الهوية الشخصية

أولاد دراج, المسيلة, Algeria
أستاذ بجامعة محمد بوضياف حاصل على الماجستير في اللسانيات والدراسات المعجمية العربية من المدرسة العليا للإساتذة *ببوزريعة البريد الإلكتروني:sghilous@yahoo.fr

الصفحات

الأحد، أبريل 19، 2009

النظرية التوليدية التحويلية لتشومسكي

النظرية التوليدية التحويلية :

الأستاذ : صالح غيلوس
تقديم :
ظهرت هذه النظرية إلى الوجود في أمريكا على يد اللساني نعوم تشو مسكي Noom Chomsky، الذي حافظ على نهج سابقيه في بادئ الأمر أمثال : بلومفيلد
وسابير ومارتني ، فألف كتابه الأول الموسوم : ( البني التركيبية Structures syntaxiques) عام 1957 وفي كتابه طور ( أوجه النظرية التركيبية Aspects de théorie syntaxique ، برز نضجه اللساني ، فأنهال نقدا على النظرية السلوكية وروادها (سكينر وبلومفيلد ) ، وأعتبرها غير صالحة في الأساس ، فهي تهتم بالسلوك فقط دون مراعاة العقل .
لقد استطاعت النظرية التوليدية التحويلية في وقت قصير أن تفرض نفسها كبديل ناجع للنظريات اللسانية السابقة ، بتمجيدها للقدرات العقلية واعتمادها على المنهج العقلي. الذي يبحث في القدرة الكامنة وراء الفعل اللساني وكيفية إنتاج الجمل وتحويلها ،وفي هذا الشأن دعا تشو مسكي اللسانيين إلى تبني الأسلوب التحليلي للغة ، باعتباره شرح وتعليل للعمليات الذهنية التي من خلالها يمكن للإنسان أن يتكلم بجمل جديدة
إن جديد تشو مسكي للنظرية اللغوية هو الوضوح و الدقة المتناهيان، حيث استعملهما في القواعد التي جاء بها والتي أصبحت تدعى القواعد التوليدية التحويلية . التي بوساطتها يتم ربط المعنى مباشرة بالبنية النحوية، والتي لاغنى عنها باعتبارها خطوة متوسطة للتركيب والمعنى وتسهم بقدر كبير في حل المشاكل المتعلقة " بالمعنى لغموض بعض العبارات مع المعاني المختلفة لجملتين تركيبهما الخارجي واحد " .1 .
افترض تشومسكي بنية عميقة تفسر داخل جزء من الجملة والذي يتعلق بالمعنى وهذه دراسات تتم مباشرة دون وسيط . وقد أكد تشو مسكي أن هدف الوصف اللغوي التوجه نحو بناء نظرية لسانية قادرة على معرفة الكم الهائل الذي ينتجه المتكلم باللغة في لغته فمثل هذه النظرية يمكن" أن تشرح ما هي متتابعات الكلمات التي تشكل جملاً وما هي تلك المتتابعات التي لا تشكل جملاً ".2 ، كما توفر وصفاً للبنية النحوية لكل جملة لذا أُطلق على هذه النظرية في ما بعد بما يسمى (النحو التوليدي ) ؛ لأنها اتجهت إلى تعيين هدف علم اللغة .
وما يمكن قوله أن تشو مسكي قد قاد ثورة فعلية نجم عنها بروز نموذج جديد للتفكير في اللغة. الذي أفرز مجموعة من الإشكالات يجب أن يعتني بها اللساني وضمنها الاهتمام بالجهاز الذهني للمتكلمين .
1- تعريف التوليدية : " تولد : إنتاج وتقابل من ناحية الاصطلاح التحويلية ، وهو يعني التنبؤ بما يمكن أن يكون جملا في اللغة إذا فالنحو يجب أن يولد – ويحدد – ويتنبأ – بالجمل . 3 ؛ أي وضع القواعد القادرة على معرفة توليد الجمل من عدد متناه إلى عدد لامتناه .
2- التحويلية : وتعني التبديل والتغيير ، ليس له تعريف لساني مضبوط فهاريس يعتبر التحويل ، اشتقاق جملة من جملة منفصلة عنها تماما ، أما تشومسكي يشترط الجانب الذهني للمقولات النحوية .
3- طريقة وصف اللغة عند تشومسكي :
3-1- الطريقة الأولى : تُعنَى بجمع أمثلة من اللغة ثم وصفها و فهمها و استنتاج قواعدها بدون النظر إلى خواص العقل البشري ، ويرى تشومسكي أن القواعد مجموعة من العبارات التي تصف لنا اللغة بصورة خارجية.
3-2 - الطريقة الثانيــة : تركز القواعد الداخلية على ما يعرفه المتكلم وعلى مصدر معلوماته وكيف يختزن العقل هذه المعلومات؛ أي أنها تنظر إلى اللغة بصفتها خواص داخلية للعقل البشر ، ويتضح من خلال آرائه أنه يفضل الطريقة الثانية في نظريته ، لكونه شغوفا بالعقل الإنساني وقدراته.
ويبدو أن جذور هذه النظرة الثنائية إلى اللغة . قد ظهرت لديه عندما أراد التفريق بين الكفاءة اللغوية compétence والأداء performance .
4 المهارات الإنتاجية والإبداعية عند تشومسكي :
4-1- الكفـاءة compétence : منظومة القوا عد المختزنة في عقل الفرد و التي تحدد " البنية العميقة للغة تصدر عنها الجمل التي تظهر( البنية السطحية ) ، في حين أن النظرية اللغوية تحاول الكشف عن الحقيقة اللغوية الكامنة خلف الاستخدام اللغوي " 4, بمعنى أكثر وضوحا أنها المعرفة الضمنية بقواعد اللغة والتي بوساطتها ينتج ويبتكر ويبدع جملا لم يسمع بها من قبل ، وهي لسيت تكرارا أو تقليدا ، ومن خلال هذه القواعد يتمكن المتكلم المستمع المثالي من معرفة وبتلقائية وعفوية الجمل التي تنتمي إلى لغته . الصحيحة منها أو الخاطئة وإن كان لا يملك تفسيرا محددا لذلك .
الكفاية اللغوية إذا هي مجموعة من القواعد المتحكمة في السلوكات اللغوية. ليست قابلة للملاحظة، ولا هي في متناول وعي الذات المتكلمة، و الدليل على وجودها القدرة على تعلم اللغة والقدرة على إنتاج عدد لا نهائي من الجمل المنطوقة الجديدة .
4-2- الأداء Performance : هو الاستعمال الفعلي للغة في سياق معين.بمعناه هو التجسيد المادي لنظام اللغة في إحداث الكلام ، فيكون" خروج الكفاية اللغوية من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل . أو هو عبارة عن الجمل التي ينجزها المتكلم في سياقات التواصل " 5 . وبناء على ما ذكر فإن قواعد الكفاءة تفسر اللغة داخليا (عقليا) بينما الأداء يتجسم في فردية الشخص ويتغير بحسب الحال والسياق وغايات المتكلمين وعوامل أخرى.
يعطي تشو مسكي للكفاية بعدا جديدا. إذ يعتبرها ملكة " الانسجام والتلاؤم ، لأنها تسمح بأن تصير الكلمات منسجمة ومتلائمة حسب كل وضعية. حيث نميز بين المهارتين . فنقول أن الأداء " ملاحظ ولا يخلو عادة من بعض الانحرافات عن قوانين اللغة. لذلك لا يعكس الكفاءة اللغوية مباشرة ولا بشكل تام ... بل هو الانعكاس الحاصل في عملية التكلم للكفاية اللغوية ". 6
4-3- الإبداعية : قدرة المتكلم على الإنتاج اللامتناه من الجمل انطلاقا من القواعد الثابثة في الصندوق الأسود بعقله ، الذي يحتوي على العناصر الدقيقة المتحكمة في هذه القواعد. وبفضل الطاقة الترددية لهذه القواعد بإعتبار اللغة خلاقة بطبيعها ، ويتجلى الإبداع في التأدية وتغيير النظام بحسب السياق .7
4-4- السلامة النحوية : يتم من خلال القواعد السالفة الذكر التميز بين الجمل الصحيحة والجمل المنحرفة ، أي الخروج على نظام اللغة الثابث .
4-5- الحدس : بفضله يتم التمييز بين الجمل ؛ أي هو التنبؤ بسلامة اللغة بفضل القواعد الضمنية التي تتواجد بعقل الإنسان.
4-6- ظاهرة الغموض : ظاهرة تلازم بناء الجمل الذي ينتج معنيين يؤدي إلى الغموض ، لذا وجب البحث عن البنية الأصلية للتركيب النحوي .
أ- البنية السطحية : إن بناء الجمل في اللغة يتمظر في الشكل الخارجي والمتمثل في الشكل الصوتي ( الأصوات والرموز ) والتركيبي للجملة ( البناء النحوي ) .
- سرق اللصوص البيت .
- البيت سرق من طرف اللصوص .
ب – البنية العميقة : البنية التجريدية ؛ بمعنى التفسير الدلالي الموجود في الذهن ، ترتبط ارتباطا وثيقا بالبنية السطحية ، وبفضلها يتم تحديد المعنى المقصود .
وفي الأخير سعى تشو مسكي من خلال نظريته إلى تعليل العمليات الذهنية التي بوساطتها يمكن للفرد أن يتكلم بجمل لم يسبق له أن استعملها، والغاية من منهجه هو استكشاف الكفاية التي يمتلكها ( المتكلم / المستمع) والسعي من أجل تعليل الآلية الكامنة وراء بناء الجمل .
وعلى هذا الأساس نشير إلى هذه النظرية تقوم على ركنيين هامين هما :
إنسانية اللغة وعلمية الدراسة. باعتبار أن اللغة ينتجها العقل البشري ولها قواعد قائمة بشكل أو بآخر في عقله، كتنظيم والذهن يستعمل عمليات معقدة لأجل إنتاج جمل الغرض منها التواصل والتفاهم والتعبير عن الأغراض الحياتية للفرد .
وأن " ملكة الخلق والإبداع موجودة لدى من يتكلم أي لغة بغض النظر عن جنسيته ، إذ يكفي أن يترعرع الفرد في بيئة تتكلم اللغة التي سوف يكتسبها " 8، ومهما كان الشخص كبيرا أو راشدا أو طفلا فإنه يبدأ بتعلم اللغة عن وعي وإدراك حيث يستوعب القواعد المختلفة التي تقوم عليها لغته. وبإمكانه تركيب ما شاء من الجمل بحسب الظرف والمقام دون أن يكون قد سمع بذلك من قبل .

المذهب المعرفي الذي تبنى النظرية اللغوية لتشومسكي لتعليم اللغات أهتم كثيرا " بالفروق الفردية لدى المتعلمين، وبخاصة في المهارات الأربع؛ لأن كل إنسان لديه قدرة خاصة في تعلم مهارات معينة دون غيرها؛ ... فهي تمنح المتعلم فرصة المشاركة من خلال إدارة الحوارات والأنشطة اللغوية؛ مما يساعد على بناء الكفاءة اللغوية" .9
بالإضافة إلى ذلك فإن المذهب المعرفي يهتم اهتماماً كبيراً بالكفاءة اللغوية؛ حيث يقضي المتعلمين معظم وقت الدرس " في التدرب على القواعد والكلمات الجديدة، واستعمالاتها في سياقات ومحادثات، وأنشطة يغلب عليها الابتكار والإبداع لا التقليد والتكرار، وبخاصة في نهاية البرنامج ... والتأكيد على التعلم الواعي من خلال الفهم الكامل لما يُقَّدم في الفصل". 10
يمتاز هذا المذهب بالمرونة وعدم التقيد بنهج معين في تعليم اللغة " بل يستثمر كل أسلوب أو وسيلة ناجحة لتوصيل معلومة أو فهم قاعدة؛ فقد يرى المعلم أن استنباط المعنى أو القاعدة هو الأسلوب الناجح في التعامل مع نوعية من المتعلمين في ظروف معينة، وقد يرى أن أسلوب الاستقراء أفضل مع نوعية أخرى من المتعلمين في ظروف مختلفة، وقد يجمع بين الأسلوبين إذا دعت الضرورة " . 11
5- نقد النظرية :
نجد أن هذا المذهب قد انتقد بشدة من طرف الاتجاه الاتصالي الذي صب نقده على تشومسكي.و بالأخص إلى ما سماه ( الكفاءة اللغوية ) ، حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الكفاءة اللغوية الني نادى بها تشومسكي. ماهي إلا كفاءة نحوية تقتصر على معرفة قواعد الجملة .
اعتبروا أن الغاية من اللغة هي التواصل بين أفراد المجمتع من أجل قضاء حوائجهم وأغراضهم ، وأن نظرية تشومسكي قاصرة على أداء هذه الوظيفة التي تأسس من أجلها مذهب بكامله والموسوم بالمذهب الاتصالي . الذي نادى بـ:
الكفاءة الاتصالية Communication Competence، والتي تتمظهر في معرفة المتكلم أصول الكلام وأغراضه وأهدافه والمقدرة على تحويل الكلام بحسب المقام والسياق ، وتعني كذلك المعرفة بقواعد اللغة وقوانينها النحوية والصرفية والصوتية، مع القدرة على استعمالها بطريقة صحيحة لغويا مقبولة اجتماعياً ". 12
ينطلق هذا المذهب من مفهوم وظيفة اللغة الحقيقية هي التواصل وتعلم اللغة هو لتطوير الكفاءة الاتصالية وقد أوجزها هاليداي في سبع وظائف هي:
الوظيفة الأدائية، والتنظيمية، والتفاعلية، والشخصية، والاستكشافية، والتخيلية، والتمثيلية. بينما الكفاءة اللغوية هي جزء لابد منه للكفاءة الاتصالية.

يوم : 19/04/2009
الهوامش :
عبد القادر الفاسي الفهري : اللسانيات واللغة العربية ، دار توبقال ، المغرب ، 1985، (ط1) ، ص 23
أحمد حساني : مباحث في اللسانيات ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، (دط) ، (دت) ، ص 119
عبد الرحمان ممدوح : من أصول التحويل في النحو العربي ، دار المعرفة الجامعية ، مصر ، 1999، ص 22
محمود فهمي حجازي : البحث اللغوي ، دار غريب ، مصر ، (دط) ، (دت) ، ص 138
نور الهدى لوشن : مباحث في علم اللغة ومناهج البحث اللغوي ، المكتبة الجامعية ، مصر ، 2000 ، (دط) ، ص 337
ميشال زكرياء : قضايا ألسنية تطبيقية ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1993 ، (ط1) ، ص 61.
عبد الراجحي : النحو العربي والدرس الحديث ، دار النهضة ، بيروت 1970، ص 14
ميشال زكريا : قضايا ألسنية تطبيقية ، المرجع السابق ،(ط1) ، ص97
طعيمة رشدي أحمد : تعليم العربية لغير الناطقين بها مناهجه، وأساليبه، ( المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو ) ، الرباط، 1990 ، (دط) ، ص 141
طعيمة رشدي أحمد : المرجع نفسه ، ص142.
العصيلي عبد العزيز :النظريات اللغوية والنفسية وتعليم اللغة العربية ، مطابع أضواء المنتدى ، الرياض ، 1420 هـ ، ص 109.
العصيلي عبد العزيز: المرجع نفسه : 357 .
رتشاردز، جاك وروجرز، ثيودور. مذاهب وطرائق في تعليم اللغات ترجمة ،عمر الصديق،ا دار عالم الكتب ، الرياض 1410، ص 16.


ليست هناك تعليقات: