إلى جانب النص.
إن المحور الثاني الذي تجري فيه ممارسة الإلحاق هو محور البحث عن المكافئات، والذي يتمثل دوره في أن يحل محل التضمينات الثقافية الأجنبية، وبما أن تجربة الحياة مختلفة على نحو محسوس، وعلى نحو مفرط أحياناً، من ثقافة إلى أخرى؛ فإن نزعة التمركز على العرق تجهد لكي تحقق المستحيل، أي أن تقيم التعادل وهو: الموضع الآخر الذي يعشش فيه تعذر الترجمة وهكذا، فإننا نجد، في كتاب ل. كارول: "إشارات إلى تاريخ انكلترا"، ويدور الأمر فيه مثلاً على غليوم الفاتح، دوق النورماندي الذي تسنّم عرش انكلترا. ويفترض أن تكون هذه الحوادث غير معروفة بشكل جيد للقارئ الفرنسي، وهذا ما يطرح مشكلة بالنسبة للمترجم، لا سيما وأن "غليوم" الغازي الذي غدا ملكاً ليس له "مكافئ دقيق" في حوليات فرنسا" (كذا) (الموضع نفسه ص: 270). وفي موضع آخر، فإن أليس "تلمح إلى طريقة في التعليم" من خلال طرحها لسؤال على الفأرة بالفرنسية: "أين قطتي؟" ويدور الأمر، في الواقع، على الجملة الأولى لكتاب أليس في اللغة الفرنسية، وكما تشير إليه القصة فيما بعد، فإن ك. رومني يأسف لأنه لم يكن ممكناً أن يُستبدل بهذه الجملة معادل مستمد من كتاب مدرسي فرنسي لتعليم الانكليزية." (الموضع نفسه- ص: 271-272) ويشير إلى أن المترجمين الذين صنعوا من أليس طفلة فرنسية يجعلونها تلفظ هذا السؤال باللغة الانكليزية، وحتى أن أحدهم يجعل أليس تفترض أنها تجد نفسها بمواجهة فأرة أجنبية وتطرح عليها السؤال بالإيطالية! وفي مجال "المشكلة الثقافية المتعلقة بالطعام"، فإن الأمثلة كثيرة بالطبع فالـ... tea( ) (...) ليس له معادل دقيق في الفرنسية (الموضع نفسه). وفي لحظة من اللحظات، تجد أليس قارورة تحتوي مواداً مختلطة، و"الانطباع التذوقي الناتج عن القارورة التي تجدها أليس (...) لا يمكن أن يكون ذاته في الفرنسية، وفي الانكليزية، بما أن مواد الخليط ليست واحدة.". (الموضع ذاته)، وقد يمكننا، بطبيعة الحال، أن نطيل هذه القائمة على ذلك النحو لفترة طويلة، ولكن هذا يكفي بصورة وافرة لكي نتمكن من أن ندرك أنه يراد وضع الذات في إهاب الآخر، من خلال هذه المعادِلات، في الوقت نفسه الذي يعتبر فيه هذا الإهاب هو إهاب الذات نفسه؛ فليس من المدهش حينذاك أن يضايق هذا بعض الشيء، وان يتعين بتر كل ما يتخطى الحدود.
أما عن التمركز على الذات، ونحن نصل هنا إلى المحور الثالث للممارسة الإلحاقية؛ فإن الآخر يتبدى معانداً، وبرغم كل الاهتمام الذي يولاه الإعداد، فإن التعادل ينتهي دوماً إلى أن تمحي معالمه، كما هي الحال بالنسبة "لترجمات المصطلحات التي تدل على وجبات الطعام، والمأكولات (وهي الترجمة التي) تثير غالباً مشكلات، لأنه ليس هناك معادل دقيق من لغة إلى أخرى، أو لأن لهذه المصطلحات قيمة مختلفة نابعة عن عادات الطعام المختلفة في البلدين (الموضع نفسه ص: 575)، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالتلميحات إلى شخصية غليوم الفاتح التي أوردناها قبل قليل؛ فليس لها "القيمة" ذاتها بالفرنسية والانكليزية. إن "القيمة" بالمعنى الذي يستخدمه بها ك. رومني، تأتي، والحالة هذه، لتكمل نظام التكافؤ. وإننا نجد هذا النظام برمته مندرجاً في اللغة. إنه يتوخى مطابقة عدد من اللغات، وأن يجعلها متطابقة فيما بينها. ويتوخى بالصورة ذاتها، أن تتوافق الثقافات فيما بينها، ويأتي تعذر الترجمة ليسوغ نواقص النظام.
والمحور الرابع لهذا التصور للترجمة يشكله رفض الغرابة الذي، من خلال إخضاعه صورة الآخر للذات، يزعجه في عاداته السلفية؛ وهكذا، فإن الأسماء الأولى للشقيقات الثلاث التي تظهر في الكتاب وهي: إلسي، ولاسي، وتيلي، قد تغيرت أحياناً؛ لأن هذه الأسماء الأولى، والاسمين الأخيرين خصوصاً، تتعرض بلا ريب لخطر أن تظهر كأسماء شاذة، في سياق فرنسي." (الموضع نفسه، ص: 268). وكذلك، فإن شخصية أخرى، وهي "الأب ويليام" تصبح، بصورة طبيعية: غليوم، وهو "المعادل الفرنسي لوليام" في معظم الترجمات فيما يسميه مترجمان "الأب ويليام" وهي تسمية تشي بالأصل الأجنبي للرجل الطيب" (الموضع ذاته)، وأخيراً، فلكي نصل من ذلك إلى مسألة الغذاء، فإن الشاي الانكليزي يشكل ايضاً بالنسبة لرومني صعوبة في الترجمة، فالـ.. tea بالنسبة للأطفال، والحيوانات الانكليزية، هو وجبة المساء، بكل بساطة. وهذا هو السبب في أن أليس تقول في نفسها وهي تفكر بقطتها دينا: "آمل أن يتذكّروا صحن الحليب (الذي تتناوله) في وقت طعام المساء tea time؟ إن الترجمات التي تحتفظ بـ"ساعة الشاي" (...) تبين بوضوح أن للقصة أصلاً أجنبياً، لأنه ما من قطةٍ فرنسية تتناول حليبها في وقت الشاي، ومن الطبيعي أكثر أن تشرب دينا حليبها في فترة "العشاء": Le gouter (...) (الموضع نفسه: ص: 274).
يمكن لسذاجة هذا التصور أن تبعث على الابتسام، وأن تجعل المرء يهز كتفيه باستهزاء، وهذا لا يمنع أن يكون هذا التصور مقبولاً دائماً. وهو تصور خطير، بسبب "طابعه السَّلفي"، أي بممارسته لعزل الثقافات، وبإخلاصه المقرر سلفاً للذات، وبممارسته للغيرية التي هي غيرية تكوين الأمم التي انتمت من قبل إلى التاريخ. إنه تصوُّرٌ خطير أيضاً بسب ضلاله تجاه مهمة "العلومية" المعاصرة. إنه يعزل الثقافات في الجهل المتبادل، بدلاً من أن يقابلها، من خلال الكشف الواضح للفروق فيما بينها، ومن أن يقربها من خلال مهمة تكوين نزعة إنسانية كوكبية؛ فهناك مجال إذن وضرورة لممارسة نقد ابتلاع الأجنبي في الترجمات، ويمر هذا النقد بمعاينة الضمني في اللغة، ثم بمعاينة النزعة الحوارية بين الثقافات، والبينصوصية، وأخيراً، الخيانة، وتعذر الترجمة.
الترجمة والثقافة
الضمني والترجمة
إن أول ما يشكل جزءاً من الضمني في الترجمة هو المترجم. إنه متلاشٍ؛ فيترجم ويختفي، وقد تسمر في أسطورة الشفافية، وتوافق الثقافات. إنه راسخ، لأن خلفه قروناً عديدة من الممارسة. وبمجرد أن تُنجز الترجمة، وأن يظن المترجم أنه قد نجح، يبتعد على رأس أصابع قدميه، ويكتب اسمه بحروف صغيرة، ويترك القارئ حينذاك بمواجهة المؤلف. ينبغي أن نقول فعلاً: "إنه يترك..." لأن الناشر ليس وحده المسؤول في هذه القضية، فإذا ما أراد المترجم أن يظهر مجدداً، من خلال وميض النص، فلا يتعين عليه أن يكتفي بتفويض أمره لإرادة الناشر الطيبة فحسب، وإلى مساعي الدولة الحميدة، وإلى توزيع الجوائز.( ) بل ينبغي له أيضاً أن يدير بنفسه نقد الشفافية، ينبغي له أن يؤكد موقعه تأكيداً عالياً وقوياً.
بانتظار ذلك، فإن المواجهة بين القارئ والمؤلف تستمر في الترجمة. وفي الوقت نفسه، فإن التمركز على العرق يكتب النصوص كتابة مخالفة، ويصل إلى تلك المفارقة التي تظن فيها الذات أنها تقرأ في الترجمة، المؤلِّف الذي هو الغريب؛ فيما لا تقدم إليها إلا صورته الخاصة به.
وهكذا يختفي المترجم من المسرح الاجتماعي مقابل لا شيء. واليوم، يطلب المترجم العودة إلى مسرح التاريخ، إلا أن نجاح هذا المشروع مرتبط بتطور النقد، انطلاقاً من نقد التكافؤ وقد كان هذا النقد موضوع تنظير في سنوات الستينيات على يد أ. أ. نيدا (1964) وأ. أ. نيداوش. ر. تابير (1971). وانتشرت في الممارسة انتشاراً واسعاً.( )
إن هذين المؤلفين يعارضان بين أسلوبين للترجمة: الأول منهما، هو الأسلوب التقليدي والذي يشجبانه، ويتمثل في ترجمة الدلالة، وإظهار ثقافة الآخر، وهذا ما يسميانه: "التوافق الشكلي". إنهما يعارضان هذا بطريقة جديدة، وهي "التكافؤ المتحرك (الدينامي)" الذي يتمسك بشكل البلاغ أقل مما يتمسك بردود فعل المتلقين؛ فالترجمة إنما تتم، والحالة هذه، من أجل القارئ حقاً. ويجري السعي لكي يتكون لديه الفهم نفسه ورد الفعل نفسه الذي يتكون لدى قارئ النص الأصلي. أما تعدد نماذج القراء، ومستويات القراءة، فإن القارئ "المتوسط" هو الذي يعنينا هنا، على مستوى النص الأصلي، كما على مستوى النص المترجم. إن الترجمة تتمثل في إعادة صياغة البلاغة، تبعاً لقالب و"عبقرية" لغة الترجمة، وبفضل معادلات تمنح النص المترجم طابعاً طبيعياً بدلاً من أن تجعل المرء يستشف الطابع الأجنبي لهذا النص. إن الأولية تعطى بوضوح للمعنى وللغة، ولا تضع الترجمة لنفسها هدفاً أن تجعل خطاب الآخر يُبرق؛ فهذا الخطاب خاضع للغة الترجمة ولا يؤخذ الشكل والأسلوب بالحسبان إلا في المقام الأخير، إذا كان التكافؤ يتيح ذلك.
وفي مجال الجِدَّة، يجد المرء نفسه دوماً في نطاق الإلحاقية. وقد رأينا، في الحقيقة ما تعطيه هذه التصورات المطبقة على إشكالية الثقافة. إن مقالة ك. رومني تحتوي، في النتيجة، عناصر نظرية "المعادلة الدينامية" جميعها وهي: إقامة قارئ أسطوري على مرقى، والبحث عن مكافئات ثقافية، بالإضافة إلى المشكلة الملحقة لقيمة هذه المكافئات التي تختلف من ثقافة إلى أخرى، ورفض الطابع الأجنبي. ويتكلم ك. رومني في خاتمة مقالته عن طابع أجنبي آخر، أي عن ذلك الذي يبرز، لدى قراءة الترجمات المختلفة، من تعدد المكافئات، ويلوم المترجمين الذين يجابهون، والحق يقال، صعوبات كبيرة، على "افتقارهم إلى الطريقة"؛ فمن المؤكد أن النزعة التجريبية القومية المنحى التي لا تفعل فعلها في إطار مناقبية معينة، تعطينا مشهداً حزيناً ومؤسفاً عن الثقافة الأجنبية، ومن جهة أخرى، فهي تصطدم باستمرار بتعذر الترجمة الذي ينتصب أمامه، في كل لحظة، ويدله على أن الطريق لا مخرج لها. ولكنه لا يرى ذلك.
فيما يتعلق "بالتلميحات الثقافية" أي الضمني في اللغة، ينبغي حقاً أن يفهم المرء أنها ليست ملحوظة بالضرورة دائماً، ضمن الثقافة ذاتها. وحين تكون الحال كذلك، فهي تلحظ بصورة، تفريقية، تبعاً لتاريخ كل فرد. ثمة قدر من الضمني في الكلام، سواء كان ذلك ناجماً عن رغبة في تقليب السر، أو كان يتوافق مع جلاء الخبرة الموزعة، والتي يفترض أن تكون مشتركة بين كافة أعضاء جماعة معينة. إن الوصول إلى الضمني يختلف في الوقت ذاته الذي يتقدم فيه الزمن؛ فعلى الصعيد التعاقبي، يكون للقارئ البريطاني الذي يتصفح بسرعة اليوم: Alice in the Wonderland إدراكٌ لهذه "التلميحات" الشهيرة مختلف عن إدراك قارئ ذلك العصر. وما من شيء يدعو إلى الأسف في ذلك؛ فمن ناحية، لأنه يمكن دوماً أن يقوم المرء بقراءة حاذقة بالرجوع إلى النصوص الاختصاصية، ومن ناحية أخرى، لأن المشكلة ليست ههنا؛ وما يمكننا أن نقوله اليوم هو أنه قد جرى الإقرار باعتبار هذا الكتاب عملاً أدبياً. إن الصفة العالمية هي التي نراها فيه، زمانياً ومكانياً، وليس النص الذي تجمد في عصره. ويمكن أن نقول بالطبع الأمر نفسه عن كل مؤلف قد بلغ نصه وضع عمل أدبي، عن شكسبير، وغوته، وراسين، ودانتي، وأفلاطون، وسيرفانتس، وعن "ألف ليلة وليلة"، وألماهابهاراتا، الخ. والأمر ذاته بالطبع، على الصعيد التزامني؛ فالعمل الأدبي المعاصر في حالة وجود لغة هي ثقافة عالمية، له قراءات ممكنة عديدة جداً، ليس في بلد الكاتب الأصلية فحسب، بل أيضاً في كل مكان، في الكوكب، والذي تروج فيه هذه اللغة باعتبارها لغة طبيعية، وهذا ما يدل على بطلان الترجمة بالنسبة لقارئ واحد.
إن الكفاءة الثقافية لفرد معين، في قلب مجموعته الاجتماعية الخاصة، تبدأ من أولى سنوات حداثته. إنها ليست فطرية، وتكتسب شيئاً فشيئاً، من خلال الاتصالات المتكررة بالمحيط الاجتماعي. إن كل شيء يجري كما لو أن طبقات مخلتفة كانت تتشكل خلال وجوده، وأثناء طفولته خصوصاً. وكل واحدة من هذه الطبقات تحمل خصائص ثقافية، ويغطي بعضها البعض الآخر رويداً رويداً. وهذا ما يجعل بعض السمات الثقافية تغرق في اللاشعور. ولقد أوضح ا. ت. هول جيداً هذا الطابع غير الواعي للثقافة، والذي يجعل العلاقات ما بين الثقافات تغدو صعبة بصورة خاصة. وهذا ما يدفعه إلى القول: "أظن أن علاقاتنا مع البلدان الأجنبية تصطدم "بالجهل" الذي نحن فيه للتواصل ما بين الثقافات. (هول 1948 ص: 14) أما ج. زارات التي تتحدث عن أشكال اكتساب الكفاءة الثقافية في اللغةا لأم،. فهي ترى أن "هناك نوعاً من فقدان للذاكرة (...) (وأنه) ليس هناك عملياً ذكريات لمعارف ثقافية وسيطة (زارات 1983، ص: 36)، فهناك إذن، إلى جانب الضمني الواعي الذي يحضر إلى ذهني في لحظة التواصل، ضمني غير واع يلعب، على هذا النحو، ومن غير علم فيه، دوراً أولياً في علاقات الغيرية، لأنه، بناء على هذا الضمني المطبوع بصفة توافقية بين أعضاء الجماعة الواحدة، ومن بين ضمنيات أخرى، إنما يبنى الاعتباط في ثقافة ما؛ فمن جهة يقام هذا الاعتباط غالباً باعتباره شمولية، ويتضمن رغبة في السيطرة لصيقة به. ومن جهة أخرى فمن خلاله تزاول ثقافة ما إدراكها الخاص للآخر، من خلال "موشور مشوه" كما تقول ج. زارات أيضاً. (المرجع السابق).
إن مشكلةا لترجمة هي في أنها تجد نفسها بمواجهة الضمني عند الآخر؛ وبعبارات ثقافية نقول إنه بقدر ما تبتعد لغة هذا الآخر عن لغة الذات أكثر، بقدر ما يكون للضمني فرص أكبر ليكون كبيراً، وبقدر ما يظهر في هذه الحالة مختلفاً اختلافاً جذرياً، في درجة قصوى من درجات الغرابة. فضلاً عن ذلك، وهذا أمر أساسي، هو أن الضمني لدى الآخر يرتكز على توافق "يتعين على الذات أن تبحث عن مفاتيحه. لأن المعيش الثقافي ليس واحداً من جماعة إلى أخرى؛ ولا شيء يمكن أن يحل محله، حين لا يكون موجوداً، باستثناء خبرة الاتصالات المتكررة ربما، وبصورة منقوصة إلى حد كبير أيضاً. إن مهنة المترجم تتمثل في أن يصبح ممتلكاً لهذه المفاتيح، هذا إذا لم يكن قد امتلكها من قبل، وأن يضعها بصورة معينة، من خلال ترجمته، وإلى جانبها، أن يضعها تحت تصرف القراء بحيث يمكن لهؤلاء أن يصلوا إلى الضمني لدى الآخر، والذي هو أحد الممرات الإجبارية لاستشفاف هويته واختلافه. إن هذا الضمني الخاص بكل ثقافة ليس أمراً طبيعياً، بالنسبة لكل فرد آتٍ من الخارج، لأنه، بطبيعة الحال، عرضة لتبدلات هامة، هنا وهناك. وهذا ما يوحي به لنا أ. ت. هال، بأوضح قدر ممكن، إذ يقول: "إن الإنسان ذاته تبرمجه الثقافة بصورة مسهبة، إلى حد كبير جداً. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما استطاع أن يتكلم، وأن يتصرف؛ فهذه الفعاليات تقتضي وقتاً مفرطاً؛ وفي كل مرة يتكلم فيها فعلاً، لا ينطق إلا بقسم من البلاغ. أما الباقي فيكمله المستمع. إن قسماً كبيراً مما لم يقل يجري التسليم به ضمناً "غير أن محتوى البلاغ الضمني يتنوع تبعاً للثقافات" (هال، 1971، الصفحة: 131). وفي هذا الوضع، فإن المسألة تُطرح حول الإفصاح عن الضمني لدى الأجنبي، أو حول عدم الإفصاح عنه. وهناك حل يتمثل بالتذرية، أي برد الفعل بلا انقطاع، حسب الصعوبات التي تُلاقى. وهذا "الافتقار إلى الطريقة" هو الذي استُحضر بصدد ترجمات Alice in Wonderland المختلفة. وفي واقع الأمر، فمن أجل ترجمة الأعمال الأدبية، ليس هناك سوى موقفين متماسكين. وكان ف. شليرماخر قد أشار إليهما منذ زمن طويل، في عام 1883: "فإما أن يدع المترجمُ الكاتبَ وشأنه إلى أكبر حد ممكن، ويجعل القارئَ يمضي للقائه (شليرماخر 1985، ص: 299)، وبعبارات أخرى، إما أن يراعي المترجم المؤلف الأجنبي إلى الحد الأقصى، ويتمركز في كشف النقاب عن الآخر، ويمارس "الترجمة الملائمة"، أو يعطي الأفضلية لنظام الاستقبال، ويروق له انغلاق الذات. إنه يقتبس المؤلَّف الأجنبي، ويمارس، في هذه الحالة، "الترجمة الدينامية" (شوفريل، 1998) ص: 19- ونحن نعلم أن ف. شليرماخر قد اختار من غير التباس الحل الأول، وهذا ما يمكن أن يكون عليه موقف الابتعاد عن المركز.
ليست الترجمة هي الكتابة
إن ما ينبغي أن نراه في المقام الأول هو أن "الضمني" ليس سمة لصيقة بالترجمة ذاتها، باعتبارها كذلك، بل اللغة كلها. وفي واقع الأمر، فإن الضمني داخل اللغة- الثقافة نفسها- يُبنى على مستويات متعددة؛ فهناك ضمني يخترق الجماعة بكليتها. وهو مشترك بين كافة أعضائها، إلا أن هناك أيضاً ضمنياً محصوراً بمجموعات ضيقة، وهو يطرح مشكلات في التواصل، داخل جماعة معينة، وكل واحد سيعلم أنه ليس من السهل إطلاقاً بالنسبة للفرد مسبقاً أن يندمج في مجموعة قد تشكلت من قبل، ولها تاريخها الخاص بها، (كالأيام الأولى في مقر العمل، واللحظات الأولى حين يصل المرء متأخراً إلى سهرة معينة كانت لها قصتها، ومثل الضيق الذي يحس به المرء حين يلقى نفسه في مجموعة ذات وضع اجتماعي شديد الاختلاف، الخ..)، ومن جهة أخرى، حين نرغب في أن نصل إلى نص ليس مألوفاً لدينا، نجد أننا نواجه صعوبة أليمة، وانطباعاً شديداً بالغرابة. وهذا ما يحدث حتماً للجاهل، حين يقرأ دراسة في علم الأثاث، أو مقالة متخصصة في مجال معين، أو رواية، أو قصيدة طليعية. إن شعور الغرابة الذي أستشعره أمام أي نص من هذه النصوص يتناسب بالضبط مع حالة معارفي، وخبرتي في هذا المجال. وحسب هذه الحالة، فإن مستويات عدة للقراءة ممكنة؛ فإذا ما رغبت في أن أقترب أكثر من مستوى معرفة المؤلف، ينبغي لي أن أردم ما يفصل بيننا، أي أن أكمل مستوى معرفتي، وهذا ما سيتيح لي أن أوضح الضمني في النص الموجود، أو غير الموجود- في وجدان المؤلف.
إن الترجمة فعالية خاصة في اللغة طبعاً، لأنها تتحكم على نحو معين بعلاقات الغيرية، بقدر ما تتحكم بها هذه العلاقات من ناحية أخرى. ولا بد أن نعتبر بأن نصاً قد تم إنتاجه في حضن ثقافة معينة يتضمن مقداراً من الضمني الثقافي، يفترض أنه يخترق الجماعة في جملتها أو جزءاً من هذه الجماعة وحسب بحيث يتعرف أعضاؤها أنفسهم فيه. وحين يجري الإلماح إلى الأجنبي، فإن ذلك يجري على الأغلب، على الأساس الذي تكوّنه هذه الجماعة عن الأجنبي، وبكلمات أخرى، على أساس وجهة نظرها الخاصة، وليس وجهة نظر الآخر. إن النصوص يحيل بعضها إلى البعض الآخر، على أساس توافق واسع. وهذا لا يعني أن هذا التوافق لا يمكن أن يتحطم في بعض الأوقات؛ فالمطلوب حينذاك أن يجري تحطيم وتهديم ما هو موجود. كما سعى السورياليون لأن يفعلوا مثلاً. أو مثل الكاتب الأرجنتيني ج. كورتازار الذي سعى إلى ابتكار لغة جديدة لكي يطرح الأسئلة على الحضارة اليهودية المسيحية. ولهذا فهو يفكر "بأنه ينبغي البدء بتدمير القوالب، والأماكن العامة، والأحكام الفكرية المسبقة، وفي موضع أبعد من ذلك، بصدد روايته "ماريل" يقول: "إنها ضربٌ من محاولة تنظيف عامة للغة، قبل استخدام جديد لها.". (كورتازار 1986، ص: 136-152)، وعلى ذلك، فالغرابة موجودة أيضاً في الذات، إنها شاملة.
إن خصوصية الترجمة هي في أنها تجلب، على نحو ما، ثقافة الذات، وهذا ما يمكن أن نستشعره باعتباره دخيلاً."؛ فتحت تصرُّف الترجمة أداة هي لغة- ثقافة ليست مصممة من حيث المبدأ لكي تستورد الآخر وتقوله، ولكنها تجد نفسها، برغم كل شيء، مصوغة على يد الممارسة الترجمية. إن التمركز على العرق الذي يمارس المعادلة، يتصور بسذاجة أنه سيطابق بين لغة الانطلاق ولغة الوصول، وفضلاً عن أن النصوص هي التي تجري ترجمتها، يتضح أن هذا التطابق وهم، وأن اللغة- الثقافة عند الآخر تبدو معوجة؛ فهناك قسم منها يتمرد دوماً، ويقاوم التجريبية وهناك، في اللغات، طابع يتعذر بسببه تحول إحداها إلى الأخرى. وهذا ما يتبينه ر. غاليسون بصدد دراسته حول الثقافة التي تختبئ خلف الكلمات: "إن الفرضية القائلة بأن كل ما يعبر في لغة معينة، يمكن أن يعبر في لغة أخرى، وأنه نتيجة لذلك، كافة أعمال النقل الثقافية ممكنة، تظل مبدأ عمل مفيداً في ممارسة الترجمة. إنما لا شيء أكثر من ذلك. إن المحترفين في اللغة يعلمون جيداً بأن اللغة رقم "2" بالنسبة للغة رقم "1" تبرز دوماً "نقاط عجز" تجعلها غير صالحة لإرجاع ما تنقله اللغة رقم 1، بصورة كاملة"( ). ونحن نؤثر شخصياً أن نقول إن لغة الثقافة لدى الذات لم تخلق لأجل هذا، على أن نتكلم على "نقاط العجز"، وعلى التضمين الذي ينتقص من قيمتها من غير طائل، كما برهنا على ذلك بصورة مسهبة، في القسم الأول من كتابنا. أما اليوم، "فقد آن الأوان لكي تفيد أيضاً في ذلك النقل".
إن المترجم يجد نفسه في وضع عالم الإناسة الذي يغدو فيه "عدم اكتمال المعرفة العرقية الإناسية شرط إمكانها ذاته. إن إجراءات التحقق عن طريق الحوار ما بين الذاتيات سوف تكون مليئة دوماً بالثغرات، وغير نهائية، وقابلة للدحض. ومقابل هذا النقص في المعرفة، إنما يمكن لعلم الإناسة أن يستمر في البقاء. إن الكلام على الآخر لا يمكن أن يجري من غير عقاب." (أميزغان 1987، ص: 217). إن الترجمة محاطة بالطابع نفسه وهو: "التقريب" فيما يخص الثقافة (لادميرال 1979، ص: 75).
فيمكن للمترجم أن يعرض الثقافة الأجنبية، ولكنه لا يستطيع أن يحل الترجمة محل المعيش التاريخي والثقافي للآخر. وعلى مستوى الثقافة، يمكن للترجمة أن تكون هي أيضاً "ملأى بالثغرات، وغير نهائية، وقابلة للطعن عليها" إن وجود هذا التقريب الثقافي يجعل "ترجمة لغة إلى لغة أخرى لا يتمثل فقط في إقامة تكافؤات في المعنى، بل تتمثل على الخصوص في عرض ضروب التعذر في النقل نفسها، من نظام ثقافي إلى آخر (أميزغان 87، ص: 187) وهذا ما تبينه أيضاً ترجمة كلاستر (1974) "لأساطير وأناشيد الهنود الغواراني المقدسة، والتي سوف نشير إليها في هذا الفصل في موضع أبعد بقليل. إن عدم الاكتمال أو التقريب في الترجمة هما مسافة الغير نفسها. وهذا القطاع من تعذر التحويل هو الشرط الذي يمكن للآخر بحسبه أن يواصل الوجود. وليس من الضروري في النتيجة أن آخذ الأمر معي بكليته، ولا أن أضيعه في كليتي الخاصة لكي أفهمه، ولكي أعيش في العالم معه. وبهذا الصدد، فقد طالب الكاتب الأنتيلي ا. غليسّان تماماً بالانغلاق وهو يستمد من خبرة الترجمة اقتراحاً هو: "أن نعارض بشفافيةِ النماذج المفروضة، اللاشفافية المفتوحة لألوان من الوجود غير قابلة للتحول (غليسان 1993، ص: 28). إن التقريب هنا معيش باعتباره ضرورة، وقطاعاً لحماية التنوع، والتعزيز الواعي والمقصود للتسامح. وفي أية حال، فلا يمكن للترجمة إذن أن تكون نسخة مطابقة. وفي نظر غليسان ليست الترجمة تحويلاً إلى شفافية أخرى، ولا جمعاً بين نظامين من الشفافية (الموضع السابق) وإذا ما قلنا ذلك، فإنه يتعين على الترجمة أن تظهر موضوع الكتابة في النص بوسائلها الخاصة. أي أن تواجهها لغة لم تهذب جيداً، من أجل ذلك، وفي الوقت نفسه، فهي كذلك بمواجهة الضمني لدى الآخر. ومن هنا تأتي نتيجتان أوليتان لممارستها؛ فمن خلال عملها على الخطاب، تسحق وتصوغ وتغني اللغة- الثقافة، لغة الذات. إنها تدخل الغرابة والطابع الأجنبي، ومن جهة أخرى، ولسوف نعود إلى ذلك، فإذا ما ابتغت أن يكون تعذر التحويل تقريبياً فقط، فعليها أن تكشف النقاب، أو تحاول أن تكشف النقاب عن الضمني الثقافي الأجنبي. ولا يجب أن ننسى ذلك، في إطار مناقبية معينة إن كل ذلك يضع الترجمة في موضعها. الترجمة التي ليست الكتابة، بأي حال؛ فأن نترجم معناه أن نعيد الكتابة، وهذا يعني أنه يمكن أن يكون هناك أيضاً، في بعض الحالات، إعادة لكتابة الضمني عند الآخر.
الترجمة والبينصوصية
هناك نزوع مفرط لتحميل الترجمة مسؤولية التباس اللغة وعدم اكتمالها، والخلط بين الخيانة ونقص اللغة، ويكون المترجمون حينذاك هم أكباش الفداء. وهذا ما يراه أيضاً ج. أ. غولدشميت: "وإذا ما كانت الخيانة جوهر كل لغة ذاته، وإذا ما كان "عدم كفايتها" هو غايتها نفسها، ومسوغ وجودها؟". وفي موضع أبعد يقول: "وإلى المترجمين، إنما نعزو ذلك نفسه، والذي هو مسوغ وجود اللغة، أعني: عدم الكفاية، وعدم الاكتمال. (غولدشميت، 1984، ص: 78-84). التي شدد عليها المؤلف). إن اللغة، والحالة هذه، ثقافة، والثقافة لغة. وفي تاريخهما إنما ينبغي أن ينعقد ما تتعذر ترجمته. وينبغي أن تنحل ذريعة الخيانة الزائفة، على الأقل فيما يتعلق بإمكان الترجمة. لأن ألوان مقاومة الترجمة تكشف عن حالة الحوار ما بين الثقافات. وبقدر ما يكون هذا الحوار حاداً، بقدر ما ينكشف النقاب الذي يفصلنا عن الضمني، وبقدر ما تتراجع ألوان مقاومة الترجمة. إن الترجمة تحكم التردد على الآخر، بقدر ما هي محكومة على يده.
إن الترجمة غير المتمركزة على العرق تجلب الغرابة، من خلال عملها على الخطاب، والأصداء التي تصدر عنه على مستوى اللغة. وهذه الغرابة مؤلمة للذات، لأنها تجعلها تدرك حقيقة وجهها الخاص. وهذا ما معناه أنها تشكك بطبيعتها الاعتباطية وبطموحها إلى العالمية وحدها. إن الترجمة- الكشف إذ تحطم هذه المرآة الزائفة تستثير الدهشة، وحتى الذهول، وهذا هو السبب في أن ترجمة الإنيادة لكلوسوفسكي (فيرجيل، 1969) تستدعي ردود فعل مفعمة بالانفعالات. وكما يوصي بيرمان، وفي تلك الفترة الانتقالية التي نمر بها، هذا هو السبب في أنه لا بد من "تربية على الغرابة" حقيقية (بيرمان 1985، ص: 86).
بالنسبة للأطفال أولاً، لقد رأينا فيما سبق، بصدد ترجمة "أليس في بلاد العجائب" كيف تجري حماية هؤلاء الأطفال الذين عزلهم الانغلاق، وينظر إليهم باعتبارهم كائنات هشة لا يمكنها أن تفهم، وينبغي بالنتيجة أن تُنحى عن العلاقات مع الغير. وكيف؟ عن طريق الاقتباس الذي هو الكلمة الرائدة في مجال الترجمة للشباب. ولقد نشرت دفاتر Ceruley (1985) سلسلة من المقالات تبين بعض منها بوضوح الغموض الموجود اليوم بين الترجمة والاقتباس فيما يخص أدب الأطفال وغالباً جداً ما يجد المرء نفسه أمام بتر للنص الأصلي؛ من مثل إزالة التضمينات الأجنبية، والنصوص المقطوعة، والمحولة، والمرتبة، ومن غير أن يجري تحديد هذا الأمر بدقة، طالما أن الطفل ليس دوماً على دراية من أنه يجد نفسه أمام نص كامل حقاً، أو اقتباس حر تقريباً، أو محاكاة. فضلاً عن ذلك، وإلى جانب الفرنَسة عن طريق تحطيم الآخر، يبدو أننا نشهد مصادرة إيديولوجية وهو ما يسميه د. إيسكاربيت تلاعباً، أثناء تحليله للحكاية العجيبة: "من خلال رغبة في التبسيط، فإن نوعية العمل الأصلي- بنيته وكتابته الشفوية أو الأدبية قد جرى تدميرها. إن رغبة تعليمية- تربوية أو أخلاقية النزعة- قد هاجمت المحتوى. إن القوة الطبيعية للحكايات التقليدية قد أُضعِفت وصولاً إلى الملاطفة المفعمة بالحنو. إن المرجعيات السياسية والثقافية والاجتماعية التي كانت في كل عصر، تجعل العالم الأسطوري، عالم الحكايات العجيبة، راهناً، قد أخلت مكانها تدريجياً للقوالب النموذجية، الثقافية والاجتماعية (...)، ويمكن للمرء أن يتساءل فيما إذا كان تجديد الحكاية العجيبة التي يجري التلاعب بها هكذا، ليس أداة سياسية ضمن السياق العالمي الحالي. إن القارئ اليافع اليوم، من جراء نقص في مرجعياته السياسية والثقافية سيغدو راشداً ليس له رأي، وفكر احتجاجي (إيسكاربيت 1985، ص: 201).
إن النقد قاس، ولكنه على قياس اتساع ظاهرة الإلحاق تماماً. فضلاً عن ذلك، فإن د. إيسكاربيت يذكر البعد السياسي للمسألة. إن للغيرية في الواقع مداخلها ومخارجها السياسية للمسألة. وعندما نذكر الانفتاح، فنحن مدركون للبعد الذي يوجهه. إن ما نراه في الآخر هو إغناء محتمل، قبل التنافس، ونقول عن كل نص عموماً ما يقوله م. ج. كواتيت بصدد الحكاية: "الحكاية إذن هي أكثر من القصة- الهيكل حقاً، والتي يراد غالباً تحويلها إليها بواسطة الترجمة.". إنها ذريعة لتعلُّم أشياء جديدة (...) ولا ينبغي لترجمة معينة أن تكون موجودة "لتساعد الأطفال"، و"لتهضم" لهم كل شيء، بل، على العكس من ذلك، لتولّد عندهم الميل لتعلُّم شيء آخر، واكتشاف ثقافة أخرى. (كواتيت 95، ص: 185).
ثمة رهان آخر للترجمة، هو أن نعلم ماذا ينبغي لها أن تصنع بالضمني عند الآخر؛ فمن تحصيل الحاصل أن نقول إنه قبل الانطلاق إلى الترجمة، يطّلع المترجم لكي يظهر كل الضمني أو جزءاً منه، والذي يحيط بالنص بالضرورة، لكي يعطي الذات المفاتيح الثقافية التي ليست تحت تصرفها بعد. وهذا اختلاف جسيم بين فعل الكتابة وفعل الترجمة. وهذا الجلاء ضروري خصوصاً وأن الثقافات الحاضرة تعرف قطاعات واسعة من اللاشفافية؛ فهناك ترجمة- كشف تبين بصورة تامة هذا الجدل بين متطلبات النص، ومسألة الضمني. وهذا هو الجدل الذي نجده في "الكلام الرنان" (كلاستر، 1974)، فنحن هنا في حالة قصور؛ وبما أن الأمر يتعلق بترجمة الأساطير والأناشيد المقدسة لهنود الغواراني؛ فنحن نواجه عملاً متعلقاً بعلم السلالات، ولسوف يكون نموذجياً جداً بالتحديد؛ وإننا نقدم كمثال القسم الأول من أقسام أسطورة خلق الأرض الأولى، الستة، ويتلوه التفسير الذي يرافقه:
-1-
الأبُ الحقيقيُّ الأول نوماندو
يعرفُ مسبقاً مقرّه الأرضي المقبل
ومن معرفة الأشياء الإلهية
المعرفة التي تبسّط الأشياء
يجعلُ الأرضَ تنبسط
برأس عصاه- الشارة
فالنخلة الزرقاءُ تجعلها تنبثق
من مركز الأرض المقبل
ونخلةٌ أخرى أيضاً في مقرّ كاري
ونخلةٌ زرقاء في مقرّ توبان

وفي المكان الذي تولدُ فيه الرياحُ المؤاتيةُ
يجعل نخلةً زرقاء تنبثق
وفي المكان الذي يولد فيه الزمنُ الأصلي
يجعلُ نخلةً زرقاء تنبثق
وبعدد أصابع اليد الواحدة
يجعل النخلات الزرق تنبثق
وللنخلات الزرقاء
يُحتجز سريرُ الأرض
-1-
خمسُ نخلات تسندُ الأرض، إحداها تشغل المركز، والأخريات تكون موجودة في الجهات الأربع الأصلية: كاري = الشرق. توبان = الغرب. الرياح المؤاتية = الشمال. الزمن الأصلي = الجنوب. إن الأمر يدور على النخلات البيندو التي يمكن تسلُّقُها، لأن جذعها لا أشواك فيه. إن البيندق يرتدي أهمية اقتصادية خاصة، بالنسبة للهنود؛ ففي الغابة يجري قطع أقواس، وتغطي أوراق النخيل المنازل، ومن الألياف تصنع أوتار الأقواس؛ ويكتمل البرعم النهائي للأشجار الفتية. إن هذه النخلات زرقاء ovy فيقال أزرق عن كل الأشياء، وكل الكائنات غير الفانية التي تقطن المجال السماوي لما هو إلهي (مثلاً: الفهد الأزرق الذي يستدعي خسوف القمر، وكسوف الشمس، محاولاً التهامهما) (الموضع السابق 32-33).
إن هذه الترجمة قصيدة رائعة، وتترك لدينا قراءتها طعم السر الغريب الذي يومض فيه اختلاف الأجنبي. وهذا هو الاختلاف الذي يريد ب. كلاستر أن يضعه أمام ناظرينا. أن نترجم معناه بالتأكيد، أن نحاول أن نمرر إلى عالم ثقافي ولغوي محدد حرفية وروح النصوص الصادرة عن نظام ثقافي مختلف، والتي هي نتاج تفكير خاص، وهو تفكير يجمله المؤلف على النحو التالي: "إن ترجمة الغوراني هو ترجمته "بلغة الغوراني" ولا يفوت الترجمة أن تترك إحساساً غريباً أمام معنى لا يريد أن يسلس قياده. وينبثق حينذاك قلق معين، كما لو أن المرء قد ألقى نفسه بمواجهة فراغ معين. وهذا الفراغ هو الضمني. وب. كلاستر يسلمنا بعض المفاتيح لتفسير يضعه قبالة ترجمته؛ فالترجمة والتفسير يدخلان حينذاك في علاقة تناص فيما بينهما، ويكمل أحدهما الآخر، وفي علاقتهما الجدلية، إنما يتبدى لي الآخر في جذريته. وهو الذي، من خلال إظهار وجهه لي، يبرز بصورة نسبية حدود وجهي، ويعيد رسمها بصورة معاكسة. إن إعادة التشكيل هذه تشكل في الحقيقة جزءاً من الابتعاد عن المركز أيضاً. وتتطور حالة التفسير حسب تاريخية العلاقات الثقافية، فبقدر ما تكون هذه العلاقات وثيقة بقدر ما يكون هذا التفسير ضرورياً على نحو أقل. ونتيجة لذلك، نرى هنا كيف أن عالم السلالات يكمل المترجم. ولكن، أليس المترجم دوماً عالم سلالات بعض الشيء، حين يضع نفسه في ممارسة الانفتاح؟
إن ممارسة عمل الترجمة، ولا ينبغي أن ننسى ذلك، تتحق في البينصوصية، وبما أنها عملية على اللغة، وفي اللغة، فهي مطبوعة بالحوارية، وينبغي الإلحاح على واقعة مفادها أن اللغة تصمت بقدر ما تقول، إن لم يكن أكثر. "لا يمكنها أن تقول كل شيء، من وجهة نظر معينة، لمبررات اقتصادية لديها. وإذا ما كانت مطنبة، فغالباً ما يحدث لها أن تتحاشى الإطناب، وأن تدفع إلى الصمت، من خلال الضمني. ولا بد في النتيجة من أن نتخطى هذه الفكرة الشديدة الانتشار، والتي تأتينا من تصور ضيق للبنيوية، هو أن المنطوقة لا تتكون إلا من المقول. والحال، إن كل منطوقة هي في علاقة مع نص، أو نصوص أخرى. ومن هنا يأتي الالتباس، وعدم اكتمال اللغة"، والمرجعية إلى النصوص الأخرى، إنما هي التي تتيح نجاح التواصل. وهذا ما يقوله أيضاً ك. هاجيج: "في الحوار، كما في الأعمال الأدبية، إن التناص هو الذي يظهر المعاني المخبوءة، مرسلاً الجمل بعضها إلى البعض الآخر، مقدماً في نقطة معينة ما "يرفع" ألوان الغموض في إيجاز يقع زمناً طويلاً في موضع سابق أو لاحق (هاجيج 1985، ص: 253). إن قدرة المستمع أو القارئ على فك رموز الضمني متناسبة مع خبرته بالتناص، في ثقافته الخاصة، ويجد نفسه باستمرار مضطراً إلى أن يوضح الضمني، فتكون لديه الكفاءة لذلك أو لا يكون. وفي هذه الحالة الأخيرة، يكمنه أن يلجأ إلى الإيضاح بالذهاب إلى النصوص- الحلقات الناقصة.
في الترجمة، كما رأينا، يجد متلقي النص المترجم نفسه في وضع تندر فيه التبادلات، أي في موضع يندر فيه التناص. وهذا هو السبب في أن الترجمة "لا يمكن أن تواجه إلا من خلال هذه العلاقة البينصوصية"، والمترجم هو الذي يتعين عليه أن يقوم الموقف في اللحظة التي يترجم فيها. ومن جهة أخرى "فعليه أن يصنع حالة التناص"، أي ينبغي له أن يعرف المفاتيح التي تمتلكها ثقافته الخاصة لكي يصل إلى نص الآخر، وهذا معناه أن تكون لديه فكرة دقيقة إلى حد كاف عن حالة التبادلات ما بين الثقافية بين الجماعتين. وبعد أن يتم ذلك "يتعين عليه أن يقرر، وأن يحدد مستوى الإكمال في ترجمته.". إن هذا المستوى، ولسوف نفهم ذلك بسهولة، متبدل، ومن الهام في "الكلام الطليق"، لأن علاقاتنا بهذا النص هي في الحالة الجنينية. وفي حالات أخرى، يمكن أن يخفض هذا المستوى تخفيضاً فريداً، وحتى أن يصبح لاغياً. ولا يتعلق الأمر هنا بمبدأ جامد ومتحجر، لأن العلاقات ما بين الثقافات لا ينبغي أخذها بالاعتبار في جمودها، بل على العكس، في حركتها، وبكلمات أخرى، في قدرتها على التغيير.
وهكذا، فإذا لم نستخدم ملاحظة أسفل الصفحة (أو في موضع آخر) استخداماً غير معتدل، فهي لا تعتبر في رأينا إخفاقاً للمترجم. بل تقع في نطاق الإكمال. إنها تظهر الضمني والمجهول لدى الآخر. إن علاقة الملاحظة بالنص ليست ذاتها، في فعل الكتابة، وفي فعل الترجمة؛ ففي فعل الترجمة، يتمثل دورها في الإعلام عن ثقافة الأجنبي. وينبغي لها أن تقتصر على هذا، وإذا ما مضت إلى أبعد من ذلك؛ فلسوف تتخطى الترجمة، وتغدو تفسيراً. فالملاحظة ليست، والحالة هذه، وكما يجري فهمها أحياناً ما يعيب المترجم" (انظر مقدمة د. أوري عند جورج مونان، 1963- ص: 7-12) إنها تستجيب لعدم اكتمال اللغة، وعدم كفاية التبادلات الثقافية، وليس هناك ما يؤسف عليه في الأمر، لأن ذلك هو طابع اللغة. ومع هذا؛ فاللجوء إلى الملاحظة ليس غاية بذاته (ولا يدخل في حديثنا أن ينشغل هنا بهذا النموذج الخاص جداً من الترجمة، والمحدد للاختصاصيين، وهو الترجمة التفسيرية، حيث يتخطى التفسير الترجمة ذاتها، من حيث الحجم)، وعلى المترجم ذاته أن يعرف كيف يستخدمها باقتصاد، حين يرى ذلك ضرورياً، وحسب نموذج النص: فإغراق قصيدة معينة أو رواية بالملاحظات يفسد القراءة"، لأنه يحطم الإيقاع، فلا ينبغي، في الواقع، للملاحظة التي تنتصب أمام القارئ أن تحجب النص. ومن جهة أخرى، فإذا تعين على المترجم أن يعلن جزءاً من الضمني لدى الآخر، فلا يعني هذا أنه يتعين عليه أن يحل محل خبرة التبادلات ما بين الثقافات، وبكلمات أخرى، فلا شيء يدعو إلى الأسف أن تكون أليس الصغيرة لـ. ل. كارول، والتي تتذوق شيئاً من قارورة موضوعة على المائدة، أن تكون قد شعرت بإحساس ذوقي لا يمكن أن يكون ذاته، في الفرنسية، وفي الانكليزية. إذا علمنا أن المواد التي تكوّن المزيج تنتمي حصراً إلى الثقافة البريطانية( ).
ولذلك ليست المسألة في أن يجري استبدال مواد فرنسية بمواد القارورة، بل في تقديم المواد البريطانية بالضبط. والقراء الذين لم يعرفوا بعد هذا اللقاء الثقافي، يمكن أن يتبينوا الاختلاف، وجهلهم في هذا المجال معاً، ومرة أخرى أيضاً، فعلى المترجم أن يعرف متى يتعين عليه أن يجلب معلومات عن الضمني الثقافي، وذلك بأن يضع نفسه في علاقة بينصوصية. وإذا ما كان هذا "الإحساس الذوقي" وليس الحال هكذا في قصة اليس نظراً لذلك، إذا ما كان يشكل جزءاً من نظام النص على مستوى الدلالة، وكان يلعب دوراً هاماً بالنسبة للمعنى، فينبغي حينذاك تسليم المفتاح، وإلا فإن المترجم سيكتفي بإظهار الاختلاف آملاً أن يثير الفضول، ويحرك الرغبة في التجربة.
غير أن الإكمال يمر بطرق أخرى نؤثرها على الملاحظة، بمعنى أنها لا تتداخل مباشرة في عملية القراءة فهناك المعجم الذي يرافق النص المترجم، ويستخدم نيابة عن المفردات المستعارة؛ فالمدخل، والمقدمة والملحق التي تضطلع بدور مضاعف، تفيد بالطبع في أن تضع النص المترجم مجدداً في التناص، وفي أن تقدم الملعومات المفتاحية للدخول إلى العمل، ولكنها تضطلع أيضاً، في إطار المناقبية بدور يتمثل في إظهار موقف المترجم بمواجهة ترجمته، أي، في واقع الأمر، بمواجهة "علومية" عصره؛ فاعتباراً من اللحظة التي كان فيها حياً مفهوم الترجمة باعتبارها بديلاً، لم يعد بمقدور المترجم أن يهرب إلى الامحّاء؛ بل ينبغي له أن يحدد موضع ممارسته، ولا بد، في النتيجة، من الانتهاء من ذلك الخداع الهائل الذي يفترض بالقراء فيه أن يلحظوا حدود المؤلف الواضحة، أي حدود العمل، من خلال مترجم، ربما يكون "شفافاً" وشفافاً إلى حد كبير بحيث يعتبر دوره كمية مهملة. بالمقابل، يجري إظهار الترجمة باعتبارها علاقة؛ فنحدد موضع هذه العلاقة، ونحدد الرهانات بدقة. وهذه الرهانات تختلط برهانات الابتعاد عن المركز.
وبالنسبة إلينا، في الواقع، ونحن نستعير هنا استنتاج م. دوغي بصدد عمل كلاستر، "ليس الأمر إعادة اعتبار للنص الآخر (نص الهنود)، بل هو توجس عميق لحقل وجودي آخر (دوغي 1980- ص: التشديد للمؤلف).
غير أن النص المترجم ليس في علاقة حوارية مع النصوص التي تحيط به مباشرة فحسب، بل هو أيضاً في علاقة مع النصوص الخارجة عنه، فهناك أولاً الكتابات الأخرى للمؤلف ذاته، ثم نصوص الكتّاب الآخرين، على المستويات المتزامنة والمتعاقبة. وهناك أيضاً جملة المقالات، والسير والتفسيرات والنقد التي نشرت عن المؤلف والموضوع. وينبغي أن نضيف أيضاً كل ما يمر بالأقنية السمعية- البصرية، والراديو، والتلفزيون، والسينما. إن لوسائل الإعلام المرئية دوراً أولياً تلعبه (وهو، في رأينا، ليس حال الوضع الراهن، على نحو كاف،
(Arte, France Culture) باستثناء فرنس- كولتور وآرته منذ بعض الوقت). إن الترجمة تندرج في هذا التناص، ولا تمثل سوى حالة خاصة من توجس الثقافات الأخرى، ويترتب على ذلك أنه بقدر ما تكون المعلومات التي تنشرها قناة القناص أكثر غزارة، بقدر ما يتناقص إسهام الضمني لدى الآخر، في الترجمات، على نحو أكبر.
وبالتناسب مع التقويم الصحيح للتناص، إنما يقرر المترجم درجة الإفصاح عنه، آخذاً بحسبانه التطورات التي هي مستمرة. وليس المقصود هنا أن يؤخذ على الترجمة طابع عدم الاكتمال فيها، بل أن توضع حقاً في مكانها، ضمن السلسلة التناصية: "فالتفسير والنقد والترجمة هي مصائر "الأعمال"، كما يقول بيرمان الذي يحلل العلاقة بين النقد والتفسير والترجمة لدى ف. بينجامان وم. بلانشو. فبعد أن قام المؤلف بمعاينة العلاقة بين التفسير والترجمة، يستخرج الاستنتاج التالي: "نحن نعلم أن المتعذر ترجمته ليس مفهوماً مطلقاً، بل هو ببساطة ما لم يكن بمقدور مترجم ما ولغته أن يترجماه بعد في الحال. إن زمنية فعل الترجمة زمنية منتهية فلا نترجم قط إلا في اللحظة المناسبة Rechtzeitig، وفي نهائية فعل الترجمة، إنما يأتي التفسير ليجد مقراً له، مظهراً القدرة الأساسية التي تمتلكها لغته لإيضاح ما ليس بالإمكان ترجمته بعد، وهو الإيضاح الذي يهيئ "الترجمة المقبلة"، وليس هذا هو السبيل الوحيد الباقي، بل هو بنية علاقة متبادلة، والتفسير، باعتباره شاهداً على نهائية الترجمة يعتبر، بالنسبة إليها، "وجهها الآخر" والصورة الخطابية لاكتمالها (الموضع السابق، ص: 106).
اعتادت التجريبية والتقليد أن يربطا الترجمة ربطاً راسخاً بما تتعذر ترجمته، وبالخيانة، نتيجة لذلك، إذ إن الترجمة قد تفشل في مهمتها. إن الاجترار الدائم لمقولة المترجم- الخائن يدع الشعور بالعجز والذنب يحوم. ويجهد هذا التصور القديم للترجمة ليجعل اللغات تتوافق بعضها مع البعض الآخر، من غير أن تصل إلى ذلك بالطبع. وأمام الإخفاق الذي يقود إليه مشروع كهذا حتماً، فإن جوقة النواح هي التي تسمع. إن التجريبية لا ترى أن التفكير في الترجمة يشكل جزءاً من تفكير أوسع، وهو التفكير في اللغة والأدب (بمعنى جملة النصوص المنتجة، مرة أخرى)؛ فضمن ذلك الإطار إنما ينبغي للترجمة أن يجري تصورها أولياً، وليس باعتبارها عملية معزولة تدور على اللغة حصراً. والتقليد الذي تغشى بصره هذه العملية لا يعير الخطاب انتباهاً ولا يمكنه أن يلحظ النص، ولا التناص. والحال، فإن التناص فعلاً، كما يوحي بيرمان، هو الذي يجعل إنجاز الترجمة ممكناً. وثمة مقالة لـ ج. أ. غولد شميت، مكرسة تحديداً للخيانة، ومنشورة في عدد خاص لمجلة الجنس البشري( )، تتناول بالتحليل ما يعتبره البعض عجزاً في الترجمة. وتعالج المقالة الميدان الفرنسي- الألماني، وذلك لأن الفلسفي بالألمانية صادر من جهة، عن صفوف راديكاليي اللغة ذاتها والذين يمكن تعرفهم فوراً، وصادر من الناحية الأخرى عن المفردات الإغريقية- اللاتينية؛ فالترجمة، بناء على هذا غير قادرة على أن تظهر إمكانية الوصول المباشر إلى نصوص فيخته
(Der GruNdsatz) أو هيغل، ومن جهة أخرى، لا تبرز المفردات الأجنبية الأصل.( ) Subject, object, prinzip, reflexion (غولد شميت 1989، ص: 362).
إن عقدة المشكلة ليست، مرة أخرى أيضاً، على مستوى اللغة، بل على مستوى تاريخية الضمني الثقافي الألماني، وتعميق الثقافة الأجنبية، إنما هو الذي يجعل الترجمة أيسر. وهذا ما يقر به، من جهة أخرى غولد شميت، حين يتكلم على أعمال العالم بالألمانيات الهامة ب. بيرتو: "لئن كان ب. بيرتو، الذي رحل الآن، قد ترجم القليل، ولئن كتب الأساسي من أعماله بالألمانية، فإن إسهامه في صحة الترجمة لم يكن أقل، حين حاول أن يرد ما هو ألماني إلى حقيقته الإنسانية". وفي هذه النقطة يجد المرء نفسه أمام حقيقة الإنسان. وهذا أمر حكيم. لأنه كيف يمكن للمرء أن يتصور للحظة واحدة أن الذات يمكنها بواسطة الترجمة والتفسير أن تسلك مجدداً كل الطريق التاريخية والثقافية التي سلكها الآخر؟ ولو حدث ذلك، فإن الطريقتين اللتين تقطعهما كائنات مختلفة، وفي أوقات مختلفة، لن تكونا متطابقتين بعد.
إن مقالة غولد شميت تثير مسألة أخرى لا يمكن إغفالها؛ فالأمر يتعلق بعدم الفهم، أو التشوش اللذين يمكن أن يتوالدا بين الثقافات، على إثر ترجمات غير مرضية. وهذه الحقيقة تخفي في واقع الأمر جانباً آخر من جوانب الترجمة هو "تماسكها"؛ فهذا التماسك يندرج أيضاً في البينصوصية وذلك حين يحسب منذ البداية حساب الحوار الموجود بين مختلف نصوص الكاتب ذاته، وهذا ما تصنعه ك. كيرون (المترجمة الوحيدة لذلك الكاتب البرتغالي الكبير ميغيل تورغا، والذي تكتشفه ثقافتنا الآن فقط)، حين تتكلم على إقامة علاقة فيما بين النصوص، أي إنشاء علاقة بين نصوص أصلية، وإقامة علاقة بين نصوص مترجمة؛ فمترجم واحد، أو فريق من المترجمين هو الحل الأمثل في الواقع للحرص على التماسك، وعلى حقيقة العمل، بناء على ذلك، وللحرص، بالنتيجة على تماسك ثقافة الآخر وحقيقتها.
إن العلومية بكاملها هي معنية بهذه الصفة من صفات الترجمة، وهي الصفة التي لم يجر التأكيد عليها، على نحو كافٍ عموماً، لأن التماسك موجود بكل بساطة في قلب العلاقات مع الغير؛ فبهذا التماسك ترتبط علاقاتنا مع الثقافات الأخرى، وترجمات فرويد الجديدة مثال على ذلك؛ فقد ولدت متصفة تماماً بقدر زائد من التماسك الذي جعله ضرورياً إخفاق الترجمات الموجودة على هذا الصعيد. إن الترجمات التي صدرت في سنوات الثلاثينيات قد ولدت متصفة بأكبر تشوش ممكن، ومن غير صلاتٍ بين مختلف الناشرين والمترجمين. وكانت تشكل خلفيتها الخصومات العديدة التي دارت بين كل أولئك الذين يهتمون بفرويد؛ كالمحللين النفسانيين، والمختصين بما هو ألماني، والمهتمين بالأدب، والألسنيين الخ. إلى درجة أصبح لا يتوفر في فرنسا فيها، خلال سنوات الستينيات، أي تسلسل تاريخي للعمل، وأية طبعة نقدية، وبطبيعة الحال، أي توحيد للمصطلحات. ولا بد من انتظار عام 1967 في هذا المجال الأخير لكي تصدر في طبعات P. U. F. مفردات التحليل النفسي (ج. لابلانش، وج. ب. بونتاليس. وأخيراً، فإن طبعات P. U. F. التي ساعدتها C. N. L. (المركز الوطني للآداب)، وإدارة الكتاب هي التي ستنجز هذا المشروع الواسع. (انظر: بورغينيون 1989، محاضر الجلسات الخامسة للترجمة الأدبية 1989)، وهذا ما يجعل الصحافي ب. لوباب يقول: "إن البناء الفرويدي بجملته (كما كان يعرفه الفرنسيون) هو الذي يُقيَّض له حقاً أن يكون مطروحاً بكامله مجدداً على أسس علمية متماسكة".
وكذلك ما يلي: "إن صفحة جديدة فعلاً من حداثتنا الثقافية قد انفتحت منذ قليل"( ).
إن هذه الترجمات الجديدة تضعنا في علاقة جديدة مع مؤلفات فرويد. وفي الوقت نفسه، مع ثقافة الآخر التي نكتشف حقيقتها. أما أن تكون قد تأخرت كثيراً، فذلك يدل على الغياب القاسي لنقد النص المترجم غير الموجود تقريباً: "الذي ليس له مكان دوري، ويمكن تعرفه باعتباره كذلك، لكي يعبر عن نفسه (في الصحف والمجلات)، ومع ذلك، فالنقد أيضاً في علاقة حوارية مع الترجمة، ولا ينبغي أن نرى فيه الجانب السلبي لعمله المزعزع للاستقرار، والهدام، إن أمكن القول، بل ينبغي أن نرى فيه، على العكس الجانب الإيجابي، لأن دوره هو في أن يبشر بوصول ترجمة المستقبل وأن يسهّلها.




ليست هناك تعليقات: